المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة: مُدْمِنٌ



عبد الحميد الغرباوي
22/03/2007, 01:13 AM
مُدْمِنٌ

شغل عبد الصادق التلفاز الهرم، و انتظر ظهور الصورة التي أخذت تملأ عرض الشاشة قليلا قليلا،إلى أن بدت كاملة و واضحة...
كان الشريط في بدايته..
" من حسن حظي.."
قال عبد الصادق ، و أخرج من جيب بنطاله علبة سجائر. تناول منها لفافة، أحرق رأسها ، ثم تمدد على السرير يتابع العرض..
إلى يمينه، مائدة صغيرة .. تنبه إلى عدم وجود طفاية، قام ، ترك الغرفة لحظة ثم عاد يحمل صحنا صغيرا من معدن، وضعه على المائدة..
عاد على السرير و عيناه لا تفارقان الشاشة..
يدخل البطل مؤسسة.
البطل وسيم ، مشرق المحيا.
يتجه رأسا إلى مكتب مديرها..
" إذاً أنت مستعد؟.."
" الاستعداد التام.." يجيب في ثقة مبتسما..
" و معترف و مقر بجدوى أساليبنا في العلاج؟.."
" أجل.."
" شروطنا قاسية.."
" و لا اعتراض.."
" سيكون العقاب شديدا.."
" كيف؟.."
" لن نقدم لك تفسيرا الآن... أساليبنا في العقاب قد تعرفها حين يستدعي الأمر ذلك.."
" بمعنى؟.."
" حين يقبض عليك متلبسا.."
" سأكون إذن مراقبا ! ؟.."
" مسيو برنارد، اعتبر المسألة مجرد تسلية بيننا و بينك.. إلى اللقاء.."
" إلى اللقاء.."
" مسيو برنارد، من فضلك.."
" نعم.."
" اُترك علبة السجائر على المكتب الصغير هناك و أنت تخرج.."
يُخرج البطل العلبة من جيب معطفه الداخلي، يضعها على المكتب الصغير و ينصرف..
تنبه عبد الصادق إلى السيجارة بين إصبعيه كان الرماد الذي يعتلي رأسها طويلا و هشا..
ضربت سبابته فوقها ضربة خفيفة فسقط الرماد داخل الصحن المعدني الصغير..
... يغادر البطل المؤسسة و هو يلتفت يمينا و شمالا..
أين يمكن أن تكون عيون الجواسيس ترصده؟..
أين تكون ، اللحظة، مختبئة تسجل حركاته و سكناته؟..
تستفزه الرغبة في التدخين..
تغمره حرارة كأنما هي الحمى..
تتحول الحرارة، فجأة ، إلى برودة تسري في جسده كما لو أنها برودة الموت..
يدخل بيته، و يتجه رأسا إلى المطبخ محاولا ألا يحدث ضجيجا..
يغلق خلفه الباب. يسند جذعه إليه يسترجع أنفاسه..
يتجه نحو الثلاجة. ومن مخبإ خلفها، يجذب علبة من خشب عتيق، يفتحها ، يخرج من داخلها بيد ترتجف سيجارة. يحرق رأسها، جاذبا نفسا طويلا و لذيذا ليطفئ نار رغبة بلغت ذروة الجنون.. ينفث الدخان في دفعات كأنما يود الاحتفاظ به مدة أطول داخل صدره.. يحس بدوار فيغمض عينيه مسندا رأسه إلى الجدار...
امتدت يد عبد الصادق إلى علبة سجائره، أخذ منها لفافة، أولع رأسها ، عب نفسا طويلا و عيناه لا تحيدان عن الشاشة ...
... و يسمع البطل زوجته تصرخ صرخة استغاثة...
يرمي اللفافة مشتعلة في المغسلة و يخرج من المطبخ ينادي زوجته..
يركض بين الغرف مخطوف العقل..
ينادي:
" جاكلين..جاكلين.."
يبحث في كل الأركان، لا يعثر لها على أثر..
و يرن الهاتف.
يرفع السماعة.
تجحظ عيناه ..
يصرخ:
" لا..لا.. أتركوها..لا دخل لها فيما فعلتُ.."
يضع السماعة مضطربا، و يخرج...
يدخل مكتب المدير دافعا الباب بعنف صارخا:
" جاكلين، جاكلين.. غاليتي.. أيها الوغد، أين زوجتي؟.."
يرجو البطل المدير ألا يمسها بأذى..
و تنار غرفة من خلف عازل زجاجي عريض فيرى زوجته تذرعها جيئة و ذهابا، كما لو أنها تبحث عن منفذ للخروج..
يضغط المدير على زر فينطلق تيار كهربائي خفيف من تحت قدمي الزوجة التي تأخذ تتقافز في مكانها صارخة رعبا..
يصرخ البطل:
" لا،لا.. الرحمة.."
يعلق المدير:
" أ لم أقل لك إنك ستعرف نوع العقاب في حينه..ها أنت تراه الآن.."
" أرجوك، لا دخل لزوجتي في ما ارتكبته من أخطاء.."
" مسيو برنارد، الواضح أن علاجك سيلزمنا وقتا طويلا و ثمينا.. أنت عنيد، مسيو برنارد.."
ارتمت يد عبد الصادق على الولاعة و العلبة ..
أخرج لفافة ، أحرق رأسها ممتصا دخانها في نهم..
و تتوالى المشاهد..
تبلغ الأحداث ذروتها..
يصير البطل عنيفا.. سريع الغضب..
مضايقات، ملاحقات تصل أحيانا درجة اقتحام أحلامه ..
يعنى العـناء الكبير.. يصبح شعثا، سيئ الهندام، و شبه نعسان، و كانما حقن بحقنة من مخدر قوي، أو كأنه هارب من مصحة للأمراض العقلية...
يجتاحه الإعياء و الغثيان و الصداع..
يصارع الرغبة القاسية..
و في النهاية ينتصر...
و يصرخ في وجه الجميع:
" اللعنة عليكم أيها الأنذال، أيها الأوغاد... اللعنة عليكم جميعا..أنا الأقوى.."
و تقبل عليه زوجته تعانقه بحرارة ..
و ينتهي الشريط...
انتفض عبد الصادق واقفا. جذب آخر نفس من سيجارة احترق كل تبغها. ترك الدخان يخرج من أنفه و فمه بشكل تلقائي ، تمطط، تثائب..
" الشريط كان ممتعا و مليئا بالإثارة و التشويق.."
علق عبد الصادق، و هو يضغط على زر الإطفاء و يغادر الغرفة ، تاركا خلفه المنفضة تكاد تفيض بأعقاب السجائر..

جمال عبد القادر الجلاصي
22/03/2007, 07:02 PM
الأستاذ المبدع عبد الحميد:

لقد قرأت اليوم درسا في القصة القصيرة:
القصة التي تسجل مشهدا متكاملا، واصفة حالة الشخصية/ المحور وهذا الانتقال السينمائي بين مشهدين
بتلقائية / محترف...
اللغة نابعة من القصة، أو تلبسها ... القصة تنبص حياة أو هي الحياة

مودتي

زاهية بنت البحر
24/03/2007, 01:31 AM
وكأنني أشاهد فيلمًا سينمائيًا تجمع بين البطلين به لفافة التبغ ولكن أحدهما يحب زوجته والثاني تعيده أحداث الفيلم إلى محبتها ..قصة جميلة أرجو من النقاد الغوص في بحرها لاستخراج المكنون منها ..
لك شكري أخي المكرم عبد الحميد على إبداعك في هذه القصة:fl:
أختك
بنت البحر

عبد الحميد الغرباوي
24/03/2007, 09:51 PM
القصة التي تسجل مشهدا متكاملا، واصفة حالة الشخصية/ المحور وهذا الانتقال السينمائي بين مشهدين
بتلقائية / محترف...
اللغة نابعة من القصة، أو تلبسها ... القصة تنبص حياة أو هي الحياة
جمال عبد القادر الجلاصي
أخي،شرفني جدا تفاعلك مع القصة.
مودتي

عبد الحميد الغرباوي
25/03/2007, 01:18 PM
وكأنني أشاهد فيلمًا سينمائيًا تجمع بين البطلين به لفافة التبغ ولكن أحدهما يحب زوجته والثاني تعيده أحداث الفيلم إلى محبتها ..قصة جميلة أرجو من النقاد الغوص في بحرها لاستخراج المكنون منها ..
لك شكري أخي المكرم عبد الحميد على إبداعك في هذه القصة
أختك
بنت البحر
أختي بنت البحر،
أسعدني مرورك، و دعوتك إلى التفاعل مع النص.
مودتي

سوسن عبد الملك
25/03/2007, 03:50 PM
الأستاذ المبدع عبد الحميد:

قدرة فاثقة على السرد وعرض المشهد
و كأن الإدمان فى القصة كان إدمانا مزدوجا ومرتبطا
ارتباطا شرطيا بالدخين ومشاهدة الأفلام
الأجنبى
لك تحياتي..سوسن عبد الملك

حسنية تدركيت
25/03/2007, 08:19 PM
رائعة ومشوقة جدا
دمت مبدعا :good:

بديعة بنمراح
25/03/2007, 09:05 PM
:good:
الأخ المبدع عبد الحميد
أسجل مروري على نصك ، و أسجل إعجابي و تقديري.
دام لك الألق

عبد الحميد الغرباوي
26/03/2007, 04:42 PM
و كأن الإدمان فى القصة كان إدمانا مزدوجا ومرتبطا
ارتباطا شرطيا بالمدخن ومشاهدة الأفلام الأجنبية
لك تحياتي..سوسن عبد الملك
شكرا أختي سوسن، لمرورك، و مزيدا من التفاعل مع باقي نصوص الأعضاء.
مودتي

نبال شمس
26/03/2007, 05:46 PM
المبدع عبد الحميد:
اعجبتني التداخلات والتفاعلات بين الابطال في القصه,
السؤال لماذا عبد الصادق تفاعل مع الفيلم الى هذه الدرجة؟؟حسب رايي الادمانات التي تحتاج علاجا هي المشترك بين الاثنين.
الشخصية التي حيرتني هي: عبد الصادق لانها الشخصية المركزيه التي عليها النقاش؟
لماذا يحب هذا الفيلم؟
لماذا يدخن اثناء مشاهدته لهذا الفيلم؟
هلو هو مدمن افلام؟هل هو مدمن تدخين ام انه فقط سبب لمناسبة معينة؟؟
رائع سيدي, احب النصوص المغطيه قليلا التي تترك تساؤلات لدى القارىء

عبد الحميد الغرباوي
26/03/2007, 11:31 PM
رائعة ومشوقة جدا
دمت مبدعا
العزيزة الأديبة حسنية،
كنت أنتظر منك أكثر .. يعني أن تقدمي لي و للقراء انطباعك، مدى تفاعلك معه، ملاحظاتك..
لكن" ما كاين باس".. في المرة القادمة إن شاء الله..
أسعدتني زيارتك، و كل إبداع لك جديد و أنت متألقة..
مودتي

عبد الحميد الغرباوي
27/03/2007, 10:51 PM
الأخ المبدع عبد الحميد
أسجل مروري على نصك ، و أسجل إعجابي و تقديري.
دام لك الألق
بديعة بنمراح
الأديبة العزيزة بديعة،
لا تبخلي علي بملاحظاتك، و قراءاتك الذكية للنصوص، أعرف أنك تملكين موهبة اكتشاف خباياها ..لا تترددي...
شكرا لمرورك، و اهتمامك بما أكتب.
مودتي

عبدالرحمن الجميعان
28/03/2007, 11:14 AM
القصة في يدك سهلة طرية،لا تكاد تتمنع عليك..!
الاستخدام الرائع للتقنية المتداخلة ، وظف توظيفا لا غبار عليه، مما يدل على تماسك الخطوط في يد الكاتب، ولكن...
في ظني أن هناك شيئا ينقص القصة، وهوالحدث أو بمعنى آخر، الحدث المفيد في القصة، أين هو؟
ليس هناك حدث في القصة تتمركز حوله الحوادث، لو كانت بعض أحداث الفلم، هي الأحداث لكان هناك كلام آخر، ولكن الفلم يبقى فيلما ختى في تصورنا ونحن نقرأ.....!

ريمه الخاني
28/03/2007, 11:44 AM
الحقيقة قصة من بارع حرفي مجيد
انها تحكي امورا تقرا من بين السطور
اسجل قرائتي للنص....واعجابي
سلم قلمك كاتبنا...

عبد الحميد الغرباوي
28/03/2007, 04:45 PM
أعجبتني التداخلات والتفاعلات بين الأبطال في القصه,
السؤال لماذا عبد الصادق تفاعل مع الفيلم إلى هذه الدرجة؟؟
حسب رأيي الادمانات التي تحتاج علاجا هي المشترك بين الاثنين.
الشخصية التي حيرتني هي: عبد الصادق لأنها الشخصية المركزيه التي عليها النقاش؟
لماذا يحب هذا الفيلم؟
لماذا يدخن أثناء مشاهدته لهذا الفيلم؟
هلو هو مدمن أفلام؟هل هو مدمن تدخين أم أنه فقط سبب لمناسبة معينة؟؟
نبال شمس
العزيزة الأديبة نبال،
كيف أرد على تساؤلاتك، و أنا عمري، لم أنصب نفسي مدافعا عن نصوصي أو محللا ، مفسرا لها؟..
كل قصة أكتبها إلا و تتضمن تجريبا ما..على مدى ثلاثين سنة من الكتابة القصصية، و أنا أجرب..أرفض النمطية، و لا أحب أن يتعرف القارئ على شخصي من خلال نص من نصوصي..و التداخلات و التفاعلات بين الشخوص في القصة، هي محاولة من محاولات التجريب..
أسعدني تفاعلك مع القصة، و تساؤلاتك مشروعة..
مودتي

عبلة محمد زقزوق
28/03/2007, 07:11 PM
إزدواجية الإدمان كانت في "التدخين ومشاهدة الأفلام"
ولست أدري اي منهما سبب في وجود الآخر ؟
ولكن على ما أظن انهما منفصلان إجتمعا في لحظة معينة هي لحظة ضياع وتضيع للوقت وذلك بالبحث عن شئ مثير يجدد الحياة فتتلهى الرؤيا بالمتابعة والفم بتعاقب اعواد السجائر فتكون الحصيلة دون تحصيل يذكر .
وبهذا يضيع وقتنا ونندم وقت لا ندم وذلك عندما نفقد الصحة وكذلك المعرفة الحقبقه بعدم متابعتنا لما هو مفيد ومثري .
شكرا أديبنا الرائع أ. عبد الحميد
تقديري واحترامي:fl:

عبد الحميد الغرباوي
29/03/2007, 10:42 AM
الحقيقة قصة من بارع حرفي مجيد
انها تحكي امورا تقرا من بين السطور
اسجل قرائتي للنص....واعجابي
سلم قلمك كاتبنا...
أم فراس
تحياتي لك أستاذة أم فراس. تواجدك في المنتدى، و انتقالك من نص إلى آخر معلقة، كنحلة من زهرة إلى زهرة، يلاحظه الجميع و بإعجاب، و من حسناته أنه يشجع باقي الأعضاء على مسايرتك و التفاعل مع النصوص.
سلمت أختاه.

ثروت الخرباوي
29/03/2007, 03:07 PM
مُدْمِنٌ

... و يسمع البطل زوجته تصرخ صرخة استغاثة...
يرمي اللفافة مشتعلة في المغسلة و يخرج من المطبخ ينادي زوجته..
يركض بين الغرف مخطوف العقل..
ينادي:
" جاكلين..جاكلين.."
يبحث في كل الأركان، لا يعثر لها على أثر..
و يرن الهاتف.
يرفع السماعة.
تجحظ عيناه ..
يصرخ:
" لا..لا.. أتركوها..لا دخل لها فيما فعلتُ.."
يضع السماعة مضطربا، و يخرج...
يدخل مكتب المدير دافعا الباب بعنف صارخا:
" جاكلين، جاكلين.. غاليتي.. أيها الوغد، أين زوجتي؟.."
يرجو البطل المدير ألا يمسها بأذى..
و تنار غرفة من خلف عازل زجاجي عريض فيرى زوجته تذرعها جيئة و ذهابا، كما لو أنها تبحث عن منفذ للخروج..
يضغط المدير على زر فينطلق تيار كهربائي خفيف من تحت قدمي الزوجة التي تأخذ تتقافز في مكانها صارخة رعبا..
يصرخ البطل:
" لا،لا.. الرحمة.."
يعلق المدير:
" أ لم أقل لك إنك ستعرف نوع العقاب في حينه..ها أنت تراه الآن.."
" أرجوك، لا دخل لزوجتي في ما ارتكبته من أخطاء.."
..

الأستاذ القاص المبدع عبد الحميد الغرباوي

الحقيقة ياأستاذنا أنت ككاتب محترف تملكت أدواتك وطوعت أسلوبك ليخدم فكرتك واستطعت دون ريب التحكم في القارىء بحيث يظلل مشدوها مشدودا للقصة لايستطيع تركها حتى ينتهي منها ... كما أن القصة عندك تدعو القارىء للتفكير والتأمل واستخلاص العبر.. فهي ليست مجرد حكاية مسلية بل هي رسالة لها أهداف وجدانية وفكرية .... تقبل تحياتي

لكن ..... هو البطل كان قاعد في مباحث أمن الدولة ... كهربا وصراخ وعويل ... ربنا يستر :laugh:

عبد الحميد الغرباوي
29/03/2007, 10:24 PM
في ظني أن هناك شيئا ينقص القصة، وهوالحدث أو بمعنى آخر، الحدث المفيد في القصة، أين هو؟
ليس هناك حدث في القصة تتمركز حوله الحوادث، لو كانت بعض أحداث الفلم، هي الأحداث لكان هناك كلام آخر، ولكن الفلم يبقى فيلما ختى في تصورنا ونحن نقرأ.....!
أخي عبد الرحمن الجميعان،
الحدث هو تلك العلاقة غير المتناغمة أو غير المنسجمة بين المشاهد و أحداث الفيلم..هو ذلك التقابل..
هي أيضا التفاصيل الصغيرة المؤثتة للنص.. ردود فعل المشاهد، معايشته للفيلم، تدخينه المتتالي، في الوقت الذي يصارع البطل في الفيلم الرغبة في التدخين.. ثم النهاية: خروج بطل الفيلم من محنته منتصرا، معافى من الإدمان، و حياد المشاهد و لامبالاته بالرسالة الصحية التي يحملها الفيلم..
و في الختام يبقى الحدث حدثا،و في ظني ليس هناك حدث مفيد و حدث غير مفيد..حدث و كفى..
شكرا لك أخي لإثارة موضوع بغاية الأهمية في القصة القصيرة.
مودتي

محمد فاهي
30/03/2007, 09:23 PM
المنفضة تكاد تفيض بأعقاب السجائر
وتكاد القصة تفيض بخطوات عبد الصادق،الذي يعبر في صمت.
في الوقت الذي تضج فيه القصة بالمرئي،تحفل بشعرية اللامرئي.
وها هنا أسئلة للتداول:
ادمان السجائر؟المشاهدة؟
ام هي الحياة ودقات قلب؟
تحولات المجاز والحقيقة،الرائي والمرئي.
شيئا فشيئا،أصير مدمنا للنص...
تحياتي الأخوية.

.

سعيد أبو نعسة
31/03/2007, 12:42 AM
أستاذنا الكبير عبد الحميد الغرباوي

استخلاص الحدث الرئيس من خلال المقابلة بين مشهدين منفصلين أسلوب في السرد القصصي مألوف ولا غبار عليه وهو يترك للقارئ مساحة من التفاعل مع النص و المشاركة في صياغته و استنتاج أوجه الشبه و العلاقات الإنسانية التي تظل المعين الأغزر و الهدف الأسمى في آن معا .
ولكن يبقى سؤال : هل تحتمل القصة القصيرة هذا الإطناب في سرد التفاصيل التي يعرفها القارئ مسبقا و التي تعتبر حشوا كهذا المقطع
( انتظر ظهور الصورة التي أخذت تملأ عرض الشاشة قليلا قليلا،إلى أن بدت كاملة و واضحة...)
كذلك وصف رماد اللفافة ونفضها في المنفضة .
كما إن الحوار قد استطال بما لا يتناسب و القصة القصيرة حيث وضعنا أمام مشهد مسرحي
أمور تناسب الرواية أكثر من ملاءمتها القصة القصيرة
دمت في خير و عطاء

عبد الحميد الغرباوي
31/03/2007, 02:47 AM
أعتذر للأخت عبلة زقزوق، وللأخوين ثروة الخرباوي و محمد فاهي، و ليسمحوا لي بأن أؤجل الرد على تعليقاتهم حتى يتسنى لي الرد على تعليق الأديب سعيد أبي نعسة في حينه، فالرد عليه لا يحتمل الانتظار..

الأديب أبو نعسة، شكرا لأنك تفاعلت مع النص، وجشمت نفسك عناء قراءته قراءة "متأنية فاحصة".
صرحتُ في مكان آخر من المنتدى، قائلا: إن من عادتي ألا أدافع عن نص خرج من بين يدي، لأنه يصير حينذاك في ملك الآخر/ القارئ..
و بما أنك طرحت علي أسئلة مباشرة، في غاية الأهمية، خاصة و نحن في ساحة القصة القصيرة فسأجيبك.
ـ هل تحتمل القصة القصيرة هذا الإطناب في سرد التفاصيل التي يعرفها القارئ مسبقا و التي تعتبر حشوا كهذا المقطع ( انتظر ظهور الصورة التي أخذت تملأ عرض الشاشة قليلا قليلا،إلى أن بدت كاملة و واضحة...)
كذلك وصف رماد اللفافة ونفضها في المنفضة .
ـ في القصة القصيرة،أحيانا،يكون سرد التفاصيل الصغيرة، هو الموضوع، هو الحدث حتى..لكن هنا في هذا النص،ما أسميته بالإطناب في التفاصيل لم يكن سوى وسيلة فنية جمالية لخدمة تسلسل الأحداث. يبدو أخي أنك لم تتمعن في الجملة التي سبقتها، إنه تلفاز هرم، و كلمة (هرم) تعني أنه من النوع القديم جدا و الذي تحتاج معه الصورة وقتا كي تظهر كاملة ..ما علينا، نقلت النص إلى الوورد، و حذفت عبارة: ( انتظر ظهور الصورة التي أخذت تملأ عرض الشاشة قليلا قليلا،إلى أن بدت كاملة و واضحة...)
عند حذفها، بدا لي وصف التلفاز بالهرم، وصفا هجينا..
إذن، كي لا أنعت بالإطناب في سرد التفاصيل، علي أيضا، أن أحذف (الهرم).. لتصير الجملة هكذا:
شغل عبد الصادق التلفاز.
هل هذه الجملة كافية ليستنتج القارئ التفاصيل و التي حسب قولك يعرفها مسبقا؟..
كيف سيعرف أنه من النوع القديم؟.. الا يمكن أن يتصوره في هذه الحالة ، من النوع الرفيع: (بلازما أو LCD)..
ـ .. كذلك وصف رماد اللفافة ونفضها في المنفضة .
مرة ثانية، أقول لك إنك يا أخي لم تتمعن كفاية في تسلسل الأحداث..
نفْض اللفافة في المنفضة، جملة وردت مرة واحدة في النص، و في سياق العبارة أو الفقرة التالية: (تنبه عبد الصادق إلى السيجارة بين إصبعيه كان الرماد الذي يعتلي رأسها طويلا و هشا..
ضربت سبابته فوقها ضربة خفيفة فسقط الرماد داخل الصحن المعدني الصغير..)
و الفقرة برمتها، تقنية، كما سبق أن قلت، اعتمدتها لأتوقف عن سرد أحداث الفيلم و العودة بالقارئ إلى عبد الصادق. وصف رماد اللفافة ونفضها في المنفضة، نتيجة منطقية لما سبقها، هل تريدني أن أتوقف عند(..يعتلي رأسها طويلا هشا..)؟.. لا تقل لي إن القارئ يعرف مسبقا ما سيقع للرماد، أو ما سيفعله عبد الصادق بالرماد؟.. لأن في هذه الحالة الاحتمالات كثيرة، و أنا هدفي من النص ليس الرماد، و لا أريد القارئ أن يشغل فكره به..
أما عن الحوار، فاسمح لي أخي مرة ثالثة، الحوار تقنية معتمدة في القصة القصيرة، و بشكل كبير، راجع كل الدراسات التي تناولت القصة القصيرة لتتأكد من ذلك..و كونه استطال في النص موضوع حديثنا فلأن تسلسل الأحداث يفرضه و هو على كل حال، ليس بالطويل الطويل كما بدا لك..
(..حيث وضعنا أمام مشهد مسرحي)
يا أخي، القارئ، يعرف أن الحوار يدور داخل شريط سينمائي، و ليس في عرض مسرحي..
أخي أبو نعسة، إحساسي يهمس لي أنك قرأت نص " مدمن" و علقت عليه بعين و عقلية و نفسية كاتب قصة قصيرة جدا..و كل ما جاء في سياق تعليقك من ملاحظات يخدم نصا قصصيا قصيرا جدا.
تذكر أنك كنت تطالع قصة قصيرة، لكاتب يعرف جيدا ماذا تعني قصة قصيرة.
مودتي، و دمت للقصة القصيرة جدا، جدا..

عبد الحميد الغرباوي
31/03/2007, 03:19 PM
إزدواجية الإدمان كانت في "التدخين ومشاهدة الأفلام"
ولست أدري أي منهما سبب في وجود الآخر ؟
ولكن على ما أظن أنهما منفصلان اجتمعا في لحظة معينة هي لحظة ضياع وتضييع للوقت وذلك بالبحث عن شئ مثير يجدد الحياة فتتلهى الرؤيا بالمتابعة والفم بتعاقب أعواد السجائر فتكون الحصيلة دون تحصيل يذكر .
وبهذا يضيع وقتنا ونندم وقت لا ندم وذلك عندما نفقد الصحة وكذلك المعرفة الحقبقه بعدم متابعتنا لما هو مفيد ومثري .
عبلة محمد زقزوق
فهم صحيح لما رمى إليه النص.
أختي عبلة، شكرا لتفاعلك مع القصة.

عبد الحميد الغرباوي
31/03/2007, 07:48 PM
الحقيقة ياأستاذنا أنت ككاتب محترف تملكت أدواتك وطوعت أسلوبك ليخدم فكرتك واستطعت دون ريب التحكم في القارىء بحيث يظلل مشدوها مشدودا للقصة لايستطيع تركها حتى ينتهي منها ... كما أن القصة عندك تدعو القارىء للتفكير والتأمل واستخلاص العبر.. فهي ليست مجرد حكاية مسلية بل هي رسالة لها أهداف وجدانية وفكرية .... تقبل تحياتي
هل ثروة الخرباوي، هو صاحب هذا التعليق؟.. على كل، إن كان للعزيز الخرباوي، فهو يشرفني، أنا في حاجة إلى تشريفات و الله أخي ثروة..و ما زلت أسأل..الخرباوي يكتب بهذه الجدية؟..معقول؟..

لكن ..... هو البطل كان قاعد في مباحث أمن الدولة ... كهربا وصراخ وعويل ... ربنا يستر :laugh:
و الله هو الخرباوي ثروة الجمعية التي لا تنضب من الضحك و السخرية الهادفة..
سلم يراعك أيها الحبيب.
مودتي

حسام الدين نوالي
31/03/2007, 09:33 PM
يا عبد الحميد المدمن أنا والسجائر قصصك..
وبعد،
تحية طيبة..، ولندخل للنص، فضع يدك في يدي ولنتجول...
الحكاية هنا مسافة شريط، ما الذي يحدث أثناءها؟ لا شيء .. فقط هناك عبد الصادق يدخن. والعنوان في رأس الصفحة "مدمن"..
داخل النص علامات مرور أساسية.. هناك شخصيتان مركزيتان: البطل و عبد الصادق، من منهما البطل؟.. قد لا نجزم.
السارد اشتغل سينمائيا من حيث المونتاج وانتقال الكاميرا، فيما الإضاءة بقيت على حالها منذ لمسة مخرج الفيلم..
المشترك الأساس بين الفيلم والواقع "سجائر"، فيما الصراع الدرامي ظل يتنامى على الشاشة فقط.
وعلى مستوى الشكل هناك تنضيد مرتب من حيث العودة إلى السطر حينا ، وإضافة عبارة معلومة بالضرورة "ما أسماه الكاتب سعيد أبو نعسة :الإطناب"، أو التقزيم حينا آخر..
وأشياء أخرى..
لكن دعنا نتوقف قليلا..

في عالم صار يتسارع نحو تحول ذهني وثقافي عام، صار التنميط الشامل للانسان الكوني سمة أساسية لعصرنا، وبالتالي فالتسطيح وجهتنا العالمية المفروضة بأحكام تجارية، لننظر أنه في زمن ما كانت المؤسسات الاشهارية تضطر لتغيير خطاب الوصلات الاشهارية لتناسب ثقافات مختلفة، الآن ليس هناك أكثر من تغيير اللغة. ما الذي يعنيه هذا؟
إنه يعني أن الثقافة -وهي الملمح الجمعي الخاص- صارت تتقلص، ولا يعني هذا بالضرورة وصول العالم إلى الكونية، فالواقع يقول غير ذلك طبعا، هناك أكثر من نصف سكان الكرة لا يتواصلون مع العاللم بشكل جيد، هناك تجمعات لم يصلها الهاتف بعد، هناك دول تنخرها البطالة والجوع والفساد .. وأفرادها يتسابقون نحو امتلاك أجيال جديدة من الهاتف، وأشكال جديدة في اللباس وموضة الألوان وغير ذلك..
وعبد الصادق رجل منا.. أكاد أجزم أني أعرفه، وسأحيلكم على إقامته.. هذا وعد.
عبد الصادق يملك تلفازا هرما، يضيع علينا فرصة تسارع الحكي لأنه بطيئ العمل، التلفاز معبر للتواصل والتثاقف، لكن عبد الصادق يلتصق بقناة وحيدة لا يغيرها قناة لا تفضي إلا إلى عالم الاستخبار والبوليس والجرائم و "الأكشن" ، قد نظن أنه عالم الغرب وعالم أمريكا، لكننا سنجزم أنه أبعد وأبعد عن عالم عبد الصادق..
التداول المعلوماتي في العالم غير متكافئ، وتدفق السلع -بما فيها الثقافية- يظل من جانب واحد، لدرجة أن الجانب المستقبل ظل جانبا استهلاكيا سلبيا على جميع الأصعدة، ولنتأمل أن البطل يدخن بمقياس، فيما أن عبد الصادق يدخن وفقط.
في القصة نحن أمام عالمين، عالم متحرك متسارع ومتصارع هو عالم البطل، فيما عالم عبد الصادق خامل ثابت، ومن ثمة فهناك فجوة. الفجوة لا تخلقها المعطيات المنزّلة في النص فقط، بل تخلقها أيضا مسارات الانتظار، فالبطل يتحرك، يجدد الهواء على الأقل، فيما صاحبنا يعفّن الغرفة ويتعفن...
لعبد الصادق ثلاث حركات على الأكثر: حركة بصرية مستقبلة، وحركة اليد نحو الفم فيما يشبه الأكل، ثم حركو الإخراج ونثر الرماد.. فهو يشبه من إذن؟
هو مفرد في القصة لكن "مزدحم بالملايين" بتعبير سميح القاسم.
يقيم في شارع يسير طولا باتجاه التاريخ.
هذا ومض من خطاب القصة.
وعلى مستوى المداخلات السابقة، فالعودة لبداية السطر تمنح وقتا قرائيا اطول من المتابعة على نفس السطر، إنه زمن بصري أولا، ونفسي ثانيا، وتكرره منح النص طولاربما أحس معه الكاتب "أبو نعسة" بإطناب، والواقع أن الجملة التي اختارها للتدليل على الاطناب ليست كذلك، بل هي اختيار موفق من الكاتب لمنح النص جوا معينا.
وبالنسبة لملاحظة الناقد "الجميعان"، فالنص حقا من غير نواة ، لكن هناك خطابا حكائيا وسردا في النص، ربما فقط هناك إضاءة مسلطة على عناصر أخرى بشكل أكبر، بل هناك تقلص كبير لحضور "البطل الذي هو عبد الصادق"، وربما أقرأ هذا شخصيا من خلال سلبيته وضموره و تقلص فاعليته.
وفي الختام هذه تحية إليكم جميعا.
مودتي

عبد الحميد الغرباوي
05/04/2007, 10:39 PM
المنفضة تكاد تفيض بأعقاب السجائر
وتكاد القصة تفيض بخطوات عبد الصادق،الذي يعبر في صمت.
في الوقت الذي تضج فيه القصة بالمرئي،تحفل بشعرية اللامرئي.
وها هنا أسئلة للتداول:
ادمان السجائر؟المشاهدة؟
ام هي الحياة ودقات قلب؟
تحولات المجاز والحقيقة،الرائي والمرئي.
شيئا فشيئا،أصير مدمنا للنص...
تحياتي الأخوية.محمد فاهي
قراءة مقتضبة لكنها استوفت النص حقه.
مودتي أخي فاهي

عبد الحميد الغرباوي
05/04/2007, 10:39 PM
المنفضة تكاد تفيض بأعقاب السجائر
وتكاد القصة تفيض بخطوات عبد الصادق،الذي يعبر في صمت.
في الوقت الذي تضج فيه القصة بالمرئي،تحفل بشعرية اللامرئي.
وها هنا أسئلة للتداول:
ادمان السجائر؟المشاهدة؟
ام هي الحياة ودقات قلب؟
تحولات المجاز والحقيقة،الرائي والمرئي.
شيئا فشيئا،أصير مدمنا للنص...
تحياتي الأخوية.محمد فاهي
قراءة مقتضبة لكنها استوفت النص حقه.
مودتي أخي فاهي

عبد الحميد الغرباوي
08/04/2007, 06:29 PM
داخل النص علامات مرور أساسية.. هناك شخصيتان مركزيتان: البطل و عبد الصادق، من منهما البطل؟.. قد لا نجزم.
***
السارد اشتغل سينمائيا من حيث المونتاج وانتقال الكاميرا، فيما الإضاءة بقيت على حالها منذ لمسة مخرج الفيلم..
المشترك الأساس بين الفيلم والواقع "سجائر"، فيما الصراع الدرامي ظل يتنامى على الشاشة فقط.
***
في القصة نحن أمام عالمين، عالم متحرك متسارع ومتصارع هو عالم البطل، فيما عالم عبد الصادق خامل ثابت، ومن ثمة فهناك فجوة. الفجوة لا تخلقها المعطيات المنزّلة في النص فقط، بل تخلقها أيضا مسارات الانتظار، فالبطل يتحرك، يجدد الهواء على الأقل، فيما صاحبنا يعفّن الغرفة ويتعفن...
***
وعلى مستوى الشكل هناك تنضيد مرتب من حيث العودة إلى السطر حينا ، وإضافة عبارة معلومة بالضرورة ..
***
وعبد الصادق رجل منا.. أكاد أجزم أني أعرفه، وسأحيلكم على إقامته.. هذا وعد.
***
لعبد الصادق ثلاث حركات على الأكثر: حركة بصرية مستقبلة، وحركة اليد نحو الفم فيما يشبه الأكل، ثم حركة الإخراج ونثر الرماد.. فهو يشبه من إذن؟
هو مفرد في القصة لكن "مزدحم بالملايين" بتعبير سميح القاسم.
يقيم في شارع يسير طولا باتجاه التاريخ.
ـــ
أخي حسام الدين نوالي،
هذا ومض من قراءتك العاشقة و تفاعلك مع خطاب القصة.
مودتي