منى العمد
01/11/2010, 02:14 PM
بائع الفرو
كان الموظف في المحل التجاري الكبير يتشاغل بنفض الغبار عن القطع المصنوعة من الفرو النفيس , بينما دخل صاحب المتجر يرافقه موظف آخر , دخل محدثا جلبة , وأخذ يسأل عن أخبار البيع وعدد القطع المبيعة ثم أشار إلى مرافقه ليجلس إلى المكتب ويباشر عمله في مراجعة الحسابات , روتين اعتاده , كما اعتاد أن يتلقى كلمة شكر من المليونير صاحب المحل وابتسامة رضا عقب انتهاء المحاسب من عمله .
لم يكن من عادة المليونير أن يتحدث معه , لكن المحاسب لا زال يضرب أخماسا بأسداس ويبعثر أرقامه ويجمعها , ولا بأس من حديث يسلي به وقته ريثما ينتهي ,
ــ ألم تتزوج بعد ؟
ــ ليس بعد يا سيدي .
ــ ولم ؟
ــ لا زلت أعد لهذا المشروع عدته .
ــ انتبه لقد كدت تصل الثلاثين , ولا تظنن أن القطار يفوت فقط على الفتيات .
ــ ونحن أيضا يفوتنا القطار ؟!
ــ إن لم تتدارك نفسك , وأضاف ضاحكا : لكنك ربما لم تلتق بالفتاة التي تدفعك للإعداد الجاد .
هنا قام المحاسب واقترب من صاحب المتجر وألقى في أذنه كلمات , لم تغير فقط طريقة حديثه مع الموظف الشاب , بل ألبسته وجها غير وجهه الذي كان يتكلم به .
ــ اسمع يا أستاذ , لديك عجز مقداره سبعمائة دولار .
ــ غير ممكن , أنت تعرفني وتعرف أمانتي و ....
ــ مقاطعا : اسمع , أنا لا تهمني أمانتك في شيء , يهمني أن تكون حساباتي منضبطة تماما , لا زيادة ولا نقصان . ثم أضاف متهكما : نعم حتى الزيادة ــ لو كان هناك زيادة ــ فهي لك لن أسألك عنها , أقسم لو كان هناك زيادة مهما بلغت فهي حلال عليك , ولذا ستدفع المبلغ الناقص أم .... ؟
ــ لا , لا سأدفع المبلغ بإذن الله , وتمتم يقول ولكن كيف ؟ كيف ؟
مضى الرجل تشيعه نظرات الموظف المنكود , نظرات فيها من الحيرة ومن الحنق الشيء الكثير .
تابع نفض الغبار عن الملبوسات الثمينة , هذه القطعة وحدها ثمنها يزيد عن مرتبه لسنتين , ما يعادل عشرة آلاف دولار , أخذ يتساءل من يستطيع شراء هذه القطعة ؟ بل كيف ؟ عاد يفكر ويحسب كيف يمكنه تسديد العجز الذي أبلغت عنه آلة المحاسبة ( الكاشير) , هذا المبلغ سيعيده للوراء خطوات , لكن , يا للقدر , ليس بإمكانه عمل شيء سوى أن يطلب جدولة هذا المبلغ على أطول فترة ممكنة . أخذ يقول لنفسه ساخرا : زيادة ؟ كيف ستأتي هذه الزيادة التي يتكلم عنها ؟
بينما هو غارق في الحسابات إذا بتحية خجول تلامس سمعه , نظر فإذا فتاة تمشي على استحياء , لا يبدو أنها تشبه زبائن المحل , ليست مترفة مثلهم , مظهرها بسيط , ولم يسبقها صوت توقف سيارتها , جاءت ماشية ولا شك . رد التحية بأحسن منها ورحب بالفتاة , ثم سألها عن طلبها وهو يشير إلى البضاعة في محله , قالت : ما جئت لأشتري , جئت أبحث عن عمل , ألا أجد عملا عندكم ؟
ابتسم وهو يقول : ليس المحل الأمثل للعمل .
ــ تعبت من البحث , ومضى على تخرجي عدة سنوات ولم أجد وظيفة , فرأيت أن أجرب حظي بأحد المحال التجارية , ذلك أفضل من الجلوس في البيت ومراقبة الأيام وهي تمر هباء .
ــ ربما كان ذلك من حسن حظي أنا , وقال في نفسه أرجو أن تجدي ما هو خير من الوظيفة .
ــ ماذا تقصد ؟
ــ تلعثم وهو يقول : لا يلتقي الإنسان بشخص يرتاح إليه كل يوم .
ــ شكرا , كيف العمل هنا , أعني في مثل هذه المحال ؟
ــ لا بأس , قد يكون خيرا من البطالة , حدثها عن بعض متاعبه , ولم ينس أن يأخذ بياناتها ورقم هاتفها ووعدها أن يحدث صاحب المحل بشأنها .
أثناء خروجها قال لها : لا تأملي كثيرا , التفتت إليه مستفسرة , قال : بالوظيفة على الأقل .
تساءلت في نفسها عما يعنيه , وحيته مودعة .
جلس على كرسيه , وأخذ ينظر إلى اسمها في سجله ورقم هاتفها , ربما حان الوقت للإعداد الجاد لمشروع العمر , هذه الفتاة أنسته مشكلته , بل ربما أنسته الدنيا بأسرها , وأخذ يتذكر صوتها المخملي الذي انسكب في خياله كنغمات بنفسجية , وبسمتها الخاطفة التي ودعته بها لا تزال تنعش روحه , وراح يستعيد صوتها وصورتها مرة بعد مرة , أيقظه من أحلامه فجأة صوت توقف سيارة على عجل , نظر حيث الباب فإذا سيدة في العقد الرابع من العمر تقريبا تدخل مسرعة , وطلبت إليه أن يعرض عليها المعاطف التي وصلت مؤخرا , قادها إلى ما طلبت , نظرت إلى أحد المعاطف , أعجبها جدا , ناولها إياه وهو يقول إنه بعشرة آلاف دولار سيدتي , لم تبد اكتراثا لقوله , أخرجت من حقيبتها الأنيقة بطاقة صغيرة ووقعتها وهي تقول : ترسل الفاتورة إلى زوجي , تعرفه بلا شك , إنه صاحب الشركة الرابعة في هذا المجمع القريب , أخذ البطاقة منها , بينما مضت المرأة تحمل بين يديها ( ثروة ) .
في نهاية اليوم , أخذ يبحث عن البطاقة , لم يجدها , يا إلهي , لا , لا ليس هذا ما ينقصه الآن , يا رب , إنها عشرة آلاف دولار , من أين له بجمع هذا المبلغ ؟ بحث طويلا , في كل مكان يمكن أن يكون وضعها فيه , لكنه لم يجدها , قال لنفسه معزيا : خيرا , لعله خير . ثم عاد يقول : يا لي من مغفل ! أي خير في إضاعة هذه البطاقة ؟
حاول جاهدا تهدئة نفسه وأخذ يعصر ذهنه يحاول تذكر ما قالته المرأة , أية شركة قالت إنه مديرها , إنها أربع شركات في هذا المجمع لأربعة من كبار رجال الأعمال , وقد اعتاد أن تأتيه عائلاتهم ويأخذون ما يريدون ثم يحولون الفواتير على الشركات , ولكن كيف السبيل وقد أضاع البطاقة ؟
قرر أخيرا أن يرسل لكل من المدراء الأربعة رسالة صغيرة يخبره فيها إن زوجة أحد مدراء الشركات الأربع قد اشترت معطفا من الفرو بقيمة عشرة آلاف دولار وربما تكون زوجتك , آمل التحقق من الأمر , فإذا كان كذلك فالرجاء إرسال المبلغ المذكور للمتجر , وقّع الوريقات الأربع وأرسلها ثم ذهب إلى بيته , لم ينم ليلته تلك , بات يحسب , ماذا لو أن أحدا من المدراء الأربعة لم يعترف بالأمر ؟ ستكون نهايته ولا شك , سيذهب للسجن بالطبع , فهو لن يستطيع دفع المبلغ لصاحب المحل , لقد ذهبت تلك الفتاة الخجول بعقله , نظر إلى أحلامه العذبة معها , كأنها صرح من الخيال يتساقط أمام هذا الواقع المرير .
ذهب إلى عمله من الغد وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى , دخل وجلس على مقعده ووضع رأسه بين كفيه واستسلم للصراع بين اليأس والأمل , ومضى يوم آخر .
في نهاية اليوم التالي كان صاحبنا ينظر في ذهول إلى أربعة شيكات كتبت باسمه كل منها بقيمة عشرة آلاف دولار .
كان الموظف في المحل التجاري الكبير يتشاغل بنفض الغبار عن القطع المصنوعة من الفرو النفيس , بينما دخل صاحب المتجر يرافقه موظف آخر , دخل محدثا جلبة , وأخذ يسأل عن أخبار البيع وعدد القطع المبيعة ثم أشار إلى مرافقه ليجلس إلى المكتب ويباشر عمله في مراجعة الحسابات , روتين اعتاده , كما اعتاد أن يتلقى كلمة شكر من المليونير صاحب المحل وابتسامة رضا عقب انتهاء المحاسب من عمله .
لم يكن من عادة المليونير أن يتحدث معه , لكن المحاسب لا زال يضرب أخماسا بأسداس ويبعثر أرقامه ويجمعها , ولا بأس من حديث يسلي به وقته ريثما ينتهي ,
ــ ألم تتزوج بعد ؟
ــ ليس بعد يا سيدي .
ــ ولم ؟
ــ لا زلت أعد لهذا المشروع عدته .
ــ انتبه لقد كدت تصل الثلاثين , ولا تظنن أن القطار يفوت فقط على الفتيات .
ــ ونحن أيضا يفوتنا القطار ؟!
ــ إن لم تتدارك نفسك , وأضاف ضاحكا : لكنك ربما لم تلتق بالفتاة التي تدفعك للإعداد الجاد .
هنا قام المحاسب واقترب من صاحب المتجر وألقى في أذنه كلمات , لم تغير فقط طريقة حديثه مع الموظف الشاب , بل ألبسته وجها غير وجهه الذي كان يتكلم به .
ــ اسمع يا أستاذ , لديك عجز مقداره سبعمائة دولار .
ــ غير ممكن , أنت تعرفني وتعرف أمانتي و ....
ــ مقاطعا : اسمع , أنا لا تهمني أمانتك في شيء , يهمني أن تكون حساباتي منضبطة تماما , لا زيادة ولا نقصان . ثم أضاف متهكما : نعم حتى الزيادة ــ لو كان هناك زيادة ــ فهي لك لن أسألك عنها , أقسم لو كان هناك زيادة مهما بلغت فهي حلال عليك , ولذا ستدفع المبلغ الناقص أم .... ؟
ــ لا , لا سأدفع المبلغ بإذن الله , وتمتم يقول ولكن كيف ؟ كيف ؟
مضى الرجل تشيعه نظرات الموظف المنكود , نظرات فيها من الحيرة ومن الحنق الشيء الكثير .
تابع نفض الغبار عن الملبوسات الثمينة , هذه القطعة وحدها ثمنها يزيد عن مرتبه لسنتين , ما يعادل عشرة آلاف دولار , أخذ يتساءل من يستطيع شراء هذه القطعة ؟ بل كيف ؟ عاد يفكر ويحسب كيف يمكنه تسديد العجز الذي أبلغت عنه آلة المحاسبة ( الكاشير) , هذا المبلغ سيعيده للوراء خطوات , لكن , يا للقدر , ليس بإمكانه عمل شيء سوى أن يطلب جدولة هذا المبلغ على أطول فترة ممكنة . أخذ يقول لنفسه ساخرا : زيادة ؟ كيف ستأتي هذه الزيادة التي يتكلم عنها ؟
بينما هو غارق في الحسابات إذا بتحية خجول تلامس سمعه , نظر فإذا فتاة تمشي على استحياء , لا يبدو أنها تشبه زبائن المحل , ليست مترفة مثلهم , مظهرها بسيط , ولم يسبقها صوت توقف سيارتها , جاءت ماشية ولا شك . رد التحية بأحسن منها ورحب بالفتاة , ثم سألها عن طلبها وهو يشير إلى البضاعة في محله , قالت : ما جئت لأشتري , جئت أبحث عن عمل , ألا أجد عملا عندكم ؟
ابتسم وهو يقول : ليس المحل الأمثل للعمل .
ــ تعبت من البحث , ومضى على تخرجي عدة سنوات ولم أجد وظيفة , فرأيت أن أجرب حظي بأحد المحال التجارية , ذلك أفضل من الجلوس في البيت ومراقبة الأيام وهي تمر هباء .
ــ ربما كان ذلك من حسن حظي أنا , وقال في نفسه أرجو أن تجدي ما هو خير من الوظيفة .
ــ ماذا تقصد ؟
ــ تلعثم وهو يقول : لا يلتقي الإنسان بشخص يرتاح إليه كل يوم .
ــ شكرا , كيف العمل هنا , أعني في مثل هذه المحال ؟
ــ لا بأس , قد يكون خيرا من البطالة , حدثها عن بعض متاعبه , ولم ينس أن يأخذ بياناتها ورقم هاتفها ووعدها أن يحدث صاحب المحل بشأنها .
أثناء خروجها قال لها : لا تأملي كثيرا , التفتت إليه مستفسرة , قال : بالوظيفة على الأقل .
تساءلت في نفسها عما يعنيه , وحيته مودعة .
جلس على كرسيه , وأخذ ينظر إلى اسمها في سجله ورقم هاتفها , ربما حان الوقت للإعداد الجاد لمشروع العمر , هذه الفتاة أنسته مشكلته , بل ربما أنسته الدنيا بأسرها , وأخذ يتذكر صوتها المخملي الذي انسكب في خياله كنغمات بنفسجية , وبسمتها الخاطفة التي ودعته بها لا تزال تنعش روحه , وراح يستعيد صوتها وصورتها مرة بعد مرة , أيقظه من أحلامه فجأة صوت توقف سيارة على عجل , نظر حيث الباب فإذا سيدة في العقد الرابع من العمر تقريبا تدخل مسرعة , وطلبت إليه أن يعرض عليها المعاطف التي وصلت مؤخرا , قادها إلى ما طلبت , نظرت إلى أحد المعاطف , أعجبها جدا , ناولها إياه وهو يقول إنه بعشرة آلاف دولار سيدتي , لم تبد اكتراثا لقوله , أخرجت من حقيبتها الأنيقة بطاقة صغيرة ووقعتها وهي تقول : ترسل الفاتورة إلى زوجي , تعرفه بلا شك , إنه صاحب الشركة الرابعة في هذا المجمع القريب , أخذ البطاقة منها , بينما مضت المرأة تحمل بين يديها ( ثروة ) .
في نهاية اليوم , أخذ يبحث عن البطاقة , لم يجدها , يا إلهي , لا , لا ليس هذا ما ينقصه الآن , يا رب , إنها عشرة آلاف دولار , من أين له بجمع هذا المبلغ ؟ بحث طويلا , في كل مكان يمكن أن يكون وضعها فيه , لكنه لم يجدها , قال لنفسه معزيا : خيرا , لعله خير . ثم عاد يقول : يا لي من مغفل ! أي خير في إضاعة هذه البطاقة ؟
حاول جاهدا تهدئة نفسه وأخذ يعصر ذهنه يحاول تذكر ما قالته المرأة , أية شركة قالت إنه مديرها , إنها أربع شركات في هذا المجمع لأربعة من كبار رجال الأعمال , وقد اعتاد أن تأتيه عائلاتهم ويأخذون ما يريدون ثم يحولون الفواتير على الشركات , ولكن كيف السبيل وقد أضاع البطاقة ؟
قرر أخيرا أن يرسل لكل من المدراء الأربعة رسالة صغيرة يخبره فيها إن زوجة أحد مدراء الشركات الأربع قد اشترت معطفا من الفرو بقيمة عشرة آلاف دولار وربما تكون زوجتك , آمل التحقق من الأمر , فإذا كان كذلك فالرجاء إرسال المبلغ المذكور للمتجر , وقّع الوريقات الأربع وأرسلها ثم ذهب إلى بيته , لم ينم ليلته تلك , بات يحسب , ماذا لو أن أحدا من المدراء الأربعة لم يعترف بالأمر ؟ ستكون نهايته ولا شك , سيذهب للسجن بالطبع , فهو لن يستطيع دفع المبلغ لصاحب المحل , لقد ذهبت تلك الفتاة الخجول بعقله , نظر إلى أحلامه العذبة معها , كأنها صرح من الخيال يتساقط أمام هذا الواقع المرير .
ذهب إلى عمله من الغد وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى , دخل وجلس على مقعده ووضع رأسه بين كفيه واستسلم للصراع بين اليأس والأمل , ومضى يوم آخر .
في نهاية اليوم التالي كان صاحبنا ينظر في ذهول إلى أربعة شيكات كتبت باسمه كل منها بقيمة عشرة آلاف دولار .