المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل ذو القرنين المذكور في في القرآن هو أوغوزخان ؟



نظام عزالدين محمد علي
29/10/2010, 10:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

هل ذو القرنين
المذكور في القرآن الكريم
هو أوغوز خان ؟

- محاولة توثيقية –


اختلف العلماء والمحققون حول شخصية ( ذو القرنين ) الى عدة اقوال وانبرى كل فريق بدلائله وما وصل اليه من تحقيق مستندا الى اعتبارات ودلائل عدة ؛ فاستندوا الى احاديث نبوية واقوال علماء قدماء والى اسرائيليات وكذلك الى مشاهدات شخصية .
والتحقيق الذي تجدونه امامكم هو دراسة اولية مقتضبة لما وصلت اليه حول شخصية ذو القرنين ولقد استندت في بحثي الى اهم الكتب التي عالجت شخصية ذو القرنين منها التفاسير المشهورة للسلف والخلف بالاضافة الى الدراسات والتحقيقات التي كتبت حديثا حول هذا الحاكم او الملك الصالح والبحث لا يخرج من كونه بحثا تحقيقيا شخصيا يحتمل فيه الصواب والخطأ والمهم ان هذا الرأي لم يسبقني اليه شخص آخر وهو رأي أجدني قد انفردت به عن بقية الاراء فان كان خطأ فمني وان كان صوابا فمن الله والله المستعان ..
أن أراء وتحقيقات العلماء والمحققين هي حصيلة ما توفر لديهم من مواد او معلومات قد بنوا عليها نتائج بحوثهم والتالي فان أي رأي او تحقيق هو ثمرة اجتهاد المحقق او العالم ، المهم ان يكون الرأي لم يكتب بنزعة شخصية انما كتب بالاستناد على مستلزمات البحث العلمي المجرد .
ولقد كانت لسورة الكهف كلما تسنح لي قراءتها أيام الجمع سحرها الخاص والآخاذ لما فيها من قصص تاريخية مليئة بالعبر والدروس تأخذ بخيالي محلقا بعيدا عبر العصور ليطير به الى افاق لا تصل اليها الحسيات والملموسات ، ولقد استوقفتني اكثر ما استوقفتني الايات الواردة حول ( ذو القرنين ) في سورة الكهف فكان باعثا لهذا المبحث .
وقبل التطرق الى حيثيات والأراء التي تدور حول هذه الشخصية ،دعنا نقرأ معا الآيات الواردة في هذا الشأن ، قوله تعالى "
1. "وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا
2. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا
3. فَأَتْبَعَ سَبَبًا
4. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
5. قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا
6. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا
7. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا
8. حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا
9. كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا
10. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا
11. حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا
12. قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا
13. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
14. آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا
15. فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا
16. قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
وسنكتفي في هذه الدراسة التمهيدية التطرق الى التفاسير المهمة والمقبولة من طرف الامة الاسلامية دون الدخول في تفسير الآيات من جوانبها المتعددة وسنعالج بقية الاراء المبعثرة في التفاسير في الدراسة الشاملة والتي سأنشرها لاحقا باذنه تعالى حول هذه الشخصية المهمة والمبهمة عند الكثير فلنراجع معا ما وردت في التفاسير المهمة وقد انتخبت ثلاثة من أهم التفاسير لنقف بوضوح على أراء أئمة التفسير والعلماء في هذا الباب وبعد ذلك سأورد ما وصلت اليه ؛
1. الامام ابن جرير الطبري : فيذكر حول ( ذور القرنين ) ما يلي " الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَك عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيَسْأَلك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ مَا كَانَ شَأْنه , وَمَا كَانَتْ قِصَّته , فَقُلْ لَهُمْ : سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَره ذِكْرًا يَقُول : سَأَقُصُّ عَلَيْكُمْ مِنْهُ خَبَرًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْر ذِي الْقَرْنَيْنِ , كَانُوا قَوْمًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَأَمَّا الْخَبَر بِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ كَانُوا من مُشْرِكِي قَوْمه فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْل . وَأَمَّا الْخَبَر بِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ , كَانُوا قَوْمًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب . 17546 - فَحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب عَنْ اِبْن لَهِيعَة , قَالَ : ثَنْي عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد بْن أَنْعَمَ , عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ نَجِيب , قَالَ : أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَى عُقْبَة بْن عَامِر نَتَحَدَّث , قَالَا : فَأَتَيَاهُ فَقَالَا : جِئْنَا لِتُحَدِّثنَا , فَقَالَ : كُنْت يَوْمًا أَخْدُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَرَجْت مِنْ عِنْده , فَلَقِيَنِي قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالُوا : نُرِيد أَنْ نَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَأْذَنَ لَنَا عَلَيْهِ , فَدَخَلْت عَلَيْهِ , فَأَخْبَرْته , فَقَالَ : " مَا لِي وَمَا لَهُمْ , مَا لِي عِلْم إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّه " , ثُمَّ قَالَ : " اُسْكُبْ لِي مَاء " , فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى , قَالَ : فَمَا فَرَغَ حَتَّى عَرَفْت السُّرُور فِي وَجْهه , ثُمَّ قَالَ : " أَدْخِلْهُمْ عَلَيَّ , وَمَنْ رَأَيْت مِنْ أَصْحَابِي " فَدَخَلُوا فَقَامُوا بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ : " إِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُمْ فَأَخْبَرْتُكُمْ عَمَّا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ مَكْتُوبًا , وَإِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ " , قَالُوا : بَلَى أَخْبَرَنَا , قَالَ : " جِئْتُمْ تَسْأَلُوننِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ , وَمَا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ : كَانَ شَابًّا مِنْ الرُّوم , فَجَاءَ فَبَنَى مَدِينَة مِصْر الْإِسْكَنْدَرِيَّة ; فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَهُ مَلَك فَعَلَا بِهِ فِي السَّمَاء , فَقَالَ لَهُ مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : أَرَى مَدِينَتِي وَمَدَائِن , ثُمَّ عَلا بِهِ , فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : أَرَى مَدِينَتِي , ثُمَّ عَلَا بِهِ فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ قَالَ : أَرَى الْأَرْض , قَالَ : فَهَذَا الْيَمّ مُحِيط بِالدُّنْيَا , إِنَّ اللَّه بَعَثَنِي إِلَيْك تُعَلِّم الْجَاهِل , وَتُثَبِّت الْعَالِم , فَأَتَى بِهِ السَّدّ , وَهُوَ جَبَلَانِ لَيِّنَانِ يَزْلَق عَنْهُمَا كُلّ شَيْء , ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى جَاوَزَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى أُمَّة أُخْرَى , وُجُوههمْ وُجُوه الْكِلَاب يُقَاتِلُونَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى قَطَعَ بِهِ أُمَّة أُخْرَى يُقَاتِلُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وُجُوههمْ وُجُوه الْكِلَاب , ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَطَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ إِلَى أُمَّة أُخْرَى قَدْ سَمَّاهُمْ " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ لِذِي الْقَرْنَيْنِ : ذُو الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى قَرْنه فَهَلَكَ , ثُمَّ أُحْيِيَ فَضُرِبَ عَلَى الْقَرْن الْآخَر فَهَلَكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17547 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ عُبَيْد الْمُكْتِب , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : سَأَلَ اِبْن الْكَوَّاء عَلِيًّا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ : هُوَ عَبْد أَحَبَّ اللَّه فَأَحَبَّهُ , وَنَاصَحَ اللَّه فَنَصَحَهُ , فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّه فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَقَتَلُوهُ , ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّه , فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : سُئِلَ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ : كَانَ عَبْدًا نَاصَحَ اللَّه فَنَاصَحَهُ , فَدَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه , فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ , فَأَحْيَاهُ اللَّه , فَدَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه , فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ , فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبَى بَزَّة , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا وَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ ؟ قَالَ : كَانَ عَبْدًا صَالِحًا , فَأَحَبَّهُ اللَّه فَنَصَحَهُ , فَبَعَثَهُ اللَّه إِلَى قَوْمه , فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ فِي رَأْسه , فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ . وَفِيكُمْ الْيَوْم مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 17548 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَهْل الْبُخَارِيّ , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , قَالَ : قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَلِكًا , فَقِيلَ لَهُ : فَلِمَ سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ ؟ قَالَ : اِخْتَلَفَ فِيهِ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَلِك الرُّوم وَفَارِس . وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ فِي رَأْسه شِبْه الْقَرْنَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ لِأَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسه كَانَتَا نُحَاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17549 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنَى اِبْن أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : ثني مَنْ لَا أَتَّهِم عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسه كَانَتَا مِنْ نُحَاس .
2. واما الامام ابن كثير فيناقش اراء الطبري ويرجح ما يراه صائبا : " يَقُول تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَيَسْأَلُونَك " يَا مُحَمَّد " عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ " أَيْ عَنْ خَبَره . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ بَعَثَ كُفَّار مَكَّة إِلَى أَهْل الْكِتَاب يَسْأَلُونَ مِنْهُمْ مَا يَمْتَحِنُونَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا سَلُوهُ عَنْ رَجُل طَوَّاف فِي الْأَرْض وَعَنْ فِتْيَة مَا يُدْرَى مَا صَنَعُوا وَعَنْ الرُّوح فَنَزَلَتْ سُورَة الْكَهْف وَقَدْ أَوْرَدَ اِبْن جَرِير هَاهُنَا وَالْأُمَوِيّ فِي مَغَازِيه حَدِيثًا أَسْنَدَهُ وَهُوَ ضَعِيف عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُود جَاءُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا جَاءُوا لَهُ اِبْتِدَاء فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ أَنَّهُ كَانَ شَابًّا مِنْ الرُّوم وَأَنَّهُ بَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَأَنَّهُ عَلَا بِهِ مُلْك إِلَى السَّمَاء وَذَهَبَ بِهِ إِلَى السَّدّ وَرَأَى أَقْوَامًا وُجُوههمْ مِثْل وُجُوه الْكِلَاب وَفِيهِ طُول وَنَكَارَة وَرَفْعه لَا يَصِحّ وَأَكْثَر مَا فِيهِ أَنَّهُ مِنْ أَخْبَار بَنِي إِسْرَائِيل وَالْعَجَب أَنَّ أَبَا زُرْعَة الرَّازِيّ مَعَ جَلَالَة قَدْره سَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي كِتَابه دَلَائِل النُّبُوَّة وَذَلِكَ غَرِيب مِنْهُ وَفِيهِ مِنْ النَّكَارَة أَنَّهُ مِنْ الرُّوم وَإِنَّمَا الَّذِي كَانَ مِنْ الرُّوم الْإِسْكَنْدَر الثَّانِي وَهُوَ اِبْن فيليس الْمَقْدُونِيّ الَّذِي تُؤَرِّخ بِهِ الرُّوم فَأَمَّا الْأَوَّل فَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْرَقِيّ وَغَيْره أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَوَّل مَا بَنَاهُ وَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَكَانَ وَزِيره الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ إِسْكَنْدَر بْن فيليس الْمَقْدُونِيّ الْيُونَانِيّ وَكَانَ وَزِيره ارسطاطاليس الْفَيْلَسُوف الْمَشْهُور وَاَللَّه أَعْلَم . وَهُوَ الَّذِي تُؤَرَّخ مِنْ مَمْلَكَته مِلَّة الرُّوم وَقَدْ كَانَ قَبْل الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَثمِائَةِ سَنَة فَأَمَّا الْأَوَّل الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن فَكَانَ فِي زَمَن الْخَلِيل كَمَا ذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيّ وَغَيْره وَأَنَّهُ طَافَ مَعَ الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْبَيْتِ الْعَتِيق لَمَّا بَنَاهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَقَرَّبَ إِلَى اللَّه قُرْبَانًا وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا صَالِحًا مِنْ أَخْبَاره فِي كِتَاب الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة بِمَا فِيهِ كِفَايَة وَلِلَّهِ الْحَمْد . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانَ مَلِكًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسه كَانَتَا مِنْ نُحَاس قَالَ : وَقَالَ بَعْض أَهْل الْكِتَاب لِأَنَّهُ مَلَكَ الرُّوم وَفَارِس وَقَالَ بَعْضهمْ كَانَ فِي رَأْسه شِبْه الْقَرْنَيْنِ وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ أَبِي الطُّفَيْل قَالَ : سُئِلَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ كَانَ عَبْدًا نَاصِحًا لِلَّهِ فَنَاصَحَهُ دَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ فَأَحْيَاهُ اللَّه فَدَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنه فَمَاتَ فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ وَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة عَنْ أَبِي الطُّفَيْل سَمِعَ عَلِيًّا يَقُول ذَلِكَ وَيُقَال إِنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ بَلَغَ الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب مِنْ حَيْثُ يَطْلُع قَرْن الشَّمْس وَيَغْرُب .
فِي قَوْله " أَمَّا مَنْ ظَلَمَ " أَيْ اِسْتَمَرَّ عَلَى كُفْره وَشِرْكه بِرَبِّهِ فَسَوْفَ نُعَذِّبهُ قَالَ قَتَادَة بِالْقَتْلِ وَقَالَ السُّدِّيّ كَانَ يَحْمِي لَهُمْ بَقَر النُّحَاس وَيَضَعهُمْ فِيهَا حَتَّى يَذُوبُوا . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه كَانَ يُسَلِّط الظُّلْمَة فَتَدْخُل أَجْوَافهمْ وَبُيُوتهمْ وَتَغْشَاهُمْ مِنْ جَمِيع جِهَاتهمْ وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله " ثُمَّ يُرَدّ إِلَى رَبّه فَيُعَذِّبهُ عَذَابًا نُكْرًا " أَيْ شَدِيدًا بَلِيغًا وَجِيعًا أَلِيمًا وَفِي هَذَا إِثْبَات الْمَعَاد وَالْجَزَاء .
3. واما الامام القرطبي فيطرح المسألة من وجهة اخرى ويرجح ما يلي : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ مِنْ خَبَر ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَّهُ أُوتِيَ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْره , فَمُدَّتْ لَهُ الْأَسْبَاب حَتَّى اِنْتَهَى مِنْ الْبِلَاد إِلَى مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , لَا يَطَأ أَرْضًا إِلَّا سُلِّطَ عَلَى أَهْلهَا , حَتَّى اِنْتَهَى مِنْ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب إِلَى مَا لَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْء مِنْ الْخَلْق . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : حَدَّثَنِي مَنْ يَسُوق الْأَحَادِيث عَنْ الْأَعَاجِم فِيمَا تَوَارَثُوا مِنْ عِلْم ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ مِنْ أَهْل مِصْر اِسْمه مَرْزُبَان بْن مردبة الْيُونَانِيّ مِنْ وَلَد يُونَان بْن يَافِث بْن نُوح . قَالَ اِبْن هِشَام : وَاسْمه الْإِسْكَنْدَر وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَقَدْ حَدَّثَنِي ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان الْكَلَاعِيّ - وَكَانَ خَالِد رَجُلًا قَدْ أَدْرَكَ النَّاس - أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ : ( مَلَك مَسَحَ الْأَرْض مِنْ تَحْتهَا بِالْأَسْبَابِ ) وَقَالَ خَالِد : وَسَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ رَجُلًا يَقُول يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ غُفْرًا أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تُسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاء حَتَّى تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَة ) قَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ ؟ أَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَالْحَقّ مَا قَالَ .
قُلْت : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ مِثْل قَوْل عُمَر ; سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو آخَر يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ , فَقَالَ عَلِيّ : ( أَمَا كَفَاكُمْ أَنْ تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاء حَتَّى تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَة ) وَعَنْهُ أَنَّهُ عَبْد مَلِك ( بِكَسْرِ اللَّام ) صَالِح نَصَحَ اللَّه فَأَيَّدَهُ . وَقِيلَ : هُوَ نَبِيّ مَبْعُوث فَتَحَ اللَّه تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ الْأَرْض . وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَاب الْأَخْبَار أَنَّ مَلَكًا يُقَال لَهُ رباقيل كَانَ يَنْزِل عَلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ , وَذَلِكَ الْمَلَك هُوَ الَّذِي يَطْوِي الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة , وَيَنْقُضهَا فَتَقَع أَقْدَام الْخَلَائِق كُلّهمْ بِالسَّاهِرَةِ ; فِيمَا ذَكَرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم . وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : وَهَذَا مُشَاكِل بِتَوْكِيلِهِ بِذِي الْقَرْنَيْنِ الَّذِي قَطَعَ الْأَرْض مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا ; كَمَا أَنَّ قِصَّة خَالِد بْن سِنَان فِي تَسْخِير النَّار لَهُ مُشَاكِلَة بِحَالِ الْمَلَك الْمُوَكَّل بِهَا , وَهُوَ مَالِك عَلَيْهِ السَّلَام وَعَلَى جَمِيع الْمَلَائِكَة أَجْمَعِينَ . ذَكَرَ اِبْن أَبِي خَيْثَمَة فِي كِتَاب الْبَدْء لَهُ خَالِد بْن سِنَان الْعَبْسِيّ وَذَكَرَ نُبُوَّته , وَذَكَرَ أَنَّهُ وُكِّلَ بِهِ مِنْ الْمَلَائِكَة مَالِك خَازِن النَّار , وَكَانَ مِنْ أَعْلَام نُبُوَّته أَنَّ نَارًا يُقَال لَهَا نَار الْحَدَثَانِ , كَانَتْ تَخْرُج عَلَى النَّاس مِنْ مَغَارَة فَتَأْكُل النَّاس وَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا , فَرَدَّهَا خَالِد بْن سِنَان فَلَمْ تَخْرُج بَعْد . وَاخْتُلِفَ فِي اِسْم ذِي الْقَرْنَيْنِ وَفِي السَّبَب الَّذِي سُمِّيَ بِهِ بِذَلِكَ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا ; فَأَمَّا اِسْمه فَقِيلَ : هُوَ الْإِسْكَنْدَر الْمَلِك الْيُونَانِيّ الْمَقْدُونِيّ , وَقَدْ تُشَدَّد قَافه فَيُقَال : الْمَقَّدُّونِيّ . وَقِيلَ : اِسْمه هرمس . وَيُقَال : اِسْمه هرديس . وَقَالَ اِبْن هِشَام : هُوَ الصَّعْب بْن ذِي يَزِن الْحِمْيَرِيّ مِنْ وَلَد وَائِل بْن حِمْيَر ; وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل اِبْن إِسْحَاق . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : هُوَ رُومِيّ . وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ( أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ شَابّ مِنْ الرُّوم ) وَهُوَ حَدِيث وَاهِي السَّنَد ; قَالَهُ اِبْن عَطِيَّة . قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَالظَّاهِر مِنْ عِلْم الْأَخْبَار أَنَّهُمَا اِثْنَانِ : أَحَدهمَا : كَانَ عَلَى عَهْد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , وَيُقَال : إِنَّهُ الَّذِي قَضَى لِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فِي بِئْر السَّبْع بِالشَّامِ . وَالْآخَر : أَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَهْد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام . وَقِيلَ : إِنَّهُ أفريدون الَّذِي قَتَلَ بيوراسب بْن أرونداسب الْمَلِك الطَّاغِي عَلَى عَهْد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , أَوْ قَبْله بِزَمَانٍ . وَأَمَّا الِاخْتِلَاف فِي السَّبَب الَّذِي سُمِّيَ بِهِ , فَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ ذَا ضَفِيرَتَيْنِ مِنْ شَعْر فَسُمِّيَ بِهِمَا ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره . وَالضَّفَائِر قُرُون الرَّأْس ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : فَلَثَمْت فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا شُرْب النَّزِيف بِبَرْدِ مَاء الْحَشْرَج وَقِيلَ : إِنَّهُ رَأَى فِي أَوَّل مُلْكه كَأَنَّهُ قَابِض عَلَى قَرْنَيْ الشَّمْس , فَقَصَّ ذَلِكَ , فَفُسِّرَ أَنَّهُ سَيَغْلِبُ مَا ذَرَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس , فَسُمِّيَ بِذَلِكَ ذَا الْقَرْنَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَلَغَ الْمَغْرِب وَالْمَشْرِق فَكَأَنَّهُ حَازَ قَرْنَيْ الدُّنْيَا . وَقَالَتْ طَائِفَة : إِنَّهُ لَمَّا بَلَغَ مَطْلَع الشَّمْس كَشَفَ بِالرُّؤْيَةِ قُرُونهَا فَسُمِّيَ بِذَلِكَ ذَا الْقَرْنَيْنِ ; أَوْ قَرْنَيْ الشَّيْطَان بِهَا . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانَ لَهُ قَرْنَانِ تَحْت عِمَامَته . وَسَأَلَ اِبْن الْكَوَّاء عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ مَلِكًا ؟ فَقَالَ : ( لَا ذَا وَلَا ذَا , كَانَ عَبْدًا صَالِحًا دَعَا قَوْمه إِلَى اللَّه تَعَالَى فَشَجُّوهُ عَلَى قَرْنه , ثُمَّ دَعَاهُمْ فَشَجُّوهُ عَلَى قَرْنه الْآخَر , فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ ) وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي وَقْت زَمَانه , فَقَالَ قَوْم : كَانَ بَعْد مُوسَى . وَقَالَ قَوْم : كَانَ فِي الْفَتْرَة بَعْد عِيسَى وَقِيلَ : كَانَ فِي وَقْت إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل . وَكَانَ الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام صَاحِب لِوَائِهِ الْأَعْظَم ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " الْبَقَرَة " . وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى مَكَّنَهُ وَمَلَّكَهُ وَدَانَتْ لَهُ الْمُلُوك , فَرُوِيَ أَنَّ جَمِيع مُلُوك الدُّنْيَا كُلّهَا أَرْبَعَة : مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ ; فَالْمُؤْمِنَانِ سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَإِسْكَنْدَر , وَالْكَافِرَانِ نُمْرُود وَبُخْتَنَصَّرَ ; وَسَيَمْلِكُهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة خَامِس لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّين كُلّه " [ التَّوْبَة : 33 ] وَهُوَ الْمَهْدِيّ وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ كَرِيم الطَّرَفَيْنِ مِنْ أَهْل بَيْت شَرِيف مِنْ قِبَل أَبِيهِ وَأُمّه وَقِيلَ : لِأَنَّهُ اِنْقَرَضَ فِي وَقْته قَرْنَانِ مِنْ النَّاس وَهُوَ حَيّ وَقِيلَ : لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا قَاتَلَ قَاتَلَ بِيَدَيْهِ وَرِكَابَيْهِ جَمِيعًا . وَقِيلَ لِأَنَّهُ أُعْطِيَ عِلْم الظَّاهِر وَالْبَاطِن . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ دَخَلَ الظُّلْمَة وَالنُّور . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ مَلَكَ فَارِس وَالرُّوم .قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ أَيْ مَنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْر مِنْكُمْ .فَسَوْفَ نعذبه أي بِالْقَتْلِ .ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ أَيْ يَوْم الْقِيَامَة .فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نكرا أي شَدِيدًا فِي جَهَنَّم .
ومن الممكن تلخيص الاراء التي وردت في التفاسير بالشكل التالي :
1. ان ( ذو القرنين ) هو الاسكندر المقدوني او غيره من قادة الروم . " وهذا الرأي يحوز على اغلب الأراء بين السلف والخلف " .
2. ان ( ذا القرنين ) هو الصعب بن ذي يزن الحميري .
3. انه كوروش الأخميني الايراني
4. انه مصري واسمه مرزبان بن مردبة اليوناني !!
واصبح معلوما لدينا حسب الروايات التي اوردناها بنصوصها الاصلية لكي لا يبقى مجال للشك بان ( ذي القرنين ) سمي بهذا الاسم نظرا لانه :
1. كان له ضفيرتان في رأسه او كان على رأسه شئٌ مثل القرنين .
2. لانه أعطي علم الظاهر والباطن .
3. لانه ملك الشرق والغرب او لانه بلغ المشارق والمغارب .
4. لانه دخل الظلمة والنور !!
والأمر الأخر وهو ان ذا القرنين قد بدأ رحلته التي اكتسح من خلالها العالم مبتدئا من مقدونيا " على مذهب من يرى انه الاسكندر المقدوني واكتسح ايران وآسيا الوسطى وافغانستان والهند والعراق والشام ومصر أي من الغرب قاصدا الشرق وهو ما يعنينا في هذا المبحث .
ولست هنا في صدد رد كل الادعاءات في هذه الدراسة الوجيزة ولكن احيلها باذن الله الى الدراسة المطولة . واما اريد ان أثبته واراه بان ذي القرنين والمذكور في القرآن الكريم هو أوغوز خان " ابو الاتراك الغربيين " وقبل الاتيان بالدلائل يجب ان نتعرف على شخصية اوغوز خان أولا ؛
فمن هو اوغوز خان ؟
الخاقان أوغوز
من اقواله : " يا أبنائي ؛ حاربت كثيرا وأصبحت شيخا كبيرا ، أبكيت أعدائي وأضحكت أصدقائي لقد قمت كل ذلك من أجل رب السماء " .
حكم بدءا من : 174 ق م _ 209 ق م
ان الشعب التركي من الشعوب الوحيدة في التاريخ الانساني والذي استطاع ولمرات عديدة ان يستولي على الارض المعمورة ولم يبلغ احد من الشعوب ما بلغوه من قوة السلطنة وسعة الاراضي التي غزوها واستولوا عليها .
والتاريخ التركي مدين لاوغوز خان لكونه وضع اللبنات الأولى لدعائم فتح العالم مستندا على العون الالهي داعيا الناس الى التوحيد ونبذ الشرك وهو أول من أنشأ فكرة السيطرة على العالم " ولذلك نرى ان الدول التركية التي تأسست بعد أوغوز خان يفتخر سلاطينها في انتمائهم الى الأوغوز واصبح أوغوخان قدوة السلاطين والملوك الاتراك " واصبحت شخصيته المثل التي تضرب حولها معاني البطولة والفداء والتحمل والعناء والذود عن الدين والشعب. وقد قام اوغوزخان بتأسيس وانشاء كثير من المدن في كل البلاد التي فتحوها .
ان فكرة الاستيلاء على العالم فكرة تركية المنشأ وقد جاء الأسلام فأسبغ على الفكرة مسحة دينية اسلامية اشبعت الفكرة التركية الاستراتيجية واغنتها وجعلتها اكثر قبولا سواء للاتراك المسلمين او حتى بالنسبة للشعوب الاسلامية والتي جعلتها ترضى وتبقى في ظل الدول التركية لقرون وقد أعطت الفكرة ثمارها بعد الاسلام في عهد الدولتين السلجوقية والعثمانية واللتين تنتميان الى قبائل الأغوز ولقد تبلورت في كلتا الدولتين كل الآمال التركية الذاتية والدينية .
وان أرست السلاجقة أسس الإستراتيجية العسكرية التركية الاسلامية " وكانت موجودة ولكن مبعثرة " . فان الدولة العثمانية التي قامت على أطلالها أكملت ما انتهت اليها الدولة السلجوقية ولتصوغ من جديد الاستراتيجية العسكرية التركية من خلال مفاهيم مثل التفاحة الحمراء " قيزيل ألما " وما وصلت اليها العقلية العثمانية والتي أزدهرت وتطورت في ظل الحضارة الاسلامية .
وقد تضافرت الأدلة على شخصية اوغوزخان سواء كانت من مصادر صينية او اسلامية او بالاستناد على اللوحات والكتابات الصخرية والتي اكتشفت قديما وحديثا وكلها دالة على جوانب هذا الشخص الذي غيّر تاريخ الاتراك قبل ان يغير تاريخ البشرية وقد اطلق عليه مسميات كثيرة فالفرس اطلقوا عليه اسم " افراسياب " وجاء ذكره في ملحمة " الشاهنامه " للفردوسي .بينما أطلق الصينيون في القرن الثالث ق.م " ماو - تون " على أوغوزخان .
ويعتبر اوغوزخان مؤسس كثير من التشكيلات العسكرية اذ انه قسم جيشه بين ابنائه واحفاده الأربعة والعشرون ، وأعطى لكل قائد عسكري 10000 جنديا مشكلا منهم فرقة عسكرية وأنشأ وحدات عسكرية صغيرة متكونة من 10 جنود .
ولادة ونشأة وظهور دعوة اوغوز خان : اوغوز هو ابن الملك قارا خان " نيومان " وعندما ولد سماه أبوه " مته " الا ان الطفل بعدما بدأ بالكلام قال لمن حوله سموني " اوغوز " وقد كان الملك نيومان شخصا كافرا ولم يكن يقبل ان يرى في أهل بيته من يؤمن بالله تعالى ، وقد شوهد في هذا الطفل ومنذ صغره علائم الايمان وبدأ اول كلامه بلفظ الجلالة وقد كانت والدته ترى رؤيا بابنها الذي ولد جديدا وهو يدعوها الى الدين الحق ويهددها بانه سوف لن يرضع حليبها ما لم تؤمن بالله وتدين بدين التوحيد ، وقد آمنت والدته اثر هذه الرؤى ولكنها كتمت ايمانها من زوجها الملك قارا خان .
وعندما كبر اوغوز واصبح شابا اختيرت له زوجة جميلة الا ان اوغوز لم يقترب منها ما لم تقبل بشروطه وهو الايمان بالله سبحانه الدين الحق ، حيث قال لها " آمني بالذي خلقني واياك وهو الله الواحد فلا تعصيه " الا ان الفتاة لم تقبل ، فأبى اوغوز الاقتراب منها ، وعندما ذُكر للملك بان اوغوز لم يقترب لحد الان من زوجته اختار له بنت كوز خان فعرض اوغوز عليها الايمان بالله سبحانه ودين التوحيد فلم تقبل هي ايضا .
وبعد سنين وعندما كان اوغوز يرجع من الصيد رأى على ساحل نهر مجموعة من الفتيات وهن يغسلن الملابس وقد رأى بين النسوة بنت عمه كور خان فأرسل اليها رسولا طالبا ان يأتيها الى مكان لا يراهما احد وبعد ان اخذ منها عهدا بعدم افشاء سره قال لها : ان اباه اخذ له زوجتين ولكنه لم يحبهما والسبب في ذلك انه على الدين الحق وقد دعاهما الى الله ولكنهما لم يؤمنا وفضلتا البقاء على الكفر فان آمنت هي فانه سوف يختارها زوجة له فأجابت ؛ بانها ستكون على الطريق الذي يختاره اوغوز " فذكر اوغوز لوالده بانه اختار ابنة كور خان زوجة له فعقد الأب مأدبة عرس كبرى لابنه واخيرا دخل اوغوز على امراته ومرت سنوات على زواجه وفي يوم من الأيام ذهب اوغوز للصيد بعيدا عن البيت وكان قره خان قد دعى كل نسائه وزوجات ابنائه الى مأدبة كبرى فسأل اثناء تلك المأدبة عن السبب في عدم محبة اوغوز لزوجتيه الأولى والثانية فقالت زوجة الخاقان " بانها لاتدري والأولى ان يسأل زوجات ابنه " فسأل الزوجة الأولى فأجابت قائلة : بان اوغوز قد دعاهن الى الايمان بالله الواحد فرفضتا طلبه ولكن الثالثة قبلت بشرطه فأحبها لذلك " . فنادى الملك قارا خان رؤساء القوم وشكل مجلسا للتباحث في هذا الامر فاتفقوا على الامساك باوغوز ومن ثم قتله .
أرسل قارا خان رجاله للامساك باوغوز وجلبه مكبلا وما ان سمعت زوجة أوغوز المؤمنة بقرارهم أرسلت على مهب السرعة من يخبر اوغوز على قرار الملك وعندما سمع اوغوز بما يدبر له كتب الى الاطراف والى من يثق به بأن أباه عزم على قتله فمن اراده فليلتحق به ومن يريد صف أبيه فليلتحق بأبيه .
انحاز اكثر الناس الى جانب الملك قراخان والتحق القلة بأوغوز الا ان العجيب ان اكثر اولاد اخوان الملك التحقوا باوغوز لذلك سماهم اوغوز بالأيغور وتعني الكلمة " الملتحم " أو المؤتلف .
تميز الطرفان ونشبت المعركة الفاصلة الا ان النصر كان حليف اوغوز خان وجيشه وكانت الهزيمة من نصيب الملك قره خان حيث اصابه سهم فمات على اثره فجلس الابن اوغوز على عرش ابيه داعيا كل القبائل التي كانت تحت حماية ابيه الى الايمان بالله فمن آمن فقد سلم من عقابه ومن كفر كان مصيره القتل والأسر .
واستطاع اوغوز من السيطرة على قبائل المغول والتتر بعد هجمات شنها عليهم وادخلهم تحت سيطرته بعد أن آمنوا بدين الحق وبعد ذلك دخل في طاعته كل قبائل الهياطلة السود والتبت .
بدأ اوغوز بفتح القلاع والاستيلاء على المدن فاستولى على مدن بخارى وسمرقند وبلخ وبعد ان اكمل فتح تركستان بأكملها سار بجيشه نحو بلاد كشمير وبعد قتال عنيف دام سنة استطاع من الامساك بالبلد فقتل ملكهم واستولى على بلادهم فرجع الى سمرقند ومن هناك سار نحو شمال منغوليا ليرتاح .
وبعد استعدادات دامت سنتين سار تجاه ايران والعراق والشام ومصر ، وفي طريقه وهو جالس في خيمته جيء برجل وعائلته قد تخلف وراء الجيش وعندما سأله اوغوز خان عن سبب تخلفه ذكر ان امراءته كانت حاملة فاضطر الى الابطاء في السير فتخلف عن الجيش وولدت امرأته في الطريق ولكن بسبب جوع المراءة لم تستطيع ارضاع الوليد بالحليب فرأى ضبعا قد امسك بفريسته فقام بضرب الضبع ليترك فريسته فترك وولى هاربا فقام بشواء الصيد واعطاءه لزوجته ومن ثم رأوه الجنود وأحضروه الى الخان ، فقام اوغوز خان فاكرم الرجل واعطاه كل ما يشتهيه بالاضافة الى انواع من الدواب والخيل والمال وقال له انت " قال آج " والان فان قبيلة خالاج من نسل ذلك الرجل وهذه القبيلة منتشرة الان في بلاد ماوراء النهر وفي العراق يوجد اعداد كبيرة منهم .
مر من سمرقند وبخارى وعبر نهر آمو وصل الى خراسان وكان يحكم ايران حينذاك ملك قوي ، استطاع اوغوز خان ان يستولي على خراسان ايران ومن ثم سار نحو العراق ومصر وآذربيجان وارمنستان والشام فاستولى على هذه البلاد كلها وقد فتح هذه البلاد اما عنوة او سلما
وبعد ان بقي اوغوزخان في البلاد التي فتحها سنين وقد اصبح ملكه يضم أرجاء واسعة ممتدة من سايلابدن الى مصر قفل راجعا الى موطنه الأصلي في وراء نهر سيحون وشمال منغوليا الحالي .
أقام حفلا كبيرا لسلامته وسلامة جيشه وجمع حوله عائلته واحفاده ، وبعد ان عمر 116 سنة توفي الشخص الذي استولى على بلاد لم يستطيع اي شخص ان يحتل مثلها ووصل الى أقاصي الارض " . لقد كان من آخر حديثه معهم أن ذكرهم بنعمة الله عليه قائلا : " يا أبنائي ؛ حاربت كثيرا وأصبحت شيخا كبيرا ، أبكيت أعدائي وأضحكت أصدقائي ،لقد قمت كل ذلك من أجل رب السماء ، سلمتكم ارضي ، وسلمت نفسي لربي " .
ولكن ما الدلائل على كون اوغوز خان هو ذو القرنين ؟
1. ان اوغوز خان ينطبق عليه كل مواصفات ذو القرنين سواء سيرته أومطابقة اسمه لاسم ذو القرنين ولربما شكله ايضا " انظر الشكل رقم 1 " فاما سيرته ؛ فانه قد فتح العالم انذاك كله من اجل تبليغ دين الله التوحيد وقاتل في سبيل الله حتى مع والده وكان يعامل القبائل حسب ايمانهم بالله ودين التوحيد وعندما تتفحص حياته وجهاده من اجل تبليغ رسالة التوحيد ومن ثم قدرته الذاتية التي وهبها الله اليه تستكشف انه ملهم او شخص مؤيد من قبل الله سبحانه ، فمن صغره ظهرت عليه علائم الايمان ودعوته للتوحيد وقتاله ضد ابيه على الدين الحق دليل واضح بأن اوغوز خان لم مجرد بطل قومي او قائد عسكري وصفاته هذه تتطابق بشكل عجيب مع قصة ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم وقد شوهد منه آيات عجيبة ومعجزات في مقتبل حياته تجنبت ذكرها في الوقت الحالي وكلها تؤدي بنا الى معنى قوله تعالى : " وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ، فَأَتْبَعَ سَبَبًا "
وهو يعتبر اول خاقان تركي يؤسس جيشا مدربا نظاميا يغزو به العالم بأسره ويحتل مراكز العالم المهمة منها الصين وايران وقفقاسيا والعراق ومصر وآسيا الصغرى . واصبح الأوغوز دلالة على القبائل التركية الغربية الأربعة وعشرون والذين كانوا يمثلون احفاد اوغوز خان من ابنائه الأربعة وقد قسم اوغوز خان ابنائه الى – بوز اوق - " السهام الرمادية " و – أوج اوق - " السهام الثلاثة " كما قسم جيشه الى جناحين الأيمن والأيسر ، مع ان كل قبيلة قد تكاثرت وامتدت الا انهم لم يكونوا ينسون اصولهم القبائلية فعندما دخل ارطغرل السلجوقي نيشابور فاتحا وهو يمتطي جواده كان قد ادخل قوسا الى يده وثلاثة سهام في حزامه للدلالة على انتمائه لقبيلة " السهام الثلاثة " والتي كانت تمثل الجناح الأيمن لجيش أوغوز خان " انظر الشكل رقم 1 "
فبالنسبة لكلمة اوغوز وبالاستناد الى قواميس اللغة التركية واقوال علماء اللغة التركية فانها " تعني الثور وبالطبع الثور له قرنان ! ومن هؤلاء العلماء :
1. العالم والمستشرق ل . بازين فانه يرى وبالاستناد على قواعد اللغة التركية ان كلمة اوغوز تعني الثور ويرد في ادعائه على المستشرق باستين .
2. اوغوز : تعني " طوسون " ، انسان طيب القلب ، أنسان خير ومستقيم . ومعنى كلمة " طوسون " بالرجوع الى نفس القاموس فنجد ان الكلمة تعني : الثور المخصي .
3. اوغوز : تعني المبارك ، الخير ، المخلوق الطيب "
3. جاء فيه : اوغوز تعني الثور وطيب القلب او القروي .
4. في القاموس التركي لشمس الدين سامي كلمة اوغوز = طوسون أي الثور
ونصل وبالاستناد الى ما أسلفنا الى الدلالة اللغوية لمعني كلمة الأغوز وهو الثور وقد جاءت الأية الكريمة مشيرة اليه بوصف " ذو القرنين " وقد حاول مفسرونا ان يخرجوا بنتيجة فأعطوا لكلمة ذو القرنين معاني عدة ولكن ما ذهبتُ اليه والله أعلم هو الأقرب والأصوب .
ذو القرنين = اوغوز = طوسون وكلمة طوسون تعني الثور
وعندما ننظر الى التاريخ التركي نجد ان الحيوانات لها مكانة مميزة في الثقافة التركية فمثلا الثور علامة دالة على القوة والرئاسة ولازال الاتراك يطلقون على زعمائهم الوطنيين والقوميين بـ " باش بوغ " أي رئيس الثيران للدلالة على القوة والسيطرة .
وقد اعتمد الاتراك قبل الاسلام على التقويم الحيواني ، كل دورة " اثنا عاما " فكانوا يطلقون على كل عام اسم حيوان فمثلا سموا العام الثاني بـ " بوغ " ويعني الثور . وقد استمروا على استعماله حتى بعد اعتناقهم الاسلام وأخذهم بالتقويم الهجري والشمسي القمري ويظهر من تدقيقات المؤرخ زكي وليدي طوغان ان القبائل التركية بدأت باستعمال هذا التقويم منذ ذلك التاريخ وفي هذا التقويم يطلق اسم حيوان معين على كل عام فيستمر اثني عشر عاما وبذلك تنتهي الدورة الأولى لتبدأ الدورة الثانية بنفس تسلسل أسماء الحيوانات وهذه الأعوام هي عام الفأر ، عام الثور ، عام النمر ، عام الأرنب ، عام الثعبان ، عام الحصان ، عام الخروف ، عام القرد ، عام الدجاجة ، عام الكلب ، عام الخنزير ، " ولا زال التقويم متداولا لدى الصينيين لحد اليوم " ، ومعلوم لدى الباحثين مكانة الذئب في الاساطير التركية وقد أصبحت علامة مميزة للبأس والتحمل في الذهن التركي .
الشكل رقم 1 : تمثال تشبيهي بأوغوز خان في عاصمة تركمنستان "
عشق آباد وانظروا الى القرنين في رأسه !! هل هذا تصادف ام قدر مقدر !

عندما تراجع بعد ما ذكرت من دلائل لغوية على تطابق كلمة ذو القرنين لكلمة الأوغوز فانك ترى مدى غرابة وبُعد ما ذكرته علماءنا من معاني لذي القرنين وكلها بعيدة عن المعنى المراد في الاية القرآنية أشد البعد والله أعلم .
ولقد كان لذي القرنين رحلات ثلاث الأولى للغرب والثانية للشرق والثالثة للوسط ومن ثم بناؤه للسد في وجه يأجوج ومأجوج وقد بينا في قصة اوغوز خان وانه نشأ في منطقة تقع الآن في الشرق من نهر سيحون والواقعة ما بين منغوليا وروسيا وهي منطقة قريبة الى حد ما من بحر اوختسك وهي منطقة غير مأهولة ولم تقم هناك حضارة وهي تؤدي الى المحيط الهادي ومن هنا نعلم انه لا يمكن له التحرك الى الشرق وهو في منطقة اقصى الشرق وبالتالي يتحتم عليه التحرك نحو الغرب أقرأ معي الأية " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ” أي ان تحركه الأول كان من الشرق الى الغرب وليس من الغرب الى الشرق كما هو معلوم عن التحركات العسكرية لأسكندر المقدوني مثلا وهذا ما ذهب اليه اكثر المفسرين خطأ ، وهذا الأمر كان الباعث لي من التحقيق في اقوال المفسرين في تفسيرهم للأيات المتعلقة بذي القرنين وكنت ارى عدم التطابق بين ما هو موجود في التفسير مع ما هو وارد في القرآن الكريم .
وبالنسبة لتعامله ودعوته للقبائل الى التوحيد ومكافآة المؤمنين المهتدين ومعاقبة الكفار الظلمة اقرأ الأيات القرآنية في سورة الكهف ؛
17. " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
18. قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا
والآن اقرأ معاملة اوغوز خان للقبائل والشعوب ومدى تطابق الأيات القرآنية مع سيرته " فجلس الابن اوغوز على عرش ابيه فدعى كل القبائل التي كانت تحت حماية ابيه الى الايمان بالله فمن آمن فقد سلم من عقابه ومن كفر كان مصيره القتل والأسر " .
وقد رأيت ان هنالك تفاسير عديدة تشير الى ان بناء السد والمذكور في سورة الكهف موجود في بلاد الترك أي ان مكان السد يقوي نظريتنا الدائرة على ان ذو القرنين كان يعيش في محيط تركي ، وفي هذا الشأن أورد الشهيد سيد قطب في حاشية تفسيره للأيات 20- 25 من سورة الكهف خبر اكتشاف علمي هو " كشف سد بمقربة مدينة – ترمذ – عرف بباب الحديد وقد مر به في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي العالم الألماني " سيلد برجر " وسجله في كتابه ، وكذلك ذكره المؤرخ الأسباني " كلافيجو " في رحلة سنة 1403 وقال : ان سد مدينة باب الحديد على الطريق سمرقند والهند ..وقد يكون هو السد الذي بناه ذو القرنين " .
: " حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا
19. قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا
20. قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
21. آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا
22. فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا
23. قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
وأما بالنسبة ليأجوج ومأجوج فالأرجح هم ليسوا بأتراك عرقا وان جاوروهم سكنا ، على كل حال هذه نظرات سريعة اوردناها وأملي من الباحثين والمحققين ان ينفعوني بنصائحهم وتصحيحاتهم لهذا المبحث وكما قلت فان أصبت فمن الله وأن اخطأت فمني والله المستعان .

.
نقوش وكتابات اورخون الموجودة في شمال منغوليا
في وادي اورخون جنوب بحيرة بايكال
نظام عزالدين محمد علي
كركوك / العراق
nimuhammad@yahoo.com

تم الانتهاء من المقال ليلة الجمعة 23/4/2007