المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصل ومنشأ اتراك العراق " باصلوخان "



نظام عزالدين محمد علي
16/11/2010, 12:04 AM
أصل ومنشأ أتراك العراق
- باصلوخان -
للمؤرخ التركي حسام الدين آماسيلي
من هو باصلوخان ؟ الذي يعتبر من التابعين وينتسب الى قبيلة تركية وقد تشرف بالدين الإسلامي الى درجة انه حاز على مكان رفيع أيام الخلفاء الراشدين .
ياترى الى من ينتمي باصلوخان [1] ؟ .
برأيي ان خدمة الدين الذي يدين به الأتراك وقومهم والتعريف برجالاتهم ومشاهيريهم لهي أكبر خدمة تحمد قائمها بعمله .
يفهم من التاريخ الإسلامي إن " باصلوخان " لمنزلته بين قومه كان له الدور الكبير في قبول اتراك العراق للإسلام . كان باصلوخان بطبعه مقاتلا وشجاعا وكان يتأمل وهو في حيرة الى حال العرب كيف تغيروا وتحولوا من الجاهلية الى الحضارة وفي غضون 23 سنة فقط .
لذا فان كلمة " باصلوخان " هي تعريب لكلمة " باسولي خان " التركية ، ان معنى كلمة ( صولي ) في اللغة تعني العلو وذو شأن وهي مذكورة في قاموس اللغات لإبن المهنا وبالنسبة للمقطع الثاني فان ( با ) تعني الأمير في ديوان اللغات ومعني ( باي ) الغني ويأتي اللفظ ( باي ) على معنيين الأمير والغني .
في الوقت الحاضر فان أصل باصلوخان هو باسولي خان وتعني بلهجتنا " بك سولى خان – سولى خان بك " مثل اورخان بك وتورخان بك .
فما أعظم هذا القرآن الكريم الذي يهب الى الإنسان روح الفضيلة الأبدية وما أعظم سيدنا محمد الذي ان دخلت محبته الى قلب أحد إلا وجعل صاحبه ذو خلق متين .
لقد كان باسولى خان يزداد تعجبا وحيرة كلما رأى من فضائل أخلاق سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه والصحابة الكرام فكان يستصغر الدين الذي يدين به قومه ، لذا وبعد فتح خراسان يدخل هو وعشيرته للإسلام ويبدأون بالاشتراك في الجهاد في سبيل هذا الدين وقد اشترك في دعوة أتراك سجستان للدين الإسلامي .
وقد أخذ مكانه مع الصحابي عاصم بن عدي التميمي الذي أرسله سيدنا عمر رضي الله عنه لفتح سجستان وقد أخذ الأمان لأتراك زرنج وبعمله هذا فقد أنقذ أتراك زرنج من مصيبة كبرى .
وبعد قبوله الإسلام فانه سمى أول ابن له بـ " جميل " فكان يكنى به ويدعى " أبو جميل الصلوبى "[2] وهو صاحب الترجمة المعروف في كتب السيرة .
وقد توفي في زمن خلافة سيدنا معاوية رضي الله عنه وقد تولى أحد أحفاده المسمى " يحي بن معاذ بن جميل بن باصلوخان الصلوبى " إمارة خراسان .
من خلال قراءة حياة عظماء الأتراك مثل صولى خان ، قلج خان ، بوغري خان يتبين لنا بأن الأتراك لم يدخلوا الدين الإسلامي جبرا وقهرا بل دخلوه بالإدراك والمعرفة التامة وكان يؤمنون بأن هذا الدين سيكون باعثا لعلو شأن الأتراك ونيلهم للمراتب العليا .
لهذا رأينا كيف ان الأتراك تحت ظل الإيمان قد كانوا سببا في إعلاء الدين الإسلامي من طرف ومن طرف آخر نال الأتراك في ظل هذا الدين شأوا ومنزلة كبيرة ، فكانوا مرشدين للأقوام الإسلامية وكانوا حراسا على العالم الإسلامي وحسب الإصطلاح القرآني كانوا سابقين في الخيرات خلفاء الله في الأرض .
ان بوزبوغرى خان " بصبهري الأب " كان يعرف جيدا ان الوطن يجسم مبادئ الدين ومصالح الشعب والذي في سبيله يضحي الإنسان بنفسه وماله ولكي يعيش الإنسان حرا في وطنه يجب ان يتمتع بالحرية والاستقلال لذا فانه من الواجب على الشعب التمسك بالروح المعنوية العالية للدين الذي يهذب الأخلاق ، هذا في الوقت نفسه كان الإيرانيين ينعدم فيهم الأخلاق والدين السامي .
، حيث انه كان تركيا ترعرع على الحرية والاستقلال لذا فانه اخذته العزة بالنفس وغلى في نفسه الإحساس القومي عندما رأى من ناحية تعرضه لغارات العرب من حوله ومن طرف آخر كان يتعرض لانتقادات كبير ورزاء الإيرانيين المدعو بخير خان لذلك فانه التجأ الى السلاح والمقاومة للدفاع عن بانقيا .
وقد أدى مقاومته الى ايقاض الروح الدينية والقومية لدى الأعاجم الموجودين في أطراف الفرات وفي هذا الصدد ثار مهران ابن بهرام جوبين في حوالي بادقلى مع الأتراك الموجودين في تلك النواحي وخلق بعض المشكلات مع المجاهدين المسلمين .
لذا فان ما أثاره بصبهري من اختلال فشا الى كل الأطراف واستعظم الأمر الى درجة اثار انتباه القائد الإسلامي سيدنا خالد بن الوليد واضطره الى درجة انه قام من مقره في الحيرة وسار تجاه بانقيا وعندما وصل ليلا الى هناك دخل في القتال معهم الى الصباح .
وقد تجمع تحت قيادة بصبهري قوات كبيرة اثر توليه زعامة المقاومة في بانقيا وفي هذه الواقعة واثر الهجمات القوية التي قام بها فارس من فرسان الإسلام ضرار بن الأزور الأسدي فقد وقع بوز بصبهري مقتولا إلا ان المهاجمين المسلمين قد كان أصابهم العي والتعب بعد المقاومة المستميتة التي لاقوها وقد قال ضرار بن الأزور أبياتا من الشعر يصف فيها ما لقوا فيقول :
أرقت ببانقيا ، ومن يلق مثل ما
لقيت ببانقيا من الحرب يأرق [3]
يقول ابن كثير : انه بمقتل بصبهرى فان ابنه ( صلوبا ، سولي باي ) حل محله وفهم ابنه ان المقاومة امام جند الإسلام غير مجدية فابتدأ بطلب الصلح من خالد بن الوليد .
كان سولي با تركيا صاحب عقل وحكمة وكان شجاعا وحكيما مثل أبيه ولقد رأى ان الدين الإسلامي دينا كاملا ويتميز أحكامه بالحكمة وأهله بالمعنويات العالية .
ولهذا طلب الصلح وقطع دابر الحرب ورضي بدفع 1000 درهم فقط اثر معاهدة صلح عقدها مع سيدنا خالد بن الوليد .
وتمت هذه المعاهدة سنة 13 للهجرة وبحضور عددا من الصحابة الكرام .
وقد جاء متن هذه المعاهدة في كتاب فتوح البلدان وتحت كلمة بانقيا " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن بصبهري ومنزله بشاطئ الفرات إنك آمن بامان الله على حقن دمك في اعطاء الجزية عن نفسك وجيرتك وأهل قريتك بانقيا وسميا على ألف درهم جزية وقد قبلنا منك ورضي من معي من المسلمين بذلك فلك ذمة الله وذمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذمة المسلمين على ذلك شهد هشام بن الوليد وجرير بن عبد الله ابن ابي عوف وسعيد بن عمرو وكتب سنة 13 والسلام ويروى انه كان سنة 12 هـ " [4] ووفق هذه المعاهدة التي عقدها سولي با فقد تخلص الترك والفرس عن مضار الحروب من القتل والسبي والذل إذ إن هذه المعاهدة كانت على رأسها عددا من مجاهدي الإسلام ذوي الأخلاق الفاضلة " رضوان الله عليهم " مثل خالد بن الوليد وأخوه هشام بن الوليد وجرير بن عبدالله البجلي وسعيد بن عمرو .
أساسا إن الداخلين في ذمة المسلمين والمتمسكين بتعاليم القرآن ما كانوا ليقوموا بالتفرقة ذلك لأن أحكام الدين العالية ما كانت لتسمح بذلك .
ولقد بقي سولي باي " سولي بيك " محايدا في واقعة القادسية [5] التي حصلت سنة 16 هـ لانه كان هذه الحرب ليس حرب قلة مع كثرة بل هو حرب الدين والأخلاق الفاضلة والتوحش والحضارة .
ان الدين الإسلامي الذي يدعو الى الأخلاق الفاضلة لهو دين حضارة سامية وليس هنالك شك ان النصر سيكون من نصيب مجاهدي الإسلام ، في الحقيقة انه على الرغم من الكثرة العددية التي كان الجيش الإيراني يتميز به وكذلك على الرغم من امتلاكه لأدوات الحرب الفائقة وكثرة الأسلحة الا ان هذا الجيش خسر المعركة وزال من الوجود بسبب افتقاده للأخلاق والإيمان .
أما الجيش الإسلامي فانه على الرغم من قلة عدده ونقصان عدته وأسلحته الا ان هذا الجيش كان يتميز بالأخلاق والإيمان والقوة المعنوية التي نفخها القرآن في روحهم وترجمت تلك المعاني في غلبة المسلمين الباهرة على أعدائهم .
لقد قام سولى باي بعد اضمحلال إيران بالدخول في الحماية الرحيمة للخلافة الإسلامية وشكل في أطراف بانقيا وحدة عسكرية وقد اشتهر بين الأتراك بـ " باسولى خان " حيث عرب بعد ذلك وأصبح " باصلو خان " .
وفي اللغة التركية القديمة كانت هذه الكلمة تلفظ هكذا " سولاي ، سولاو " وفي تلفظ كلمة سولاو فان حركة حرفي الصاد والام هي الفتحة حيث تلفظ " صلوخان "
والحقيقة ان سولي خان كان شخصا تميز بالعلم والعرفان وتشرف بصحبة عمر بن الخطاب وعددا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إن سولي خان كان أول تركي من عظمائهم يتشرف بالإسلام وكان اسمه ينطبق عليه المثل القائل " الأسماء تنزل من السماء " !!
وعندما بزغ نور الإسلام كان في العراق عشائر وإمارات تركية كثيرة وأشهرهم عشيرتين كانتا تسكنان شاطئ الفرات ، الأولى " باتوقلى " وكانت تسكن في " بادقلى " والثانية " بانوقلى " وكانت تسكن في " بانقيا " .
يقول ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان عن بانقيا " بكسر النون ناحية من نواحي الكوفة ذكرها في الفتوح . . " وقد ذكرت بانقيا في معاهدة سيدنا خالد بن الوليد بانها على شاطئ الفرات .
وينقل ياقوت الحموي من أحمد بن يحي البلاذري قوله " لما قدم خالد بن الوليد رضي الله عنه بعث بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير الأنصاري الى بانقيا فخرج عليه فرخبنداد في جيش فهزمهم بشير وقتل فرخبنداد وانصرف بشير وبه جراحة فمات بعين التمر ثم بعث خالد جرير بن عبد الله الى بانقيا فخرج اليه بصبهري بن صلوبا فاعتذر اليه وصالحه على الف درهم وطيلسان وقال ليس لاحد من أهل السواد عهد إلا لأهل الحيرة وأليس وبانقيا . . " [6]
كلمة بصبهري أساسا معرب لكلمة " بوز بوغرى " التركية وان والد سولى خان كان ابنا لرئيس عشيرة بانقلى لذا فانه ليس هناك أدنى شك كون الخان المشهور باسم باصلوخان هو تركي ابن تركي .
جاء في قاموس اللغات لسليمان افندى بان كلمة " بوز بوغرى " تعني في التركية القديمة ذكر المعز وكان الأتراك القدامى يطلقون عليها " بوس بوغرى " وتم تعريب هذه الكلمة من قبل العرب لتصبح " بصبهرى ".
يقول عماد الدين أحمد بن كثير في تاريخه المشهور : كان والي بانقيا المسمى " بصبهرى بن صلوبا " عاقلا مجوسيا وكان تركيا وعندما رأى نبل الأخلاق وعلو المعاني عند العرب تشرف ودخل الإسلام ورجح الحياة والموت في ظل الدين السامي بدلا من العيش تحت ظل العجم الذين يدينون بالمجوسية النتنة وينعدم فيهم الأخلاق " .
لذا فان الأتراك اذا ارادوا البقاء في هذا المكان الرفيع والمنزلة العالية فعليهم أن يعتصموا بأحكام القرآن وأن يلوذوا به .
إن الإبتعاد عن القرآن يأتي على رأس العوامل التي ادت الى انحطاط الأتراك لأن الدين بمثابة الروح للأتراك واذا كنت تحب قومك " الأتراك " فلا تفارق روحك .
ملازكرد / تركيا
26 كانون الأول 1337
حسام الدين آماسيلى
المنشورة في جريدة اقدام تاريخ 2 شباط 1922
عدد : 8939
ترجمة : نظام عزالدين محمد علي
________________________________________
[1]هكذا في النص وفي كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي جاء كما يلي : " باصلوخان : بالخاء المعجمة واللام مفتوحة وآخره نون مدينة قديمة كانت بين المداين والنعمانية خربت منذ زمن طويل الا إن بعض آثارها باقية " ص 471 معجم البلدان من مطبوعات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية _ فرانكفورت _ ألمانيا سنة 1994 .
[2]جاء في البيان والتبيين للجاحظ ص 17 ج 3 ما يلي : " قال جميل بن يصبهري حين شكا اليه الدهاقين شر الحجاج قال : أخبروني أين مولده ، قالوا : الحجاز ، قال " ضعيف معجب " ، قال : فمنشؤه قال : الشام قال : ذاك شر ، ثم قال : مأحسن حالكم ان لم تبتلوا معه بكاتب منكم ، يعني من أهل بابل ، فابتلوا بزاذان فروخ الأعور …. " طبعة دار الكتب العلمية .
[3]ياقوت الحموي معجم البلدان ص 484 سلسلة الجغرافية الإسلامية ، فرانكفورت سنة الطبع 1994
[4] معجم البلدان لياقوت الحموي من مجموعة الجغرافيا الإسلامية طبعة لايتسك 1866 فرانكفورت طبعة سنة 1994 بتحقيق الدكتور فواد سزكين . وانظر الطبري ص 319 و ص 309 طبعة دار الكتب العلمية سنة الطبع 1987 . وانظر فتوح البلدان للبلاذري طبعة دار الكتب العلمية 1978 ص 245،246 ، 247 . وانظر الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة لمحمد حميد الله من طبعة دار النفائس سنة 1985 ص 381 ، 382 . وانظر تاريخ البداية والنهاية لابن كثير الجزء 3 ص 248
[5]هذا الكلام فيه نظر اذ ان ابن صلوبا قد صلح اسلامه ولكن لعدم افتقاد الفرس لشوكتهم وقوتهم اجبره على ان يخفي نصرته للمسلمين تجنبا لأي كرة للفرس على المنطقة وما يكون في ذلك من هلاك قومه وسبيهم وفي هذا الصدد انظر الى ما جاء في تاريخ البداية والنهاية لابن كثير ما يلي : " ثم بعث سعد كاشفا الى الحيرة الى صلوبا فاتاه الخبر بأن الملك قد أمر على الحرب رستم بن الفرخزاد الأرمني وأمده بالعساكر فكشف سعد الى عمر بذلك فكتب اليه عمر لا يكربنك ما يأتيك عنهم ولا ما يأتونك واستعن بالله وتوكل عليه " تاريخ البداية والنهاية لابن كثير وانظر كذلك الى الطبري في تاريخه ص 320 ، 321 وانظر دور ابن صلوبا في معركة الجسر وعقده الجسر للمسلمين انظر تاريخ الطبري ص 366 ، 367 المجلد الثاني طبعة دار الكتب العلمية سنة 1987 ط 1 .
[6]معجم البلدان لياقوت الحموي ص 484 من سلسلة الجغرافية الإسلامية 1994 فرانكفورت .