المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمة الإسلامية من جديد و ليس الشرق الأوسط الجديد / بقلم د0 أحمد الغامدي



شاكر عبد العزيز
13/11/2010, 10:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هدايات ربانية

الهداية الأولى :
قول الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (النور : 55 ) .

الهداية الثانية :
قول الله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (القصص : 5 ) .

الهداية الثالثة :
قوله تعالى : ( فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) (الروم : 4 ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فهذه رسالة بعنوان : ( الأمة الإسلامية من جديد لا الشرق الأوسط الجديد ) . اجتهدت في كتابتها لأسباب سامية من أبرزها الآتي :
1. رجاء أن تكون موعظة للمغرر بهم الذين لم يتجاوزوا بأنفسهم ما رسمته لهم دول الاحتلال الغربي بعد سقوط الدولة العثمانية .
2. رجاء أن تكون نذارة للغافلين الذين لم يشعروا بعظم الخطر القادم من دول الاحتلال الجديد المتمثل في أمريكا ومن سار في ركابها والذي كان من أواخره احتلال أفعانستان والعراق والحرب اللبنانية وغيرها تمهيداً لمشروع : ( الشرق الأوسط الجديد ) ، أو غيره ، والذي سيزيد في الفرقة والتشرذم والبعد عن روح الوحدة الإسلامية .
3. رجاء أن تكون رداً للخادعين الذين يفتون في عضد الأمة الإسلامية بالطعن في عوامل الوحدة الإسلامية ومحاربتها .
4. رجاء أن تشحذ همم المبادرين للم شعث أمتنا الإسلامية ، ونظمها في منظومة واحدة قوية تحقيقاً لوعد الله تعالى بخلافة الأرض ووراثتها ، الوعد الذي لا يتغير ولا يتبدل .
5. استجابة لما تمليه العقيدة الإسلامية الصحيحة ، والأخوة الإيمانية الصادقة ، والضرورة الحياتية الملحة ، على الغيورين بالدفاع عن الحقوق الإسلامية ، والتي من أبرزها وحدة الأمة الإسلامية .
هذا و للرسالة أهمية كبرى تبرز عبر الآتي :
1. أنها تسعى أن تقوم بواجب النصيحة الدينية التي أخذت على المسلمين بعامة ، وأهل العلم بخاصة.
2. أنها تساهم في رد الوحدة الإسلامية كما كانت واقعاً في حياة الأمة الإسلامية من قبل اتفاقية سايكس بيكو الإحتلالية .
3. أنها تسهم في التأكيد بأن الوحدة الإسلامية حل ناجع لغالب ما يعيشه المسلمون في العصر الحاضر ، من تخلف وضعف وهوان وتبعية ، لأنها تشكل القوة التي تضمن بعد الله تعالى الحياة الكريمة .
4. أنها تحاول أن تساعد في التجاوز بالمسلمين إلى السعة بعد الضيق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، هذا الضيق الذي رسمته الولاءات الغربية ، و الدعوات القومية ، والنعرات الطائفية ، والقوانين العشائرية ، والتحكمات الأسرية .
وأما محاور الرسالة فهي كالآتي :
المحور الأول : مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية .
المحور الثاني : التعريف بالأمة الإسلامية .
المحور الثالث : مقومات الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تطمئن الشعوب إليها .
ثانياً : الأرض التي يملكها الشعب ويدافع عنها .
ثالثاً : الإنسان الذي تتألف منه الأمة .
رابعاً : العزة والحمية الإيمانية القوية .
خامساً : النظام السياسي الذي يمثل الأمة .
المحور الرابع : سمات الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : إفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة .
ثانياً : إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم وحده دون سواه .
ثالثاً : القيام بالعدل والإحسان
رابعاً :الحرص على التعاون على البر والتقوى .
خامساً : عدم التشبه بالكافرين .
المحور الخامس : واجبنا تجاه الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية .
ثانياً : الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية .
ثالثاً : الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية .
رابعاً : الدفاع عن ثروات و مقدرات الأمة الإسلامية .
خامساً: الدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية .
سادساً : الدفاع عن حق الأمة الإسلامية في اختيار من يحكمها .
ولا ريب أن هذا الموضوع العظيم لا يكفي في بعثه رسالة مختصرة كهذه ، لكني آمل أن تفتح الباب وغيرها الآن أمام دراسات صادقة جريئة تعيد الحق الغائب والمسلوب إلى نصابه .
وفق الله الجميع للقيام بواجب الدفاع عن الأمة الإسلامية ، عبادة لرب العالمين ، وحمية للدين ، ونصرة للمظلومين .

المحور الأول : مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية :
من نافلة القول أن الأمة الإسلامية تعرضت لنكبات عدة قسمت أرضها وفرقت بين شعوبها وأحيت النعرات العرقية والطائفية بينها ، وما تعيشه الأمة الإسلامية الآن هو مرحلة من مراحل ذلك التقسيم ، وحيث إن هذه المرحلة استنفدت أغراضها عند المحتل وأدت الدور في كبح جماح المد الشيوعي الذي كان يهدد المعسكر الغربي والأمريكي تمثلت في معاهدة لوزان واتفاقية سايكس بيكو وغيرها ، كان من الطبيعي عند العدو النهم الجشع أن يبادر بمشروع يقتل ما بقي من عوامل الوحدة الإسلامية ، وكان هذا المشروع الإحتلالي الجديد هو ما يسمى بـ" الشرق الأوسط الجديد " ، ولأهمية هذا المشروع جعل الخبراء والمراقبون والمحللون السياسيون والدبلوماسيون يحرصون بقوة على معرفة خارطته الجديدة والاهتمام بتفاصيله الجغرافية والسياسية ، ويجدر بنا هنا الحديث بإلمامة عن أهم عناصر التقسيمات قديماً وحديثاً :

أولاً : التقسيمات قديماً :
هناك مؤامرة قديمة تعود إلى مئات السنين للوراء ، وكانت في الماضي القديم كما هي اليوم تستهدف إيقاظ النعرة المذهبية والطائفية والعرقية في الحاضر الإسلامي بهدف تمزيقه رغم أنه ممزق ، وبهدف تركيعه ، وشطب بعض دُوَلِهِ عن خارطة الوجود أو تقسيمها أو فرض دول جديدة مصطنعة ، ثم رسم خارطة جديدة بعد كل هذه المتغيرات تجسد من ضمن ما تجسد الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى أمريكا اليوم إلى صناعته بما يتفق مع المصلحة (الأمريكية - الإسرائيلية) فقط !! نعم هكذا كانت أهداف هذه المؤامرة في الماضي القديم وهكذا هي أهدافها اليوم ، وهي نفس الأهداف لم تتغير سوى أن فاشية (بوش- رايس) تحاول أن تتحدث عنها اليوم بمصطلحات العصر الحاضر وتعابيره السياسية والإعلامية مع الاحتفاظ بنفس المعنى بالضبط .
وفي وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس ، هي عبارة عن رسالة كان قد أرسلها لويس التاسع ملك فرنسا عندما أُسر في دار ابن لقمان بالمنصورة في مصر خلال فترة الحروب الصليبية حيث يقول في هذه الرسالة الآتي :" إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب ، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة بإتباع الآتي :
أ- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين ، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملا في إضعاف المسلمين .
ب- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح .
ج- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء ، حتى تنفصل القاعدة عن القمة .
د- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحي في سبيل مبادئه .
هـ - العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة .
و- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً أنطاكية شمالاً ، ثم تتجه شرقاً ، وتمتد حتى تصل إلى الغرب."
وعند التأمل في هذه الوثيقة نجد أن فكرة المشروع الصهيوني لم تكن فكرة صهيونية فقط بل هي فكرة غربية كذلك ، وهي ليست فكرة جديدة تعود إلى مؤتمر بازل الذي عقد عام 1897م بل هي فكرة قديمة تعود إلى فترة الحروب الصليبية الأولى ، فها هو لويس التاسع ملك فرنسا يدعو صراحة في هذه الوثيقة إلى إقامة دولة غربية على أرض فلسطين التاريخية ، بحيث تكون هذه الدولة مشروعاً استيطانياً قابلاً للامتداد في العمق الإسلامي والعربي شرقاً ونحو أنطاكية شمالاً ، أي الحرص على الهيمنة على لبنان على الأقل وصولا إلى أنطاكية ، وما يجري على أرض الواقع اليوم هو صدى عملي لتلك الوثيقة ، بل إن الأبجديات الأساس لمشروع الشرق الأوسط الجديد نجدها في هذه الوثيقة ، إذ أن هذه الوثيقة كما هو واضح لكل من يتأملها تدعو إلى إحياء النعرات المذهبية والطائفية والعرقية في العمق الإسلامي والعربي ، وتدعو للإبقاء على أنظمة حكم تبعية فاسدة ، وتدعو إلى تجريد الحاضر الإسلامي والعربي من ثقافة المقاومة ، وتدعو إلى مواصلة شرذمة الحاضر الإسلامي والعربي إلى دويلات ، وإن كل هذه المطالب التي تدعو إليها هذه الوثيقة هي ذات المطالبة العلنية أو المدفونة بين السطور التي يدعو إليها مشروع الشرق الأوسط الجديد ، مع بض التعديلات إضافة أو حذفاً ،
ولم أقل أن مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ليس جديداً استناداً إلى هذه الوثيقة فقط بل هناك عشرات الوثائق الأخرى التي جاءت بعد هذه الوثيقة وسأذكِّرُ بأهمها ، ومن أهمها ما نجده من أفكار متناثرة لمشاريع عمل يدعو إلى تنفيذها لورانس ملك العرب في كتابه المعروف (أعمدة الحكمة السبعة) ، فهو الذي عمل على إسقاط (مبدأ الخلافة) لتمزيق الحاضر الإسلامي إلى شذر مذر ، وهو الذي عمل على فرض شرخ عميق بين الحاضر العربي وتركيا ، وهو الذي هيأ الأرضية لمشروع ( سايكس-بيكو) فيما بعد ، وهذا ما كان حيث تمّ تقسيم الحاضر الإسلامي والعربي وفق مصالح (بريطانيا- فرنسا) ، وهو الذي هيأ الأرضية من خلال كل ذلك لإنجاح المشروع الصهيوني فيما بعد على أرض فلسطين التاريخية ، لذلك فإن لورانس ملك العرب كان ممن مارسوا عملياً فرض شرق أوسط جديد فيما مضى ، ولعله لا يختلف عن مشروع (بوش- رايس) إلا ببعض الفروع وإلاّ فالجوهر واحد والمستهدف واحد ، ولكن في هذه المرة ليس لصالح (بريطانيا- فرنسا) بل لصالح المؤسسة (الأمريكية- الإسرائيلية) ، وبذلك قدم لورانس النموذج العملي لمن بعده ، ومن أهم هذه الوثائق فيما بعد وثيقة " مؤتمر لوزان " وما حملت من شروط فرضتها بريطانيا يومها على تركيا ، حيث اشترطت بريطانيا على تركيا بواسطة هذه الوثيقة أنها لن تنسحب من الأراضي التركية إلاّ بعد تنفيذ الشروط الآتية :
أ- إلغاء الخلافة الإسلامية ، وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله .
ب- أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة .
ج- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام .
د- أن تختار لها دستوراً مدنياً بدلاً من دستورها المستمد من أحكام الإسلام ، فكان أن نفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة فانسحبت الدول المحتلة من تركيا ، ولما وقف كرزون وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا ، احتج عليه بعض النواب البريطانيين بعنف واستغربوا كيف اعترفت بريطانيا باستقلال تركيا ، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب ، فأجاب كرزون : " لقد قضينا على تركيا ، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم ... لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين : الإسلام والخلافة" ، ولو تأملنا هذه الوثيقة وممارسات كرزون لوجدنا فيها خطوات سابقة ومتقدمة سعت إلى فرض شرق أوسط جديد كجزء من خارطة عالم إسلامي وعربي جديدة تقوم على أساس تفكيك عناصر القوة في العمق الإسلامي والعربي ، والتي كان فيها كرزون على قناعة أنه لن يتم تفكيكها إلا بإلغاء مبدأ الخلافة ، لأن إلغاء مبدأ الخلافة يعني إلغاء مبدأ القدرة على بناء وحدة إسلامية تجسد معسكراً مقاوِماً للطمع الإحتلالي الغربي في العمق الإسلامي ، ومن أهم هذه الوثائق فيما بعد ما نجده من تقييم لحاضر ومستقبل العالم الإسلامي والعربي وما نجده من مشاريع مقترحة قرينة لهذا التقسيم في كتاب : (الإسلام قوة الغد) للرحالة الألماني (بول أشميد) حيث يقول (أشميد) في هذا الكتاب : (إن مقومات القوة في الشرق الإسلامي تنحصر في عوامل ثلاثة :
أ- في قوة الإسلام كدين وفي الإعتقاد به ، وفي مُثُله ، وفي مؤاخاته بين مختلفي الجنس واللون والثقافة .
ب- في وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الإسلامي ، وتمثيل هذه المصادر العديدة لوجهة اقتصادية سليمة قوية ، ولاكتفاء ذاتي ، لا يدع المسلمين في حاجة مطلقاً إلى أوروبا أو إلى غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا .
ت- خصوبة النسل البشري لدى المسلمين ، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة ، ثم يقول (أشميد) : ( فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث ، فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة ، وتوحيد الله ، وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزيد عددهم ، كان الخطر الإسلامي خطراً منذراً بفناء أوروبا وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله) ، ثم يقترح (أشميد) أن يتضامن الغرب شعوباً وحكومات ويعيدوا الحروب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر !! ولكن بأسلوب نافذ حاسم !! ولو تأملنا كتاب (أشميد) جيداً لاكتشفنا بسهولة أنه يتحدث عن (صدام الحضارات) دون أن يستخدم هذا المصطلح، ويتحدث عن ضرورة تفكيك عناصر القوة في العالم الإسلامي ، ويتحدث عن ضرورة غزو عسكري غربي في عقر دار العمق الإسلامي قبل أن يتحول هذا الحاضر الإسلامي إلى مارد يهدد أوروبا بالفناء !! وهي تحليلات سبق بها مدرسة (صدام الحضارات) في أمريكا !! وهي دعوة لصناعة شرق أوسط جديد تضمن فيه أوروبا دوام العجز الإسلامي !! وهي دعوة لأوروبا كي تتحد وكي تعود إلى حملاتها الصليبية تحت مسميات جديدة ، وبذلك يكون (أشميد) أذكى من (بوش الإبن) الذي أعلنها حرباً صليبية غربية على المكشوف ، عندما بدأ يستعد لغزو أفغانستان ، ثم غزو العراق ، ثم الانتشار في العمق الإسلامي !! ولذلك فإن الدور العدائي الذي تقوم به أمريكا ضد الحاضر الإسلامي على صعيد مفكريها وسياسييها ليس جديداً بكل ما قدم من أفكار مثل فكر (صدام الحضارات) ومن مشاريع مثل مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ، بل أن هذا الدور العدائي الأمريكي فكراً ونهجاً هو استمرار للدور الغربي السابق شبراً بشبر وذراعاً بذراع سوى بعض المتغيرات التي تقتضيها قبل كل شيء المصلحة الأمريكية الإسرائيلية.
ومن الضروري أن نعلم أن روح هذه الوثائق ومعانيها وما تحمل من أفكار ومشاريع قد واصل العالم الغربي الحديث عنها شفاهة أو كتابة ، وواصل تحديد علاقته مع العالم الإسلامي على ضوئها حتى اليوم ، وعلى سبيل المثال فها هي مجلة روز اليوسف تنقل في عددها الصادر بتاريخ 29/6/1963 لأحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية ما قاله عام 1952م وقد جاء فيه ما يلي :" ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي ، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي ، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي ، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم ، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة ، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد ، دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية ، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في النطاق الواسع ، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين ، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ، ويقذفون برسالتنا إلى متاحف التاريخ ، وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعوب المسلمة ، فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة ، إن العالم الإسلامي عملاق مقيد ، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً ، فهو حائر وهو قلق ، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه ، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر .. فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء ، ولنقو في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني حتى لا ينهض ، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف ، بإبقاء المسلم متخلفاً ، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه ، فقد بؤنا بإخفاق خطير ، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب ، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم " . ولو تأملنا أقوال هذا المسؤول الفرنسي لوجدنا أنها تحمل روح أفكار (أشميد) الألماني وتدعو في سطرها الأخير إلى ( صدام حضارات) اضطراري وفق رؤية هذا المفهوم الفرنسي ، لأنه وفق رؤيته لا يمكن التعايش بين الحضارة الإسلامية العربية وبين الحضارة الغربية , وحتى تحافظ الحضارة الغربية على بقائها وتفوقها يجب عليها أن تمنع انبعاث جديد للحضارة الإسلامية !! هكذا يفكر هذا المسؤول الفرنسي وإذا افترضنا أنه يعبر عن فكر المؤسسة الفرنسية الرسمية فعندها سنفهم لماذا تبنت فرنسا إقامة المشروع الذري الإسرائيلي في ديمونا والذي عُرف باسم (خيار شمشوم) !! ولماذا منعت فرنسا الحجاب الإسلامي في أراضيها !! ولماذا كانت فرنسا اللاعب الأساس في صياغة قرار مجلس الأمن الأخير رقم (1701) الذي يطمعون من ورائه القضاء على ثقافة المقاومة في العمق الإسلامي !!
، وها هو أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م يقول :" إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي ، فلسفته، وعقيدته، ونظامه وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي ، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي ، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام ، والى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية ، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها " ، فهذا روستو لا يخفي ما يريد !! إنه يريد تدمير الحضارة الإسلامية ، وتبني دولة إسرائيل ، والسير خلف خُطى العالم الغربي المحاربة للإسلام !!( )

يتبع باقي الموضوع

شاكر عبد العزيز
13/11/2010, 10:30 PM
ب ) التقسيمات حديثاً :
ـ مشروع الشرق الأوسط الجديد :
أن صاحب امتياز هذا الاسم " الشرق الأوسط الجديد " هو شيمون بيريز، المسئول الإسرائيلي وقطب حزب العمل الشهير والذي طرحه عبر كتابه الذي حمل اسم "الشرق الأوسط الجديد" - صدر عن دار نشر(إيليمنت) البريطانية عام ،1994 وأصدرت دار الجيل بعمان الأردن ترجمة عربية له في ذات العام، وفيه طرح بيريز مفهوماً لهذا الشرق الأوسط الذي بدأ أنه علي وشك ولوج حقبة جديدة، في أعقاب إنجاز التسوية الأمريكية للملف الفلسطيني - الإسرائيلي، المتمثلة في اتفاق أوسلو الموقع بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال، اسحق رابين عام ،1993 ومن هنا جاء مشروع " الشرق الأوسط الجديد " متكيفاً مع هذه الظروف المستجدة ، دون أن يتخلي بأي صورة من الصور عن مستهدفاته الإستراتيجية الثابتة، مستهدفات المشروع الصهيوني الإمبريالي الأصلي ، لكنها هذه المرة مع التحوير الضروري والملائم، الذي عبر عنه اسحق رابين رئيس الوزراء الصهيوني المقتول، قبل اغتياله، بقوله ساخراً من فجاجة معارضيه من حزب الليكود وضيق منظورهم! : ( إن هؤلاء يقيسون قوة إسرائيل بمساحة ما تستولي عليه من أراض، أما نحن فنقيس قوة إسرائيل بمقدار ما تسيطر عليه من أسواق ) . وكان أحد الأهداف المهمة لهذا الطرح، هو استبدال الهوية الإسلامية التاريخية والثقافية للمنطقة، بأخري مصطنعة، مشوشة، مائعة، هي الهوية الشرق أوسطية التي تعني إذابة العرب في كيان هلامي غير واضح المعالم ، أوضح ما فيه هو خضوعه للهيمنة الإسرائيلية المباشرة والكاملة، وقد تطور هذا الطرح في أعقاب 11 سبتمبر، وما تلاه من تداعيات أبرزها احتلال العراق وتدمير بنيته المؤسسية، وتحول دولة المنطقة وبالذات الخليجية إلي مستعمرات وقواعد عسكرية ومراكز استخباراتية وإدارية لآلة الحرب الأمريكية ، التي رأت أنه من الصالح لها التدخل المباشر لفرض السيطرة علي منابع النفط العربي ، من غير وسيط !. وتقدم مشروع الهيمنة الأمريكي في هذا السياق بتطوير أمريكي لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" وطرحه في صور مستحدثة باسم " الشرق الأوسط الكبير" ، روج لها الرئيس بوش وأركان حربه، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية كونداليزا رايس ، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وغيرهم من أركان الإدارة الأمريكية، وفحوى مشروع الشرق الأوسط الكبير، كما قدمه الخبراء الأمريكيون يتبلور في عملية مزدوجة، لتفكيك وإعادة تركيب دول المنطقة بإجراء تقسيمات وتخطيطات جديدة تعيد رسم خرائطها على النحو الذي يضمن المصالح العليا الأمريكية، وأساسهاً البترول، وإسرائيل باستخدام القوة والتدخل المباشر، في مسار مشابه لما جرى عام ،1916 حينما تم تقاسم تركة " الرجل العثماني المريض " بين الإمبراطوريات الغربية المهيمنة آنذاك، وبالذات الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية... ( )

ج ) تقسيمات " مشروع الشرق الأوسط الجديد " :
توضح الخارطتان المرفقتان بالتقرير طبيعة التغيير المقترح ، وهاتان الخارطتان ليستا سوى خارطتين من جملة خرائط أخرى متداولة في أوساط البنتاغون ولكنها جميعاً تقوم على المبدأ نفسه ، التقسيم والتمزيق .
فقد نشرت مجلة "القوات المسلحة الأمريكية" في عددها الأخير، والذي يرسم مستقبلاً للمنطقة يقوم على "إعادة هيكلة الشرق الأوسط" -وكان هذا هو عنوان التقرير- بحيث يجرى تقسيم العراق وسوريا والسعودية، إلى دويلات طائفية متنازعة، فيما يتم توسيع المملكة الأردنية الهاشمية، على حساب العراق والسعودية، وتحافظ "اسرائيل" على سيطرتها على جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، ليكون "السلام" قائما على أساس قوة الردع "الاسرائيلية" من ناحية، وتمزق وتنازع دول المنطقة فيما بينها وفى داخلها من ناحية أخرى.

وبالنظر إلى خارطة المنطقة الحالية وخارطة المشروع الجديد يتبين الفرق وعظم الخطر ، فالخارطة الأولى التي الخارطة الحالية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو و هي كالآتيالآتي:


والتقرير أعده الخبير (رالف بيتر) الكولونيل المتقاعد من الجيش الأمريكي، الذي سبق له أن عمل في سلاح المدرعات وشعبة الاستخبارات العسكرية، وهو ما يزال على صلة وثيقة بمراكز الأبحاث التي يشرف عليها البنتاغون.
والرجل يملك دراية واسعة بتاريخ المنطقة وهو ملم إلى حد كبير بالرؤية الاستراتيجية التي يعبر عنها المحافظون الجدد، ناهيك عن معرفته عن قرب بالعوائق والصعوبات التي يمكن أن تعترض المشروع الأمريكي وتحول دون ترجمته على أرض الواقع.
وكان هذا الخبير العسكري عبر عن مخاوفه بهذا الصدد على مضض في حواره مع جيمي جلازوف رئيس تحرير المجلة الصهيونية الشهيرة Front page بتاريخ 2 أغسطس-آب الجاري بالقول : (أن هذه الحرب أول حرب تخسرها إسرائيل إعلامياً وعسكرياً ). ويتابع : ( إنه لا خيار لإسرائيل سوى تعديل الكفة... ودفع قواتها البرية بأقصى ما تملك للقضاء على حزب الله كلياً. فالمعركة مصيرية وهى مسألة حياة أو موت للكثير من الرهانات في المنطقة ).
فحكومة بوش عملت ما في وسعها لتمنح "إسرائيل" الوقت الكافي لإكمال المهمة وتحقيق الأهداف لكن صلابة المقاومة اللبنانية أثبتت أن حكومة أولمرت تعد الأضعف في تاريخ "إسرائيل" عسكريا. وبيت القصيد في هذا الحوار، كما في كتابهNever Quit the Fight - لا تتخلى عن القتال مطلقا - أن تستمر الحرب على نحو لا يجب إيقافها أبدا كما يبدو من عنوان الكتاب الذي اختاره.
وكان (رالف بيتر) استعار جوانب مهمة من هذا الكتاب في إعداد التقرير الذي قدمته مجلة " القوات المسلحة الأمريكية".
ولكي نقدم أبرز ما جرى في التقرير، تجدر الإشارة إلى أنه لا يتحدث أبداً عن "مشروع الشرق الأوسط الكبير" بل عن "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، وذلك عطفاً على تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء تعليقها على ما جرى في مجزرة قانا الرهيبة، والذي قالت فيه : ( أن ذلك هو بمثابة الألم الذي لا بد منه للولادة العسيرة لمشروع الشرق الأوسط الجديد ) !.
وكان من الواضح أنها اختارت تعبيراً كان يخضع في الأصل لمداولات وخطط وخرائط داخل المؤسستين العسكرية والسياسية حول شكل البيئة الإقليمية المناسبة لكي تعيش "إسرائيل بأمن وسلام"!.

ـ أهمية " مشروع الشرق الأوسط الجديد " استراتيجياً :
يكشف التقرير أن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المنطقة عمّا عداها، لا يعدم تبريراً وأهميته للآتي :
أولاً : لأن المنطقة تقع على خطوط الممرات الجوية والبرية والبحرية ذات الأهمية الكبرى لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على أنها شريان الطاقة العالمي بامتياز طوال خمسين سنة المقبلة.
ثانيا : إن هذه المنطقة تحفل بتهديدات شتى ، سواء تلك التي بدرت رفض شعوب المنطقة للمشروع الأمريكي أم تلك التي ستظهر مع تعاظم دول الشرق الأقصى -الصين، والهند...- العملاقان المقبلان .
ثالثاً : إن تكسير الجدار العربي مقدمة لتكسير أكثر الهويات التاريخية تجذراً وممانعة في تاريخ هذه المنطقة، تمهيداً لتكسير هويات قومية وثقافية أخرى للاستفراد بالعالم وإحلال هيمنة الثقافة الواحدة والنظام السياسي الواحد وتسييج العولمة بثوب ومقاس الإمبراطورية الجديدة.


الوجه الأول : ملامح خارطة "الشرق الأوسط" حالياً :
ويبدو أن نشر التقرير كان يعنى فيما يعنيه أن الحرب العدوانية "الإسرائيلية" على لبنان ليست سوى محطة من محطات أخرى للحرب المعلنة والخفية على الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة بعامة والدول والتنظيمات الممانعة بخاصة.
ويقترح التقرير، أن يتم تقويض أركان دول وإعادة رسم جديدة لكيانات دول جديدة وابتعاث دول أخرى ، إذ تمثل الخريطة الجديدة المعروضة " للشرق الأوسط الجديد" إعادة رسم جذرية لكيانات الدول الوطنية التي خرجت من معطف الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، وستتغير ملامح دول لتندمج بعض مناطقها في دول أخرى من ناحية، كما ينذر المشروع باقتطاع أجزاء من دول وطنية من ناحية أخرى، ناهيك أن حدود الخريطة الجديدة واضحة وتختلف عن الخريطة القديمة في مجملها، إذ إن الخريطة المقترحة تتضمن تعديلاً وتقسيماً يمس الدول التالية: سوريا، إيران، العراق، السعودية، باكستان، الإمارات العربية المتحدة، تركيا. وما يتم اقتطاعه يتم إلحاقه بالدول التالية: الأردن، اليمن وأفغانستان، كما يلوح المشروع بـ" دولة كردستان الجديدة " ، وبداية، يعلن التقرير ضرورة إعادة رسم حدود وكيان الدول التالية على المدى القصير والمتوسط، بحيث تأتى العراق والسعودية وإيران على قائمة الدول المعرضة للبلقنة والتقسيم على أساس طائفي ومذهبي ، وما جرى في العراق أثبت أن "الديموقراطية" التي بشر بها المسؤولون الأمريكيون في مشروعهم الأول، لم تؤد إلى كسب رهان السيطرة على العراق كلياً ، بيد أن العراق يكتوي حالياً بمؤامرة الحرب الأهلية وسياسات فرق تسد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، بطبيعة الحال، تعرض الخريطة الجديدة ميلاد " دولة كردستان الكبرى" تضم شمال العراق -كركوك النفطية- ومحافظات الموصل وخانقين وديالى والمناطق الكردية التي يتم اقتطاعها من تركيا وسوريا وإيران وأرمينيا وأذربيجان. ويتم هذا بدعوى "رد حقوق الأقليات التي هضمت تاريخياً". وبطبيعة الحال، بهدف كسبها لصالح الدفاع عن المشروع الأمريكي- "الإسرائيلي" في المنطقة ، ويعرض التقرير حدود هذه الدولة التي تمتد من ديار بكر التركية إلى تبريز في إيران. ومؤدى هذا المشروع أن ترك الأنظمة العربية كما هو عليه حالها اليوم، لن يمنع عن الولايات المتحدة من أن تتلقى مصالحها ردود فعل شعبية عنيفة في المنطقة، ستكتوي بنارها طال أم قصر الزمن. وبالتالي أصبح الرهان على الديموقراطية مجرد وهم نحن غير جديرين بها على ضوء هذا المشروع الجديد، ما دامت تجربة (حماس) وفوزها في الانتخابات بدَّدت حسابات ورهانات الإدارة الأمريكية حول الديموقراطية في "الشرق الأوسط".
ويمكن القول إن ما تسعى إليه إدارة بوش الجديدة هو وضع لبنات تغيير ملامح "الشرق الأوسط" قاطبة، على نحو يأتي مقاسه يناسب حذاء "إسرائيل": الحليف الوحيد الذي يمكن أن تثق به.
ويقوم عنوان هذه الخريطة الجديدة على تقسيم طائفي ومذهبي وعرقي يشمل خريطة "الشرق الأوسط" برمتها. وينتظر أن يشكل تقسيم العراق إلى دويلة للأكراد في الشمال، دويلة للشيعة في الجنوب ودويلة للسنة في الوسط النموذج الذي سيتم تعميمه في كل المنطقة.
ومن خلال هذا التقسيم يمكن أن تلعب الجماعات "الشيعية" الموالية للولايات المتحدة في العراق دور المساندة والدعم لإخوتهم "الشيعة" في محافظة الأحساء - موطن الأقلية الشيعية في السعودية - تمهيداً لإلحاقهم بـ"دولة عربية شيعية" في جنوب العراق تحول دون حلم "جمهورية إيران الإسلامية" أن تصبح " قبلة كل شيعة العالم".
لا يخفى هذا المشروع أن جمع الأقليات "الشيعية" في دولة يكون عمادها الجنوب العراقي وحكامها من "الشيعة" الموالين لواشنطن، تمكننا من فهم دلالات الحرب الدائرة ضد "حزب الله" في لبنان ومحاولة القضاء عليه للتخلص نهائيا من "مشروع شيعي" يدافع عن القضايا القومية العربية ويقف حائلاً أمام إدماج لبنان في "مشروع الشرق الأوسط الجديد".
وتمتد حدود هذه "الدولة الشيعية العربية" إلى الجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الغربية من إيران الذي يعرف بالأهواز. ويمكن القول أن هذه "الدولة الشيعية العربية" سيلقى على عاتقها الوقوف في وجه إيران الحالية، فوجود "دولة شيعية" موالية للولايات المتحدة سيكون بمثابة قوة التوازن مع وجود "دولة شيعية" معادية، وستكون الأولى، بما يتوفر لديها من إمكانيات مادية - نفطية بالدرجة الأولى - وبما لديها من "آيات الله" تم ترويضهم لخدمة المصالح "الإسرائيلية"، قادرة على سحب البساط من تحت أقدام النزعة الثورية في إيران.
غير أن ما يتهدد البلدان الأخرى، بخاصة السعودية لا يقتصر على إذكاء نار التفرقة المذهبية والطائفية بين "الشيعة والسنة"، بخاصة في منطقة (الأحساء) التي تقطنها أقليات "شيعية"، فخبايا المشروع تهدف إلى حرمان خزينة المملكة من عوائد النفط التي تزخر بها المنطقة الغنية بالنفط، تمهيداً لتجريد "الدولة السعودية" من أي قوة وأية موارد، و"سيكون ذلك بمثابة العقاب النهائي على قيام سعوديين- وهابيين بتفجيرات 11 سبتمبر 2001"!. فـ"الوهابية" التي تثرى بالنفط اليوم يجب أن تفقر وتنشغل بحروب داخلية بين نجد والحجاز والأحساء لاستعادة أمجاد الماضي - الراهن-.
ويحمل في طياته ظهور "فاتيكان جديد" للعرب في إمارة الحجاز، يوكل الإشراف عليها لأمير هاشمي يعول عليه في إذكاء وإحياء نار الصراع المذهبي الذي حدث سنة 1924، بين آل سعود وآل هاشم حكام الأردن حالياً ، تمهداً لخروج الأماكن المقدسة من سيطرة " الدولة السعودية"، بحيث يتم إعداد لجنة دينية مكونة من المذاهب الإسلامية يعهد لها مهمة الإشراف على مناسك الحج والشؤون الدينية.
بطبيعة الحال، فأن ما يبرر ظهور هذا "الفاتيكان" الجديد في إمارة الحجاز، يجد سنداً في المزاعم التاريخية الآتية :
فالإمارة وقعت بالفعل تحت إمرة الأشراف، فرع بني هاشم الذين حكموها إلى غاية سنة 1924، موعد سقوطها في يد آل سعود. والهدف هو تحجيم التأثير الوهابي المسؤول في نظر واشنطن عن "التطرف الإسلامي"، كما عن امتداده وتغلغله في باقي البلدان العربية والإسلامية.
ويتعمد أصحاب المشروع تناسى الدور الذي قام به آل سعود من جهود لتوحيد قبائل المملكة في حينه وضمان الأمن في ربوع الحجاز ومنع لانتشار الفوضى القبلية، وما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب من رد البدع وعدم التمسح بالأضرحة والقبور والدعاء ، ومهما يكن من أمر، فأن هذه الدعوة يتم اتخاذها مطية للتبشير بتقويض دور السعودية الديني ودورها في العالم العربي والإسلامي عبر السيطرة على الأماكن المقدسة، مما يسهل من أمر بعث هذه الإمارة من جديد. وما يتم تقديمه من ذرائع في هذا الباب يستند على ضرورة إحيائها من جديد، بحيث تتم الإشارة التاريخية إلى مؤسس الدولة الهاشمية الحسين بن على وأبنائه - علي، عبد الله، فيصل وزيد -. فابنه علي أكبرهم كان أمير الحجاز قبل سقوط الإمارة في يد سعود الكبير موحد الجزيرة العربية، أما عبد الله فتولى مقاليد الأردن ومن بعده جاء الملك الراحل الحسين . بينما عرف حكم فيصل للعراق فشلا ذريعاً بعد قيام الثورة. وهذا القسم الذي يتم بتره وإلحاقه بالمملكة الأردنية الهاشمية، يمثله الحجاز والقسم المتعلق بشمال وشرق المملكة.
مؤدى هذا التحول إغراق السعودية في بحر القلاقل والتوترات وعزل حكم آل سعود في منطقة نجد، ما يرشح المملكة الهاشمية الأردنية أن تمد من نفوذها وتستعيد ماضيها التليد في الحجاز. لكن الهدف من هذا كله هو ضمان عمق جغرافي وغيره "لإسرائيل" عبر هذه الدولة الحليفة، تحول دون أي مفاجآت قد تأتى من منطقة نجد.
ويعتبر التقرير أن المملكة العربية السعودية ليست سوى كيان مصطنع لا يملك شرعية تاريخية ولا مقومات البقاء، بالقياس إلى أن تاريخ نشأة المملكة حديث مقارنة مع تاريخ الدول والممالك.
لذلك تراه يعول بالأساس إلى ركوب موجة التذمر والغضب المستشرية بين الناقمين على آل سعود، بخاصة في منطقة (الأحساء وعسير والحجاز)، فهذه المناطق تعتبر مفتاحاً لإثارة المزيد من التوترات وإشعال فتيل الفتنة الطائفية والمذهبية، بغاية تفجيرها في الوقت المناسب لإعادة صياغة خريطة المملكة.
وما يقدمه التقرير من تعليل لإسناد مشروع التقسيم على أساس طائفي ومذهبي وعرقي يستند في عموميته إلى ما يلي :
إن طبيعة منطقة الحجاز أبعد ثقافيا واجتماعيا ومذهبيا من تمثل المذهب الوهابي الذي تم فرضه بحد السيف والإكراه فيها. فأهل الحجاز تبنوا طويلا مذهب الحنفية المعتدل، بحيث لن العودة لإذكاء نار الاحتراب الداخلي على قاعدة مذهبية يعنى محاولة تقليم أظافر الوهابية وإرجاعها إلى موطنها الأصلي في (الدرعية) وربوع نجد بعد تجريد آل سعود وآل الشيخ من الإشراف على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة على نحو يضمن ويقلل من شرعية آل سعود القائمة على توحيد البلد سياسياً ومذهبياً ، فالحجاز قلب الإسلام، وأي سيطرة على المدينة ومكة يخول لصاحبها دوراً ومكانة رمزية لا يستهان بها، كما أن هوية الحجاز الإقليمية وطباع أهلها في نظر التقرير يؤهلها للاستقلال عن حكم آل سعود، بحيث تتميز مدن جدة والطائف عن سائر مدن المملكة طباعاً وسلوكاً ومذهباً ، علاوة أنهم اعتماداً على التقارير التي استندوا إليها وتصلهم من عين المكان تقوم على دراسة طباع أهل الحجاز، تثبت بالنسبة لهم أن أهلها يختلفون في كثير من تقاليدهم وعاداتهم عن عادات البدو الصلدة وأهل نجد. فأهلها في نظرهم متسامحون دينياً بفعل إتباعهم مذهب الحنفية الوجه النقيض للوهابية، مما ساعدهم على نبذ التعصب الديني. كما أنهم منفتحون ومن أكثر الناس اختلاطاً ، إذ تزاوجوا مع كثير من الوافدين من خارج الجزيرة.
ويتنبه الخبير (رالف بيتر) إلى أهمية استغلال عامل إضافي قد يذكى النعرات القبلية والمذهبية بشدة، فهو يرى "أن آل سعود أحكموا قبضتهم على موارد البلاد، ما وضع أهل الحجاز في مرتبة دونية"، أي جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية يأتي بعدهم "الشيعة" في المرتبة الثالثة. ويطرح الخبير ضرورة بلورة مخطط لفصل الحجاز وانشقاقه بمساعدة عودة الهاشميين إلى الحكم في إمارة الحجاز، فهو يرى أن عودة أمير هاشمي لحكم إمارة الحجاز سيفتح آفاقاً أمام الأسرة الحاكمة في المملكة الأردنية الهاشمية كي تلعب دوراً كبيراً في المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ومن شأنه إضعاف آل سعود إلى الأبد.
لا يقف هوس العداء إلى أي حد بحيث يتم اتهام السعودية بأنها "تقف وراء الإرهاب"، بخاصة عندما يعتبر "أن انتماء عدد من منفذي أحداث 11 سبتمبر هم من منطقة عسير"، والمقصود من هذه الإشارة التي لا تخلو من مغزى، أن منطقة (عسير) أصبحت في نظرهم خزاناً لتفريغ المتطرفين والإرهابيين، لذلك يجب استغلال هذا الوضع لدفع أهلها لتفجير نقمتهم وغضبهم على آل سعود. ومن ثم التمهيد لانفصال هذه المحافظة عن السعودية وإعادة إلحاقها وإدماجها في اليمن.
أما بخصوص سيناريو الخريطة الجديدة بالنسبة لإيران، فهو يشابه في ضرره ما سيلحق السعودية أو يزيد، بحيث يلحقها الاقتطاعات الآتية :
جزء كردى يلتحق بـ"الدولة الكردية"، و"دولة شيعية عربية"، و"دولة بلوشية"، ودفع "الأقلية الأذربيجانية" للانفصال - حدثت بالفعل توترات كبيرة في هذه المنطقة مؤخرا ، وفي نفس الوقت، يتم اقتطاع جزء من أفغانستان الذي توجد به "أقلية شيعية" كي يتم إلحاقه بإيران الجديدة. كما يرى التقرير ضرورة اقتطاع أجزاء من باكستان وإلحاقها بأفغانستان الجديدة.

وبطبيعة الحال، يتم تبرير هذا التقسيم ومنطق الحدود الذي يتضمنها "مشروع الشرق الأوسط الجديد" استناداً للدعاوى الآتية :
1- لم تعد الحدود الموروثة عن الاستعمار البريطاني والفرنسي تفي بضمان مصالح الإمبراطورية الجديدة وممارستها الوصاية على الممرات البحرية والبرية على نحو كامل، ويتم ترجمة ذلك بلغة دبلوماسية، مفادها "أن الحدود الإقليمية الموروثة غير عادلة وأضرت كثيراً بالعديد من الأقليات والطوائف"...
2- منطق الجغرافيا السياسية الحالية في "الشرق الأوسط" تمت لصالح طوائف ومذاهب بعينها كرست الاستبداد والاستحواذ على السلطة، لذلك يجدر إعادة التوازن برسم "خريطة جديدة تمكن أقليات وطوائف ومذاهب لعب دور التوازن". ومؤدى هذا الأمر إضعاف الدول الوطنية الحالية وتحويل المنطقة إلى أشبه بمقاطعات... دائماً بحاجة إلى الحماية الأمريكية.
3- بدعوى أن العديد من الأقليات والطوائف تتحمل وزر الحدود الحالية، يجب تغيير الحدود السياسية وفق منطق طائفي يجعل في نظرها الحدود الجديدة أكثر ثباتاً وأمن الدول أكثر استقراراً ، ويشير التقرير إلى كثير من الأمثلة مثل ما لحق يوغوسلافيا من تفتيت وما تمخض عنه التقسيم: كوسوفو، صربيا وما جرى أيضاً في القوقاز.
4- الحدود الحالية في "الشرق الأوسط" تخدم أنظمة أقلية تسيطر على الدولة - الأمة وتستفرد بثرواتها على حساب الأقليات القومية والدينية والعرقية، ما يولد رد فعل لدى هذه الأقليات ويدفع العديد من أفرادها لحمل السلاح والتطرف.
وبإيجاز شديد، هكذا، انقلب مشروع "نشر الديموقراطية" على ظهر دبابة إلى مشروع طائفي وعرقي بامتياز، حيث يتم تسويغ مفاهيم حقوق الأقليات والمطالبة بالتوازن ورد الاعتبار للأقليات - الأكراد، البلوش، الشيعة العرب، المسيحيين...- كي يتم صياغة خريطة "الشرق الأوسط الجديد".
وبالعودة إلى ما سبق هذا التقرير من مشاريع سبقته وتحمل نفس المضمون، سنجد دراسة زاشاري لطيف التي تم نشرها سنة 2002، أي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، لتكون دليلا على أن يتم التخطيط له في البنتاغون ينفذ بالفعل في آخر المطاف. فقد اقترحت هذه الدراسة التي طبق "الحاكم المدني بريمر" بعض ما ورد فيها تقسيم العراق طائفيا وإخراج بدائل سياسية عرقية ومذهبية في كل من شمال ووسط وجنوب العراق، وقد شددت نفس الدراسة على ضرورة إعادة تشكيل خريطة العراق وإيران والسعودية وتقسيمها إلى عدة دويلات.
يتبع باقي الموضوع

شاكر عبد العزيز
13/11/2010, 10:33 PM
ـ الوجه الثاني لمشروع (رالف بيتر) :
أنه يجمع في محتوياته أيضاً ما كان قد اقترحه "شيمون بيريز" سنة 1992، للإجهاز على ما تبقى من لحمة "جامعة الدول العربية" المعطوبة وضم دولها إلى حظيرة "سوق مشتركة في الشرق الأوسط" تضمن من خلالها "إسرائيل" الاعتراف والتطبيع والريادة. غير أن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وفشل محاولات بيل كلينتون في "الشرق الأوسط" قبر المشروع في ذلك الوقت.
ولكن، يبدو أن الوقت قد حان، للبدء بمحاولات جديدة لمشروع " الشرق الأوسط الجديد " كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس . ( )
وصدق الله تعالى حيث يقول : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال : 30 ) ، ويقول تعالى : ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة : 217 )
إن هذا المكر الغربي الخادع بهذه المشارع التقسيمية الإحتلالية وغيرها مما سيأتي غداً ، هو بحاجة ماسة من كل مؤمن غيور إن يدفعه بقوة بمشروع مضاد له ، يجمع الأمة الإسلامية ويشد من قوتها ، ويستوعب طموحاتها ، وليس ثمة مشروع يحقق الهدف ممثل مشروع الأمة الإسلامية من جديد ، وهذا المشروع الرباني هو ما تبشر به هذه الرسالة .


المحور الثاني : التعريف بالأمة الإسلامية .
أولاً : في اللسان العربي المقصود بالأمة : الجماعة . ( )
ثانياً : أقسام الأمة :
الأمة قسمان :
القسم الأول : أمة الدعوة ، وتشمل الثقلين جميع الإنس والجن ، كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) . ( )
والقسم الثاني : أمة الإجابة ، وهي الأمة التي استجابت للدعوة الإسلامية ، ونسبتها إلى الإسلام لتمسكها به ، وكل من أستسلم لله تعالى بالتوحيد وانقاد له بالطاعة وخلص من الشرك دخل في جماعة المسلمين ، قال الله تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء : 92 ) ، وعن عرفجة ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ) .( )
والأمة الإسلامية بهذا الوصف تشمل البر وغيره ، كما قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) (فاطر : 32 ) وبهذا أفادت الأخبار النبوية ، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون في أمتي فرقتان فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق ) . ( ) ، وهذه الأمة هي أعز الأمـم على الله تـعالى ، وآخرها بقاء ، وأكثر الأمم دخولاً الجنة ، كما قال تعالى : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) (آل عمران : 110 ) وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( عرضت علي الأمم فأجد النبي يمر معه الأمة ، النبي يمر معه النفر ، والنبي يمر معه العشرة ، والنبي يمر معه الخمسة ، والنبي يمر وحده ، فنظرت فإذا سواد كثير قلت : يا جبريل هؤلاء أمتي ؟ قال لا ولكن انظر إلى الأفق ، فنظرت فإذا سواد كثير ، قال : هؤلاء أمتك ، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب ، قلت : ولم ؟ قال : كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) . فقام إليه عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم قال : ( اللهم اجعله منهم ) . ثم قام إليه رجل آخر قال : ادع الله أن يجعلني منهم قال : ( سبقك بها عكاشة ) . ( ) ، وعلى التحقيق فأول هذه الأمة خير من أخرها وفي كل خير كما جاء عن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير أمتي القرن الذين يلوني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) ( ) وأما عن بقائها فقد جاء عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم ، والله يعطي ، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) .( )
والجدير بالذكر هنا أن هذه الأمة يدخل فيها ظاهراً من ليس منها باطناً كالمنافقين الذين يظهرون الإسلام ، وكذا يدخل فيها من أهل البدع طوائف كثيرة ، وهم يقربون ويبتعدون عن الإسلام بحسب قربهم منه وبعدهم عن هدي النبوة النقي ، كما قال تعالى : ( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )(البقرة : 14) وعن أهل البدع جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) .( )
وفي الجملة لكل طائفة من الطوائف التي تنتسب للإسلام حقها من الولاء والبراء بقدر قربها وبعدها من السنة النبوية ولا ينكر ما معها من الحق ، وتؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .

المحور الثالث : مقومات الأمة الإسلامية .
لم تقم أمة من الأمم قديماً أو حديثاً إلا بمقومات تتظافر في لم شعثها ووحدة كلمتها ومواقفها ، وهذه المقومات كالآتي :
الأول : العقيدة التي تؤمن بها الشعوب وتقدسها وترتبط بها .
وعلى وجه اليقين التام ليس ثمة عقيدة تصدق بها النفوس ، وتطمئن لها القلوب ، وتزكي الروح والجسد ، وتبني الدنيا والآخرة ، وتجيب عن كل التساؤلات عن الله تعالى ، وما يجب له وما يمتنع عليه ، وعن الحياة والكون وما فيها ، والموقف من ذلك كله ، وعن المصير ، سوى هذه العقيدة الإسلامية الصحيحة التي كان عليها سلف هذه الأمة ، كما قال تعالى على لسان رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (الأنعام : 161 ) ، وكما قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الأنعام : 162 ) ، إن هذه العقيدة هي التي سلمت من التحريف والتغيير والتبديل ، وهي التي تشبع حاجات الروح والجسد معاً ، وهي التي تلبي نداء الفطرة ، كما أكد الشرع الحنيف أن كل إنسان فطر مسلماً ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه كان يحدث قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ) . ثم يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم : 30 ) ، ( ) ، ثم عقب علماؤنا على هذا الحديث العظم ببيان يؤكد هذا المعنى ، فقال النووى ـ رحمه الله تعالى ـ : ( يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) يجعلانه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً حسب ملتهما بترغيبهما له في ذلك أو بتبعيته لهما ، ( تنتج البهيمة ) تلد الدابة العجماء ، ( بهيمة جمعاء ) تامة الأعضاء مستوية الخلق ، ( تحسون ) تبصرون ، ( جدعاء ) مقطوعة الأذن أو الأنف أو غير ذلك أي إن الناس يفعلون بها ذلك ، فكذلك يفعلون بالمولود الذي يولد على الفطرة السليمة . ( اقرؤوا إن شئتم ) أن تتأكدوا هذا المعنى . ( فطرة الله ) ملة الإيمان والتوحيد ومعرفة الخالق سبحانه . ( فطر الناس ) خلقهم . ( الآية ) ( ) ، إن هذه العقيدة هي التي تحقق للعبد عبوديته لله تعالى كما أراد الله تعالى لا كما أراد العبد والتي مصادرها الكتاب العزيز ، والثابت من السنة النبوية ، بدلالة اللغة العربية ، وفي ضوء فهم السلف الصالح لها لا غير ، وفي معنى العبادة كلام نفيس لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ يعلن أن العقيدة الصحيحة هي تحرر العباد من كل طاعة إلا طاعة الله وحده وما أمر بطاعته في المعروف ديناً قال : التحقق بمعنى قوله : " إني أعبدك " : التزام عبوديته من الذل و الخضوع و الإنابة ، و امتثال أمر سيده ، و اجتناب نهيه ، و دوام الافتقار إليه ، و اللجوء إليه ، و الاستعانة به ، و التوكل عليه ، و عياذ العبد لربه ، و لياذه به ، و أن لا يتعلق قلبه بغيره محبة و خوفاً و رجاءاً ، و فيه أيضاً : إني عبد من جميع الوجوه : صغيراً و كبيراً ، حياً و ميتاً ، مطيعاً و عاصياً ، معافى و مبتلى ، بالروح و القلب و اللسان و الجوارح ، و لا حياة و لا نشوراً ، و أن ناصيتي بيدك ، أنت المتصرف فيَّ تصرفني كيف تشاء ، لست أنا المتصرف في نفسي و كيف يكون لـه في نفسه تصرف من نفسه بيد ربه و سيده ، و ناصيته بيده ، و قلبه بين أصبعين من أصابعه ، و موته و حياته ، و سعادته و شقاوته ، وعافيته و بلاؤه كله إليه سبحانه ليس إلي منه شيء ، بل هو في قبضة سيده أضعف من عبد مملوك ضعيف حقير ، ناصيته بيد سلطان قاهر مالك لـه ، تحت تصرفه و قهره ، بل الأمر فوق ذلك ، و متى شهد العبد أن ناصيته و نواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ، و لم يرهبهم ، و لم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين ، المتصرف فيهم سواهم ، و المدبر لهم غيرهم ، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره و ضرورته إلى ربه وصفاً لازماً لـه ، و متى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم و لم يتعلق أمله و رجاءه بهم فاستقام توحيده و توكله و عبوديته ( ) . و قد أبان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن هذه العقيدة بما لا مزيد عليه .
فقال : أهل السنة و الجماعة : " الفرقة الناجية " وسط في النحل كما أن ملة الإسلام وسط في الملل ، فالمسلمون وسط في أنبياء الله و رسله و عباده الصالحين ، لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى ، و لم يجفوا عنهم كما جفت اليهود ، و هم وسط في شرائع دين الله ، فلم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء و يمحو ما شاء و يثبت ما شاء ، كما قالته اليهود ، و لا جوزوا لأكابر علمائهم و عبادهم أن يغيروا دين الله فيأمروا بما شاءوا ، و ينهوا عما شاءوا كما يفعله النصارى .
و هم كذلك وسط في باب صفات الله تعالى : فإن اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق الناقصة ، و النصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به ، هذا في باب يطول حصره .
و أما أهل السنة و الجماعة في الفرق فهم وسط كذلك ، فهم في باب أسماء الله وصفاته وسط بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسماء الله و آياته و يعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه ، حتى يشبهوه بالعدم و الموات ، و بين أهل ( التمثيل و التشبيه ) الذين يضربون لـه الأمثال و يشبهونه بالمخلوقات . و أما هم : فيؤمنون بما وصف الله به نفسه و ما وصفه به رسوله –  – من غير تحريف و لا تعطيل و لا تكييف و لا تمثيل .
و أما في باب الخلق و الأمر ، فهم وسط بين المكذبين بقدرة الله الذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة و مشيئته الشاملة و خلقه لكل شيء ، و بين المفسدين لدين الله الذين لا يجعلون له مشيئة و لا قدرة و لا عملاً فيعطلون الأمر و النهي و الثواب و العقاب ، فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا :  لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ  [ الأنعام / 148 ] .
و أما أهل السنة و الجماعة فوسطيتهم في إيمانهم بأن الله على كل شيء قدير ، فيقدر أن يهدي العباد ، و يقلب قلوبهم ، و أنه ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن ، فلا يكون في ملكه ما لا يريد و لا يعجز عن إنفاذ أمره و أنه خالق كل شيء من الأعيان و الصفات و الحركات ، كما يؤمنون في الوقت نفسه أن العبد لـه قدرة و مشيئة و عمل و أنه مختار ، و لا يسمونه مجبوراً ( أي فيما كلف به ) إذ إن المجبور من أكرة على خلاف اختياره ، و الله سبحانه و تعالى جعل العبد مختاراً لما يفعله فهو مختار مريد ، و الله خالقه و خالق اختياره .
و هم في باب الأسماء و الأحكام و الوعد و الوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار و يخرجونهم من الإيمان بالكلية ، و يكذبون بشفاعة النبي –  – و بين المرجئة الذين يقولون : إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء ، و الأعمال الصالحة ليست من الدين و الإيمان ، و يكذبون بالوعيد و العقاب بالكلية ، فيؤمن أهل السنة و الجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان و أصله ، و ليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة ، و أنهم لا يخلدون في النار ، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ، أو مثقال خردلة من إيمان .
و هم في أصحاب رسول الله –  – وسط بين الغالية الذين يغالون في علي – رضي الله عنه – و أهل البيت ، فيفضلون علياَّ على أبي بكر و عمر ، و يعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما ، و أن الصحابة ظلموا و فسقوا ، و كفروا الأمة بعدهم كذلك ، و ربما جعلوه نبياً و إلهاً ، و بين الجافية الذين يعتقدون كفره و كفر عثمان ، و يستحلون دماءهما و دماء من تولاهما ، و يستحبون سب علي و عثمان و نحوهما ، و يقدحون في خلافة علي – رضي الله عنه – و إمامته .
[ وهم وسط في تعاملهم مع الحاكم المسلم بين الغلاة والجفاة }، الغلاة الذين أطاعوا في المعصية وأقروا بالباطل ودعوا إليه ، وبين الجفاة الذين عصوا في المعروف فلم يقدروا المصالح والمفاسد ].
و وسطيتهم في سائر أبواب السنة راجع لتمسكهم بكتاب الله تعالى و سنة رسوله –  – و ما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان ( ) .

الثاني من مقومات الأمة : الأرض التي يملكها الشعب ويدافع عنها .
إذا لم يكن هناك أرض يملكها الإنسان ، فيها متاعه وعليها استقراره وتكاثره ، بحيث تستوعب نشاطاته وطموحاته ، فليس ثمة أمة على الحقيقة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (البقرة : 36 ) ، وقد حرص الإسلام كل الحرص على تحقق هذا المقوم حيث عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل ليوفر لأتباعه أرضاً تمكنهم من تكوين أمة فاعلة في الحياة ، وكان السبق والفضل للأنصار في المدينة النبوية مهاجره صلى الله عليه وسلم ، كما حكى الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (الأنفال : 74 ) وهكذا امتدت الأرض بامتداد الأمة الإسلامية التي رضيت به ديناً ، فكانت كلها أرض للجميع يملكها وينعم بها ويستميت في الدفاع عنها ، ومن نعم الله تعالى على هذه الأمة أنه أنزلها أحسن أرض وأوسطها ، وأكثرها مقدرات متنوعة ، بحيث تسهم بشدة في استقراره وحسن عيشه .

الثالث من مقومات الأمة : الإنسان الذي تتألف منه الأمة .
والإنسان محور أصل في الأمة إذ بمجموعه تكن الأمة ، وتكاثره وتناسله والحفاظ على وجوده صحيحاً سليماً يمكن من وجود أمة عزيزة منيعة ، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توافره وتكاثره ، فعن معقل بن يسارـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها ؟ قال : ( لا ) ، ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال : ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) . ( )
ومن نعم الله تعالى على هذه الأمة أنها وبرغم ما يراد لها من تقلص عددي إلا أنها أكثر الأمم قاطبة ، ومن أعاجيب الدنيا الآن أن يصبح تناسل الإنسان المسلم عند من لا بصيرة له كارثة يجب الحد منها خلافاً للأمم الأرض قاطبة التي تسعى بكل ما أوتيت أن تكون كتلة بشرية هائلة تكن مصدر وجود وقوة لها .

الرابع من مقومات الأمة : العزة والحمية الإيمانية القوية .
إن الأمة المنيعة من أطماع الآخرين وبطشهم ، هي الأمة التي حرمت على نفسها الاستخذاء والجبن والخور ، وامتلأت قلوب أفرادها بالعزة والشهامة والشجاعة والحمية الإيمانية ، المقرونة بأسباب القوة المادية والمعنوية ، والتي ترخص الحياة عند أهلها إذا تعرضت لهوان ، كما قال تعالى : ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (المنافقون : 8 ) ) وقد نهى الله تعالى عباده الخلص عن الوهن وبشرهم بالعلو و الرفعة إن هم صدقوا في إيمانهم ، فقال جل ذكره : ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران : 139 ) وحذر الله تعالى من ابتغاء العزة من الكافرين فقال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) (النساء : 139 ) وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (الممتحنة : 1 وأبان جل في علاه أن الإستقواء بغير المسلمين محرم على أهل الإيمان وأنه سمة أهل القلوب المريضة ، كما قال تعالى : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة : 52 ) وخروجاً من الضعة والاستعباد لغير الله تعالى أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بأسباب القوة حتى أقام أمة لم تزل مضرب المثل لكل منصف ، ففي حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا أن القوة الرمي ألا أن القوة الرمي ألا أن القوة الرمي ) . ( ) وكل من مكن لعقيدته ، وعظمت عنده حريته، واستغنى عن غيره ، و رد العدوان عن نفسه وعقيدته ومقدراته ، فهو العزيز القوي حقاً ، وهكذا يجب أن تكون أمة الإسلام اليوم كما كانت بالأمس عزيزة منيعة حرة ، ومن العجب العجاب أن بعض أبناء الأمة الإسلامية يشك في إمكانية عزة الأمة ووحدتها الآن ، وكأنه بمغيب عن تجارب الأمم المعاصرة مع فساد المعتقد وبعد الروابط إلا أنها تمكنت من بناء أمة كالصين والهند وغيرهما .

الخامس من المقومات : النظام السياسي الذي يمثل الأمة :
يختلف النظام السياسي في الإسلام عن غيره من النظم الأخرى جملة وتفصيلاً ، ونجمل ذلك الاختلاف في الآتي :
1 . أن النظام السياسي في الإسلام يجعل الأمر والحكم لله تعالى ، لأنه هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بمصالحهم في العاجل والأجل ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف : 54 ) ، ومن الأمر الحكم ، كما قال تعالى : (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص : 70 ) .
2 . أن النظام السياسي في الإسلام يتخذ الكتاب العزيز والثابت من السنة النبوية مصدرا التشريع في النظام السياسي الإسلامي ، كما قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) (النساء : 105 ) ، وقال تعالى : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة : 44 )
3 . أن النظام السياسي في الإسلام يقيم العدل في الحكم ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء : 58 ) .
4 . أن النظام السياسي في الإسلام يرعى الدين والدنيا ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج : 41 ) ، وقال تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص : 83 ) .
5 . أن النظام السياسي في الإسلام يقوم على الشورى ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشورى : 38 ) ، وقال تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران : 159 ) . وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : ( من بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين ، فلا يتابع هو ولا الذي بايعه ) . ( )
6 . أن النظام السياسي في الإسلام يقوم على مبدأ الخلافة أو الإمامة لا الملك العضوض المتوارث ، وهي عقد طرفه بيد الأمة ، وطرف آخر بيد من توافرت فيه شروط الإمامة ، يكون كالوكيل عنها من غير أن يفتات على مشاورتها في ما تتطلبه الشورى ، كما قال تعالى : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص : 26 ) ، وقال تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص : 5 ) وعن أبي مسعود قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل . فكلمه . فجعل ترعد فرائصه . فقال له: ( هون عليك . فإني لست بملك . إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد ) . ( )
7 . أن النظام السياسي في الإسلام يوجب إقامة خليفة أو إمام للأمة الإسلامية ، وعلى هذا اتفقت جميع طوائف المسلمين من إقامة إمام عادل يقيم في الأمة أمر الله تعالى ، ويسوسها بأحكام الشريعة . ( )

يتبع باقي الموضوع

شاكر عبد العزيز
13/11/2010, 10:35 PM
. أن النظام السياسي في الإسلام اشترط شروطاً في الإمام العادل وأوجب توافرها ، وهي : الإسلام ، والذكورية ، والحرية ، والتكليف ، والعلم ، والعدل ، والكفاية ، والسلامة ، والقرشية إن أمكن . ( )
9 . أن النظام السياسي في الإسلام لا يعقد الإمامة لأحد ما لم تبايعه الأمة عن رضاً واختيار . وكان هذا واضحاً عند الصحابة رضي الله عنهم ، كما جاء عن
أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أيها الناس هذا علي بن أبي طالب فلا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره ألا وأنتم بالخيار جميعاً في بيعتكم إياي فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعه فلما سمع ذلك علي من قوله تحلل عنه ما كان قد دخله فقال لا حل لا نرى لها غيرك فمد يده فبايعه هو والنفر الذين كانوا معه وقال جميع الناس مثل ذلك فردوا الأمر إلى أبي بكر ) . ( ). وعن أبي السفر أن أبا بكر أشرف من كنيف أو رفيف وأسماء بنت عميس هي ممسكته وهي موشومة اليدين : ( أترضون بمن استخلف عليكم فوالله ما ألوت ولا تلوت ولا ألوت عن جهد رأي ولا وليت ذا قرابة استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا قالوا سمعنا وأطعنا ) . ( ) وفي قوله أترضون دلالة على أن البيعة لا تنعقد للإمام إلا برضا الناس واختيارهم ويؤكد ذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم ، : ( فلما دفن عمر ـ رضي الله عنه ـ جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة ، ويقال في بيت المال ، ويقال في حجرة عائشة بإذنها ، وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم ، وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، فجلسا بالباب فحصبهما سعد واقامهما ، وقال تريدان أن تقولا حضرنا وكنا في أهل الشورى ، فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهم الكلام ، فقال أبو طلحة أنا كنت لأن تدفعوها أخوف مني لأن تنافسوها ، لا والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم ، ثم أجلس في بيتي فأنظر ما تصنعون ، فقال عبدالرحمن : أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها ، على أن يوليها أفضلكم ؟ فلم يجبه أحد ، فقال : فأنا أنخلع منها ، فقال عثمان : أنا أول من رضي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أمين في الأرض أمين في السماء ، فقال القوم : قد رضينا ، وعلي ساكت ، فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟ قال : أعطني موثقاً لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألو الأمة ، فقال : أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدل وغير وأن ترضوا من اخترت لكم علي ميثاق الله ألا أخص ذا رحم لرحمه ولا ألو المسلمين ، فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله ، فقال : لعلي إنك تقول إني أحق من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد ؟ ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق بالأمر؟ قال : عثمان ، وخلا بعثمان ، فقال : تقول شيخ من بني عبد مناف وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن عمه لي سابقة وفضل لم تبعد ، فلن يصرف هذا الأمر عني ؟ ولكن لو لم تحضر فأي هؤلاء الرهط تراه أحق به ؟ قال : علي ، ثم خلا بالزبير فكلمه بمثل ما كلم به علياً وعثمان ، فقال : عثمان ، ثم خلا بسعد ، فكلمه فقال : عثمان ، فلقي علي سعداً ، فقال : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرحم عمي حمزة منك ألا تكون مع عبدالرحمن لعثمان ظهيراً علي ، فإني أدلي بما لا يدلي به عثمان ، ودار عبدالرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد ، وأشراف الناس يشاورهم ، ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان ، حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل ، فأيقظه فقال : ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غمض ، انطلق فادع الزبير وسعداً فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان ، فقال له : خل ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال : نصيبي لعلي ، وقال لسعد أنا وأنت كلالة ، فاجعل نصيبك لي فأختار، قال : إن اخترت نفسك فنعم وإن اخترت عثمان فعلي أحب إلي أيها الرجل ، بايع لنفسك وأرحنا وارفع رؤوسنا قال : يا أبا إسحاق إني قد خلعت نفسي منها علي أن أختار، ولو لم أفعل وجعل الخيار إلي لم أردها، إني أريت كروضة خضراء كثيرة العشب فدخل فحل فلم أر فحلا قط أكرم منه ، فمر كأنه سهم لا يلتفت إلى شيء مما في الروضة حتى قطعها لم يعرج ، ودخل بعير يتلوه ، فاتبع أثره حتى خرج من الروضة ، ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه يلتفت يميناً وشمالاَ ويمضي قصد الأولين حتى خرج ، ثم دخل بعير رابع فرتع في الروضة ، ولا والله لا أكون الرابع ، ولا يقوم مقام أبي بكر وعمر بعدهما أحد فيرضى الناس عنه ، قال سعد: فإني أخاف أن يكون الضعف قد أدركك ، فامض لرأيك فقد عرفت عهد عمر وانصرف الزبير وسعد ، وأرسل المسور بن مخرمة إلى علي ، فناجاه طويلاً وهو لا يشك أنه صاحب الأمر، ثم نهض وأرسل المسور إلى عثمان فكان في نجيهما حتى فرق بينهما أذان الصبح ، فقال عمرو بن ميمون قال لي عبدالله بن عمر: يا عمرو من أخبرك أنه يعلم ما كلم به عبدالرحمن بن عوف علياً وعثمان فقد قال بغير علم ، فوقع قضاء ربك على عثمان فلما صلوا الصبح جمع الرهط ، وبعث إلى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد ، فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله ، فقال : أيها الناس إن الناس قد أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم ، وقد علموا من أميرهم ، فقال سعيد بن زيد إنا نراك لها أهلاً ، فقال : أشيروا علي بغير هذا ، فقال عمار : إن أردت ألا يختلف المسلمون فبايع علياً ، فقال المقداد بن الأسود : صدق عمار إن بايعت علياً قلنا سمعنا وأطعنا ، قال ابن أبي سرح : إن أردت ألا تختلف قريش فبايع عثمان ، فقال عبدالله بن أبي ربيعة : صدق إن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا ، فشتم عمار ابن أبي سرح ، وقال متى كنت تنصح المسلمين ، فتكلم بنو هاشم وبنو أمية ، فقال عمار أيها الناس إن الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت منكم ، فقال رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يابن سمية ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها ، فقال سعد بن أبي وقاص : يا عبدالرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس ، فقال عبدالرحمن : إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً ، ودعا علياً ، فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده ؟ قال : أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان ، فقال له مثل ما قال لعلي ، قال نعم فبايعه ، فقال علي حبوته حبو دهر ، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك ، والله كل يوم هو في شأن ، فقال عبدالرحمن : يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً ، فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان ، فخرج علي وهو يقول سيبلغ الكتاب أجله ، فقال المقداد : يا عبدالرحمن أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ، فقال : يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلمين ، قال إن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين ، فقال المقداد : ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم ، إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول إن أحدا أعلم ولا اقضى منه بالعدل ، أما والله لو أجد عليه أعواناً ، فقال عبدالرحمن : يا مقداد اتق الله ، فإني خائف عليك الفتنة ، فقال رجل للمقداد : رحمك الله من أهل هذا البيت ، ومن هذا الرجل ؟ قال : أهل البيت بنو عبدالمطلب ، والرجل علي بن أبي طالب ، فقال علي : إن الناس ينظرون إلى قريش وقريش تنظر إلى بيتها ، فتقول إن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً ، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم ، وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان ، فقيل له بايع عثمان ، فقال : أكل قريش راض به ، قال : نعم ، فأتى عثمان ، فقال له عثمان أنت على رأس أمرك إن أبيت رددتها ، قال أتردها ؟ قال : نعم ، قال : أكل الناس بايعوك ؟ قال : نعم ، قال : قد رضيت لا أغرب عما قد أجمعوا عليه وبايعه ) . ( ) ولما قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ ذهب الصحابة ـ رضي الله عنهم إلى علي يعرضون عليه أن يبايعوه ، فقال : ( لا حاجة لي في أمركم ، فترددوا مراراً وصمموا على مبايعته ، فقال : إذن في المسجد ، فاجتمع الناس وبايعوه ) . ( )
10 . أن النظام السياسي في الإسلام لا يقر توريث الخلافة أو الإمامة ولا ولاية العهد لأحد بعد الإمام ، كما تفعل الملوك ، لأن ذلك مخالفة صريحة للشورى التي أمر الله بها المؤمنين في كل أمر ذي بال ، ولا شك أن أمر الإمامة والخلافة من أهم الأمور ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشورى : 38 ) ، وهكذا فهمت الأمة هذا الحق ، كما جاء ( أن مروان لما تكلم في البيعة ليزيد بن معاوية قال سنة أبي بكر وعمر فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر بل سنة هرقل ) . ( ) وكان خير مثال لرد الأمر إلى نصابه ما فعل عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لما استخلفه سليمان بن عبد الملك ، صعد المنبر وقال : ( إني والله ما استؤمرت في هذا الأمر وأنتم بالخيار ) وفي رواية ( أيها الناس إني قد
ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ) . ( )
11 . أن النظام السياسي في الإسلام يحدد حقوق الأمة و حقوق الإمام ، فحقوق الأمة على الإمام رعاية الدين ، وسياسة الدنيا به ، وحفظ الأمة وحمايتها ، ورعايتها وحماية مصالحها ، وحقوق الإمام على الأمة السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ، في غير معصية الله تعالى .

المحور الرابع : سمات الأمة الإسلامية . وفيه :

أولاً : إفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة .
إن توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة والطاعة هو أعظم سمات الأمة الإسلامية ، وهو أول واجب على المكلف وآخر واجب عليه ، وهو تحقيق لمعنى لا إله إلا الله ، تلك الكلمة العظيمة التي حررت الإنسان من غير طاعة الله تعالى وعبادته ، كما قال تعالى ( قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران : 32 ) ، وقال تعالى : ( طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا
عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ) (محمد : 21 ) ، وللأسف الشديد فقد خرج عن مفهوم الطاعة لله تعالى من أطاع غيره في معصية الله تعالى وليس في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (النساء : 59 ) حجة له لأن الطاعة في الآية لغير الله تعالى مقيدة بما عرف حسنه شرعاً ، دل على ذلك بوضوح حديث علي ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد ناراً وقال ادخلوها فأراد الناس أن يدخلوها وقال الآخرون إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها : ( لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة ) وقال للآخرين قولا حسنا وقال ( لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) . ( ) وقد أكد المحققون من العلماء أن طاعة غير الله تعالى فيما حرم الله تعالى شرك ، مستدلين على ذلك بحديث عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم و في عنقي صليب من ذهب فقال : ( يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ) فطرحته فانتهيت إليه و هو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة : 31 ) حتى فرغ منها فقلت : إنا لسنا نعبدهم فقال : ( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه و يحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟ ) قلت بلى قال : ( فتلك عبادتهم ) . ( ) ، ويستوي في ذلك طاعة العلماء والأمراء وغيرهم من أهل الأمر والنهي ، ومع بالغ الأسى فإن هذا النوع من التوحيد يكاد يكون غائباً الآن ، أو يراد له أن يغيب ، ولازم ذلك ما نال جموعاً من هذه الأمة من الخروج عن الطاعة الحق إلى الطاعة المحرمة ، مما جعلها تتنكب الصراط المستقيم ، وترتمي في رغبات وأهواء من لا يستطيع أن يبرها كبرالله تعالى بها ، ولا يرعى مصالحها ، كرعاية الله لها ، إن الطاعة المطلقة لغير الله تعالى في ما حرم الله تعالى ، هي تحكم في عباد الله تعالى ، وتعبيدهم لغيره جل وعز ، والله تعالى يأبى ذلك على المؤمنين مهما نالهم من ذلك ، إن مثل هذه الطاعة في واقعنا المعاصر أفسدت الدين والدنيا معاً ، فغدت أمة الإسلام شذر مذر كل قطر له من يأمره وينهاه ، فتفرقت الجموع وتنازعت الفئات ، ورضي كل فريق بما معهم من الطاعة فما رفعت بذلك رأساً ولا بنت به مكرمة .

ثانياً : إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم دون سواه .
السمة الثانية من سمات الأمة الإسلامية : هي إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم دون سواه ، لأنه النبي والرسول والأمام والقائد والمعلم الذي ارتضاه الله لها قدوة ، كما قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب : 21 ) ، فطاعته من طاعة الله تعالى ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (النور : 54 ) ، وعن عرباض بن سارية قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ، ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب ، قلنا أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا قال : ( ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة وان كل بدعة ضلالة ) ( ) وهذه القدوة والأسوة يجب أن تكون في جميع مناشط الحياة من عبادة وسياسة واقتصاد واجتماع وغيرها ، وللأسف الشديد فقد انحسر مفهوم القدوة والطاعة النبوية في العبادة فقط دون السياسة والاقتصاد والاجتماع الآن في واقع الأمة الإسلامية ، مما جعلها متذبذبة في القدوة بين المذاهب العالمية ، حتى كاد يستقر بها الحال إلى اتباع الغرب في السياسة والاقتصاد والاجتماع ، وصدق عليها حديث أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ) ، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال ( فمن ) ( ) ، وما دام الحال هكذا بعداً عن إفراد القدوة في الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الأمة ستتفرق عن القدوة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وعندها لن تكون أمة أسلامية واحدة أبداً ، حتى تعود إلى إفراد القدوة في الرسول صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً في العبادة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها.

ثالثاً : القيام بالعدل والإحسان .
ومن سمات الأمة الإسلامية القيام بالعدل والإحسان ويتأتى العدل في كل مجال من عقائد و شرائع و سير مع الناس في الأمانات و ترك الظلم و الإنصاف و إعطاء الحق ( ) .
كما قال الله تعالى :  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  [ النحل / 90 ] فهذه الآية عامة في كل ما يفتقر صلاحه إلى العدل ، لأن الألف و اللام فيه للعموم ، كما يشعر بذلك حذف المعمول ( ) .
فشملت العدل بين العبد و بين ربه ، و ذلك بإيثار حقه تعالى على حظ نفسه ، و تقديم رضاه على هواه ، و الاجتناب للزواجر ، و الامتثال للأوامر ، و ذلك لمقتضى خلق الله تعالى لـه حيث جعل الغاية من خلقه عبادته تعالت ، كما قال سبحانه :  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ  [ الذاريات / 56 ] والعدالة تقتضي القيام بعبادة الله على النحو الذي ذكر، و من لم يفعل كان مفرطاً ، و ذلك هو الظلم بعينه .
و شملت العدل بينه و بين نفسه ، و ذلك بمنعها عما فيه هلاكها كما قال الله تعالى :  وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ  [ النازعات / 40 ] و عزوب الأطماع عن الإتباع ، و لزوم القناعة في كل حال و معنى ، لأنه إذا لم يفعل ذلك جرته نفسه إلى إتباع الهوى، و ارتكاب حدود الله تعالى ، كما قال الله تعالى :  إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ  [ يوسف / 53 ] ، و إذا فعل ما أمرته كان مجانباً
للعدل معها ، كما قال الله تعالى :  وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ  [ الطلاق/1 ] .
و شملت العدل بينه و بين الخلق ، و ذلك ببذل النصيحة لهم ، و ترك خيانتهم فيما قل أو كثر ، و الإنصاف من النفس لهم بكل وجه ، و لا يوصل إلى أحد مساءة بقول و لا يفعل ، لا في سر و لا علن ، و الصبر على ما يصيبه منهم من البلوى و إذا لم يفعل ذلك فلا أقل من الإنصاف من النفس و ترك الأذى ( ) . و من الآيات العامة في العدل قوله تعالى :  قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ  [ الأعراف / 29 ] . و قوله تعالى :  لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ  [ الحديد / 25 ] .
ومن الواضح أن الإحسان درجة أعلى و دائرة أشمل من العدل ، لأن العدل يعني أن يأخذ الإنسان مالـه و يعطي ما عليه ، و الإحسان يعني أن يأخذ الإنسان أقل مما لـه و أن يعطي أكثر مما عليه ، فالإحسان بذلك زائد على العدل ، و العدل يكون في الأحكام و الإحسان يكون في المكارم ، و إذا كان تحري العدل من الواجبات فإن تحري الإحسان ندب و تطوع ، و كلاهما مأمور به في قوله تعالى :  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ  [ النحل / 90 ] . و بالعدل و الإحسان يستحق العبد الخلافة في الأرض و عمارتها ، و غاية الإحسان أن يقع من الإنسان أفضل الإحسان من غير فكر و لا روية كأنه مطبوع عليه ( ) .

شمول الإحسان :
من البين للباحث المدقق في النصوص الكريمة الواردة في الإحسان أنه مع العدل يشكل مضامين العلاقة مع الإنسان نفسه و الإنسان الآخر و أحكامها ، و أن دائرة هذا الإحسان تتسع لتشمل النفس و الأسرة و الأقارب ثم المجتمع و الإنسانية عامة ، و الحياة بأسرها .
فالدائرة الأولى : و هي دائرة الإحسان إلى النفس ، و تتضمن كمال الطاعة و إتقانها و إخلاصها لله تعالى على أكمل وجه و كأن الطائع يرى ربه تعالى ، كما تتضمن القيام على شؤون نفسه بما يصلحها في الظاهر و الباطن . قال الله تعالى :  إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا  [ الإسراء / 7 ] .
أما الدائرة الثانية : فتشمل الإحسان إلى القرابة الأدنين و هم الوالدان ، و الزوجة ، و الأولاد . قال الله تعالى :  وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً  [ الإسراء / 23 ] .
أما الدائرة الثالثة : فإنها تشمل الإحسان إلى القرابة الأبعد من الوالدين ، و الزوجة ، و الأولاد ، و هم الإخوان و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أبناؤهم و بقية الأنساب و الأصهار . قال الله تعالى :  وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَىٰ  [ البقرة / 83 ] .
أما الدائرة الرابعة : فهي أوسع من سابقتيها فإنها تضم الإحسان إلى المسلم و تشمل الجيران ، و الإخوان في الله و بقية أفراد المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان و الإحسان هذا أكثر ما ينصب على الجانب الفقير في المجتمع ، كاليتامى و المساكين و ابن السبيل و المماليك . قال الله تعالى :  وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً  [ النساء / 36 ] و في الآية أمر بالإحسان إلى من ذكر ، و نهى عن الترفع عنهم كبراً و اختيالاً .
أما الدائرة الخامسة : و هي الأوسع في العلاقات الإنسانية فتشمل الإحسان إلى المخالفين في العقيدة الذين لا يدينون بدين الإسلام غير المحاربين للمسلمين قال الله تعالى :  لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  ( ) [ الممتحنة / 8 – 9 ] .
و أما الدائرة السادسة : و هي الإحسان مع غير الإنسان و تضم الإحسان إلى الملائكة الكرام – عليهم السلام – و النباتات و الحيوانان و الجمادات و غيرها
فلا نؤذي الملائكة بمنظر أو ريح كريه ، ولا النبات والحيوان والجماد بالإفساد .

رابعاً : الحرص الشديد على التعاون البر والتقوى .
ومن سمات الأمة الإسلامية ، الحرص الشديد على التعاون على جميع خصال الخير ، في الدنيا والآخرة ، وعمل كل ما من شأنه تحقيق تقوى الله تعالى بالتواصي بالحق والصبر عليه ، كما قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة : 2 ) ، وقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة : 71 ) ، وقال تعالى : (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر : 3 ) ، إن هذه السمة ضرورة لإقامة أمة أسلامية حقيقية ، لأن الإنسان لا يستطيع بمفرده الاستقلال بمصالحه الدينية والدنيوية ، فكان لا بد من تعاون وتكافل وتآزر يمكن من لم الشعث وتحقيق المصالح تعبداً لله تعالى ، وقياماً بواجب الأخوة الإيمانية ، بعيداً عن المتاجرة والمعاوضة ، يؤيد ذلك حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس قال : تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، قال : والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) . ( ) ، والسلامى : هي مفاصل العظام في الإنسان ، ونختم هذا المحور بالتأكيد الشديد أن توافر العقيدة التي تطمئن الشعوب إليها ، والأرض التي يملكها الشعب ويدافع عنها ، و الإنسان الذي تتألف منه الأمة ، والعزة والحمية الإيمانية القوية ، وإفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة ، وإفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم دون سواه ، والحرص على التعاون البر والتقوى ، هي أهم المقومات والسمات لقيام أمة إسلامية صحيحة الجسد فاعلة في الحياة نشطة ، تستحق خلافة من سبقها من القرون المفضلة في صدر الإسلام .

يتبع باقي الموضوع

شاكر عبد العزيز
13/11/2010, 10:36 PM
خامساً : عدم التشبه بالكافرين .
من السمات الفيصل بين أفراد الأمة الإسلامية وجماعتها وأنماط حياتها ، وبين أفراد الأمم الأخرى وجماعاتها وأنماط حياتها ، عدم التشبه بهم ، فيما اختصوا به من عبادة وسلوك و وطرائق حياة ، يؤيد ذلك حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) . ( ) ، إن الإسلام بهذا الهدي المتميز يلزم أتباعه نهج الصراط المستقيم لا غير ، كما قال تعالى : (اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) (الفاتحة : 6 ـ 7 ) ، وهنا يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : ( إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك ، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال قد تكون عبادات ، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق والسفر والإقامة والركوب وغير ذلك ، وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ، وقد بعث الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له ، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين وأمر بمخالفتهم في الهدى الظاهر وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور منها :
1. أن المشاركة في الهدى الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين ، يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال ، وهذا أمر محسوس فإن اللآبس لثياب أهل العلم مثلاً يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ، واللآبس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع .
2. أن المخالفة في الهدى الظاهر ، توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال ، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان ، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين ، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام ، الذي هو الإسلام لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم وبعد عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد .
3. أن مشاركتهم في الهدى الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية .
هذا إذا لم يكن ذلك الهدى الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم .
وهنا نكتة وهي أن الأمر بموافقة قوم أو بمخالفتهم قد يكون لأن نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم مصلحة ، وكذلك نفس قصد مخالفتهم أو نفس مخالفتهم مصلحة بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة ولهذا نحن ننتفع بنفس متابعتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين من المهاجرين والأنصار في أعمال لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا فيها مصلحة لما يورث ذلك من محبتهم وائتلاف قلوبنا بقلوبهم وإن كان ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى إلى غير ذلك من الفوائد كذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها ، وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة لأن ذلك الفعل الذي يوافق العبد فيه أو يخالف متضمن للمصلحة والمفسدة ولو لم يفعلوه لكن عبر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدلالة والتعريف فتكون موافقتهم دليلا على المفسدة ومخالفتهم دليلا على المصلحة ، واعتبار الموافقة والمخالفة على هذا التقدير من باب قياس الدلالة وعلى الأول من باب قياس العلة وقد يجتمع الأمران أعني الحكمة الناشئة من نفس الفعل الذي وافقناهم أو خالفناهم فيه ومن نفس مشاركتهم فيه وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما والمنهي عنهما فلا بد من التفطن لهذا المعنى فان به يعرف معنى نهي الله لنا عن اتباعهم وموافقتهم مطلقا ومقيداً .
واعلم أن دلالة الكتاب على خصوص الأعمال وتفاصيلها إنما يقع بطريق الإجمال والعموم أو الاستلزام وإنما السنة هي التي تفسر الكتاب وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه .
وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية وبعض حكمة ما شرعه الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة أمورهم لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس ، ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه وهو الكمال المذكور في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة : 3) . ( )

المحور الخامس : واجبنا تجاه الأمة الإسلامية . وفيه :

أولاً : الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية .
الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية يتخذ صوراً شتى منها :
الصورة الأولى : الدفاع عنها بالحجة والبيان والرد على الطاعنين فيها ، وهذا النوع من الدفاع هو أكبر الدفاع وأجله ، كما قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً ، فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان :51 ـ 52 ) ، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ قوام الدين بالعلم والجهاد ولهذا كان الجهاد نوعين :
الأول : جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير.
والثاني : الجهاد بالحجة والبيان .
وهذا جهاد الخاصة من اتباع الرسل وهو جهاد الأئمة وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً ، فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان :51 ـ 52 ) فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين وهو جهاد المنافقين أيضاً فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين بل كانوا معهم في الظاهر وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ومع هذا فقد قال : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة : 73 ) ، ومعلوم أن جهاد المنافقين بالحجة والقرآن والمقصود أن سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ودعوة الخلق به إلى الله ولهذا قرن سبحانه بين الكتاب المنزل والحديد الناصر كما قال تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد : 25 ) فذكر الكتاب والحديد إذ بهما قوام الدين كما قيل :
فما هو إلا الوحي أو حد مرهف ... تميل ظباه اخدعا كل ما يل
فهذا شفاء الداء من كل عاقل ... وهذا دواء الداء من كل جاهل . ( )

والجدير بالذكر هنا أنه يجب على المسلمين في جميع أدوار بقائهم أن يتفرغ منهم جماعة ، لتتبع الآراء السائدة في طوائف البشر والعلوم المنتشرة بينهم ، وفحص كل ما يمكن أن يأتي من قبله ضرر على المسلمين ،لا سيما في المعتقد الذي لا يزال ينبوع كل خير راسخاً رصيناً ويصير منشأ كل فساد إن استحال واهناً واهياً ، فيدرسون هذه الآراء ، والعلوم دراسة أصحابها أو فوق دراستهم ليجدوا فيها ما يدفعون به الشكوك التي يستثيرها أعداء الدين بوسائط عصرية ، حتى إذا صوب متقصد سهماً منها نحو التعاليم الإسلامية من معتقد وأحكام وأخلاق ، ردوها إلى نحره اعتماداً على حقائق تلك العلوم وتجاربها واستناداً على إبداء نظريات تقضي على نظريات المشككين ـ وجل الدين الإسلامي أن يصطدم مع حقائق العلوم ـ وأقاموا دون تسرب تلبيساتهم سوراً حصيناً واقياً ، وعبأوا الأمة على أنظمة يتطلبها الزمن في غير هوادة ولا توان ،ودونوا ما استخلصوه من تلك العلوم من طرائق الدفاع في كتب خاصة ، بأسلوب يعلق بالخاطر وتستسيغه العامة ، لتكون سداً محكماً مدى الدهر دون مفاجأة جوارف الشكوك ، وإن لم يفعلوا ذلك يسهل على الأعداء أن يجدوا سبيلاً إلى مواقع خصبة بين المسلمين ، تنبت فيها بذور تلبيساتهم ، بحيث يصعب اجتثاث عروقها الفوضوية ، بل تسري سموم الإلحاد في قلوب خالية تتمكن فيها فيهلك الحرث والنسل ، هذا ولقد غزت قلوب كثير من المسلمين عقائد وأفكار ونحل ومبادىء وأحكام وآراء ، واستولت على بعض تلك القلوب التي زين لها الشيطان أن لا تعارض بين تلك الآراء والعقائد ، وبين الإسلام ، وأن لا حرج على المسلم أن يكون مسلماً شيوعياً ، أو مسلماً علمانياً أو لبرالياً في آن واحد ، حتى خرج الإسلام من تلك القلوب وتمكن فيها الإلحاد والزندقة ،
فالواجب على كثير من المسلمين القادرين علماً وقلماً نصيباً من المؤاخذة ، على ما آل إليه قلوب كثير من المسلمين ، إن لم يقولوا ولم يدرسوا ولم يكتبوا وينشروا ، ومن الحق أن يقرأ علماؤنا خاصة ، ويقرئوا في دروسهم ويقولوا ذلك في خطبهم مما هو حق وصريح في رد الإلحاد وقمعه ) . ( )

الصورة الثانية : الدفاع بالقتال عن عقيدة الأمة الإسلامية :
إذا رأت الأمة الإسلامية أن القتال هو الحل الناجع للدفاع عن العقيدة الإسلامية فقد أذن الله بذلك ، كما قال تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة : 193 ) ، وانتفاء الفتنة يتحقق بأحد ثلاثة أمور :
الأول : بدخول المشركين في الإسلام فتزول فتنتهم فيه .
والثاني : بأن يقتلوا جميعاً فتزول الفتنة بفناء الفاتنين .
الثالث : انتفاء الفتنة بظهور المسلمين عليهم ومصير المشركين ضعفاء أمام قوة المسلمين ، بحيث يخشون بأسهم وهذا حل مؤقت في غير جزيرة العرب ، لأن الفتنة لما كانت ناشئة عن التصلب في دينهم وشركهم لم تكن بالتي تضمحل عند ضعفهم ، لأن الإقدام على إرضاء العقيدة يصدر حتى من الضعيف ، كما صدر من اليهود غير مرة في المدينة ، في مثل قصة الشاة المسمومة ، وقتلهم عبد الله بن سهل في خيبر ولذلك فليس المقصود هنا إلا أحد أمرين : إما دخولهم في الإسلام ، وإما إفناؤهم بالقتل وقد حصل كلا الأمرين في المشركين ففريق أسلموا وفريق قتلوا يوم بدر وغيره من الغزوات ومن ثم قال علماؤنا : لا تقبل من مشركي العرب الجزية ومن ثم فسر بعض المفسرين الفتنة هنا بالشرك تفسيراً باعتبار المقصود من المعنى لا باعتبار مدلول اللفظ ، وقوله ( ويكون الدين لله ) عطف على ( لا تكون فتنة ) فهو معمول لأن المضمرة بعد حتى أي وحتى يكون الدين لله . أي حتى لا يكون دين هنالك إلا لله أي وحده ،
فالتعريف في الدين تعريف الجنس لأن الدين من أسماء المواهي التي لا أفراد لها في الخارج ، فلا يحتمل تعريفه معنى الاستغراق ، واللام الداخلة على اسم الجلالة لام الاختصاص ، أي حتى يكون جنس الدين مختصاً بالله تعالى على نحو ما قرر في قوله : الحمد لله وذلك يؤول إلى معنى الاستغراق ، ولكنه ليس عينه إذ لا نظر في مثل هذا للأفراد والمعنى : ويكون دين الذين تقاتلونهم خالصاً لله لا حظ للإشراك فيه ، والمقصود من هذا تخليص بلاد العرب من دين الشرك على الأخص لاختصاص الإسلام بها ؛ لأن الله اختارها لأن تكون قلب الإسلام ومنبع معينه فلا يكون القلب صالحاً إذا كان مخلوط العناصر وتخليص بلاد المسلمين على وجه العموم . ( )
ومما يجب التنبيه عليه هنا أن فئة من الأمة الإسلامية انطلت عليها دعوات الحوار مع الآخر بزعمهم مع عدم توافر شروطه التي تحقق الغرض من الحوار ، أو أخوة الأديان كما قالوا ، ولعمر الله إنها لغش و لدس للسم في العسل حتى تكون الهلكة الماحقة ، وصدق الله تعالى حيث يقول : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة : 217 ) .
ثانياً : الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية .
إن وجود الأمة الإسلامية مرهون بوجود أفرادها ، وزوالها مرهون بزوال أفرادها ، وقد قررت الأدلة الشرعية المتظافرة أن حياة الفرد المسلم عزيزة عند الله تعالى جد عزيزة ، فكيف بحياة جماعات من المسلمين يشردون ويقتلون ، ويسبون ويؤسرون ويفتنون ، على سمع ونظر الأمة جميعاً ، جاء ذلك صريح في حديث عبد الله بن عمروـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) . ( ) وإذا كان الحال كذلك فإن الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية واجب شرعي لا مناص منه ، يؤكده الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، ففي استفهام إنكاري يقول الله تعالى : ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء : 75 ) وليس الأمر مقتصر على فئة دون فئة بل الواجب أن تكون الأمة الإسلامية كلها كالجسد الواحد يتداعى بعضه لنصرة بعض كما جاء عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ( ) وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) . ( ) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ) . ( )
، وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) . فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال ( تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ) ( ) ووجه الدلالة هنا وجوب نصرة المسلم و تحريم خذلانه ، وإسلامه للعدو ، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة ، والله تعالى تكفل بالنصر لمن نصر المسلمين ، فقال تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج : 40 وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً رائعاً في الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية حيث : صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض فدخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بنو بكر في عهد قريش فعدت بنو بكر على خزاعة ونقضوا عهدهم وكان سبب ذلك دما كان لبني بكر عند خزاعة قبل الإسلام بمدة فلما كانت الهدنة المنعقدة يوم الحديبية أمن الناس بعضهم بعضا فاغتنم بنو الديل من بني بكر - وهم الذين كان الدم لهم - تلك الفرصة وغفلة خزاعة وأرادوا إدراك ثأر بني الأسود بن رزن الذين قتلهم خزاعة فخرج نوفل بن معاوية الديلي فيمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة حتى يبيتوا خزاعة واقتتلوا وأعانت قريش بني بكر بالسلاح وقوم من قريش أعانوهم بأنفسهم فانهزمت خزاعة إلى الحرم على ما هو مشهور مسطور فكان ذلك نقضاً للصلح الواقع يوم الحديبية فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وبديل بن ورقاء الخزاعي وقوم من خزاعة فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغيثين به فيما أصابهم به بنو بكر وقريش وأنشده عمرو بن سالم فقال :
( يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا )
( كنت لنا أبا وكنت ولدا ... ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا )
( فانصر هداك الله نصراً عتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا )
( فيهم رسول الله قد تجردا ... أبيض مثل الشمس ينمو صعدا )
( إن سيم خسفاً وجهه تربدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا )
( إن قريشاً أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا )
( وزعموا أن لست تدعوا أحدا ... وهم أذل و أقل عددا )
( هم بيتونا بالوتير هجدا ... و قتلونا ركعاً و سجدا )
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لا نصرت إن لم أنصر بني كعب ثم نظر إلى سحابة فقال إنها لتستهل لنصر بني كعب ( يعني خزاعة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء ومن معه : ( إن أبا سفيان سيأتي ليشد العقد ويزيد في الصلح ، وسينصرف بغير حاجة ، فندمت قريش على ما فعلت ، فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليستديم العقد ويزيد في الصلح ، فرجع بغير حاجة ، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو معروف من خبره ، وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، ففتحها الله وذلك في سنة ثمان من الهجرة ) . ( )
ومما يحسن ذكره هنا أنه أذا كان من أحيا نفساً واحدة فأجره كمن أحيا الناس جميعاً فكيف بمن دافع عن وجود الأمة جميعاً ، لا شك أن أجره مضاعف بقدر ما أحيا من النفوس المسلمة ، يقول الله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة : 32 ) وهنا وقفة أتسأل فيها لمن بقي في قلبه ذرة من عزة وحمية إيمانية ، أين العلماء الربانيون الذين يربون الأمة على العزة والكرامة ؟ أين العلماء الربانيون الذين لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ،أين العلماء الربانيون الذين لا يحرفون الكلم عن مواضعه ؟ أين العلماء الربانيون الذين لا يبدلون الشريعة نزولاً عند رغبة أحد من الخلق ؟ أين الساسة الصادقون الذين يمثلون طموحات شعوبهم ، أين الساسة الصادقون الذين لا يستقوون بغير الله تعالى ؟ أين الساسة الصادقون الذين لا يعتزون بغير المؤمنين ؟ أين تجار الأمة وأرباب الأموال الذين يسدون جوعها ؟ أين تجار الأمة وأرباب الأموال الذين يجهزون الغزاة للدفاع عنها ؟ أين طلاب الحسنات والثواب المقاتلون الصابرون ، عن أنين المستضعفين والمستضعفات ؟ يقول الله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج : 39 ) عجباً لأمة ربطت مصيرها بيد غيرها أو بيد واحد منها ، وتخلت عن حقوقها , وأصبحت سوقاً لباعة الكلمة والمواقف على حساب عقيدتها ووجودها ، يقررون عدوها وصديقها ، وحربها وسلمها .

يتبع باقي الموضوع

شاكر عبد العزيز
13/11/2010, 10:41 PM
ثالثاً : الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية .
لم يختلف سلف هذه الأمة على أهمية الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية أبداً ، لذا قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : ( الفيء فيه حق لكل المسلمين وهو بين الغني والفقير ،ويبدأ بالأهم فالأهم من سد ثغر وكفاية أهله لأن أهم الأمور حفظ بلاد المسلمين وأمنهم من عدوهم ، وحاجة من يدفع عن المسلمين ) . ( )
وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ، و يجب على جميع أهل المكان النفير حتى تتحقق الكفاية ، أما إن كان العدو كثيراً لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين ، فهنا يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ، ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم ،
فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب ، والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا، والرباط أفضل من المقام بمكة إجماعاً . ( )
وليس القتال هنا من باب الندب بل من باب الوجوب ، كما قال تعالى : ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة : 190 ) ، وكما قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 216 ) وأكد الإيجاب وعظم أمر الجهاد في عامة السور المدنية وذم التاركين له ووصفهم بالنفاق ومرض القلوب فقال تعالى : ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (التوبة :24 ) وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ( الحجرات : 15) و قال تعالى : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ، طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ) (محمد : 20 ـ 21 ) وهذا كثير في القرآن وكذلك تعظيمه وتعظيم أهله في سورة الصف التي يقول فيها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (الصف 10 ـ 13 ) وكقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة 18 ـ 22 )وقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (المائدة : 54 ) وقال تعالى : (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (التوبة : 120 ـ 121 )
والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصر ، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان ، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ومن الصلاة التطوع والصوم التطوع ، كما دل عليه الكتاب والسنة عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت يا رسول الله : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ قال : بخ بخ ! لقد سألت عن عظيم ، و إنه ليسير على من يسره الله عليه ، صل الصلوات المكتوبة ، و أد الزكاة المفروضة ، أولا أخبرك برأس الأمر و عموده و ذروة سنامه ؟ أما رأس الأمر فالإسلام من أسلم سلم ، و عموده الصلاة ، و ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) . ( )

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، و فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) ( )

وعن أبي عبس هو عبد الرحمن بن جبر ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار ) . ( )
عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان ) . ( ) عن أبي صالح مولى عثمان قال : سمعت عثمان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل ) . ( )
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (عينان لا تسمهما النار عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) . ( )
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يعدل الجهاد ؟ قال : ( لا أجده ) . قال: ( هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر ) . قال : ومن يستطيع ذلك ! قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات ) . ( )
والجهاد في سبيل الله باب واسع و لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه فهو ظاهر عند الاعتبار فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين الدنيا ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة فإنه مشتمل من محبة الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له والصبر والزهد وذكر الله وسائر أنواع الأعمال على مالم يشتمل عليه عمل آخر والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنيين دائماً إما النصر والظفر وإما الشهادة والجنة ، ثم إن الخلق لا بد لهم من محيا وممات ، ففيه استعمال محياهم ومماتهم في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما فإن من الناس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدين أو الدنيا مع قلة منفعتهما ، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد وقد يرغب في توقية نفسه حتى يصادفه الموت فموت الشهيد أيسر من كل ميتة وهي أفضل الميتات . ( )

رابعاً : الدفاع عن ثروات و مقدرات الأمة الإسلامية .
إن الله تعالى بواسع منه وكرمه ، اختار للمسلمين أواسط الأرض التي استودع باطنها الكنوز العظيمة ، وظاهرها كل ما يضمن بقاء الحياة الكريمة ، مما يمكن المسلمين من القيام بواجب الرسالة الإسلامية في يسر وسهولة ، بعيداً عن الخضوع إلى أمة من الأمم ، ولما علم العدو هذه الخاصية للأمة الإسلامية التي لا تتم للمسلمين إلا بوحدتهم الإسلامية ، سعى جاهداً في تمزيق أوصال الأمة حتى يفتقر كل قطر إلى مقوم من مقومات الحياة فلا يجدها ، ثم بحيلة ما وحسب اتفاقيات يضطره إلى تحصيلها من عنده فقط ، وتفرد هو لنهب كنوز الأمة ومقدراتها المتنوعة ، بالسطو عليها عند احتلاله لبلاد المسلمين ، أو بشرائها بثمن بخس تحت قوة الهيمنة على القرار السياسي ، ناهيك عن إفساد التربة والبذور ، والحرب على مصادر المياه ، وقبر النفايات المضرة في بلاد المسلمين مما يفسد الحرث والنسل ، إن هذا الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية الآن أضعف قدراتها ، وعرضها لمديونيات هائلة للغرب المادي الربوي ، إن هذا الواقع يستدعي الدفاع عن مقدرات الأمة الإسلامية التي لعب بها السفهاء والحمقى والمغفلون والعملاء الذين ساهموا في سرقة تلك المقدرات وأصبحت أرصدتهم في البنوك الغربية محركاً رئيساً لاقتصادها ، وسرعان ما يغضب الغرب على أحدهم لأمر ما فيجمد أرصدته ، فلا سعد بما سرق ، ولا سلم من أثمه ، هكذا أصبحت مقدرات الأمة الإسلامية نهباً لكل طامع ، وتسعة أعشار المسلمين يعيشون تحت خط الفقر بستين درجة ، ومع هذا الحال المشين قلما تسمع حراً يطالب بحق الأمة في التصرف في مقدراتها وترشيد استهلاكها ، ومن المسلم به أن لصاحب الحق مقال ، وأن المناضلة دون أموال الأمة مشروعة ، فالله تعالى حرم أكل الأموال بالباطل وما يقال في المال الخاص يقال في المال العام ، كما قال تعالى : (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة : 188 ) وفي حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال فلا تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلني ؟
قال قاتله قال أرأيت إن قتلني ؟ قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته ؟ قال هو في النار) . ( )

خامساً: الدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية .
حرص الإسلام كل الحرص على إقامة جماعة واحدة تكون هي النواة الأولى للأمة الإسلامية ، ولأجل ذلك رغب القرآن الكريم في الهجرة إلى المدينة النبوية أجمل ترغيب ، فقال تعالى : ( وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (النساء : 100 ) ، وبهذه النواة الأولى قامت الأمة الإسلامية والدولة الأولى ، وتحددت ملامح الحكم والسياسة الإسلامية ، وفي هذا يقول الله تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء : 92 ) ، وقال تعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) (المؤمنون : 52 ) ، ويقول تعالى : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران : 103 ) ، وقد امتن تعالى على المؤمنين بهذه الوحدة فقال تعالى : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : 63 ) وبهذه النصوص وأمثالها تحددت الوحدة ، وبقوله تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج : 78 ) ، تحددت التسمية ، فهي الأمة الإسلامية الواحدة ، وجاءت النصوص الأخرى لتبين التركيبة الجسدية والنفسية والروحية لهذه الأمة الفتية التي يتولى بعضها بعضاً بالمحبة والنصرة والتأييد والكون معها باطناً وظاهراً ، كما قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة : 71 ) ، وعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . ( ) ، وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) . ( ) ، ولم تكتف النصوص الشرعية بهدا القدر من الوشيجة بل جسدتها في مصطلح الأخوة الإيمانية السامي ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات : 10 ) وكان من لوازم هذه الأخوة الإيمانية النصح لها ، والقيام بحقوقها ، كما جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) . ( ) ، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) . ( ) ، إن هذه الوحدة الإسلامية الرائعة الجميلة وإلى وقت قريب ، كانت من البدهيات والمسلمات عند المسلمين مما أغنى عن التأليف فيها أو الإطناب في الحديث عنها ، غير أن العدو المحتل مزق أوصالها ، وسدت هذه الحاجة بالقوميات والنعرات الجاهلية ، والتحزبات السياسية ، مثل الجامعة العربية ، وغيرها، فحلت القومية محل الأخوة الإيمانية ، والقطرية محل العالمية ، وملوك الطوائف محل الخلافة الإسلامية ، وفرح كل بما هو فيه ، وأغرقت الأمة في ملذات الحياة في ناحية ، وأشغلت بالسعي لسد رمق الحياة في ناحية أخرى ، وفتح باب التغريب على الجميع ، وروضت الأمة بالإعلام ، والمناهج الدراسية وغيرهما ، حتي ألفت هذا الواقع الممسوخ ، وتعاظم حكامها فكل يحكي التأريخ المجيد له ولآبائه ، وحتى لا نبخس الواقع صدقته فقد أسست رابطة العالم الإسلامي جسداً صغيراً هزيلاً بغير روح ، وزاد الأمر سوء أنها توظف لصالح جهة أو أخرى ، إن هذا الواقع المرير بحاجة ماسة إلى تغيير في الشكل والمضمون ، تغييراً مناسباً في الحال والمقال ، والزمان والمكان ، يحمل هذا التغيير الخلص من أبناء هذه الأمة يتعصبون له ويبشرون به ، ويصبرون على الأذى فيه ، مستصحبين فقه المقاربات ، لا يهدمون النافع من الواقع بل يصلحونه ويبنون عليه إن كان صالحاً ، وصدق الله تعالى حيث يقول : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) (الرعد : 11 ) ، هذا ومن المناسب التأكيد بأن واقع الأمة الإسلامية الآن أقرب للوحدة الإسلامية أكثر من ذي قبل ، وذلك لما رأت من فشل الطروحات القومية ، والعلمانية ، والشيوعية ، والعشائرية ، والأسرية ، التي طمست معالم هويتها الدينية ، وأسلمتها للعدو وشاركت في دفن كرامتها ، وسرقت خيراتها ، وعرضتها للإحتلال من جديد ، فبالله تعالى لا بغيره يكون النصر والظفر، وبالهدى والبينات يزول الضلال والزغل ، وبأيدي العصبة المؤمنة تكون المدافعة والمغالبة ، والله تعالى يقول : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم : 47 ) ، وقال تعالى : (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران : 160 ) ، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه كيف تكون الوحدة الإسلامية ، والمسلمون طوائف عدة ؟ والجواب أن أصول تلك الطوائف كانت في القرون المفضلة ، وقد كان هناك خطاباً شرعياً وسياسياً وقدرات مكنت من القدر الأساس وزيادة في تحقيق مفهوم الوحدة الإسلامية ، وبتحديد معالم ذلك الخطاب والقدرات يمكن أن نحقق القدر الأساس الذي يمكن من الوحدة الإسلامية ، وهذا لا يعني أن يذوب الحق في غيره بل الحق هو المثال الذي يؤمر به ويدعى إليه .
ومن المؤكد إن الوحدة الإسلامية عائدة حقيقة ، لأنها وعد الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد بأن الاستخلاف والوراثة في الأرض للمؤمنين ، كما قال تعالى : ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران : 139 ) ، وقال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور : 55 ) ، إن هذا الوعد أنجزه الله تعالى للمؤمنين السابقين ، وهو منجز وعده الحق بالوراثة في الأرض للمؤمنين اللاحقين كما قال تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص : 5 ) وبهذا الجزم صرحت السنة النبوية ، فعن معاوية ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم ، والله يعطي ، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) .( )
إن هذا الوعد الحق أمل لاحت بيارقه ، وسطعت شمسه ، وتهللت أساريره ، وصدق الله تعالى حيث يقول : (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف : 21 )

سادساً : الدفاع عن حق الأمة الإسلامية في اختيار من يحكمها وعزله .
إن للأمة الإسلامية الحق الشرعي في اختيار من يحكمها وعزله ، وهذا الحق تقرره النصوص الشرعية بوضوح تام ، كالآتي :
1 . أنه مقتضى الشورى التي أمر الله بها ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشورى : 38 ) .
2 . أنه مقتضى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده في الحكم والإمامة ، فعن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) . ( ) وفي الحديث ثلاث مسائل مهمة :
الأولى : أن من الناس من فهم الحديث بوحوب الطاعة لمن تولى على المسلمين بالغلبة ، وإن لم تتوافر فيه الشروط وهذا مخالفة صريحة للنصوص
المحكمة التي تعارض ذلك ، ومن ذلك آخر الحديث الذي يفسر أوله بقوله : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ، فسنة الخلفاء الراشدين تقر ولاية من توافرت فيه شروط الإمامة وتنفي من لم تتوافر فيه ، مع رفضها الشديد لتوريث الإمامة .
الثانية : المبالغة و التأكيد الشديد على السمع والطاعة لمن توافرت فيه الشروط ، وبايعته الأمة عن رضاً واختيار ، لا إقرار إمامة العبد والمتغلب على الأمة ووجوب السمع والطاعة له ، وذلك نظير قوله تعالى : ( قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف : 81 ) فهو من باب ضرب المستحيل ، لا إقراره ، والمعني على فرض جواز أن يكون لله ولد تعالى الله عن ذلك وتنزه وهذا مستحيل ، فأنا أول المؤمنين بعبودية الله تعالى ، وعليه فمعنى الحديث على فرض جواز إمامة العبد الآبق وهذا مستحيل ، فاسمعوا وأطيعوا لمن توافرت فيه الشروط .
الثالثة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على وجه الإلزام بإمامة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ من بعده ، يدل على ذلك اختلاف الأنصار والمهاجرين في سقيفة بني ساعدة إذ كيف يختلفون على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان هناك أمر فلما لم يكن ساغ الاختلاف حتى حصل الإتفاق على بيعة أبي بكر عن رضاً واختيار كما سبق بيانه . يؤيد ذلك مقالة عمر ين الخطاب رضي الله عنه كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :
قيل لعمر ألا تستخلف ؟ قال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأثنوا عليه فقال راغب وراهب وددت أني نجوت منها كفافاً لا لي ولا علي لا أتحملها حيا وميتا ) . ( ) ولا يفهم من الحديث في الاستخلاف الإلزام بل هو الترشيح من عمر ـ رضي الله عنه ـ وهذا حق له يرشح من يراه مناسباً كما سبق بيانه في نظام الإسلام في الحكم ، ويكفي في تأييد ذلك قول عبدالرحمن ـ رضي الله عنه ـ : ( يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان ) . ( )
وأما حق الأمة في جواز عزل الأمام أو عماله ، فمن أجاز لهم حق اختيار يجيز لهم حق العزل إذا كان هناك مصلحة من عزله فللوكيل أن يفسخ الوكالة عن موكله إذا لم يتحقق الغرض من الوكالة.
هذا وإذا انظم ما هنا من تقرير على ما سبق في نظام الإسلام في الإمامة تقرر بوضوح حق الأمة في اختيار من يحكمها ، وإن الدفاع عن هذا الحق مشروع لأنه هدي النبوة الراشدة ، وسنن الخلفاء الراشدين ، فعن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان فاستجاب له من استجاب فحيى بالحق من كان ميتا ومات بالباطل من كان حيا ثم ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة ثم يكون ملكاً عضوضاً فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه والحق استكمل ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافا يده وشعبة من الحق ترك ومنهم من ينكر بقلبه كافا يده ولسانه وشعبتين من الحق ترك ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه فذلك ميت الأحياء ) . ( )

وفي الختام : فإن الدفاع عن الأمة الإسلامية مسئولية الجميع كل بحسب قدراته ، وعندما تتظافر الجهود ، وترسم الخطط ، وتحدد الأهداف والوسائل ، ويعطى المشروع حقه من الوقت الكافي لإعادة ما دمرته الدول والهيئات والأشخاص من وحدة الأمة ، كما قال تعالى : (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (الروم : 4 ) يفرح المؤمنون بالتمكين ، كما قال تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (القصص : 5 ) ، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

توثيق الموضوع

( ) أنظر : مقال ( مشروع الشرق الأوسط الجديد ليس جديداً ) : الشيخ : رايد صلاح : جريدة كل العرب : العدد 977 الجمعة 1.9.2006 - 8 شعبان 1427
( ) علاء بيومي عبدالعظيم : جريدة الوفد : السبت 9 سبتمبر 2006 .
( ) حسن المصدق : البنتاغون يكشف خططه لتقسيم سوريا والسعودية وايران بعد العراق
( ) لسان العرب : 12 / 22
( ) صحيح مسلم : 1 / 134 (153)
( ) صحيح مسلم : 3 / 1479 ( 1853)
( ) صحيح مسلم : 2 / 741 ( 1064)
( ) صحيح البخاري :5 / 2396 ( 5378)
( ) صحيح مسلم : 4 / 1962 ( 2533)
( ) صحيح البخاري : 1 / 39 (71)
( ) سنن أبي داود : 2 / 608 ( 4596) وصححه الألباني الجامع الصغير وزيادته: 1 / 197 ( 1963 )
( ) صحيح البخاري : 1 / 456 ( 1292 )
( ) شرح صحيح مسلم : 16/ 207 ( 2658 )
(1) أنظر : الفوائد ـــ لا بن القيم : 34 ـــ 35
( ) انتهى بتصرف من مجموع الفتاوى ( 3 / 370 – 375 ) .
( ) سنن أبي داود : 1 / 625 ( 2050 ) وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1 / 526 ( 5251 )
( ) صحيح مسلم : 3 / 1522 ( 1917)
( ) صحيح البخاري : 6 / 2503 ( 6442 )
( ) سنن ابن ماجه : 2 / 1101 (3312 ) وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته :1 / 1301( 13008)
( ) أنظر : الملل والنحل : 4/ 78
( ) راجع : الملل والنحل : 4/ 164 ، ومقدمة ابن خلدون : 183 ، والأحكام السلطانية للماوردي : 5 ، والأحكام السلطانية للفراء الحنبلي : 9
( ) الاعتقاد - للبيهقي - : 351
( ) السنة للخلال : 276 ( 338 )

( ) تاريخ الطبري : 2 / 582 ــــ 583
( ) الكامل ــ لابن الأثير : 3/ 80
( ) فتح الباري - ابن حجر : 1 / 316
( ) سيرة عمر بن عبد العزيز : 48 ــ 54
( ) صحيح مسلم : 3 / 1469 (1840)
( ) المعجم الكبير : 17 / 92 (218) و حسنه الألباني في غاية المرام :1 / 19 ( 6 )
( ) مسند أحمد بن حنبل : 4/126(17184) وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته : 1/ 782 (7818 )
( ) صحيح البخاري : 3 / 1274 ( 3269 )
( ) انظر : المحرر الوجيز ( 5 / 494 ) .
( ) انظر : أضواء البيان ( 3 / 316 ).
( ) انظر : أحكام القرآن " لابن العربي " ( 3 / 1172 ) .
( ) انظر : المفردات ، للراغب ( 119 ) ، و الذريعة إلى مكارم الشريعة ( 35 ).
( ) انظر فلسفة التربية الإسلامية – للدكتور ماجد عرسان الكيلاني: (141) .
( ) صحيح مسلم : 2 / 699 ( 1009)
( ) سنن أبي داود : 2 / 441(403)
( ) اقتضاء الصراط : 12,11، 215، 216
( ) مفتاح دار السعادة : 1 / 70
( ) أنظر :إيضاح الدليل :1 / 16 ــ 17
( ) أنظر : التحرير والتنوير : 1 / 542
( ) سنن النسائي : 7 / 82 ( 3987 ) وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته :1 / 921( 9208)
( ) صحيح مسلم :4 / 1999 ( 2586 )
( ) صحيح مسلم : 4 / 1986 ( 2564 )
( ) صحيح البخاري : 6 / 2550 ( 6551 )
( ) صحيح البخاري : 6 / 2550( 6552 )
( ) تفسير القرطبي : 8/ 62
( ) منار السبيل :1 / 205
( ) أنظر : الفتاوى الكبرى : 5 /537
( ) شعب الإيمان :3 / 38 (2806)
( ) صحيح البخاري : 3 / 1028 ( 2637 )
( ) صحيح البخاري : 3 / 1035 ( 2656 )
( ) صحيح مسلم : 3 / 1520 ( 1913)
( ) سنن الترمذي :4 / 189(1667 ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب : 2 / 33 ( 1224 )
( ) سنن الترمذي : 4 / 175( 1639 ) وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته :1/ 757 (7561 )
( ) صحيح البخاري : 3 / 1026 ( 2633 )
( ) السياسة الشرعية ــ لشيخ الإسلام ابن تيمية ـــ : 1 / 159
( ) صحيح مسلم : 1 / 124 ( 140 )
( ) صحيح مسلم : 4 /1999 ( 2586 )
( ) صحيح مسلم : 4 / 1999 (2585 )
( ) صحيح مسلم : 4 / 1986 ( 2564 )
( ) صحيح مسلم : 1 / 74 ( 54 )
( ) صحيح البخاري : 1 / 39 (71)
( ) سنن أبي داود : 2 / 610 (4607) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة : 2 / 610( 937)
( ) صحيح البخاري : 6 / 2638 (6792 )
( ) تاريخ الطبري : 2 / 582 - 583
( ) حلية الأولياء : 1 / 275

فهرس الموضوعات
م الموضوع الصفحة
1 المقدمة 2
2 مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية 6
3 التعريف بالأمة الإسلامية 24
4 مقومات الأمة الإسلامية 27
5 العقيدة التي تطمئن الشعوب إلها 27
6 الأرض يملكها الشعب ويدافع عنها 31
7 الإنسان الذي تتألف منه الأمة 31
8 العزة والحمية الإيمانية القوية 32
9 النظام السياسي للأمة الإسلامية 33
10 سمات الأمة الإسلامية 40
11 إفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة 40
12 إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم دون سواه 24
13 القيام بالعدل والإحسان 43
14 الحرص على التعاون البر والتقوى 45
15 عدم التشبه بالكافرين 47
15 واجبنا تجاه الأمة الإسلامية 50
16 الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية 50
17 الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية 53
18 الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية 56
19 الدفاع عن ثروات و مقدرات الأمة الإسلامية 61
20 الدفاع وحدة الأمة الإسلامية 62
21 الدفاع عن حق الأمة في اختيار من يحكمها 66

تم عرض الموضوع بحمد الله و توفيقه

عبدالله بن بريك
20/11/2010, 01:21 AM
الأخ الباحث المتمكن شاكر عبدالعزيز :

مجهودٌ جبارٌ , و معلوماتٌ قيمة , و تحليلٌ دقيقٌ..

استفدتُ كثيراً من علمك الغزير و من ثقافتك الكبيرة ..

تحياتي و تقديري أخي شاكر.

شاكر عبد العزيز
22/11/2010, 08:58 AM
جزاك الله خيراً أخي الشاعر عبد الله على مشاركتك في الموضوع و التعليق عليه .