المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رماد وبعض الحليب



أسامة شيخ إدريس
26/10/2010, 09:24 AM
أنت قطعا ً لا تريد أن تلتقى (بسعيد الغائب ) أو ربما تود ذلك بعد ان تغلق هذة الصفحات فهو أسم على غير مسمى يشعرك وأنت تنظر إليه بأنه قد خُلق من شجرة (جميز) عملاقة وخشنة تضرب بجزورها المعروقة باطن الأرض فى قوة وتتشبث بها فى عناد وترفع فروعها لتأخذ كل شئ غصبا
(سعيد الغائب) كبرق وإن شئت قل كزوبعة لا تعرف أين تضرب ومتى تأتى ، فلا مكان له ولا زمان قد تجده على أطلال المنازل المتهدمة جنوبى القرية يأتى مترنحا بجلبابه الذى صار بلون التراب مثل بشرته وهو يحمل عبوة بلا ستيك كبيرة ممتلئة بسائل شفاف
أقسم لكم بأنه ليس ماءً . وصاحبات المكان المهجور اللآتى أخذ منهن عبوة ( عرق البلح ) عنوة يرشقنه بالحجارة وأوانى صناعة العرقى التى حطمها تواً ولايهتم ، فجسدة الخشبى المعروق حتى باطن كفه كان بلا مسام وخالى تماما من الإحساس وقد تراه بالقرب من المسجد فى طريقة الى مكان ما فهو مثل الحوت يغرق إن توقف عن المشى. بلا وجهه هو دائما فى تجوال . متحفزا دوما للعراك ولا يبتسم إلا نادرا وقد لا تراه لشهر كامل يغيب فيها بجسده فقط فكل التوقعات كانت تشير إلى أنه ربما كان هنا أو هناك ..نزقا كعادته متحفز للعراك وأخد أى شئ .
كان وجوده بين الناس أشبة بشئ حتمى فُرض عليهم فهو الذى تخشاه قلوب الصغار بعد المغيب حين عندما تنادى الأمهات
يا (سعيد الغائب) ...تعال الى (فلان ولد فلانه ) يرفض النوم
وسرعان ما تعود لتحضن صغيرها بخوف وهى تردد
- الشر بره وبعيد . وتستدرك بذعر مصطنع
(يا (سعيد الغائب) خلاص ولدى نام نوم العافيه )
كان( سعيد الغائب) فى عقول الصغار حتى هؤلاء الذين لم يروه عياناً شيئا خارقا وهو يقبع على نواصى كل البيوت، وخلف الأبواب المغلقة عند المغيب . وهو مستعد لتحطيمها والدخول عنوة متى ما طلبت منه إحدى الأمهات ذلك ولا يردعة عن الدخول شئ عدا مقولة الأم
حكاوى الكبار تصنع منه بطلا ًخارقاً ، ووليا ًصالحاً ،وشيطانا ً رجيما ً ،فهو يستطيع أن يمحو النقوش التى على القرش المعدنى بفركة بأصبعين فقط كما يمكنة كسر نواة التمر بسبابته وإبهامة كمن يسحق (فص ملح ) دون عناء ودون تكرار المحاولة، وهو حفيد (الشيخ الغائب) والذى أخذ إبريق وضوءه وسجادته ذات يوم الى الخلاء البعيد ولم يعود بعدها أبداً فولدت جدته أمه بعد سنوات طوال من غيابه فالشيخ الغائب كان يأتى جدته فى شكل ثور هائج فيصدر صوتا من أنفه كحال الثور الذى يلتقى انثاه فتروضة ليلا ويرحل صباحا ً.
كانت له أسنان وشفاة غليظة وشعر بإبطيه وأصبع موز كبير عند ولادته . أقسمت (الشول بنت قسم الفضيل ) على ذلك وهى تصفة عند ولادته والكل يعرف أنها أول من إستقبل (سعيد الغائب) الذى لم يصرخ أبداً بل ظل يصدر صوتاً كصوت الثور من أنفه تماما ًكما كان يفعل جدة( الشيخ الغائب) ولكنه ضحك بصوت أشبه بالكركرة فى ذات اللحظة التى سافرت فيها روح أمه الى الأعلى عند ولادته وكأنها تتبرأ منه . و (الشول بنت قسم الفضيل ) أقسمت قسما ًغليظا بأن أمرأة ما غريبة الهيئة تأتى ليلا لترضعه فتخرج ثديها الضخم والملئ بالشعر الرمادى فيرضع سائلاً ثخينا ً أشبه ببول الحمار فتملأ الغازات بطنه فيطلق الريح بصوت عال ولا يبالى وهى عادته حتى الأن
عندما كان صغيرا كانوا ينادونة (بذى الفمين)
يقصدون الصراخ المزعج الذى كان يخرج من أسفلة
الكل يعرف بأنه كان يكره (الشول بت قسم الفضيل) وكثيراً ما توعدها بالموت خنقا فى كل محفل وبدون مناسبة لقلة أدبها ووصفها لأشياءة الخاصة . لعلى لم أذكر أنه لم يكن داعراً ولا زير نساء .
وقد تجده عكس ذلك تماما فى المرات القليلة التى تكون فيها صفائح الدم لديه خالية تماما من عرق البلح والحبوب المخدرة والسلسيون وأشياء أخرى يبتكرها بنفسه ليدخل الى عالمه الخاص .
فى تلك الحالات النادرة يكون (سعيد) أسما على مسمى فتراه يدندن بأغنيات قديمة وله صوتا شجياً فقط عندما تخلو صفائح الدم لدية من ذاك السائل الشفاف
وضعت (سلوى حسن) يداها معقودتين تحت ذقنها وفتحت عيناها عن آخرهما وهى تحرك بؤبؤيها لتؤكد ثقافتها
-- (سعيد الغائب) ضحية المجتمع القاسى من حوله واخذت نفسا عميقا وكانها قد فرغت للتو من إكتشاف الذرة
(الشول بنت قسم الفضيل) كعادتها تلف القرية لتشرب فنجان القهوه عن نساء القرية مقابل الأخبار ولديها اليوم خبراً يثمكّنها من شرب خمسين قدحا من القهوة فى بيوت القرية وربما أكثر من ذلك
أخذت ( الشول) رشفة طويلة ذات صوت جهورى ومصت شفتيها كخفاش يلعق فريسته وصمتت برهه وعيون النسوة معلقة بها وإمعانا فى إثارة فضولهن تثاءبت ثم سعلت وبصقت وأدخلت أصبعها حتى منتصفة فى فتحة أذنها اليمنى وفركته وفجرت النبأ
- (سعيد الغائب) تزوج
فصحن بصوت واحد
- (تزوج منو ؟)
- (زكية بنت النور )
وهذة المرة لم تقاوم الشول حب الثرثرة فيها فراحت تنداح فى الحكى تساعدها فى ذلك يداها وحاجباها وكل أطرافها .
رشفت رشفة طويلة من فنجان قهوتها وجالت ببصرها بين النسوة قالت بجديه ..أقسم والد (زكية ) وأخوانها أن يقتلوها ويشربوا من دمها بعد ان جلبت لهم العار بحملها سفاحا ً فلاذت بمخفر الشرطة لحمايتها ولم يشفع لها أن طفلها الذى حملت به سفاحا ً جاء سقطا ومات فى شهورة الأولى فقضت عقوبتها وتربص اخوانها لها ليقتلوها حين خروجها من المخفر ...وصادف أنه كان مارا ًبقسم الشرطة ورأى تجمعهم وعرف السبب ً وأقسم أن من يمس (زكية) بسوء ليشربّن هو من دمه
وصاح في (النور ود الحسن ) والد زكية بتحدى
- (أنا عايز أتزوجها رأيك شنو)
فصاحت ( زكية ) من خلف قضبان الزنزانه
- موافقه
(سعيد الغائب) لم يتخلى عن عادته بأخراج الريح بصوت عالى مهما كان عدد الحضور ولم يتخلى عن إبتكار الأبواب التى يدخل منها الى عالمه الخاص حتى بعد أن إنتقلت زكية الى منزلة وبعض النسوة الشبقات لا يخفين حسدهن على أصبح الموز الكبير الذى تسطيع أن تأكله الآن بشراهة دون ان تخاف من أهلها
غير أن منزل (سعيد الغائب) شهد صراخا عظيما ذات يوم ثم صراخا آخر أقل صوتا ،
كان نظيف الجلباب كالحليب عندما خرج من منزلة وهو يحمل طفلة جميلة لها بشرة والداتها وشعرها ولم تكن تصدر صوتا كصوت الثور من أنفها ولكنها أيضا كانت تطلق الريح وتضحك بصوت أشبه بالكركرة .