المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمة .. الخطاب والمنهجية (4)



حسن سلامة
23/10/2010, 12:39 AM
الأمة / الخطاب والمنهجية .. 4



قلتُ في حلقة سابقة أن المنهجية تقتضي فهم الآخر حتى نستطيع معرفة التعامل معه اومواجهته ..
وعدونا هو الآخر الذي شغلنا وعطل مسيرتنا التاريخية والتنموية لعقودعدة ..
وبحكم عملي واطلاعي على كثير من الأمور والكتابات والمواقف ، كان لا بد من توضيح بعض تلك المحصلة للقارئ العربي ، حتى يفهم موقعه بالضبط من عملية القراءة الصحيحة، والبناء على معلومات ونتائج تلك القراءة ..
وحين تحدثت عن المنهجية في الخطاب العربي وما آلت إليه الحال في منطقتنا ، كان لا بد من أشخاص يعلقون الجرس ، أويقولون كلمة البدء والعمل .. من أجل الأمة .. لأن دور الإنسان الحقيقي أن يكون خادم أمته ..
هنا ايضاً ، منهجية تقتضي فهم الآخر / ليس العدو المباشر / بل الغرب ، أوروبا صانعة اسرائيل .. فكيف يفكر هؤلاء ، بخاصة الفلاسفة والمنظرون منهم ..!!
العالم الثالث اليوم، أربعة أخماس اليابسة،
وثلاثة أرباع البشرية ،
معظمهم لا يحيون كما يجب أن يحيا البشر على هذا الكوكب.
ونحن / العرب ، كجزء من هذا العالم الثالث، لنا خصوصيتنا وظروفنا، ومأساتنا المتمثلة في أطماع الآخر في هذه البقعة المتوسطة من الأرض ، وعلى مدى التاريخ، من حروب الإفرنجة، إلى الخروج من الأندلس، إلى التقسيم الاستعماري، وانتهاء بإنشاء قاعدة متقدمة لذلك الاستعمار الغربي المتمثلة في دولة الكيان الصهيوني.
لكن،ماذا تغير في أحوالنا؟
ما وجه الشبه بين أوضاعنا الراهنة وما كان عليه الحال قبل ربع قرن مثلا؟
هل وضعنا أنفسنا، كعرب، في موضع لا نحسد عليه، كما قال شاعرعربي:

ومن رعى غنماً في أرض مَسبعة ونـام عنها تولى رَعْيهـا الأسدُ!

أم أن الأوضاع بدأت تتغير،نتيجة تحول منطقتنا العربية إلى سوق استهلاكية سلبية ، تعتمد على المستورد ، وتقتات الهمبرغر والهوت دوج ..
هل تملك الأمة بذرة الخير التي تتحفز إذا أوليناها الرعاية والحماية في مواجهة الشر..
وقديما قال الشاعر طرفة بن العبد:

الخير خيرُ وإن طال الزمان به والشرأخبثُ ما أوعيت من زاد

**
في سلسلة حوارات بين المفكرين، الفرنسي ريجيس دوبريه، والسويسري جان زيجلر ، لإذاعة فرنسية، وطبعت في كتاب قبل أعوام عدة ، كان للعالم الثالث جانب من تلك الحوارات بالإضافة الى تصورهما للعالم الحديث (العولمة).
يقول زيجلر:
إن العالم الثالث هو العالم المستعمر والمحتل من قبل أوروبا أولا، بالنظام العبودي، ثم بالغزو الميداني، وأخيراً بالنظام الإمبريالي .. بالعولمة، هذه الشمولية الكاذبة التي تنكر الثقافات الأهلية لشعوب الأطراف وتفرض - بغطرستها - تلك الهيمنة لمجموعة من الثقافات والسيطرة الاقتصادية المطلقة للعرق الأبيض على كل أرجاء المعمورة .
ويقول: إن رهانات التاريخ الاقتصادي والعسكري والعلمي على المستوى العالمي، وضع داخل مثلث ضيق ( وقت الحوار ) رؤوسه: نيويورك واستوكهولم وطوكيو، وكل الذين قدر لهم أن يولدوا خارج هذا المثلث، أصبحوا عملياً مستبعدين من هذا التاريخ..!
ويقول: إن الكثيرين في العالم الثالث لا يملكون حرية القول، وهم بالكاد يستطيعون أن يتكلموا بلغتهم الأصلية ، وبذلك يكونون عرضة للاستهلاك السلبي لكل ما يقدم لهم عبر وسائل متعددة، فيكون الأمر أشد إذلالاً من أي شيء آخر..!وفي الوقت الذي يجب أن يكون فيه التقدم التقني حافزاً لولادة وعي كوني شامل مع كل ما يترتب على هذا الوعي من معرفة الآخر، والانفتاح عليه، نجد أن الذي يحدث هو نقيض ذلك، وبالتالي فإنه كلما تفاقمت العولمة الاقتصادية تفاقم تشرذم السياسي .
على الجانب الآخر يري ريجيس دوبريه: أن هذا الكوكب يتحول إلى سوبرماركت، من مبدأ ان (كل شيء موجود في السوق) وبالتالي لا بد من مواجهة ذلك حتى لا تكون هناك (جزر صغيرة) كالدولة والثقافة والتعليم خارج قانون العرض والطلب .
إن هذه الحوارات التي تشير الى ( وحدة سلبية ) للعالم ـ كما يعبر عنها سارتر ، إنما تكشف عن ثغرة ومفهوم خاص في نظرة الدول المتقدمة للعالم الثالث، حيث إن أوروبا البيضاء، كما يقول زيجلر، تبني اليوم نفسها كحصن منكفىء على ذاته تكدس الثروات الهائلة في داخلها، غير أنها تعالج مسألة الشمال والجنوب ومسألة العدالة الاجتماعية على الصعيد العالمي ككل، كما تعالج مسألة بوليسية . فكيف يمكن ردع الجائعين والذين كانت أوروبا سبباً في جوعهم، عند اجتياز البحر المتوسط لغزو أوروبا؟
ويقول: إن ذلك هاجس كل الدول الأوروبية تقريباً .

**
أرى إن ما تقدمه أوروبا، والغرب عموما للعالم الثالث، لا يخرج عن منظومة (الوحدة السلبية للعالم) لتحقيق وتكريس الهيمنة داخل سور المثلث (نيويورك واستوكهولم وطوكيو)، وما المعونات التي تقدم للدول الفقيرة والمعدمة، أو حتى الديون، إلا وسيلة لتجنب تلك الهواجس الغربية، أوبالأصح، الخلاص من عقدة الذنب / عقدة الاستعمار .
في مقابل ذلك كله، وفي وطننا العربي، نشهد حالة محددة من ( الوعي الجمعي ) الذي يطفو على السطح في كل حالة تمس همومنا وآمالنا، رغم الوضع المأساوي الذي يشكله وجود (اسرائيل) على الأرض العربية، ونرى أيضاً أن دولاً عربية عدة، تجاوزت ذلك المثلث الضيق الذي يريده الغرب، من خلال الإنتاج والتقنية، ووجود الحريات الإنتاجية.
إلا أن المطلوب بشكل واضح تجاه نشر (الوعي الكوني) ومعرفة الآخر، هو أن تكون المعاملة بالمثل، بعيداً عن النظرة التي يرى من خلالها الغرب عالمنا العربي، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التخلص من عوامل الخوف بكل معانيه، لأن جميع المشكلات التي نعرفها، مرتبطة بجرثومة الحياة أو (غول العالم) ونعني بذلك (الخوف) كما قال (شو دزموند) في كتاب له في الخمسينات من القرن الماضي ، فلواستطعنا التخلص من عامل الخوف، لما كان للظلم والبطش أية قوة، ولعجلنا بتطورنا وارتقائنا الروحي والفكري، لأن الخوف هو العقبة أمام التطور والارتقاء ..
لكننا جعلناه يدخل حتى في أحلامنا..!!
نحن في أرض مَسْبعة،
فيجب ألا ننام عن أغنامنا!
ويجب ألا نستجدي الإثم فواحش من عامورة أو سادوم!
ولايجوز أن نترك لمحطات العري السياسي والأخلاقي أن تستلب منا الذاكرة والتاريخ.
ولا يجب أن نجعل الاستهلاك العشوائي الضار يستنزفنا..
فهل يجوز الحديث عن حضارة ونهضة دون الرجوع للأرض ، الزراعة والصناعة ، دون الرجوع إلى الاستهلاك مما ننتج ..؟
قد يحدث ذلك ، إذا كان هناك قرار للسلطة أولا ، ورغبة في نفوس أفراد المجتمع ثانيا ، ساعتها نستطيع القول : ها نحن ، أصحاب الحضارة السابقة .. واللاحقة ..
لذلك ، لا بد من وضع تصور للحلول ، حتى نخرج بفائدة من كل هذا الحديث...
... يتبع

كرم زعرور
23/10/2010, 12:49 AM
أخي الفاضل حسن سلامة
أشكركَ على منهجية ِ التفكير ِوالطّرح ِ,
أرجو أن لا تحمنا من أفكارِكَ المستنيرة ,
ولي عودةٌ إلى الحلقات السّابقة .
أطيبُ التمنيات ِ- كرم زعرور

مازن عبد الجبار
28/10/2010, 12:16 PM
قلتُ في احد اعمالي المنشورة في الحكمة
امة لاتدافع عن ارضها لاتستحق الحياة
كما قلت في اخر
مدينة تاكل حق الفقير لاتستحق الحياة
كما قلتُ في اخر
حين يتحكم العامل الذاتي في العامل الديني والقومي والاخلاقي داخل النفس البشرية يختزل فرصة صاحبه في الحياة
معلومات قيمة في مقالة رائعة

حسن سلامة
28/10/2010, 07:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي العزيز / كرم زعرور

مأساتنا يا سيدي ، أننا نعرف مكامن الوجع .. ونملك الدواء ، لكننا لا نتبع وصفة الطبيب ..
فتبقى العلة ، ونخسر الدواء ، ويضيع جهد الطبيب ..!!


إنها جرثومة الخوف ..!