المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "خبزة عيش"!!.



سماك العبوشي
07/10/2010, 06:35 AM
"خبزة عيش"!!.

قصة قصيرة.


- أقسم بالله أن لك بهذه السيارة "خبزة عيش".
تلك عبارة لطالما كان يرددها "صادق" على مسامع أي زبون يقصده لشراء سيارة قديمة منه، فيما يشير بيده صوب مصحف شريف صغير الحجم كان قد وضعه قرب الزجاج الأمامي للسيارة على سبيل التبرك!!.
كان صادق هذا في منتصف عقده الخامس من عمره، قد امتهن حرفة شراء السيارات المستعملة، فيجري عليها صيانة بسيطة لا تكلفه كثيراً، ثم يغسل بدنها الخارجي ويمسحه بالدهون جيداً، وينظف داخلها جيداً ليبيعها بعد أيام بربح وفير، مستعيناً بمهنته تلك بحلاوة اللسان وسماحة الوجه وبراءة النظرات.
ذات مرة، وبينما كان صادق منهمكاً كعادته بحوار ساخن لإقناع زبون جديد جاء ليشترى إحدى سياراته القديمة، وبعد أن ردد على مسامع الزبون – كالعادة - قسمه ذاك من أن السيارة فيها "خبزة عيش" لمن سيشتريها، فإذا بصوت هادر أجش يخاطبه من خلفه:
- لـِمَ خدعتني يا صادق!؟، أي "خبزة العيش" في تلك السيارة الملعونة كما أكدت لي!؟.
بُهـِتَ صادق لأول وهلة، والتفت بسرعة حيث الصوت الأجش الغاضب الهادر، فرأى جاره وصديقه "وديع" الذي باعه سيارة قبل يومين وهو بصحبة جاره الآخر "فراس".
اعتذر صادق من الزبون الجديد بسرعة، ثم التفت صوب وديع وفراس وهو يردد عبارات الترحيب لهما:
- أهلاً أهلاً بالأخ وديع، يا مرحبا بالأخ فراس، زارتنا البركات.
لم يمهله وديع وقتاً لإكمال باقي عبارته، فاتجه صوبه وعلامات الضيق والحنق بادية على محياه، ثم أردف قائلاً:
- لا أهلاً ولا سهلاً، كفاك نفاقاً ودجلاً يا صادق، أهذه هي حقوق الجيرة عندك!؟، بالله عليك كيف تبيعني سيارة ظهر عيبها بعد يومين فقط من شرائها!؟.
أخرج صادق منديلاً من جيبه وراح يمسح ما تصبب من عرق على جبهته برغم شدة البرد الذي غشى المكان، تطلع حوله ليرى تداعيات صراخ وتهجم وديع في الحاضرين ثم أجابه قائلاً:
- لايجوز لك إطلاق التهم هكذا يا أخ وديع، هدئ من روعك واخفض من صوتك، لايجوز ذلك أبداً، مستحيل، مستحيل، فأنا قد بعتك إياها سليمة خالية من أي عيب!!.
تعالى الصراخ بينهما، وتجمهر الحاضرون لفك النزاع وتهدئة الأجواء.
وازداد غضب وديع إزاء الحجج التي راح يلقيها صادق على مسامعه، ثم صاح بوجهه قائلاً:
- أتراني أتجنى عليك يا صادق، اللوم لا يقع عليك أبداً، فأنت في كل الأحوال تاجر تبغي الربح سريعاً، اللوم إنما يقع علي، فأنا الذي وثقت بك واحترمت جيرتك واعتمدت على مصداقيتك في شراء تلك السيارة.
سكت وديع هنيهة ليلتقط أنفاسه، ثم ابتدأ من جديد هادراً مزمجراً:
- خبّرني بالله عليك يا صادق، ألم تقسم أمام المصحف الشريف من أن هناك خبزة عيش في تلك السيارة التي بعتني إياها!؟، أيعقل أن تقسم على المصحف كذباً هكذا، ألا تخشى الله وبطشه يا رجل!؟.
سكت وديع هنيهة كرة أخرى، ثم تلفت من حوله ليرى وقع صراخه في الحضور، ثم أردف قائلاً موجهاً حديثه لصادق فيما كانت عيناه تتطلعان للحشد من حوله:
- عجباً ما أرى وأسمع، إذا كنت تصنع هكذا مع جيران عمرك، فوالله لا أدري ما الذي ستصنعه مع الغريب الذي لا يربطك به رابط أو سابق معرفة!!؟.
أدرك صادق بعدهذه العبارة حجم المصيبة التي حلـّت على رأسه، لاسيما بعد أن اعتذر الشاري الجديد وانصرف مهرولاً عازفاً عن الشراء بعدما رأى صنيع صادق لجاره وديع.
راح صادق سابحاً في دوامة التفكير وتبعات ما سيحدث، وكيف سينتشر خبر قـَسَمه ذاك بين زبائنه، ثم قفز إلى ذهنه مشهد فضيحته أمام جيرانه ومعارفه في زقاقه الذي يقطن فيه إن سمعوا بما حصل لوديع لاسيما وأنه برفقة جاره فراس، والأدهى من كل هذا وذاك، فإن معظم زبائنه قد سمعوه يردد على مسامعهم نفس العبارة تلك ..." خبزة عيش فيها".
حاول صادق تدارك الموقف حين رد على وديع:
- لا عليك يا وديع، لا عليك، فالأمر جد بسيط.
- ماذا تقصد بذلك!؟، رد عليه وديع.
أخرج صادق من درج مكتبه دفتر شيكاته، وراح يدرج اسم وديع ومبلغ ثمن السيارة، ثم دفع بالصك المحرر صوب وديع قائلاً:
- ها هي نقودك قد ردت اليك كاملة، المهم أن تكون راضياً قانعاً، وخسارة لي أن أفقد جاراً طيباً مثلك بسبب سيارة لعينة.
التقط وديع الصك، راح يتطلع بمفرداته، ثم رفع رأسه صوب صادق قائلاً له:
- شكراً لك، أحمد الله كثيراً أن المشكلة قد حـُلـّت بالتراضي وتطييب الخواطر، لكنني وقبل أن أنصرف، أستحلفك بالله أن تصدقني الإجابة، كيف أقسمت أمامي وعلى المصحف الشريف بأن هناك خبزة عيش لي في تلك السيارة الملعونة التي تورطت بها!؟.

ابتسم صادق ثم أطرق برأسه قليلاً، تلفت يميناً وشمالاً، ثم قام من أريكته متأبطاً ذراع وديع وخرجا سوية حيث السيارة مركونة، فتح صادق غطاءها الخلفي ومد يده داخل صندوقها الخلفي وأخرج منها كيساً صغيراً من النايلون وقال:
- أستحلفك بالله أولاً يا وديع أن تكتم أمر ما سأخبرك به الآن!!.
أوما وديع برأسه إيجاباً، ثم أردف صادق قائلاً:
- أقسم بالله أنني ما أقسمت على المصحف الشريف باطلاً، فلقد كنت صادقاً حين قلت لك أن السيارة هذه لك فيها خبزة عيش، أنظر، ها هي كسرة الخبز التي أقسمت على أنها داخل السيارة!!.
ذهل وديع لهول ما سمع ورأى، ثم قام وغادر برفقة صاحبه فراس وهو يهز رأسه عجباً، فيما أعاد صادق "كسرة الخبز" تلك حيث كانت مخبأة داخل صندوق السيارة، بانتظار أن يبيعها لشخص آخر وبنفس الطريقة التي اعتاد أن يبيع سياراته القديمة كل يوم!!.

سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
7/10/2010