المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحجار على رقعة الشطرنج : (13 . الحرب العالمية الثانية ) .



فتحي الحمود
03/12/2010, 03:14 AM
13 . الحرب العالمية الثانية
الأحداث التي قادت إلى الحرب العالمية الثانية:
بينما فيما سبق، كيف مهد المرابون الدوليون لاعادة تسليح ألمانيا سريا بمساعدة ستالين، وذلك رغم القيود التي فرضت عليها في معاهدة فرساي.. ولكي ندرك الأسباب التي ساعدت علي ظهور هتلر، يجب أن نلم بالمؤامرات السياسية التي حيكت في الفترة التي ما بين 1924 ـ 1934م.
إذا استثنينا الشيوعيين الألمان، نجد أن أكثرية الشعب الألماني كانت تنفق علي الأمور التالية: أن ألمانيا لم تكن لتنهزم في الحرب العالمية الأولي، لولا الخيانة التي جعلتها ضحية الحرب.. وأن الممولين الدوليين هم الذين استعملوا ما يسمي بالديمقراطية في كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لفرض الهزيمة علي القوات المسلحة الألمانية.. وأن الحزب الشيوعي بقيادة اليهود وبمساعدة الممولين الدوليين، هو السبب في خلق حالة الفوضى التي سبقت توقيع الهدنة، وفي قيام الثورة بعدها.
واتفق الجميع أن علي كل وطنيّ ألماني، ذكرا كان أم أنثي، أن يعمل أقصي جهده لبناء ألمانيا بعد الحرب، ولتحطيم الأغلال الاقتصادية والعسكرية التي فرضتها معاهدة فرساي علي أمتهم.
وإذا استثنيا الشيوعيين مرة أخرى، نجد أن أكثرية الزعماء السياسيين الألمان كانوا يتفقون علي وجوب تحرير أنفسهم من الاتفاقيات الاقتصادية، المفروضة علي أمتهم من قبل الممولين والمرابين الدوليين.. لقد أدرك الزعماء الألمان خطر هذه الاتفاقيات علي استقلال البلاد، لأن الفوائد المفروضة علي القروض المالية بموجب هذه الاتفاقيات ستؤدي حتما غلي وقوع البلاد في برائن دائنيها، تماما كما وقعت بريطانيا عام 1694، وفرنسا عام 1790، والولايات المتحدة عام 1791 فرائس في أيدي المرابين العالميين.. وعلم الجميع أن مثل هذه القروض ستكون دينا واستبعادا لكل أفراد الشعب، لأن تسديدها لن يكون إلا بفرض مزيد من الضرائب، يدفعها المواطنون جميعا.
عندئذ، صمم قادة الحزب الفاشي علي خلق عملة ألمانية لا تستند إلي القروض، بل تعتمد علي الدخل القومي والممتلكات الوطنية، وعلي موارد الصناعة والزراعة والثروات الطبيعية، وعلي الطاقة الإنتاجية للأمة.. ووجد الشعب الألماني بصورة عامة، أنه يشارك شعوب إيطاليا وأسبانيا واليابان آمالهم وأمانيهم في المستقبل السياسي والاقتصادي لهذه البلدان، فظهر حلف المحور إلي الوجود، وبدأت الحركة الفاشية التي تزعمها هتلر وموسوليني وفرانكو.
وينقل لنا التاريخ الجهود الضخمة التي بذلها هؤلاء الثلاثة لإعادة بناء بلادهم، والنهوض بها من الأزمات والثورات والحروب التي وقعت فيها.. فلقد طوروا الصناعة والزراعة بشكل يشبه المعجزات.. أما نجاح عملية إعادة البناء العسكري، فيعود إلي المساعدة التي قدمها عملاء النورانيين الذين كانوا يخططون لإيقاع البلاد الفاشية والبلاد الرأسمالية في حرب عالمية أخري.
أيّد كل من هتلر وموسوليني السياسة الفاشية المعتدلة بادئ الأمر، وقررا إصلاح الفساد وتطهير البلاد من الشيوعية، وتخليصها من تحكم النورانيين علي صناعتها واقتصادها بشكل عام.. ولكن ما إن تقدم الوقت، حتى وقعا معا تحت تأثير لوردات الحرب النازيين، الذين ادعوا أن سلاما دائما لا يمكن أن يستتب في العالم، إلا عن طريق الاحتلال العسكري.
وهكذا بيعت القيادة العسكرية العليا في إيطاليا واليابان لمؤيدي مخطط ونظريات كارل ريتر التي نشرها عام 1849.. أما فرانكو فلم يقبل أن يبقي ضمن المخطط، لأن معتقداته الدينية وإيمانه جعلاه يؤمن بأن كل أيديولوجية تنكر وجود الله هي في صف الشيطان وتعمل معه.
وبالإضافة إلي احتلال فرنسا وبريطانيا، خطط النازيون لإبادة اليهود في هذين البلدين كما أبادوهم في البلدان الأوروبية.. وشمل المخطط تصفية الممولين الدوليين وكبار الرأسماليين والاستيلاء علي أموالهم وممتلكاتهم.
وفي الوقت الذي كان هتلر ما يزال يعاني عذاب السجن قبل عام 1934، لأنه كان يعتبر العدو اللدود للوردات الحرب النازيين والممولين الدوليين، كتب كتابة "كفاحي Mein Kampf"، حيث يقول في الصفحة الأخيرة: "وبهذا يقف الحزب الاشتراكي الوطني موقفا إيجابيا من المسيحية، ولكنه لا يترك أمور العقيدة لجماعة من المحترفين.. ومن جهة أخري يحارب الروح المادية اليهودية المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس الآخرين".
وكان هتلر قد أعلن سياسته بالنسبة لبريطانيا قبل ذلك في عام 1933، مشيرا إلي أن ماركس وستالين ولينين قد أكدوا مرارا أنه قبل أن تتوصل الشيوعية العالمية إلي هدفها الأخير، يجب عليها أن تدمر بريطانيا وإمبراطوريتها.. وقال هتلر في معرض حديثة في ذلك الوقت: "إنى علي استعداد للدفاع عن الإمبراطورية البريطانية بالقوة إذا دعت الحاجة".
أما عن معاهدة فرساي، فقد كتب هتلر يقول: "إنها لم تكن لمصلحة بريطانيا، ولكنها كانت أولا وأخيرا في صالح اليهود لتدمير ألمانيا".. وكتب أيضا: "وحتى في بريطانيا نفسها، هناك صراع دائم بين ممثلي المصلح البريطانية ومصالح الديكتاتورية اليهودية العالمية.. وفيما تعمل بريطانيا جاهدة لأخذ مكانتها في العالم، نجد أن اليهود في داخلتها يشكلون لها المتاعب والمشاكل، لذلك سيبدأ الكفاح ضد الخطر اليهودي العالمي في بريطانيا، في نفس الوقت الذي يبدأ في غيرها من البلدان".
ولم يغير هتلر رأيه الشخصي بشأن التحالف مع بريطانيا أبدا.. لقد كان يعلم أن بقاء ألمانيا كقوة كبري يعتمد علي التحالف مع الإمبراطورية البريطانية.. لذلك بدأ الإعداد لحملة التحالف عام 1936، فرتّب محادثات غير رسمية بين الدبلوماسيين البريطانيين والألمان.. ولما فشلت المحادثات في تكوين التحالف الذي كان يسعى جهده لتحقيقه، قال: "تهون كل التضحيات في سبيل التحالف مع بريطانيا.. هذا التحالف يجلب التأييد لمستعمراتنا، ويجعل إلي جانبنا قوة بحرية عظيمة، كما يوفر علينا الدخول في منافسة مع الصناعة البريطانية".
وقد أدي هذا الفشل في التحالف مع بريطانيا، إلي أضعاف معارضة "الإيديولوجية التوتاليتارية" التي كان ينادي بها المتطرفون من لوردات الحرب النازيين.. واقتنع هتلر، بعد فشل المحادثات، أنّه لا يمكن للسياسة المعتدلة أن توقف سيطرة المرابين الدوليين علي سياسة بريطانيا الخارجية.. وهكذا اضطر هتلر للاعتراف بصدق كارل ريتر عندما قال: "لكي يعود السلام وتعود الحرية الاقتصادية إلي العالم، يجب أولا القضاء علي الممولين اليهود، وعلي جميع أعضاء الحركة الثورية العالمية، الذين يوجهون الشيوعية ويسيطرون عليها".
***
في المحادثات التي جرت بين بريطانيا وألمانيا في كانون الثاني من عام 1936، مثل الأولى اللورد لندندري، ومثل الثانية غورنغ وهتلر نفسه.. في هذه المحادثات، شرح الهر غورنغ تفاصيل وتاريخ الحركة الثورية العالمية كما فصلها البروفيسور كارل ريتر وغيره.. ثم حاولا إقناعه بضرورة استعمال الحرب الشاملة في وجه مثل هذه العقلية الديكتاتورية.. وفصلا له الخطة الألمانية التي تقضي باحتلال جميع الدول الشيوعية وتحرير شعوبها وإعدام جميع الخونة فيها.. وأوضحا له أن الطريق الوحيد لمحو الشيوعية هو بإفناء الشعب اليهودي برمته.. وقدّما له الوثائق التي تبرهن عن ارتباط الشيوعية بكبار أغنياء اليهود، الذين يوجهون حركتها ويمولونها، كما يوجهون ويمولون في نفس الوقت الصهيونية السياسية، للوصول إلي هدفهم السري المنشود وهو التحضير للعهد الذي سيرجع مسيحهم المنقذ إلي الأرض.
ويقال أن هتلر وعد بالوقوف في وجه الخطط المتطرفة للوردات الحرب النازين، كما وعد بتحديد نشاطه ضد الشيوعية داخل القارة الأوروبية فقط، شرط أن تدخل بريطانيا في حلف مع ألمانيا.. ولكن اللورد لندندري أبدي شكّه في أن تشارك الحكومة البريطانية في خطة تقضي بإفناء الشيوعية، وأنها ستعتبرها عملية إفناء بشرية.. عندئذ عرض هتلر حلا وسطا.. قال إن المانيا ستقوم وحدها بهذه المهمة، شرط أن تدخل بريطانيا معها في اتفاقية بألا تقوم حرب بين البلدين لمدة عشر سنوات مهما كانت الظروف.. وأوضح هتلر أن الطريق الوحيد لاستقلال بريطانيا وفرنسا وروسيا هو بالاستقلال الاقتصادي، وأن علي هذه البلدان أن تنفض عن كاهلها تلك الديون الباهظة، وتتسلم زمام اقتصادها بذاتها، حتى يعود الاقتصاد العالمي إلي حالته الطبيعية.. ثم بين أن الهدف الذي يسعى إليه حزبه الاشتراكي الوطني، هو أن يضع حلا جذريا مباشرا لنفوذ المرابين وسيطرتهم علي الشؤون الوطنية الداخلية والعالمية.. ويقال إنه استشهد بقول بنجامين ديزرائيلي، علي لسان أحد شخصياته في كتابه المشهور "Coningsby": "وهكذا تري يا عزيزي كوننغسي، أن الذين يحكمون العالم هم أشخاص مختلفون جدا عمن يتخيلهم أولئك الذين يجهلون ما يدور وراء الستار".
وهنا دعم غورنغ رأي هتلر، مشيرا إلي أن التاريخ يبين كيف استطاع اليهود الأغنياء وذوو النفوذ أن يتحكموا باقتصاد وسياسة الدول التي تمكنوا من التسرب إليها.. وقد حققوا ذلك بوسائل غير مشروعة وطرق فاسدة ومفسدة.. عندئذ استشهد الهر فون ربنتروب بما حدث في كندا، عندما كان اللورد لندندري نفسه فيها.. لقد بين له أن لجنة ستيفن الملكية التي حققت في قضية الجمارك الكندية، وجدت أن البلاد تعاني من سرقة مبلغ مئة مليون دولار سنويا.. هذه السرقة تنظيمها حركة عالمية تتغلغل في البلاد وتنشر الفساد والرذيلة، "فتكبل" العديد من المسؤولين ورجال الحكومة، بإيقاعهم في الرشوة والرذيلة.. وأضاف ربنتروب أن حالة الولايات المتحدة هي أسوأ عشرات المرات من كندا، وأنه للقضاء علي هذا الخطر، يجب التخلص من الثلاثمئة رجل الذين يشكلون العقول المدبرة التي توجه العناصر السلبية والمجرمة لتحقيق وتنفيذ خطتهم بعيدة المدى، وهي السيطرة علي العالم من خلال الحركة الثورية العالمية.
ويقال إن غورنغ ناقش بعد ذلك قضية تمويل المرابين العالميين للثورة الروسية عام 1917، مبينا النتيجة التي تمكّن هؤلاء من تحقيقها، وهي نشر العداوة والبغض الذي لم تره البشرية حتى ذلك الوقت.
ثم ذكّر هتلر مندوب بريطانيا اللورد لندندري، بالملايين من المسيحيين الذين ذبحوا بدون رحمة في البلدان الشيوعية منذ ثورة أكتوبر 1917، وأضاف أن المسئولين عن هذه المذابح لا يمكن اعتبارهم غير لصوص ومخربين عالميين.
وكانت آخر قضية ناقشها المجتمعون، قضية محاولة ستالين تحويل أسبانيا إلي ديكتاتورية شيوعية.. وهكذا تمت تعرية جميع بنود المؤامرة العالمية، من الطريقة السرية التي تمكنت بها ألمانيا من إعادة تسليح نفسها، إلي سيطرة محفل الشرق للماسونيين الأحرار علي فرنسا، إلي الطريقة التي دفعت بها بريطانيا إلي ترك التسليح، في نفس الوقت الذي كان أعداؤها الألداء يتسلحون علي أكمل وجه.. وتبين أن الألمان يرون استحالة استتباب الأمن، ما لم يتم القضاء علي الشيوعية والصهيونية، لأنهم كانوا يؤمنون بأن هاتين الحركتين كانتا تعدان لقيام حرب ثانية.
وفي النهاية اختتم هتلر المحادثات بطريقته الخطابية، متمنيا على اللورد لندندري أن يحاول إقناع حكومته بالدخول في الحلف المقترح مع ألمانيا.. وقال بالحرف الواحد: "لأنني مقتنع بأن الإمبراطورية البريطانية والكنيسة الكاثوليكية، كلاهما مؤسستان عالميتان، بقاؤهما ضروري لحفظ القانون والنظام العالمي في المستقبل.
***
إن هذا الأقوال عن هتلر قد تبدو غريبة عن الرأي العام، لذلك سنسوق الحقائق التاريخية التالية لدعمها:
عاد اللورد لندندري إلي لندن بعد المحادثات وقدم تقريرا إلي الحكومة البريطانية.. وفي 21 شباط 1936 أرسل رسالة إلي ربنتروب، قال في أحد مقاطعها: "لقد نسي هتلر وغورنغ، أننا قاسينا هنا في انكلترا من اجتياح الثورة لعدة قرون.. وبالنسبة لليهود، فإننا لا نحب الإفناء.. وبالاضافة إلي ذلك فإن شعورا ماديا بأنكم تحاولون السيطرة علي قوة عظيمة، بإمكانها الرد علي هذه المحاولة من أماكن تشمل الأرض بكاملها.. ويمكننا أن نتبع خطوات اليهود ومساهمتهم في إثارة الشغب في العالم، ولكننا في نفس الوقت سنجد أن بعضهم يقف موقف حازما في الطرف المقابل، مستعملا نفوذه وأمواله للوقوف في وجه النشاط الشرير والماكر الذي يقوم به إخوانهم".
ولما تأكد هتلر من فشل تحالف بريطانيا معه، أخذ يميل أكثر فأكثر نحو اليمين، لأنه اقتنع أنه يستحيل علي أي فرد، أو أي مجموعة من الأفراد، أو أي أمة بمفردها، أن تحطم نفوذ المرابين العالميين في الدول المسماة بالديمقراطية، وذلك لتحكمهم المالي بهذه الدول، ولإيقاعهم إياها تحت ديون طائلة.
وفي تموز 1936، اندلعت الحرب الأهلية في أسبانيا، وتبعها تقارب وتجاذب بين فرانكو وهتلر وموسوليني.. لقد أدي تصميم فرانكو علي الكفاح من أجل إخراج الشيوعيين من بلاده، لجعل هتلر يقوم بتحصين حدوده عسكريا، لأنه كان يرغب جدا بمعرفة ما إذا كان ستالين يقوم بأي محاولة لتوسيع حدوده علي حساب الدول الأوروبية الأخرى.. وكانت الصحافة المعادية لهتلر تصف كل خطوة يقوم بها "بالعدوان الفاشي".. أما هتلر فكان يبرر خطواته بأنها احترازية، وصرح بأن اهتمامه الأول ينصبّ علي منع ستالين من تأسيس منطقة نفوذ حول خط العرض أربعين في أوروبا.. ولو أنه سمح له بذلك لوقعت ألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية في الفخ، كما يقع الذباب في بيت العنكبوت.
***
بدأ النازيون بنشر الإيديولوجية الجرمانية الوثنية بين الشعب الألماني.. وتقضي هذه العقيدة بتفوق العرق الجرماني الذي يجب أن يخضع العالم بالقوة العسكرية وينشئ الدولة الجرمانية.. ومن مسلمات هذه العقيدة أن الطاعة لرئيس الدولة الجرمانية يجب أن تكون عمياء لا تناقش أبدا.
وهكذا بدأ الصراع بين المسيحيين المتدينين بشقيهم الكاثوليكي والبروتستانتي والدولة.. وهاجم رجال الدين النازية، معلنين أنها تعمل علي تحطيم الإنسانية.. فكان رد النازيين أن رجال الكنيسة يخالفون القانون ويتحدون السلطة.. عندئذ أعلن رجال الدين بأن النازية تعادي وتناقض الخطة الإلهية في خلق البشرية.. فاتهم النازيون الكنيسة بأنها تتدخل فيما لا يعينها من شؤون الدولة.
وأصدر هتلر قانونا صارما، حظر فيه علي رجال الدين انتقاد الأوضاع السائدة أو التعرض لقانون الدولة.. وهددهم بتنفيذ العقوبات بهم إذا أثبتت المحاكم مخالفتهم للقانون.
وننقل بعض ما جاء في المنشور الذي أمر البابا بيوس الحادي عشر بتوزيعه علي العالم المسيحي في الرابع عشر من آذار 1937، وعنوانه "حول ظروف الكنيسة في ألمانيا".. في هذا المنشور أخبر البابا جميع الكاثوليك أن ما سيأتي في كلامه عن النازيين هو عين الصدق.. وحول فكرة التفوق الجرماني، كتب يقول: "قد يكون هناك تفاوت وتباين بين الشعوب أو الحكومات أو ممثلي السلطات الأهلية وغيرها، وقد يتمتع البعض بمركز مرموق بسبب الاختلاف الفطري والذكاء البشري الطبيعي.. ولكن رفع هذه الفئات أو الشعوب أو المجموعات إلي مركز التفوق المثالي، فهذا تغيير للفطرة وتعدٍّ عليها، لأن الكمال لله، فهو الخالق والمدير وليس لفرد أو جماعة أن يطالبوا بحق العبودية لأنفسهم.. ولا يقع في خطأ الايمان "بالوطن الإله" أو "بالوطن الدين"، إلا غبي يحاول تضييق قدرة الله بهذه الحدود الضيقة، وهو سبحانه الملك المشرع، الذي لا تقاس قدرة الأمم والشعوب إلي قدرته، إلا كما تقاس نقطة الماء إلى البحر".
هذا بالنسبة للكاثوليك.. أما البروتستانت، فقد واجهوا النازية بشجاعة، ونشروا رسالة في التاسع عشر من آب 1938، أكدوا فيها أن موقف النازيين من الدين المسيحي في ألمانيا هو "متناقض بصورة مكشوفة مع تأكيدات الفوهور".. وجاء فيها أيضا "إن ما يهدف إليه النازيون ليس كبت الكنيسة الكاثوليكية فقط أو الكنائس البروتستانتية، بل هو القضاء علي الفكرة المسيحية الحقيقية القائمة علي الاعتقاد بإله واحد واستبدالها بفكرة إله جرماني.. وماذا تعني هذه المحاولة لاستبدال الإله المسيحي بإله جرماني؟.. وما الذي تعنيه فكرة الإله الجرماني هذه؟.. أهو يختلف عن إله بقية الشعوب؟.. إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن لكل أمة إلهها الخاص بها.. والمعني الحقيقي لهذه الفكرة هو أنه ليس هناك إله علي الإطلاق".
***
توحدت القوي النازية السوداء أو القوي الشيوعية الحمراء في حربها ضد المسيحية، وضد الامبراطورية الرومانية.. وهذا الوضع المعقد هو الذي حدا برجال الكنيسة أن يقفوا ذلك الموقف القومي ضد النازية السوداء، في حين أنهم تركوا الخطر الأقل أهمية وهو الخطر الفاشي ـ الفكرة المعادية للشيوعية التي استعملها فرانكو.. وهذا الوضع هو الذي يشرح أسباب تحالف الكاردينال منذزنتي مع القادة الفاشيين للتخلص من السيطرة الشيوعية علي بلاده.
وفي ظل هذه الأوضاع، وجد الملايين من شعوب ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا واليابان، أنفسهم مضطرين إلي اختيار أحد طرفين.. إما موالاة الشيوعية، أو موالاة الفاشية.. ودلهم هوبسون علي الطريق، وهو أن يختاروا الأقل ضررا والأبعد عن الشيطان.
وهكذا نجحت المؤامرة الشيطانية في تهيئة الوضع لقيام الحرب العالمية الثانية، فالديكتاتورية الروسية كانت تعيد تسليح الألمان سرا.. والديكتاتورية الإيطالية بقيادة موسوليني كانت تبني سرا أسطولا من الغواصات للمهندسين والعلماء الألمان.. وقد جربت هذه الغواصات عمليا في الحرب الأهلية الأسبانية، حيث تم البرهان عام 1936 عن قوة هذه الغواصات ومناعتها ضد جميع الأسلحة البريطانية التي تستخدمها ضد الغواصات، لأن الغواصات الحديثة، صارت تغوص إلي عمق خمسمائة قدم تحت سطح البحر، وهي مسافة لم يكن أي سلاح في ذلك الوقت ليتمكن من الوصول إليها.. ولم يبق هذا الأمر سرا بالنسبة للحكومة البريطانية، بل تسربت إليها أخبار هذه الاستعدادات.. وبرهن الكابتن ماكس مارتون من البحرية الملكية البريطانية، بالتجربة العملية، إمكانية مهاجمة الأسطول البريطاني وهو رابض في موانئه، وذلك بأن استطاع أن يتفادى بغواصته جميع الأسلحة المضادة للغواصات، ويغرق نظريا اثنى عشر سفينة راسية في الميناء.. وبدلا من أن يتلقى الكابتن مارتن الثناء والتقدير من قادة الأسطول، نال سخطهم واستياءهم وتوقفت ترقيته ثم كتم صوته تماما.. وبقي علي هذه الحال، حتى عام 1940، عندما هددت الغواصات الألمانية الحديثة بريطانيا بالاستسلام أو الموت جوعا.. عندئذ طلب منه قيادة المعركة المضادة للغواصات في المحيط الأطلنطي.
ورغم التحذيرات المبكرة، لم يكن يرافق السفن البريطانية، عندما اندلعت الحرب، أي سلاح بحري للحماية.. وكانت النتيجة أن خسرت بريطانيا 75 بالمئة من أسطولها التجاري وأربعين ألف بحري، قبل أن تتمكن من إعادة دفة الحرب إلي جانبها عام 1943.
***
ونعود إلي ألمانيا، فنجد أن هتلر قد اتخذ خطوة معادية للمرابين الدوليين، وذلك بإعلانه للسياسة الاقتصادية المستقلة، وللإصلاح المالي.. وطلب من كل من اليابان وإيطاليا وأسبانيا أن تدعمه في تحديه لقوي الكارتل والاحتكارات التي كان يديرها الممولون الدوليون، وخصوا البنك الدولي الذي كان آخر نتاج لعقوبتهم المدبرة.. ونفذ الرايخ خطوته بالتخلص من الدكتور هانس مدير بنك الرايخ وعميل المرابين العالميين.. وقبل أن يقوم هتلر بهذه الخطوة الجريئة، لم يكن أحد ليتسطيع أن يحرك الدكتور هانس من منصبه، إلا إذا وافق هو علي ذلك ووافق أعضاء البنك الدولي بالإجماع.
وكان الممولون الدوليون قد أنشأوا منذ الحرب العالمية الأولى ستة وعشرين بنكا مركزيا، علي غرار البنوك الاحتياطية الفيدرالية التي أنشئت عام 1913 باشراف وتوجية المستر بول واربورغ، الذي جاء إلي أميركا عام 1907 ثم أصبح شريكا في مؤسسة كوهن ـ لوب وشركائهم في نيويورك.
وكانت نظرية واربورغ تقضي بانشاء "تنظيم مصرفي مركزي" ترجع إليه جميع السلطات علي هذه البسيطة.. ومن هنا، كان هتلر يدرك أنه إذا استطاع واربورغ وأصحابة إنشاء البنك الدولي، فإنهم سيتمكنون من إنشاء بيروقراطية تتمكن من التدخل في جميع القضايا العالمية، تماما كما يتدخل بنك انكلترا في شؤونها الداخلية وسياستها الخارجية ((هذا واضح الآن بالفعل.. وانظروا لكلّ التنازلات المشينة التي تقدّمها مصر مقابل قروض البنك الدولي)).
وفي معرض حديثنا عن الحركة الاقتصادية في تيك المرحلة من التاريخ، سننقل ما جاء علي لسان الرئيس الأمريكي ثيودرو ولسن عام 1916، أي بعد ثلاث سنوات من بدء العمل بنظام بنوك الاحتياط الفيدرالية التي نظمها الصهيوني واربورغ.. يقول ولسن في حديثه عن الوضع الاقتصادي الأميركي: "تسيطر علي أمتنا الصناعية ـ كما هي الحال في جميع الدول الصناعية الكبري ـ أنظمة التسليف والقروض.. ويرجع مصدر هذه القروض إلي فئة قليلة من الناس، تسيطر بالتالي علي نماء الأمة، وتكون هي الفئة الحاكمة في البلاد.. ولهذا لم تعد الحكومات ـ حتى أشدها سيطرة وتنظيما وتحضرا ـ تعبر عن رأي الأكثرية التي تنتخبها، ولكنها في الحقيقة تعبر عن رأي ومصالح الفئة القليلة المسيطرة".
وهذه هي حقيقة ما يسميه العالم المتحضر اليوم بالديمقراطية.. ويشارك الرئيس الأمريكي فرانكان روزفلت رأي الرئيس ولسن، وذلك بما جاء علي لسانه عندما وقعت الأزمة ـ أو المأساة ـ الاقتصادية الكبرى في الثلاثينيات.. قال روزفلت يومها: "إن ستين عائلة أمريكية فقط هم الذين يتحكمون باقتصاد الأمة.. ويعاني ثلث الشعب الأمريكي من سوء المسكن والمأكل والملبس".. وقال أيضا: "إن عشرين بالمئة من العاملين في مشاريع W. P. A. هم في حالة يرثي لها من سوء التغذية، حتى إنهم لا يستطيعون العمل اليومي بكامله.. وإني مصمم علي إخراج رجال المصارف من برجهم العاجي".
ولكن روزفلت نفسه ما لبث أن تغّير.. لقد وجد نفسه يقود بلاده لتحارب نفس الدول التي وافقت على السياسة التي نادي بها عقب انتخابه مباشرة.. وبعد عمر طويل قضاه في خدمة الرأسماليين، مات روزفلت في بيت أغني وأقوي رجل في الولايات المتحدة، برنارد باروخ، الرجل الذي بقي أربعين عاما يسيطر علي البلاد من خلف الستار.. وإذا كان أحد القراء يشك في ما قلناه عن برنارد باروخ، فكيف يفسر زيارات رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل المتكررة لهذا الرجل؟.. وكيف يفسر صدور بيانات تشرشل التاريخية المؤيدة للصهيونية السياسية، مباشرة عقب زيارته لباروخ عام 1954؟
وهكذا أصبحت الديمقراطية كلمة يستعملها الحكام لخداع شعوبهم.. فهي تستخدم في البلاد الرأسمالية، حيث يسرح الممولون العالميون ويمرحون، متلاعبين بقيمة العملات فيها، بزيادة السيولة المالية أو إنقاصها حسب مشيئتهم ومصالحهم.. وتصبح الديمقراطية التي تسمي كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة نفسها بها، تعني ارتباط هذه البلدان مع الممولين الدوليين عن طريق الديون والقروض.. ومن جهة ثانية، تسمي البلدان الشيوعية نفسها بلدانا ديمقراطية لأنها تقع تحت سيطرة نفس المجموعة من المرابين والممولين العالميين.
ونري السير انتوني إيدن يعبر عن رأي الممولين، عندما وجه رسالة إذاعية إلي الشعب الأمريكي في الحادي عشر من أيلول 1939، يقول في أحد مقاطعها: "لقد آن لنا تخليص أوروبا من التعصب والأطماع وسيطرة الأهواء.. ويجب علينا أن نبني حضارتنا الجديدة من خلال عالم متحارب".. إنه العفن الفكري ليس إلا.. وهل الحروب للبناء أم للتدمير؟
ولقد حاول العديد من البريطانيين تجنيب بلادهم وحليفاتها الدخول في حرب ثانية مع ألمانيا.. ولم يتركوا مناسبة منذ عام 1930 إلا وعبروا فيها عن استيائهم من قيام حرب أخري.. ولكنهم كانوا جميعا يُنعتون بأنهم نازيون سود يعملون لمصلحة لوردات الحرب النازيين.. ومن البريطانيين الذين أعلنوا عن عدائهم للشيوعية وأبدوا الفاشية، السير اوزويلد موسلي.. وقد قام هو والعديد من رجال السياسة والجنرالات المتقاعدين بجهد صامت وجريء لتحذير أعضاء الحكومة من الوقوع فريسة المؤامرة العالمية.
وكانت الحركة المعادية للسامية قد بدأت في انكلترا منذ عام 1920، عندما عاد مارسدن إلي إنكلترا، وفي حوزته نسخة من الكتاب الذي ألفه البوفيسور سرجي نيلوس عام 1905 بعنوان "الخطر اليهودي".
وفيما كان مارسدن يترجم هذه الوثائق، تلقي تحذيرا بالموت إذا أصر علي نشر الكتاب.. ولكن مارسدن لم يخف من التحذير، فنشر الكتاب وسماه "بروتوكولات حكماء صهيون".. وبعد سنوات قليلة من نشر الكتاب مات مارسدن بالفعل كما جاء في التحذير وبظروف غامضة.
أدي نشر هذا الكتاب إلي ضجة كبري في إنكلترا، ومن ثم في العالم أجمع.. وعمد المرابون العالميون لتفادي هذه الفضيحة الدامغة التي كشفت أمرهم، إلي شن حملة دعائية معاكسة ضد مارسدن، متهمة إياه بالكذب وبعدائه الصريح للسامية.. ومن الأبحاث والدراسات التي قمت بها بنفسي أستطيع القول، بأن الوثائق التي جاءت في كتاب البروفيسور نيلوس "الخطر اليهودي" وفي كتاب مارسدن "بروتوكولات حكماء صهيون" هي نفسها الخطة النورانية طويلة الأمد، التي شرحها آمشيل روتشيلد لرفاقة في اجتماع فرانكفورت عام 1773.
ومما لا شك فيه أن الوثائق التي وقعت في أيدي البروفيسور نيلوس، كانت إشارات إضافية يمكن الاعتماد عليها في شرح الطريقة التي تم بها تنفيذ المخطط، وكيف تم استخدام الدارونية والماركسية والنيتشية [نسبة إلي نيتشه] منذ عام 1773.
ولا يستطيع قارئ هذه الوثائق ـ مهما كان مصدرها ـ أن ينكر أن تسلسل الأحداث العالمية جاء تعبيرا عن البرنامج الذي اقترحته الوثائق منذ عام 1773.. وسيدهش أكثر من هذا التنبؤ الدقيق الذي لم يخطئ أبدا.
يقول ماكس ناردو في خطابه في المؤتمر الصهيوني السادس الذي عقد في بازل في سويسرا عام 1903: "دعوني أخبركم الكلمات التالية، وكأني أصعد بكم درجات السلم درجة درجة.. المؤتمر الصهيوني.. مشروع أوغندا البريطانية.. الحرب العالمية المتوقعة.. مؤتمر السلام حيث يتم بمساعدة بريطانيا قيام دولة يهودية حرة في فلسطين".
وقد قرأ العديد من رجال السياسة والصحافة هذه الوثائق، فحملتهم علي البحث والتدقيق في القضايا العالمية.. ومن بين هؤلاء اللورد سيدنهام وهنري فورد.. وقد قام هذا الأخير بعد قراءة الوثائق بتأليف كتاب قيم، جاءت نهاية دراسته مطابقة للأبحاث التي قمت بها بنفسي.. وفي 17 شباط عام 1921 أجرت النيويورك وورلد مقابلة مع السيد هنري فورد، ونقلت عنه ما يلي: "إن أهم شيء أريد أن أقوله عن "البروتوكولات" هو أن ما جاء فيها يتطابق مع ما يجري اليوم.. لقد مضى علي ظهورها ستة عشر عاما، ومازالت تتوافق مع الوضع الدولي حتى الآن".. ((بل وحتّى الآن، بعد قرن من ظهورها!!!!!))
لقد مضي الآن علي عبارة فورد هذه اربع وثلاثون سنة، وهي ما تزال حتى الآن مطابقة للواقع الذي نعيشه.. وهذا كاف ليجعل كل منصف يعترف بأن هذه الوثائق لم تكن إلا نسخة أصلية للخطة التي يتم تنفيذها يوما بعد يوم، وأنها قد حققت معظم أغراضها.
وفي نهاية حديثنا عن "بروتوكولات حكماء صهيون"، يجدر بنا أن نذكر علاقة مؤلفة المستر مارسدن بالملك الانكليزي ادوارد الثامن، لما لهذه العلاقة من تأثير علي الملك نفسه، وعلي كشف بعض جوانب التآمر الذي حدث في انكلترا في ذلك الوقت.. لقد بقي مارسدن يعمل في جريدة المورننغ بوست من عام 1921 حتى عام 1927، فكسب العديد من الأصدقاء.. ولكنه في نفس الوقت كسب عداوة قوية من قبل المتآمرين.. وفي عام 1927 تم اختياره لمرافقة ولي العهد أمير ويلز في رحلة حول الامبراطورية.. وليس من المعقول أن يترك السيد مارسدن هذه المناسبة دون أن يطلع الأمير علي الوثائق وعلي المؤامرات التي يحيكها الممولون الدوليون الذين يخططون للشيوعية والصهيونية معا.. وهكذا عاد ولي العهد إلي بريطانيا وقد تغيرا كثيرا، ولم يعد ذلك "الأمير المرح المسرف"، بل أصبح رجلا جديا عميق التفكير.. إلا إن مارسدن ما أن وصل إلي بريطانيا حتى تغيرت صحته، ثم مات بعد أيام قليلة.. وهذا يذكرنا بما حدث لميرابو الذي مات مسموما، بعد أن أطلع الملك لويس علي الدوافع الحقيقية للثورة الفرنسية.
كان انقلاب ولي العهد بعد عودته من الرحلة عميقا شاملا، فقد أخذ يهتم بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وأخذ يزور مناجم الفحم ويتحدث مع العمال في بيوتهم، خارجا بذلك عن التقاليد الملكية.. ثم أخذ يعارض كل سياسة يعتقد أنها غير صالحا، مبديا راية بجرأة في جميع الأمور حتى السياسة الخارجية، متحديا بذلك "القوي الخفية"، وخصوصا عندما تم تتويجه في 20 كانون الثاني عام 1936.. وهكذا دخل ادوارد الثامن في صراع عنيف مع المسيرين الحقيقيين للسياسة البريطانية.. إلا أنه لم يصمد طويلا، لأن المرابين لم يتركوه لحظة دون أن يشهروا به، وخصوصا بعد مرافقته للمستر مارسدن.. فقد صوروه للناس علي أنه زير نساء وأنه يميل "لليمين"، وأن له علاقة بالسير أوزويلد موزللي المؤيد للحركة الفاشية.. ولكن هذا كله لم يؤثر علي سيرة الملك الجدية التي كان يعيشها، إلي أن عزم علي الزواج من سيدة أمريكية مطلقة تدعي "والي سيمبسون".. عندئذ تحركت أجهزة الدعاية اليسارية بكل قواها، مثيرة الرأي العام ضد هذه السيدة، وأصبحت هذه القضية الشغل الشاغل لانكلترا.. وهكذا حمل المستر بالدوين أوامر المرابين بشأن تنحية الملك عن عرشه.. وكان علي الملك اختيار أحد أمرين: إما التخلي عن العرش، أو التخلي عن زواجه من مس سيمبسون، فاختار الحل الذي يحفظ له كرامته ولا يجعله ألعوبة في أيدي خصومه، وتنحي عن العرش.

اندلاع الحرب العالمية الثانية:
بعد تنحي الملك أدوار الثامن عن العرش، قام عدد كبير من المثقفين والمفكرين البريطانيين ـ بما فيهم أعضاء البرلمان وقادة الجيش المتقاعدين ــ بحملة دعائية واسعة، محاولين إقناع الحكومة البريطانية بحقيقة المؤامرة التي يحيكها "المرابون العالميون".. ومن بين هؤلاء الكابتن رامزي والأدميرال السير باري دومفيل، الذين توصلا في عام 1938، إلي أن قادة اليهودية العالمية الذين يتزعمهم رجال المصارف والممولون اليهود العالميون، يستعملمون الأموال الكثيرة التي في حوزتهم لشراء المراكز الحساسة، بهدف خلق النزاعات بين الأمم، في خطة بعيدة المدى تهدف إلي الإعداد لمجيء مسيح اليهود لتخليصهم، وعندها ستتمكن الحكومة المركزية الموجودة في فلسطين من فرض الحكم الديكتاتوري علي جميع شعوب وأمم العالم.
وقد حاول الكابتن رامزي والأدميرال دومفيل جهدهما لمنع توريط بريطانيا في حرب مع ألمانيا، وبذل الكابتن رامزي جهدا كبيرا في سبيل إقناع المستر تشامبرلين ـ رئيس الوزراء البريطاني ـ بالخطر علي المصالح البريطانية، إذا حقق المتآمرون الدوليون خطتهم وورطوا بريطانيا في حرب مع ألمانيا.. ومع أنه لم يقنع رئيس الوزراء، إلا إنّه علي الأقل أثر فيه تأثيرا كافيا، جعله يصلح الأمور مع هتلر ويعود من ميونج وهو يلوح بمظلته المشهورة، وبورقة قال عنها إنها اتفاقية "تضمن السلام في وقتنا هذا".
بعد هذا الاعلان مباشرة، قامت الصحافة التي يسيطر عليها المرابون الدوليون بحملة حاقدة علي الفاشية، لاعنة تشامبرلين ومتهمة إياه بأنه "امرأة عجوز تحاول شراء السلام بأي ثمن"، وبأنه متضامن مع الفاشية.. وفي موسكو أحرق العملاء هناك تمثالا وهميا لتشامبرلين، في تظاهرة كبيرة في الساحة العامة.. لقد صورت هذه الصحافة، الفاشية الألمانية والإيطالية علي أنها عقائد إلحادية سوداء ذات أهداف توتاليتارية مطلقة.. وكان القليل من الناس من يفهم الفرق بين النازية والفاشية والشيوعية والاشتراكية.
ومما نعرفه عن بعض التفاصيل التي جرت خلف الستار، أن الكابتن رامزي وعد رئيس الوزراء البريطاني بتسليمه وثيقة تشهد بالمؤامرة علي المصالح البريطانية.. وكانت هذه الوثيقة عبارة عن رسائل سرية بالشفرة تبودلت بين ونستون تشرشل والرئيس الأميركي روزفلت.. ووعد رامزي بإحضار هذه الرسائل ليبرهن له عن عزم الممولين العالميين علي إشعال الحرب العالمية الثانية.
وكان الكابتن رامزي قد علم بهذه الرسائل السرية عن طريق "تايلر كنت" الضابط الأييركي المكلف ببثّ واستلام الرسائل في السفارة الأمريكية في لندن.. ولقد اتصل تايلر كنت بالكابتن رامزي، لأنه كان يعرف أنه يشك في "مؤامرة يهودية عالمية"، ويعلم أنه يحاول جهده لإيقاف الحرب.. ولما عرض رامزي أن ينقل هذه الوثائق إلي رئيس الوزراء، وافق كنت علي إحضار الوثائق إلي منزله في غلوستر بلندن.
في هذا الوقت كان المتآمرون العالميون يعملون بنشاط واسع.. في آذار 1939 تمكن هؤلاء من دافع تشامبرلين للتوقيع علي معاهدة لحماية البولنديين من العدوان الألماني، وذلك بإبراز إنذار مزور من ألمانيا للبولنديين.. والحقيقة أن ألمانيا لم ترسل هذا الإنذار، بل عرضت مشروعا مقبولا لحل سلميّ لمشكلة الممر البولندي ودانزنغ، التي سببتها معاهدة فرساي الجائرة.
ولكن بقيت المذكرة مهملة أشهرا عديدة، في حين كانت الصحافة المعادية لهتلر تشن عليه الحملات العنيفة المضادة.. وقد صورته هذه الصحافة رجلا لا يوثق به، فانطلت الكذبة علي الجميع، واستخدموا قول هتلر بعد احتلاله لسدتنلاند، وهو أنه لا يطلب أي شيء بعد ذلك، كمثال علي تعدّي هتلر علي جميع الاتفاقيات، كما تعدي علي معاهدة فرساي من قبل.. كما حولوا مذكرة هتلر السلمية التي وجهها إلي بولندا إلي مذكرة عدوانية، واعتمدوهما مثالا آخر علي نواياه التوسعية.
والحقيقة أن هتلر أعلن أنه لن يطلب أي شيء آخر بعد أن توصل إلي رفع الظلم الذي فرضته عليه معاهدة فرساي التي صاغها أعداء الإنسانية.. وكان هتلر صادقا في ذلك الوعد ولم يتقدم إلا إلى منطقة السدتنلاند وجزء من تشيكوسلوفوكيا والممر البولندي ودانزنغ، فلقد كانت معاهدة فرساي قد فصلت بروسيا عن بقية ألمانيا بإيجاد الممر البولندي.. أما دازنغ فهي مدينة ألمانية فصلتها المعاهدة وعزلتها عن بقية المناطق الألمانية.. وأما القسم المعروف اليوم بتشيكوسلوفاكيا، فقد كان يضم إليه قسما من الرعايا الألمان الذين عوملوا معاملة سيئة ونال منهم التشيكيون.. ولم يدخل هتلر النمسا إلا بعد أن طلب شعبها حمايته من العدوان الشيوعي، وهذا ما ينكره الجميع اليوم.
وبشكل عام، كانت الصحافة الغربية قد هيأت الشعوب هناك لنقف موقفا معاديا للألمان ولجميع الدول التي تؤيد سياستها كفرنسا وغيرها.
ولما حمل الشعب الألماني هتلر إلي مركز القيادة وقف تشرشل ليعلن ان هتلر ليس إلا "وحش وليد الكذب والخداع".. ولكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن هتلر كان يحاول مرة بعد مرة، الوصول إلي حل عادل لمشكلة الممر البولندي ودانزنغ، ولكن المرابين العالميين لم يسمحوا له بذلك، وذلك بايهام رئيس الوزراء البريطاني الستر تشامبرلين بأن هتلر قد أرسل مذكرة الإنذار.. وكان هذا الخداع والكذب هما اللذان جعلا المستر تشامبرلين ينصح مترددا الحكومة الملكية بإعلان الحرب علي ألمانيا.
***
قد يعتبر القارئ هذه الاتهامات التي أوجهها للمرابين العالميين غير صحيحة وبعيدة عن الحقيقة.. ولكن إذا حاول أن يجري مقارنة بين ما حدث قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى، وبين ما حدث قبيل وبعد الحرب العالمية الثانية لوجد تقاربا كبيرا في المخططات والنتائج.
لقد انتهت الحرب الكبرى بمعاهدة فرساي، التي لا يستطيع أحد أن يقول بأن قادة وزعماء مسيحيين حقيقيين يمكنهم أن يوقعوا معاهدة شبيهة بهذه المعاهدة الجائرة.. ولكنّ الحكاية أعيدت مرة ثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بتبني الحلفاء سياسة "الاستسلام غير المشروط"، وبتبني خطة "ستالين ـ وابت ـ مورغانتو" الاقتصادية، وبتقسيم ألمانيا إلي قسمين، وباختلاف الأزمة الفرنسية بعد الحرب، بالإضافة إلي تلك اللعبة الخطيرة التي لعبها الممولون الدوليون والقادة الديكتاتورية في كل من روسيا والصين بعد نهاية الحرب مع اليابان.
***
ولما تعب هتلر من انتظار الرد البولندي، ومن الحرب المشينة التي وجهتها ضده صحافة الحلفاء، أمر جيوشه بالتحرك نحو بولندا.. عندئذ أعلنت بريطانيا الحرب علي ألمانيا بموجب اتفاقيتها السباقة مع بولندا.. وهنا نستطيع تبين الجريمة الشنعاء التي ارتكبها المرابون العالميون وخططوا لها.. لقد وعدوا البولنديين بمساعدة بريطانيا وحمايتها مع أنهم يدركون تماما بأن بريطانيا عاجزة فعلا عن أي مساعدة جوية كانت أو برية أو بحرية.
وليس أدل من قول اللورد لوثيان ـ الذي كان سفير بريطانيا في الولايات المتحدة ـ حين صرح في آخر حديث له في مجلس العموم "لو أن مبدأ السيادة الذاتية تم تطبيقه لصالح ألمانيا وليس ضدها، لكان هذا يعني إعادة السدتنلاند وتشيكوسلوفاكيا وأجزاء من بولندا والممر البولندي ودانزنغ جميعا إلي الرايخ".
وقد امتنع الطيران الألماني عن قصف بريطانيا بالقنابل طيلة الشهر الأولي للحرب، وبصورة أدق طيلة فترة وجود تشامبرلين علي رأس الحكومة البريطانية.. وامتنعت بريطانيا عن الإغارة علي الأراضي الألمانية بدورها، وذلك تنفيذا لما قاله تشامبرلين يوم إعلان الحرب في 2 أيلول 1939، من أنه سيصدر أوامره إلي قواته بعدم ضرب أية أهداف سوي الأهداف العسكرية فقط.. وهذا يعني تفادي الغارات علي المدنيين والمدن الآمنة.
***
استمرت الحرب فترة من الزمن بعد انسحاب الإنكليز من دنكرك علي هذه الصورة الهادئة شبة السلمية، فالألمان يمتنعون عن الإغارة علي إنكلترا، والإنكليز لا يقومون بأعمال عدوانية.. وسميت هذه الفترة "بالحرب السخيفة".. عندئذ اشتدت حملة الدعاية والتشهير بتشامبرلين، في الوقت الذي كان ونستون تشرشل قد تسلم القيادة العليا للقوات البريطانية، فقام بمغامرة فاشلة في النرويج، أودت بحياة العديد من الجنود والضباط الإنكليز، وأعادت إلي الذاكرة فشل تشرشل في الانتورب عام 1914، وفشله في احتلال غاليبولي عام 1915.. ولا يعود هذا الفشل إلي عدم مقدرته العسكرية فقد كان شديد الذكاء والحنكة، ولكنه كان جزءا من مخطط يرمي إلي الإطاحة بحكومة تشامبرلين، كما أطيح بحكومة اسكويت إبان الحرب العالمية الأولى.. وهكذا لم يقع اللوم علي تشرشل في فشله هذا، بل كانت الحملة الدعائية كلها ضد تشامبرلين، حتى اضطر إلي الاستقالة ليخلفه ونستون تشرشل، أحد الوجوه التي خلفت اسكويت من قبل.
وفي أيار 1940 تحالف تشرشل مرة أخري مع الاشتراكيين، ليؤلف حكومة جديدة سيتم علي يدها تحويل الحرب من "حرب سخيفة" إلي حرب فعلية.. وفي مساء اليوم الذي صعد فيه ونستون تشرشل إلي الحكم في 11 أيار 1940، صدرت الأوامر إلي الطائرات البريطانية بالإغارة علي المدن الألمانية، فاتحة بذلك الباب للألمان كي يردوا بالمثل، فتتحول الحرب بعد ذلك إلي حرب تدميرية فعلية.. ومع أن هناك العديد من الذين دافعوا عن سياسة تشرشل في ضرب الأهداف المدنية، إلا إنهم لم يتمكنوا من تعليل هذه السياسة أبدا.
***
اتجه القادة النازيون إذ ذاك إلي هتلر شخصيا، وأبلغوه رأيهم بضرورة مهاجمة الاتحاد السوفياتي، تفاديا لترك ألمانيا مكشوفة الظهر حين تشرع في عملياتها الحربية واسعة النطاق.. فلم يرَ الفوهور بدا من الموافقة علي رأيهم.. وفي 22 حزيران 1941 اقتحمت الجيوش الألمانية الاتحاد السوفياتي.. عندئذ وبشكل مباشر، وحدت بريطانيا والولايات المتحدة جهودها المادية لمساعدة ستالين للوقوف بوجه القوات الألمانية ودحرها.. وبدأت حملة منظمة لإرسال السفن المحملة بالذخيرة الحربية إلي روسيا.. وقد تم إرسالها عن طريق الخليج العربي وموررمانسك.
وفي هذه الأثناء كان تشرشل يقوم بحملة اعتقالات واسعة لجميع الذين كانوا يعارضون قيام الحرب مع ألمانيا.. وقد اعتمد في هذه الاعتقالات علي مذكرة كانت قد صدرت إبان الحرب الأهلية في أيرلندا، وكانت تقضي باعتقال جميع من يشتبه بأنهم ينتمون إلي الجيش الجمهوري الايرلندي.. وهكذا تم اعتقال أعداد كبيرة من الشخصيات دون محاكمة أو استجواب، ودون أن يتمتعوا بحق الدفاع عن أنفسهم.. وقد صدرت أوامر الاعتقال هذه جميعا عن طريق هربرت موريسون وزير الداخلية في ذلك الوقت ـ وهو الذي يعود بعد ذلك ليظهر في كندا إبان حملة التبرعات لصالح الصهيونية عام 1954.. وقد علل هذه الحملة الواسعة من الاعتقالات، بأنها جاءت حفاظا علي السلامة العامة، وللتحكم بالأشخاص الذين يخشى شرهم.. ولقد أثبتت التحريات التي جرت بعد الحرب، أن هذه الاعتقالات لم يكن لها أي مبرر إطلاقا، وإنها اعتمدت علي حجج سخيفة جدا.
وكان من بين المعتقلين، الكابتن رامزي والأدميرال السير باري دومفيل وزوجتاهما وأصدقاؤها.. وقد سجنوا جميعا مع العديد من المواطنين، في سجن بريكستون.. فبقي بعضهم حتى أيلول 1944.
وكانت قد سبقت عملية الاعتقالات هذه، حملة واسعة قامت بها الصحافة التابعة للمرابين العالميين، لتهيئة الجو لتشرشل ليقوم بخطوته.. وقد أوهمت هذه الصحافة الجماهير بأن لألمانيا طابورا خامسا قويا ومنظما بين صفوف الإنكليز، وأن هذا الطابور يقوم بالإعدادات اللازمة لهبوط القوات الألمانية.
وهناك العديد من الشواهد التي تبرهن علي ارتباط حكومة تشرشل باليهودية العالمية، وهي التي اعتقلت بشكل جائر العديد من الشخصيات البارزة وذات المكانة عند الشعب الإنكليزي، لا لذنب، ولكن لأنهم نادوا بأعلى صوتهم معلنين أن "اليهودية العالمية" هي التي دفعت بريطانيا إلي التورط في الحرب مع ألمانيا.
ويرد علي مزاعم رجال حكومة تشرشل ما برهن عليه القضاء البريطاني وتحقيقات المخابرات البريطانية، إذ لم تثبت علي أي من المعتقلين علي الإطلاق تهمة التعاون مع الألمان التي لفقها عملاء المرابين العالميين.. وقد حاول هؤلاء تلفيق مثل هذه التهمة لزوجة الاميرال نيكولسون، أحد كبار قادة البحر البريطانيين السابقين، ولكن القضاء برأها، فعمدت حكومة تشرشل إلي اعتقالها دون أية تهمة، للانتقام منها علي مناداتها قبل الحرب بمنع نشوب مثل هذه الحرب.
ولم يُخمد السجن صوت الأميرال دومفيل ولا الكابتن رامزي، فكتب الأول كتابة الشهير "من أميرال البحار الناشئ"، كشف فيه عن سر الأحداث والجهات التي قادت إلي الحرب العالمية الثانية، وحذر منها الشعب الإنكليزي.. كما ألف رامزي كتابه "حرب دون اسم".. وتمكن هذان الكتابان ـ بالرغم من اختفائهما من الأسواق ـ من فضح أسرار المؤامرة للرأي العام الإنكليزي والأوروبي.
***
وتوفي رئيس الوزراء الأسبق نيفل تشامبرلين والألم يمزق فؤاده، وهو يري بلاده تساق إلي مجزرة شاملة للدفاع عن مصالح ومآرب حفنة من المرابين العالميين.. وتابعته حملة التشهير التي شنها هؤلاء إلي يوم وفاته، بل هي لا تزال تتابعه حتى الآن في كتب التاريخ، التي تصفه بالضعف والخوف من هتلر.. بينما لا يزال السير ونستون تشرشل يعيش حتى الآن مغمورا بالأمجاد وفي بحبوحة الثراء، تلاحقه أكاليل المديح أينما ذهب!
***
فور هجوم هتلر على روسيا، أعلن تشرشل وروزفلت أنهما وحكومتيهما سيسعيان لمساندة ستالين بكل الإمكانيات المتوافرة ليهما.. وقال تشرشل، في كلمة مؤثرة، إنه لا يتوانى عن وضع يده في يد الشيطان، إذا ما وعده هذا الأخير بالمساعدة للقضاء علي الفاشية الألمانية.
بعد ذلك شرع تشرشل ورزفلت بتقديم المساعدات غير المحدودة لستالين، واقترضا من أصحاب البنوك العالميين مبالغ خيالية، ثم قاما بتحويلها وفوائدها إلي حساب القرض القومي لكل من البلدين، بحيث تولى دفعها بعد ذلك المواطنون العاديون، بينما كان أصحاب المصارف يستريحون ويجنون مئات الملايين من الدولارات من تلك الصفقة.
واتفق ستالين وروزفلت وتشرشل علي معاداة الألمان.. وأكد روزفلت لستالين أنهم بعد الانتهاء من الحرب لن يكون هناك من الألمان ما يكفي لإثارة القلق.................!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!