المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فاكهة عبد الناصر صالح



داعس ابو كشك
25/09/2010, 08:49 PM
فاكهة عبد الناصر صالح


ما بين الندم ............ والأمل

لقد شكل عملي في مكتب التربية والتعليم في محافظة طولكرم كنائبا لمديرية التربية والتعليم جسرا من التواصل مع الشاعر الكرمي عبد الناصر صالح "ابا خالد " حيث كان يزورني في مكان عملي للبحث في الهم الثقافي وتسليط الاضواء على الحركة الثقافية الفلسطينية خاصة والعربية عامة ، وكان في كلامه لاذعا لما الت اليه الامور من اسفاف وترجع و لما تشهده الساحة الثقافية ، وكنت أتوحد معه بمشاعره الفياضة وكرمة الشعري ولانطلاقة نحو افاق اوسع لننقش عليها كلمة الحرية .
وكان يوم الثالث والعشرين من شهر ايلول عام 2010 يوما حزينا لانه اخر ايام عملي في تلك المحافظة وبعد انتهاء الاحتفال الوداعي الذي اقامته اسرة التربية والتعليم جاءني الشاعر عبد الناصر صالح مودعا ، وجلسنا نتبادل اطراف الحديث عن العلاقة ما بين التربية والثقافة وان كلاهما يرتبطان بعلاقة جدلية ، وانهما مكملتان لبعضهما البعض ، وبينما كنا نتحدث واذا به يستل من حقيبته ديوانه الشعري" فاكهة الندم " ويهديني اياه وفور احتضاني للديوان اخذت اقلب صفحاته واقرا عنوان القصائد ثم عدت الى قراءة الاهداء الذي خطه بريشته "هذه فاكهة من ندم طاغ " وقد اخذت هذه العبارة حيزا من تفكيري وانا اتساءل حول سبب اختيار هذا العنوان فهل هو نادم على ما كتبه او هو نادم على ما وصلنا اليه في التيه ، ام هو نادم على ما حدث من تراجع وانحدار !! كلها اسئلة مشروعة دارت في مخيلتي وكنت افتش له على مبرر لاختيار هذا العنوان لاننا نعيش في معمعان الفوضى الخلاقة .
ورغم ان هذا الديوان قد صدر عام 1994 عن اتحاد الكتاب العرب الا ان قصائده الثلاث عشرة تعبر بصدق واحساس جارف عن التزام الشاعر بقضايا الجماهير وطموحاتها وامالها وتخندق خلف المتراس الاول في سبيل الدفاع عنها ، ولم يبرح مكانه رغم كل الاغراءات ، وشعر بان للعيش بين الجماهير له لذة وفاكهة من طعم اخر لم يشعر بمرها الا من اكتوى بنارها .
ان القصائد التي احتوى عليها الديوان تدور في مجملها عن الحالة الفلسطينية من اسر واعتقال وطرد ومصادرة الى هدم واستيطان وجرح واستشهاد وقتال وحرب وفر وحصار تلو حصار وشمس وقمر وماء وزهر وبحر ونهر كلها مفردات ترتبط بالمشروع الوطني الفلسطيني ......
لك الشمس تسطع في عنفان الوجع
في ضجة الموت بين الميادين والطرقات
لك الماء يسقي براعم اغصانك الشامخات
ويغسل وجهك من غثيان الشتات الخفي
يعيد اليك خطوط البهاء المصادر
يجرف كل التماثيل والحقب الجاهلية
يكسر ازمنة كنت فيها الضحية
ويتابع قائلا ...

لك المجد يا اخضر الوجه والقسمات
لك الكبرياء ,البلهاء
لك الريح والمطر الدافق السرمدي
وهو في كلماته انما يريد الشاعر ان يبعث الروح في جسد مهترئ، ويرسم من خلال اشعاره مكنوناته في عشقه للارض والوطن والقضية ويوظف الموروث الثقافي في سبيل خدمة المبنى والمعنى ، ويبدي عتابه لاخوة الدين والقيم والتاريخ الذين تركوا الفلسطيني وحيدا في المواجهة فيقول
فلا تعقد العزم "يا سندباد"على السير

ومن اوهموك بان سواعدهم قادرة
هم الان للموت قد اسلموك ...
لقد طوع عبد الناصر مفردات اللغة العربية للتعبير عن دفاعه عن المعذبين في الارض لانه يعيش الألم لحظة بلحظة ايمانا برسالته ودوره كناطق باسمهم وصولا نحو الحرية والاستقلال .
ساقول للريح التي عبرت حدود مواسمي
نبع اشتهائي انت
موئل بهجتي
وحصاد اغنيتي
وذاكرتي التي استعصت على النسيان
يوحي بالسرائر
يمحي غبش
وتقفز امنيات زادها ملح وتراب
ويتساءل الشاعر
هل يستوي العشق والموت ؟
هل تاكل النار ما يثقل النار
هل تلد الارض طفل النبوة .....
واذا كان الشاعر وهو ينتقل بنا من صورة الى اخرى عبر عناقه للالم والعذاب ويستخدم الحداثة في قالب من التوهج والابداع من اجل تحويل هندسة المدخلات الى هندسة مخرجات تصب في صالح الشعب وفق رؤيا شاعرية تتجسد في تجلياتها المشرقة .
للصباح الذي يبدا الان مرحى
للسنابل مرحى
لبياض الازقة
للنسوة القرويات يمرحن في الحقل
مرحى
وللفقراء الذين يجيئون من رحم الغيث
للشهداء الذين توضات الارض من دمهم
وغدوا شجر الكبرياء.....
ومهما كتبت عن عبد الناصر شاعر فلسطين فان الكلمات تتقزم امام حضرته فهو دائم الاحساس ومسكون بحب الوطن والشعب قادر على التعبير عن حقوق وتطلعات الجماهير وقادر على ان يجعل من فاكهة الندم فاكهة للامل .