المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة اخرى في غسل الدماغ



تميم فخري الدباغ
18/03/2007, 10:12 AM
السلوك الإنساني
الحقيقة والخيال !
من منشورات الدكتور فخري الدباغ رحمة الله عليه في مجلة العربي الكويتي

الفصل الرابع / العلم وتطْبيقاته الإنسَـانيّة :
غسـل الدمَـاغ !
(غسل الدماغ) اصطلاح حديث يتردد استعماله كثيرا في السنوات الأخيرة ، وإن كان يجري حدوثه منذ أقدم المجتمعات البشرية . وهو اصطلاح يوحي للرجل العادي بأنه عملية (غسل) أو (تنظيف) للدماغ البشري بطريقة ما . وربما يشتط به الخيال إلى تصور (مادة منظفة) لها القدرة على تخليص الدماغ من شوائبه أو أمراضه !! وهنا وجه الغموض وعدم الشمول في هذا الاصطلاح ، وكثير من المصطلحات الأخرى ترددت وشاعت على الرغم من نواقصها .. ربما لسهولة في لفظها ، أو لطرافة في معناها أو ليسر في فهمها ، أو لمجرد أنها ترددت فأصبحت مألوفة أكثر من غيرها .. وفي كل ذلك ما ينطبق على اصطلاحنا هذا .
ولكن لغسل الدماغ مرادفات علمية أخرى أدق تعبيرا وأوضح معنى .... ومنها (المذهبة) أو (غرس العقائد) .. ومنها التحويل الفكري وسنأتي على شرح أهمية هذه الاصطلاحات فيما بعد ..
وعملية غسل الدماغ وإن كانت قديمة ، فإن أسسها العلمية لم تصبح واضحة إلا في أوائل الثلاثينات من القرن الحالي ، وكان ذلك على خطوات ودروس متعاقبة وقبل أن تعرف ما هو (غسل الدماغ) و (الإقناع الخفي) يجدر أن نعرف الأسس العلمية التي انبثقت عنها هذه العملية في الدماغ وعلى الدماغ . ولم نقل على الدماغ (البشري) .. لأن الخطوة الأولى قد بدأت على دماغ حيواني ..
الدرس الأول .. من الحيوان ..
.. كان ذلك في عهد العالم الروسي الشهير (بافلوف) (1849-1936) الذي كان رائدا في ميدان الفسلجة والعصارات الهضمية والانعكاسات ، وحائزا جائزة نوبل (1904) وكان يجري تجارب كثيرة على الكلاب والأغنام وغيرها .. ويدرس الانعكاسات الغريزية فيها من جوع أو عطش بالنسبة لظروف اصطناعية يجابهها بها .. ثم يبني على تلك الغرائز الأولية انعكاسات معقدة أخرى – أي يغرس فيها عادات جديدة لم تكن تعرفها تلك الحيوانات .
وفي أحدى غرف مختبراته في (ليننجراد) كانت هنالك مجموعة من الكلاب ذوات العادات والانعكاسات المستحدثة التي تعلمتها بالتجربة .. وكانت الكلاب في أقفاصها عندما حدث فيضان (ليننجراد) الشهير سنة 1924 . وانساب الماء من تحت أبواب المختبر وارتفع في أقفاص الكلاب السجينة حتى بلغ رقابها .. فتملكها رعب واستبد بها الهيجان .. وكادت أن تموت غرقا لولا قدوم أحد مساعدي (بافلوف) في اللحظة الأخيرة فأخرجها ونقلها إلى محل أمين ..
جاء (بافلوف) إلى كلابه بعدئذ ليكمل تجاربه فوجد أن غالبيتها قد نسيت أو فقدت العادات التي تعلمتها ، وأصبحت في حالة مشوشة ، وكان خلايا دماغها قد (غسلت) أو نظفت من كل التجارب التي كان قد أجراها عالم الفسلجة والأمراض النفسية ، حقيقة جديدة هي أن الحيوانات تتعرض للقلق والعصاب ، وهو ما دعي باسم (عصاب الحيوان) . وأصبحت تلك الواقعة النواة العلمية لعلم نفس تجريبي حول العصاب .. وأطلق على العصاب الناتج عن تجربة مصطنعة اصطلاح (العصاب التجريبي) .
وأصبح بالإمكان خلق ظروف واصطناع حوادث مهددة أو مثبطة (كفيضان ليننجراد) لإحداث حالة من التهيج العقلي أو العصاب أو بالأحرى (غسل دماغ) للحيوانات تحت التجربة من فئران أو أرانب أو قطط أو قردة ..
الدرس الثاني .. على الإنسان :
واتضحت لدي علماء النفس ظواهر مشوقة جدا عن العقل البشري كانت الحجر الأساسي لنظرية في علم نفس الشخصية والتعلم .. وهي أن الإنسان يمتلك انعكاسات وغرائز بدائية (خلقية) .. ولكنه في كل لحظة من حياته يمر بتجارب ويتعلم دروسا هي بمثابة لبنات في بناء شخصيته وتفكيره أي أنه يبني فوق انعكاساته البدائية انعكاسات جديدة أخرى وعادات حديثة يكون لها الأثر الكبير في أسلوب تفكيره وعقيدته واتجاهاته في الحياة ...
ولكن هذه العادات والأفكار المكتسبة ليست ثابتة وليست خالدة .. فهي عرضة للاهتزاز أو التفتت أو الاضمحلال ، ومتى يحدث ذلك ؟ .. في الحالات التي يتعرض فيها الإنسان إلى ظروف قاهرة صعبة تجعل جهازه العصبي في حالة من التوتر أو الحساسية الشديدة أو التثبيط الحاد .. وفي هذه المرحلة الحرجة تصبح خلايا دماغه عاجزة عن الاحتفاظ بما اختزنته من عادات ، بل قد تصبح شبه مشلولة عن العمل والمقاومة .. بل إن مقاومتها للأذى والتهديد الواقع عليها قد ينقلب إلى تقبل أشد واستسلام أسرع لعادات جديدة أخرى وانعكاسات غريبة قد يتصادف حدوثها في تلك الحالة .
إذن ، فالإنسان – كحيوان المختبر – يتعلم ببناء الانعكاسات واحدة فوق الأخرى ، وأنه يمكن أن تتداعي تلك الانعكاسات أو تضطرب وترتبك في حالات التوتر العصبي أو (العصاب الحاد) الذي ينتج عن عوامل مهددة أو حوافز مرهقة متكررة تهز جهازه العصبي وتجعله كريشة في مهب الريح ، لا حول له ولا طول ،،، وعندئذ (يغسل دماغه) من أفكاره القديمة واتجاهاته وميوله .. ويصبح قابلا للإيحاء وفريسة لتعاليم جديدة ..
الدرس الثالث .. من الحياة :
ورجع علماء النفس إلى المختبر الكبير بعد أن كانوا يعملون في المختبر الصغير .. ورجعوا إلى الحياة وتاريخ البشرية ، فوجدوا أن (العصاب التجريبي) و (غسل الدماغ) الناتج عنه قد حدث ويحدث في مواقف عديدة من عمر البشرية . وكان أقرب مثال لهم الحربان العالميتان الأولى والثانية . فهنالك .. في ساحة المعركة أصيب جنود وضباط بحالات تهيج عصبي وعصاب حاد أفقدهم توازنهم المعروف وشجاعتهم المسلم بها ، وأصبحوا في حالات من ذعر أو ذهول أو أعراض جسمية غريبة ، وكأن تلك الظروف الحرجة أربكت حواسهم وجعلت من سلوكهم نماذج طفولية فجة أو سخيفة . وتبين بأن لحظات معينة أو ساعات خاصة أثناء المعركة أوصلت جهازهم العصبي إلى تلك الدرجة من التحفز والتهيج فالانهيار ، بحيث (غسلت دماغهم) من تلك العادات (والانعكاسات) و (المعاني) الحضارية المكتسبة التي تعلموها كالثبات والاتزان والحكمة والشجاعة . وقد أطلق على هذا النوع من العصاب اصطلاح (عصاب الحرب) ، أو (صدمة القنابل) أو (إعياء المعركة) .
ورجع الباحثون من قرنهم العشرين إلى مئات السنين الغابرة .. ووجدوا بأن المعركة والمواقف الدقيقة قد فعلت نفس فعل الحروب الحديثة . ويذكر المؤرخون عن جيوش القيصر الروماني الذي كان يمتلك فصيلة من نخبة الشجعان المحاربين من حاملي الصقور .. وكيف أن بعضا منهم بعد سنين طويلة من البلاء الحسن والشجاعة انهاروا فجأة .. فترك أحدهم الصقر بيد القيصر وهرب ، وهَمَّ الآخر بضرب القيصر نفسه عندما اعترض طريقة .. وفي أثناء الغارات الجوية الشهيرة على لندن في الحرب العالمية الثانية بلغ الإرهاق والتوتر العصبي لدى الناس مبلغه وإن كانوا في منتهي الصبر .. وكان التهديد المتكرر المتواصل قد أوصل عقول بعض العامة إلى (الحافة الحرجة) إلى موقف العصاب الحاد و (غسل الدماغ) فأصبحوا في وضع تقبل الإيحاء ، وكان الإيحاء الخطير في ذلك الوقت هو (الإشاعات) التي تنتقل من فم إلى فم أو بالأحرى من عقل مغسول إلى عقل مغسول آخر وكانت أهم الإشاعات التي تنقلت في ذلك الحين هي عين ما كان يذيعه راديو ألمانيا باسم (اللورد هو .. هو ..) من دعايات مثبطة ومزيفة انطلت على العقول المغسولة .
تلك الأمثلة وغيرها .. وغيرها .. أثبتت بأن العقل يمكن أن يغسل ، وأن ما (يغسل) الدماغ عوامل كثيرة منفردة أو مجتمعة هي :
الصدمات النفسية المفاجئة .. التهديد المستمر .. المواقف الشديدة المرعبة كالمعارك الدامية .. الإرهاق العصبي المستمر كالسهر المتواصل أو النوم المتقطع ، أو الجوع والعطش أو الآلام الجسمية والنفسية التي لا هوادة لها .. ثم مفعول بعض الأدوية الخاصة . كل هذه العوامل تحفز أو ترهق أو تخدر الخلايا الدماغية وتوصلها إلى الحافة الحرجة بحيث يصعب عليها أن تحتفظ بما تعلمته ، ويتم غسل الدماغ .
إلى هنا فقط واصطلاح (غسل الدماغ) يفي بالمعنى ويشبع الغرض العلمي بدقة إذ أنه يدل على عملية (تطهير أو طرد) لعادات وأفكار وميول اكتسبها عقل الإنسان في وقت مضى .. ولكن .. لكن العملية كما هي في واقعنا ليست مجرد تطهير أو طرد عادات بل تتبعها عملية أخرى لا تقل خطورة وأهمية عن سابقتها ألا وهي إدخال أو (غرس) عادات وأفكار أخرى جديدة في ذلك العقل (المغسول) . وهي عملية شبه إيحائية تتسلط على العقل الذي أصبح نظيفا (ناصعا) وحساسا – بل لقمة سائغة لحشوه بأية فكرة أو دعاية أو عقيدة ، وهناك يتجلى عجز اصطلاح (غسل الدماغ) عن وصف ما يجري بالحقيقة .. وهنا ندرك أيضا بأن اصطلاحات (الإقناع الخفي) أو (المذهبة) أو (التحويل الفكري) هي أشمل وأدق علميا ، والإقناع وغرس العقائد لا يمكن أن يتم بدون غسل الدماغ أولا .. كما أن غسله وحده لا يحقق المطلوب ما لم يتبعه تحويل فكري ..
ومنذ أول المجتمعات البشرية اكتشف الإنسان بأن عملية التحويل الفكري يمكن أن تتورط بطريقة ما .. وكانت الطريقة القديمة حدسية أو عن طريق الصدفة ، وأصبحت الطريقة الحديثة – بعد أن دخل علم النفس في المرحلة التجريبية – مبنية على نظريات علمية ومخططة ..
والإقناع القديم ...
هو (غسل الدماغ) وغرس أفكار جديدة فيه أو الاحتفاظ المستمر بما وصل إليه دون تخطيط أو إدراك لأسسه العلمية ، وقد قلنا بأن الإنسان منذ أن وجد وسط (جماعة) كان يتعرض بين الحين والآخر إلى عمليات (غسل وتحويل) دماغي ، فالرجل البدائي الذي يدخل حلبة الرقص وينشد الأناشيد ويصرخ ويرقص على دقات الطبول هو في الحقيقة في (أتون) التهيج العصبي الذي يوصله إلى حافة (الغسل) حيث يكون أكثر تقبلا واطاعة واستسلاما لتعاليم قبيلته أو رئيسـه الديني أو (الشامان) .. أو الوثن الذي يوحي له بقوة سحريـة خارقة ..
والصورة الحديثة لما يجري في الثقافة البدائية هي حلقات (الزار) ومثيلاتها التي نعرفها في بلادنا العربية . ففي قمة الاحتفال ، ينتهي التهيج العصبي بحالة (شبه إغمائية) تجعل من العقل البسيط شريطا حساسا يلتقط الإيحاءات (بفوائد) ملموسة كشفاء من مرض بسيط أو من عرض هستيري سابق .. الخ .
وتلجأ بعض الطوائف الدينية إلى لم أعضائها وربطهم عن طريق الاحتفالات والطقوس المتكررة والتي تتخللها الإثارة الحسية أيضا . ففي ولاية (كارولينا الشمالية) طائفة تستعمل (الأفاعي) في احتفالاتها ، وتناول الأفعى باليد ثم وضعها على الجبهة والرقبة والأكتاف تثير في المنتمي شتى الانفعالات التي (تغسل دماغه) وتجعله متهيئا دوما للتمذهب والإيمان .. والإيغال فيه . فالجماعة .. والأناشيد .. والرقص الجماعي .. والموسيقى .. والبخور .. وإيقاع الطبول .. والأفاعي .. كلها أمثلة على كيفية (غرس العقائد) بطريقة حدسية ويجب أن نذكر بأن (غسل الدماغ) العفوي و (الإقناع) غير المتعمد يجري وقوعه إلى يومنا هذا ، وأذكر على سبيل المثال ما يجري أحيانا في قاعات المحاكم حيث يصادف أن يتهم شخص ما بجريمة ما وتكون الأدلة ضده قوية ، وكل دليل يمكن أن يكون مثبتا للجريمة أو أن يفند باحتمال ضعيف جدا .. ويصادف أيضا أن يكون المتهم بسيطا أو محدود الذكاء .. وتكون فترة احتجازه واستجوابه وتكرار التحقيق وإجراءات الأمن والشرطة ورهبة المحكمة .. عوامل متراكمة تؤدي إلى (غسل دماغه) ثم إلى تقبله الإيحاء والاتهام بحيث ينهار فجأة ويعترف بأشياء لم يقم بها حقيقة ولكنه (يعتقد) بصحتها أو لا ينفيها بعد ما تعرض له – دون قصد – من غسل دماغ وإقناع ! .. وذهب ضحية ذلك أبرياء شنقوا ولم يستحقوا الشنق .
الإقناع والتحويل الحديث ...
.. لا يختلف عما سبقه إلا بكونه أصبح علميا أو مقصودا تستخدمه مختلف الهيئات .. والفئات .. والحكومات .. والشعوب .. لتحقيق غرض ما .. وأبسط الأدلة على ذلك هي حرب الدعايات التي برزت في الحرب العالمية الثانية وبرع فيها (جوبلز) في ألمانيا .. فجعل من الأوهام حقائق انطلت على عقول الملايين في أنحاء العالم وأصبح غسل الدماغ شبه حرب فكرية دعائية ، وأقتضى أن تبتكر وسائل مضادة للتحويل الفكري ولزيادة مناعة الأفراد ضد دعايات الآخرين ..
وفي مجرى حياتنا اليومية في هذا القرن العشرين أمثلة أخرى عديدة (ومبسطة) لغسل الدماغ و (تحويل الأفكار) .. منها ما تسلكه الشركات والمجلات التجارية عن طريق الصحف أو السينما أو التلفزيون ، من وسائل الدعاية والإقناع بأهمية منتجاتها وفائدتها سواء أكان ذلك طعاما أو أدوات للزينة أو للتنظيف أو أغاني أو أفلاما أو سيارات .. وتستخدم المؤسسات والشركات في عملية (التحويل) هذه حيل الألوان وتأثيرها والإخراج المسرحي في التلفاز والسينما .. والموسيقى التصويرية .. والأصوات والأساليب الكلامية المغرية .. وكل هذه الحوافز تؤثر في الجهاز العصبي للإنسان وقد تنجح في تحويل ميوله أو تبديلها .
و (حيل الإقناع) تلك كانت جارية على قدم وساق في العصور المظلمة والتي تلتها بصورة حدسية أو (غريزية) ، فالدجالون من (الأطباء المتجولين) كانوا (يحولون) أفكار البسطاء إلى معتقدات بفوائد عقاقيرهم وعطورهم !! ..
وإذا كان ما ذكرناه هو (تحويل فكري) مدبر ومخطط . فإن حوادث أخرى من غسل الدماغ تقع بصورة (روتينية) ولو استعنا بالخيال قليلا .. لأمكننا أن نتصور رجل الغاب أو الإنسان البدائي قد انتقل إلى إحدى مدن الغرب .. ولبس (البنطلون) الضيق .. ودخل أحد المراقص المتناثرة هنا وهناك .. فإن من الهين عليه جدا أن (ينسجم) مع الصخب والألوان الصارخة والأضواء الخلابة .. بل يسهل عليه أيضـا أن يشارك في رقصة (الجاز) و (الروك اند – رول) و (التويست) ، وما تلك الرقصات إلا طبعة حديثة منقحة لنسخة قديمة ، فقرع الطبول ، وضرب (الصاج) ، وارتعاش الجسم وتلويه ، مع الخمرة والدخان .. هي أشبه (بغسل الدماغ) البدائي الذي يجعل عشرات الناس تحت تأثير سحري واحد يسيطر على تلك الحلبة .
في ميدان العلاج النفسي :
يجري (غسل الدماغ) مع المريض نفسيا بغرض (تحويل نفسي) مستمر ، ولكنه يرمي إلى شفائه وليس إلى (استغلال) عقله . وكان ذلك أيام الحروب عندما يصاب رجال المعركة بـ (صدمة القنبلة) ويصبحون في حالة من اضطراب عصبي هستيري حاد كالشلل الوقتي أو فقدان الذاكرة أو العمى الخ .. فيقوم الطبيب بعملية سريعة وناجحة للعلاج النفسي وهي (رد الفعل المعاكس) أو التطهير السريع ، وذلك بحقن المصاب بمادة معينة تهدئ من التهيج واضطراب خلايا دماغه .. وعندئذ حينما يكون المريض بين النوم واليقظة يعاد على ذاكرته ما جرى له من حوادث في المعركة ذاتها .. فيستعيد ذكرياتها و (يعيشها) مرة أخرى بمخاوفها ورعبها القاسية ، وينتج عنه شفاء سريع ومرض .
ويتهم الأطباء النفسانيون من الذين لا يؤمنون بمدارس التحليل النفسي واللاشعور ونظرياته يتهمون زملاءهم من المحللين النفسانيين بأن ما يقومون به من علاج نفسي إنما هو (غسل دماغ) و (تحويل أفكار) يجري بين المحلل ومريضه . فالمريض يضع ثقته في طبيبه .. وطبيبه يستدرجه إلى حالة التطهير – أي سرد ذكرياته .. وبين حين وآخر يؤكد الطبيب لمريضه نقاطا خاصة في اعترافاته أو يدفعه في اتجاه معين هو اتجاه مدرسته التي ينتمي إليها المحلل .. والنتيجة هي أن (يتحول) المريض إلى ما يريده الطبيب ، وهو المطلوب في العلاج النفسي ! . والحقيقة أن هذا التفسير التهكمي لا ينتقص شيئا من قيمة التحليل النفسي وأهميته ، كما أن له ردودا مقنعة ليس هنا مجال بحثها ، وإذا شئنا التعميم على هذا القياس لقلنا بأن كل شد وجذب بين عقلين بشريين يتضمن شيئا من محاولة لغسل الدماغ وتحويله ..