المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المجتمع “الانقسامي” (المغرب العربي) نموذجًا )



علجية عيش
24/09/2010, 06:36 PM
" إن أمام العرب أربح ورقة في عالم التكتيل و المصلحة، ما جربوا أن يلعبوا بها جديًّا في يوم ما، و أنه ليعيش حولهم 08 مليونا من بني جنسهم و لغتهم، و يعيش في دنياهم 600 مليون يدينون بعقيدتهم و يتوجهون 05 مرات إلى كعبتهم، و لكنهم مع ألسف ما فطنوا أو بالأحرى ما أحسوا بأن التعارف بينهم و لو لمجرد المصلحة إنما هي عملية مقدسة تؤدي على إسعادهم و إعزازهم"، و إنه من أن يزهد العرب في إخوانهم و هم يشكلون نصف أمتهم تقريبا، و هو ما يريده الاستعمار بقطع المغرب العربي صلته بالبلاد العربية ألإسلامية و يقيم بينهما ستارا حديديا، فهو يأبى أن يتبادل عرب شمال أفريقيا مع إخوانهم العرب و المسلمين في مختلف البلاد و يحاول قطع الصلات الروحية بينهم

الشيخ الفضيل الورتلاني



تنشأ الانقسامية عندما تكون المجموعة ضد المجموعة

يعرف الإنتروبولوجيين و أصحاب النظرية السوسيولوجية المجتمع الانقسامي بالمجتمع الذي يتكون من فئات متداخلة فيما بينها، و كل نقطة من نقاط التداخل تربطها مجموعة من المبادئ و القواسم المشتركة، و يكون مجموع هذه القواسم وحدة اجتماعية (القبيلة مثلا التي تشمل على عدة عروش) و قد تحدث نزاعات و صراعات داخل القبيلة نفسها بمنعها من التحالف بسبب الأرض أو المصاهرة أو أي عامل من هذه العوامل التي تفقد هذا "التحالف" و تكون مجموعة ضد مجموعة و بهذا الانقسام تنهزم سلطتها و تفشل عزيمتها و بذلك تفقد حكمها كلما هددها خطر خارجي، و المجتمع الانقسامي ظهر مع مجيء عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم عندما قام بتحديد الجماعة القطعية la horde التي تشكل في نظره المنطلق الأول لكل أنماط الاجتماعي الإنساني، و أفكار هذا العالم الاجتماعي استمدها من كتاب هانوتو و لوتورنو حول القبائل و ألأعراف القبائلية، و هي دراسة قامت على وجود مجتمعات انقسامية مقدمة المجتمعات المغربية كمثال على وجه الخصوص.

فالظاهرة الإستعمارية عند أهل الاختصاص ظاهرة ذات أبعاد ( سياسية اقتصادية ، اجتماعية، ثقافية عسكرية علمية و دينية أيضا) و كانت الإدارة الإستعماري تبحث عن الحقل التجريبي لممارسة سلطتها الإستعمارية و ف ض هيمنتها على الشعوب المقهورة و اختبار تجاربها فوجدت في المغرب العربي مشتلة لتطبيق تجارب علمائها فأرسلت خبراءها و ضباطها العسكريين لدراسة هذا المجتمع بقبائله لمعرفة مظاهر حياته الاجتماعية ثم السيطرة عليه فكريا و ثقافيا، كما ركزت دراساتها على الزوايا و الصوفيين بدرجة ثانية لمعرفة النمط الديني السائد لهذا الطرق من خلال طقوسهم التي يمارسونها و الأساطير التي يؤمنون بها، وتمكنت السوسيولوجية الإستعمارية من تفكيك وحدة المغرب العربي أو المجتمع المغاربي من خلال سياسة فرق تسد، بحيث ركزت في سياستها على المسألة البربرية، كون البربر في بلدان المغرب العربي يشكل أغلبية السكان و يمتازون بالاستقلالية من حيث النطق ( اللغة الأمازيغية)..

و لهذا رأى الاستعمار على ضرورة المحافظة على هذه الميزة في سكان القبائل باسم نقاوة الدم ( الصراع العربي الأمازيغي) و عملت على فرنسة سكان منطقة القبائل بعدما رأت فيهم القابلية لتعلم اللغات الأجنبية و اكتساب ثقافتها، و من هنا بدأ المغرب العربي يعرف الانقسامات و بدأت صفوفه تعرف الوهن و النفور بين أفراده بسبب تفشي "العنصرية " ، و لنا في التاريخ دلائل عندما دخلت جيوش المغرب العربي في حروب دموية في الفترة التي كان يديرها الأتراك بين 1515 حتى سنة 1830 ، كان القطر الجزائر في هذه الفترة يموج بالاضطرابات و غارق في بحر منم دماء الثورات الداخلي و هجومات الإنجليز على الجزائر و بجاية عام 1668 مستغلا ثورة القبائل ضد الأتراك ليحول أسطوله نحو بجاية عام 1671 م مضرما النار في 12 مركبا كانت راسية، كما أحرق الأسطول الإنجليزي 03 مراب في ميناء الجزائر..

حصار الجزائر

لم تكن الجزائر في هذه الفترة تواجه هجومات فرنسية فحسب، بل دارت رحى الحرب بينها و بين المغاربة عند عقد الصلح بين الجزائر و فرنسا و دخول شعبان داي في اللعبة، كان ذلك في شهر جانفي من سنة 1689، و طالبت منه بأن تقطع الجزائر صلتها و علاقتها مع هولندا، ليفاجأ هذا الأخير بجيوش سلطان المغرب الأقصى مولاي إسماعيل يَغِيرُ على الحدود الجزائرية بجيش قوي عدده يفوق 14 ألف جندي من المشاة و 08 آلاف فارسا، و دارت رحى الحرب بين البلدين ، انتصر فيها الجزائريون رغم قلتهم، بقتلهم 05 آلاف من جنود المغاربة، و مكن هذا الانتصار الداي شعبان من تحويل جنوده القليلين إلى فاس التي كانت مدعمة بجيش أقوى قوامه 24 ألف جندي و 20 ألف فارسا، غير أن السلطان مولاي إسماعيل التمس عقد الصلح حتى لا يخسر ما تبقى له من جيوش و فرسان..، وكان توقيع عقد الصلح كما يقول المؤرخون المستشرقون تحت "خيمة" في مكان يتوسط بين الجيش الجزائري و الجيش المغربي، يقول المؤرخ ليون غاليبيرت leon galibert أن السلطان مولاي إسماعيل عندما وصل إلى الخيمة قبل التراب ثلاث مرات، و قال للداي شعبان : " أنت خنجرٌ و أنا لحمٌ فإن شئتَ قَطِّعْ"..

كما عاشت الجزائر أيضا اضطرابات مع تونس عندما فاجأ الباي مراد التونسي قسنطينة بهجوم غير منتظر و قام بذبح حراس الحصون و حاصر المدينة، فقام الداي بابا الحاج مصطفى أهجى عندما انتخب دايا بحشد جيش قوي من جيوش الإنكشارية و نزح بهم من الجزائر صوب الشرق القسنطيني لمحاربة الجيش التونسي الذي يقوده الباي مراد، و انتصر الجيش الإنكشاري على التوانسة، و تعرض الباي مراد التونسي إلى القتل على أيدي أهله لأنه فضل في المعركة، و لأن خطته مع السلطان مولاي إسماعيل في المغرب فشلت كذلك لغزو الجزائر، و من فرحة الانتصار قام الجزائريون بإهداء حصان مولاي إسماعيل إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر، و رغم عقد الصلح بين داي الجزائر الحاج مصطفى و إبراهيم الشريف باي تونس غير أن الاضطرابات بين البلدين لم تنته و عادت إلى السطح من جديد بسبب إبقاء مدينة وهران تحت سلطة الإسبان و امتناع تونس من دفع ما عليها من الضرائب للجزائريين، و دخل الاثنان في حرب دموية خسر فها الجزائريون 700 جندي، فكر الداي الحاج مصطفى بعقد "الهدنة" مع التونسيين، فطلبوا منه تعويضهم عن الخسارة التي لحقت بهم في الحرب الأولى و كان لهم ما أرادوا، بحيث ترك لهم جزءًا كبيرا من عتاده الحربي، و بسبب هذه الخسارة أقيل الداي الحاج مصطفى من منصبه من قبل رجال الديوان الذين انتخبوا حسين خوجة الشريف دايا للجزائر، و كانت نهاية الداي الحاج مصطفى الموت بالشنق داخل بيته، أما إبراهيم الشريف باي تونس فقد تعهد بتعويض الجزائريين شريطة إخراجه من السجن و عودته إلى تونس، و قبل أن يغادر الجزائر ترك عائلته رهينة، غير أن الرعية التونسية ثارت عليه و قتلته بمجرد وصوله إلى تونس.



تطور السوسيولوجية الإستعمارية في بلدان المغرب العربي

تعتبر هذه المعارك و الحروب التي دارت رحاها إحدى مراحل تطور "السوسيولوجية الإستعمارية " في بلدان المغرب العربي، ففي الجزائر مثلا تعتبر سنة 1832 ( حسب المؤرخين طبعا) السنة التي بدأ فيها عمل لجنة الاكتشاف العلمي للجزائر بإشراف وزارة الحرب الفرنسية التي قامت بوضع دليل إحصائي حول أوضاع الجزائر و من هنا بدأ علم الإحصاء في الجزائر، بعد إنشائها معهد خاص للدراسات الشرقية بالجزائر، كما أن احتلالها الجزائر مكنها من اكتشاف ما تكتنزه من معادن في الصحراء الجزائرية، فقامت بإنشاء كذلك معهد للأبحاث الصحراوية عام 1940 و المنظمة المشتركة للأقاليم الصحراوية، و مكتب أبحاث مناجم الجزائر ، و انتشرت هذه السوسيولوجية في المغرب مع إعلان الظهير البربري في 16 ماي 1930، و الشيء نفسه بالنسبة لتونس عندما أجبرت الإدارة الإستعمارية ضباطها على إعداد تقارير حول المجموعات القبلية باسم: ( notice des tribus ) الغاية منها جمع معلومات كافية عن القبائل الموجودة و التأريخ لأصولهم و هذا منن أجل الهيمنة عليهم معتمدة في ذلك على بعض كتابات الرحالة العرب و منهم الرحلة التيجانية، و تمكنت الإدارة الإستعمارية من جمع 134 مذكرة و تقرير حول القبائل التونسية..، الأمر الذي يصر المؤرخون على ذكره أن هذه التقارير عادت بالفائدة على الحكومة التونسية و هو الخروج بعمل ضخم جدا هو إنجاز «مُدَوَّنَة" القبائل التونسية سنة 1900 ( nomenclature et répartitions des tribus de Tunisie ).



المؤسسة المرابطية مؤسسة قتالية و رجالها
رجال حرب من الدرجة الأولى


أصحاب المدرسة الانقسامية و منهم غلنر أرنست Ernest gellner و ريتشارد و هو عالم الاجتماع ألإنجليزي أخذ فكرة "الانقسامية" عن دوركايم، قام بإجراء دراسة حول الحركة السنوسية في ليبيا سنة 1946 باعتبارها حركة صوفية ، يرون أن "السلطة السياسية" هي سلطة محدودة فلا يمكن للسلطة أن تتمركز في يد زعيم واحد أو شيخ واحد من شيوخ القبيلة، كما أرجع أصحاب هذه النظرية إلى اختلاف "النظم"، فنظام "الخمّاسة" في الجزائر مثلا كان غير قابل للانتشار و التوسع بخلاف القبيلة، و بالتالي فهو لا يشكل جزءًا من القبيلة، استدعى ذلك وجود ما أطلقوا عليه اسم " الصُّلـَحَاء" ( جمع صالح) و يقصدون بذلك "المرابطون" ، و هي فكرة جاء بها غلنر و هم حسب النظرية الانقسامية أشخاص مسالمون و محايدون، يقفون فوق النزاعات القبلية فكان لهم دور "الوساطة" لما يتمتعون به من قدرة على الإقناع، و كان رجال القبائل أكثر الناس اعتقادا بأن للمرابطين أو الصلحاء سلطة روحية يستمدونها من الله مباشرة لفك الصراع بين هذه النظم، فنشأت ما يسمى بالمؤسسة المرابطية أو الحالة المرابطية كما يسميها البعض..، هذه الفكرة وقفت لها العديد من ألأقلام العربية و منها المفكر العربي عبد الله العروي الذي أكد أن المؤسسة المراطبية لعبت دورا قتاليا، فهي مؤسسة قتالية في كثير من ألأحيان، و كان رجالها رجال حرب من الدرجة ألأولى..


"العصبية" لا تتحقق إلا بالالتحام و التكتل

و يمكن أن نقف في هذا الشأن مع موقف العلامة و المؤرخ ابن خلدون الذي ركز على مسألة « النُّعْرَة" في مقدمته الشهيرة عندما تطرق بإسهاب إلى إشكالية - الرئاسة- و المُلكْ و هي الغاية التي تجري إليها "العصبية" و أن هذه الأخيرة لا تتحقق إلا بـ: "الالتحام" لأن القريب كما قال ابن خلدون في الفصل الثامن من مقدمته الشهيرة يجد نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه، و هي نزعة طبيعية في البشر، و الالتحام لا يكون بين القريب في النسب فقط بل بين أبناء الأمة العربية جمعاء طالما تجمعهم قواسم مشتركة بينهم و هي اللغة و الدين، و هو ما أشار إليه ابن خلدون في المقدمة عندما تحدث عن النتائج التي يحدثها التكاسل في تحويل الأمة إلى آلة لسواها و عالة عليهم عندما تصير في ملك غيرها..، يقدم ابن خلدون في ذلك أمة " الفرس" كمثال كيف كانت و كيف أمست عندما سقطت تحت إمرة العرب، لأنهم كما يقول ابن خلدون أمة "وحشية" جُبِلـُوا على عدم الانقياد للسياسة، و هذه طبيعة منافية للعمران ، وعلى حد قوله فإن هذه الوحشية كانت سلاح مباشر للاستعمار في فرض هيمنته على الشعوب العربية و تقسيمها مثلما هو الشأن اليوم في المغرب العربي ( قضية الصحراء الغربية) و حتى خارج حدود المغرب العربي بدليل الانشقاقات التي يشهدها الحكام العرب و عدم الفصل في القضايا العربية المصيرية و تأتي القضية الفلسطينية في القائمة الأولى .



أيها العربي ماذا تعرف عن المغرب العربي؟

عنوان مستعار من مقالة الأستاذ الرحالة الشيخ الفضيل الورتلاني الذي نشره عبر صفحات جريدتي ( بيروت المساء) عدد 1829 و المنار أوضح فيه أن الإيمان ليس قاصرا على الضعفاء، بل على الأقوياء كذلك، آخذا في هذا ألإطار مثالا على اكبر دولة في العالم و هي أمريكا التي جعلت "التكتل" و التحالف في سياستها لدرجة أن رئيسها الأسبق تشرشل خاطب الأمة الأمركية يوما قائلا: " لا مانع عندي من محالفة الشيطان إذا كان ذلك في مصلحة أمتي ووطني" ، غير أن الورتلاني يتأسف لموقف العرب اليوم واصف إياهم بالتعساء و المساكين عكس ابن خلدون ، إذ يقول: " إن أمام العرب أربح ورقة في عالم التكتيل و المصلحة، ما جربوا أن يلعبوا بها جديًّا في يوم ما، و أنه ليعيش حولهم 08 مليونا من بني جنسهم و لغتهم، و يعيش في دنياهم 600 مليون يدينون بعقيدتهم و يتوجهون 05 مرات إلى كعبتهم و..و.. و لكنهم مع ألسف ما فطنوا أو بالأحرى ما أحسوا بأن التعارف بسينهم و لو لمجرد المصلحة إنما هي عملية مقدسة تؤدي على إسعادهم و إعزازهم"، إنه من العار يضيف الشيخ الفضيل الورتلاني أن يزهد العرب في إخوانهم و هم يشكلون نصف أمتهم تقريبا، و هو ما يريده الاستعمار بقطع المغرب العربي صلته بالبلاد العربية ألإسلامية و يقيم بينهما ستارا حديديا، فهو يأبى أن يتبادل عرب شمال أفريقيا مع إخوانهم العرب و المسلمين في مختلف البلاد و يحاول حتى قطع الصلات الروحية و الشعور بالأخوة بينهم و لكن هذه المحاولات لا تجد لها سبيلا أمام إيمان المسلمين في شمال أفريقيا لعروبتهم و إسلامهم و اعتزازهم بقوميتهم..



قراءة و تحقيق علجية عيش بتصرف

نشر بأسبوعية "المثقف"في عددها الأخير و شكرا لطاقم المثقف