المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حين خرج الجن لخردلة ... ( قصة قصيرة).



سماك العبوشي
06/10/2010, 01:21 PM
حين خرج الجن لخردلة!!.

قصة قصيرة.


يحكى أن شاباً في مقتبل العمر كان يدعى "خردلة"، كان دَعيـّاً من العيار الثقيل، أشبه ما يكون بدون كيشوت الذي حلم كثيراً وتوهم طويلاً فبارز طواحين الهواء باعتبارها فرساناً حتى أطاحت به الطواحين ذات يوم!!.
لطالما أزعج أبناء حارته بما اعتاد ترديده من أحاديث بطولة وشجاعة كان يدعيها، حتى أنه قد أدمن الكذب رغم جبنه وخسته مع سبق اٌصرار وترصد!!.
ذات يوم شتائي بارد عاصف، وبعد أن طفح الكيل بأبناء حارته من ادعاءاته الجوفاء تلك، فإنهم قرروا أن يلقنوه درساً مريراً لن ينساه فيجبروه على نبذ خصلته تلك وترك ادعاءاته الفارغة، فتداولوا بالأمر ثم بيتوا له أمراً لكشف أوراقه وإظهار حجم ادعاءاته ومدى جبنه أمام الجميع، وتم الاتفاق فيما بينهم أن يتربصوا به في المقهى الذي اعتاد على الجلوس فيه مساء كل يوم لاحتساء قدح من الشاي، وما أن اتخذ مجلسه على أريكة في المقهى حتى تحلقوا حوله ودار الحوار التالي :
الأول ( في محاولة منه لجذب أنظار خردله) - أنا واثق يا جماعة من شجاعة "خردلة" وقوة شكيمته.
خردلة - ما الأمر يا جماعة، خير إن شاء الله!؟.
الثاني – هو اختلاف في الرأي بيننا يا خردله، فمنا من ينكر شجاعتك التي طالما تبجحت بها بما تقصه على مسامعنا!!.
خردلة ( بغرور وعصبية) – لالالالا، ذاك صحيح وليس بباطل، فأنا أشجعكم.
الأول ( يوجه كلامه للجميع) – يا جماعة أنا واثق من شجاعته.
ثم التفت إلى خردلة مضيفاً - ما رأيك بأن نراهن على ذلك!؟.
خردلة ( متلهفاً) – أجل أجل، أنا مستعد، من ينازلني!؟، ما الرهان وكم المبلغ!؟.
الأول ( يتصنع التفكير ويوجه كلامه لرفاقه) – حسناً فليكن ذلك، ما رأيكم بأن يكون رهاننا مع خردلة قيامه بدق وتد قرب أبعد قبر في مقبرة "الجن" بعد منتصف هذه الليلة، على أن يكون مبلغ الرهان 100 دينار بالتمام والكمال يأخذها الفائز صبيحة اليوم التالي حين نجتمع جميعاً أمام باب المقبرة لنعرف إن كان الوتد قد دُقّ أم لا!!.
خردلة (بتردد وارتباك ظاهرين) – مقبرة الجن!! ألا يوجد مكان آخر غير هذه المقبرة اللعينة المسكونة بالجن!؟.
الأول ( بخبث ) – يا خردلة، يا خردله، بالله عليك وأين الشجاعة إذن!؟، هو وتد ستدقه سريعاً لتقفل راجعاً بإذن الله وحفظه، فتقبض مبلغ الرهان مع اعترافنا بشجاعتك.

كان الحديث على الدوام يجري في الحارة عن وجود جنّ يقطن في تلك المقبرة ويصدر أصواتاً في الشتاء تحديداً، ربما كان صوت الرعد ووميض البرق مع رياح الشتاء التي تعصف بأغصان الأشجار هي السبب بتلك الأصوات، فلم يكن أحد يجرؤ حتى من المرور قرب سياجها الخارجي بعد مغيب الشمس لكثرة تلك الأصوات المرعبة التي تصدر من داخل تلك المقبرة!!.

ما أن حل منتصف الليل، حتى تجمع الشبان أمام باب المقبرة وبمعيتهم الدعي الكذاب خردلة، وسلم خردلة الوتد والمطرقة وودع من قبل شباب الحارة ودخل من باب المقبرة وانصرف الجميع إلى دورهم بانتظار صباح اليوم التالي!!.
فجر اليوم التالي، تعالت طرقات أبواب بعض دور رفاق خردلة، حيث فوجئ الجميع بزوجة الدعي خردلة وهي تتساءل فزعة مولولة :
- يا شباب، من منكم رأى خردلة، فهو لم يعد للدار منذ ليلة أمس!!.
تجمع الشباب على عجل، فلقد أصابهم الجزع، وراحوا يتساءلون عن مصير صاحبهم الدعي، أيعقل أن يكون الحديث عن الجن حقيقة فظهر إليه ليلة أمس وقضى عليه، وما هي إلا دقائق عصيبة مصحوبة بشد للأعصاب وارتباك ظاهر سيطر على المشهد برمته، حتى تجمع أبناء الحارة بمعية زوجة خردلة أمام باب المقبرة وراحوا ينادون بأعلى أصواتهم:
- خردلة!!، يا خردلة!!، أين أنت يا خردلة!؟.
ولا جواب، فقرر حينذاك أن يدخل الجميع المقبرة للبحث عنه في زواياها المترامية الأطراف، خلف قبورها، بين دكاتها، وما هي إلا دقائق عصيبة معدودة حتى صاح مناد من أقصى المقبرة:
- هاهو خردلة يا شباب، إنه مطروح على الأرض منكب على وجهه، أسرعوا هنا قرب آخر القبور، إنه فاقد للوعي لا حراك فيه ورأسه قد شج من دبر.
تجمع الحشد من حوله، هذا ينادي عليه، وذاك يحرك له يديه، وامرأته تمسح له جبهته وترش عليه قطرات من ماء، حتى أيقظوه من غفوته بصعوبة بالغة، مسحوا له جبينه المعفر بالتراب، وتركوه يستريح قاعداً حيث وجدوه.
- ما بك يا خردلة!؟، لـِمَ أنت مستلق هنا!؟، حدثنا ما الذي جرى ليلة أمس!؟.

صحح خردلة من جلسته، وتنحنح قليلاً، ثم تحسس رأسه، تلفت يميناً وشمالاً لأكثر من مرة وكأنه يبحث عن شيء ثم أجاب:
- يا لطيف الطف، يا لطيف الطف، آه لو رأيتم ما رأيت ليلة أمس، قد أمسكني الجن من طارف ثوبي فيما كنت منهمكاً بدق الوتد ها هنا قرب هذا القبر ( وأشار بيده حيث القبر وهو يرمقه بنظرة عميقة).
سكت هنيهة ليلتقط أنفاسه وسط ذهول الجميع، ثم أردف قائلاً:
- كم كان الجن ضخم الجثة مفتول العضلات، حاول أن يسيطر عليّ فحدث بيننا تشابك بالأيدي وتدافع، حاول أن يعصر لي أضلاعي فمنعته ودفعته بقوة، ومن شدة ارتداد الدفعة ارتطم رأسي على هذا الحجر وفقدت الوعي.
علا الوجوم أوجه الحضور، وراحوا يتلفتون يمنة ويسرة، وبان الفزع على أوجههم، وتهامسوا فيما بينهم ...
- هناك إذن جن في المقبرة كما أشيع.
وفيما كان الجميع يتبادلون نظرات الاستغراب والعجب وسط صمت وترقب وذهول، حتى ارتفع صوت أحد الحضور مقهقهاً:
- أترون يا جماعة أين دق خردلة الوتد!!.
التفت الجميع حيث أشار المنادي، فتعالت الضحكات والقهقهات، وارتبك خردلة وغاص في بركة خجله، فهو ولشدة ما سمعه عن قصص الجن في المقبرة، واحتمال ظهوره له، فإنه كان قد دق الوتد على طارف ثوبه دون أن يفطن لذلك، وما أن همّ بالرحيل بعدما أنجز ما جاء من أجله وضمن مبلغ الرهان، حتى أحس وكأن هناك من يمسك به من طارف ثوبه ليبقيه في مكانه، فارتعب المسكين ظناً منه بأن الجن قد أمسك به، ولشدة ظلمة ليل المقبرة ولصوت الرياح المتلاطمة الضاربة على أغصان أشجارها اليابسة، فإنه سرعان ما أغشي عليه بعد أن تهاوى رأسه على حجر قريب، وظل مغشياً عليه حتى لحظة استيفاقه.!!!.
الحقيقة أن خردلة قد استلم مبلغ الرهان كاملاً، لكنه ما عاد يجلس في المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه أبداً، فلقد ظل حبيس الدار يقشر مع زوجته البطاطا ويساعدها في تنظيف الدار.
سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
4 / 10 / 2010

السيد شعبان
06/10/2010, 02:08 PM
كم من خردلة بيننا ،دعي نزق بطولاته من خبل ولسانه من دجل، يسلر مع الناعقين ويخدم المتصهينين،عباس أوهباش ،أودهلان

علي الكرية
06/10/2010, 03:58 PM
الأخ الكريم سماك الغبوشي:
قصتك ممتازة من أجمل القصص من نوعية البطل الأسطوري كيشوت.
شكرا أخي لو إختصرتها لا كانت أجمل.دمت ودام عطاؤك.
تحيتي وتقديري واحترامي.