المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الله ينصر سيدنا



مريم التيجي
14/10/2010, 04:02 PM
لم تكن في يوم ما تحب السياسة أو تتابع أخبارها، لكنها منذ مدة أصبحت تستمع لخطابات الملك وتتابعها باهتمام…
".. فالقضاء مؤتمن على سمو دستور المملكة، وسيادة قوانينها، وحماية حقوق والتزامات المواطنة…" كان الخطاب هذه المرة متميزا.. تاهت في ثنايا ذاكرتها، ما إن نطق الملك بكلمة "قضاء" حتى غابت عن الوعي، وغاصت في وحل الذكريات.
..هزها بعنف صراخ القاضية التي لن تنسى ملامحها أبدا “يلا زدتي شي كلمة غاديا تهبطي للكاشو .. » .لم تكن تعرف أن محاولة بيعها للشقة التي ورثتها عن أمها ستقودها إلى هناك..
بدا المشتري رجلا كريما "ولد الناس" ورغم نظراته المريبة إلا أن ذلك لا يهم كثيرا، ستنهي معه المعاملات بسرعة وكل واحد سيذهب بعد ذلك إلى حال سبيله.. تسلمت عربون البيع وعادت إلى أطفالها بالخبر السعيد؛ سنبدأ مشروعنا قريبا.. يجب أن نبحث عن محل في شارع كبير.. علينا إيجاده قبل أن يحل الصيف وترتفع الأسعار…
في اليوم الموالي ذهبت للقاء المشتري حسب الموعد ليذهبا معا إلى الموثق ويشرعان في إجراءات البيع، لتفاجأ به يطالبها بالعربون لأن الشقة لم تعد تعجبه.. نزل الخبر عليها كالصاعقة، لقد أنفقت كل المبلغ الذي استلمته بالأمس، ما كادت تصل إلى البيت حتى وزعته على ديونها التي تراكمت في الشهور الأخيرة…
فجأة تحول "ولد الناس" إلى شخص آخر، أصر على استرداد المبلغ كاملا قبل منتصف النهار، صرخ في وجهها وهددها بالويل والثبور، وعدته أنها ستحاول وهي تعرف في أعماقها أن ذلك من رابع المستحيلات,استنجدت بكل من تعرف، استشارت السمسار الذي توسط بينهما، طمأنها بأن القانون إلى جانبها، بحكم أن المشتري هو من تراجع عن الشراء، وبالتالي لا حق له في العربون إلا إذا أرادت هي أن تعيد له جزءا من المبلغ.
اعتقدت أن الأمر انتهى عند هذا الحد، قبل أن تفاجأ في اليوم الموالي باستدعاء عاجل إلى المحكمة، رغم أنها لم تطأ عتبات محكمة في يوم من الأيام إلا أنها ذهبت في الموعد المحدد وهي تفكر فيما ستصرح به من أقوال…
سمعت اسمها فهرعت مسرعة إلى القاعة، لم تعرف أين ستتجه ولا أين يجدر بها أن تقف أو تجلس، لم تتردد طويلا، جلست ، وما كادت تفعل حتى صرخت القاضية في وجهها "شكون اللي قال ليك تجلسي" وقفت مذعورة ،شعرت أن كل العيون تحيط بها، كان وقع التهمة كالصاعقة على مسامعها "أنت متهمة بالنصب والاحتيال" حاولت أن تتكلم، أن تشرح ما جرى، لكن القاضية ظلت تهددها إن نبست بكلمة أخرى "غادي تمشي فين تتربى" حاولت أن تقسم ببراءتها لكن ذلك زاد من شراسة القاضية التي أقسمت أن تضيف إلى تهمتها تهمة أخرى وأن تأمر باعتقالها من قاعة المحكمة، انهارت، صمتت، ثم استسلمت وهي تستمع لخصمها وهو يتكلم بإسهاب عن "النصب الذي تعرض له على حد قوله ،بعد أن أنهى كلامه، أعلنت القاضية عن تأجيل موعد النطق بالحكم إلى يوم الأربعاء .
لم تفهم ماذا يجري، حجبت عنها دموعها ملامح الممر الذي كانت تسير فيه، كادت تسقط في قاع سحيق إلا أن "الشاوش" الذي كان أمام الباب انتشلها، ربت على كتفها وهمس في أذنها "فكي الجرة ابنيتي خارج المحكمة باش ما كان "
يبدو أنه كان أكثر خبرة منها في العلوم القانونية رغم أنها قضت سنتين في مدرجات كلية الحقوق.
عادت إلى بيتها، اتصلت بصديقتها التي حددت لها موعدا مع المحامي، وقبل أن تصل إلى بيتها اتصل بها السمسار، وأعطاها رقما هاتفيا.. فهمت الرسالة ركبت الأرقام فورا..
..لم تتوقع أن يرد عليها بلطف، وعدها خيرا شرط أن يلتقيان في فندق وسط المدينة ليتفاهما على كل شيء..ولكي لا يجمح بها الخيال بعيدا بادرها بلطف”ما تسمعيش الوطيل وتتخلعي، راه غير نشربو شي براد ديال أتاي ونهضرو و عفا الله عما سلف"
لم يكن لها خيار آخر، فقد كانت نظرات القاضية جادة جدا وهي تهددها بالترحيل إلى السجن، كما أنها لن تحتمل تهمة النصب والاحتيال، "والشاوش اللي عارف كل شي قال ليها فكي الجرة برا"
ذهبت إلى الموعد، لكنها لم تجده في مدخل الفندق كما اتفقا.. قبل أن تسأل بادرتها مضيفة الاستقبال: السي فلان كيتسناك فالغرفة 344
واصلت المسير باتجاه الغرفة، وجدته في انتظارها، أمسك يدها وبادرها "مرحبا" وطبع قبلة على خدها، سحبها إلى الداخل ، طلب منها أن تجلس.. قررت أن تعود من حيث أتت لكنها تذكرت زنازن السجن،ملأت رأسها صورة طفلها الصغير وهو يبكي باحثا عنها في أركان البيت..انهار قرارها، خارت قواها .انقض على شفتيها فغابت عن الوعي، لم تعرف، أو لم تكن تريد أن تعرف، ماذا حدث قبل أن تفتح عينيها لتجده يغلق أزرار قميصه وهو ينظر إليها، انتفضت مسرعة إلى الحمام، شعرت بالتقزز ، بالرغبة في التقيؤ وهي تمسح تلك القذارة عن جسمها، لفت شعرها، وغسلت وجهها دون تتجرأ على النظر إلى المرآة…
صباح الأربعاء تغير كل شيء، أصبحت القاضية لطيفة جدا، وسمحت لها بالجلوس ثم أغلقت الملف بعد أن تنازل المدعي عن الدعوة التي تقدم بها..
مرت سنوات لكن شعورها بالقهر والظلم كان يكبر ككرة ثلج مع مرور الأيام..
"…سيظل خديمك الأول، شعبي العزيز، ساهرا على رعايته، حريصا على حسن تفعيله، من طرف كل ذي سلطة، بالآليات القانونية للمتابعة والمحاسبة والجزاء ; وذلك في ظل القضاء النزيه"... انتبهت إلى كلمات الملك وتمتمت وهي تمسح دمعة ساخنة "الله ينصر سيدنا"

عائشة صالح
14/10/2010, 04:15 PM
أحييك أختي الفاضلة على جرأتك وكتابتك هذه القصة المذهلة
هذا إ ن دل إنما على يدل الإنحطاط اللاأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع ، ولكن أنا لي نظرة أخرى من ناحية استستلام السيدة لهذا الوضع المقرف والمقزز الذي آلت إليه.
فكان عليها أن تواصل القضاء وأن تضع محام لها وأن تواصل القضاء بدل من أن تحل المسألة على حساب شرفها وأخلاقها.
على العموم القضاء في جميع أنحاء الوطن العربي غير أخلاقي ولا يهتم بمشاكل المجتمع ولدي قصة مؤثرة أعرفها عن قرب وهذه مسألة إجتماعية يجب أن نطالب القضاء في حلها.
لا أريد أن أخرج عن الموضوع ولكن إن شاء الله سأضع موضوع عن الحلات الأجتماعية قريباً
تحياتي وتقديري
حسبنا الله ونعم الوكيل

عز الدين بن محمد الغزاوي
14/10/2010, 08:10 PM
السلام عليكم و رحمته تعالى و بركاته
أختي المحترمة مريم التيجي
بالفعل إنها قصة مؤثرة و تحمل دلالات عميقة
و القضاء إضافة لباقي القطاعات الهامة في ازدهار الأمم، يبقى القطار الذي لم يعرف سكته بعد في كل الأقطار العربية
و لعل المفهوم الذي أشار إليه ملك البلاد في خطابه الأخير:
" القضاء في خدمة المواطن



"
رهان و تحدي يحتاج للعديد من الآليات و المجهودات من طرف المسؤولين على هذا القطاع و كذلك التربية على المواطنة من طرف المواطنين
أعتذر على هذا النقاش السريع لموضوع له من الأهمية الشيء الكبير
و لي عودة للموضوع عندما تتشرف الأخت شروق برفعه
* صادق مودتي واحترامي / الغزاوي

كرم زعرور
14/10/2010, 10:39 PM
ألأخت الفاضلة مريم
إنّ ما رويتِهِ ليس بعيدا عمّا يحصلُ من ممارسات ٍ
غير إنسانيّة من جانب المتنفّذينَ , وخاصّة ً في غيابِ
أو تعطيل ِردْع ِ القانون ِلأيّ سبب ٍمن الأسباب ِ غير
المشروعة ِ.
إنّهُ شيءٌ يجعلُنا نكرهُ الحياةَ !
وإلى هنا ولا أستطيعُ أن أكملَ , تَقَزُّزا ً .

نجيب بنشريفة
25/10/2010, 05:44 PM
.
.
.
.
.
.
سيدتي الفاضلة مريم التيجي
وما هذه الا حالة من حالات لا تحصى ولاتعد
حسبنا الله ونعم الوكيل
كان القضاء شأنه شأن الامارة تكليف ليس بتشريف
وحين أصبح القضاء بالوصاية والمحسوبية ضاعت حقوق الناس
وانتهكت أعراضهم
.
.
.
أقضى من شريح
.
.
.
التابعي الجليل شريح هو تابعي جليل عظيم كان قاضيا ًعادلا ًرمز العدل في الإسلام حتى في وجود الصحابة كان من أميز الناس في قضية القضاء والعدل وهو رمز للعدالة ورمز للقضاة يقتدون به على مدى التاريخ . ولذلك قيل في المثل: أقضى من شريح .
تبدأ قصة شريح بموقف حدث بينه وبين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقد اشترى عمر رضي الله عنه فرسا من رجل من الأعراب وأعطاه ثمنه وعندما ركب عمر صهوة الفرس ومشى به إذا بالفرس لا يستطيع أن يسير لوجود عيب فيه فرجع عمر إلى الرجل وقال له: خذ فرسك فإنه معطوب أي فيه عيب.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين لا آخذه لأنني بعته لك وهو سليم. فقال عمر: اجعل بيني وبينك حكما.
فالتفت الرجل وقال: يحكم بيننا شريح بن حارث الكندي.
فقال عمر: رضيت به.
فذهب عمر مع صاحب الفرس إلى شريح ولما سمع شريح مقالة الأعرابي التفت إلى عمر وقال له: هل أخذت الفرس سليما ًيا أمير المؤمنين؟
فقال عمر: نعم. فقال شريح: احتفظ بما اشتريت أو رد كما أخذت.
وبعد أن سمع عمر هذا الكلام نسي قضية الفرس وقال متعجبا ً: وهل القضاء إلا هكذا ، قول فصل وحكم عدل أي كلام موجز فاصل يحكم بالعدل. ثم قال : سر إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها.
.
http://www.wata.cc/forums/showthread.php?t=76004
.
.
وهناك قصص كثيرة في هذا المنوال الذي أصبح حلما بعيد المنال اليوم ان لم نقل من ثالث المستحيلات
شكرا لطرحك وجرأتك
تحياتي الخالصة
.
.
.
.