المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في الذكرى الخمسين لمظاهرات 11 ديسمبر 1960



علجية عيش
10/12/2010, 07:01 PM
ساركوزي رقص للتاريخ الجزائري ثم جرّه من لحيته الطويلة

اليوم و بعد ثمان و أربعين سنة من الاستقلال ما تزال الذهنية الجزائرية تجتر الشعارات الرنانة المزيفة، و لغة الخشب دون أن تبدي أية نيّة في التغيير و تصحيح الأخطاء و الأوضاع ، و تحديد موقفها من تجريم الاستعمار و إجبار فرنسا على الاعتذار للشعب الجزائري و إخراج الجزائر من الوصاية الفرنسية
يمثل الحادي عشر من كانون ألأول ( ديسمبر) 1960 من التواريخ الخمسة الحاسمة من أجل استقلال الجزائر ، و في هذا اليوم نزل الشعب الجزائري إلى شوارع المدن الجزائرية كهولا و شيوخا حتى نساءً و أطفالا ، خرجوا عزلا، لا يحملون إلا إيمانهم بقضيتهم و هم يرددون : " الجزائر عربية مسلمة" ، فكانت مظاهرات لإثبات الذات ، و في هذا اليوم قرر الشعب الجزائر أن يقرر مصيره بيده و أن تكون "الجزائر جزائرية "، لم تكن هناك خطابات سياسية، ولم تكن هناك تناحرات و انشقاقات حزبية أو صفقات تجارية و قوائم انتخابية تمرر تحت الطاولات، بل كانت إرادة جماعية في نيل الاستقلال، لأنهم آمنوا بأن الفشل بضاعة لا يستهلكها إلا الجبناء، و هو الشعار الذي قاله عبان رمضان: " من يفشل في الأول يضيع" عندما ألحق بجبهة التحرير الوطني فرحات عباس الذي كان متخوفا من عدم تكافؤ ميزان القوى و الوسائل بين الجزائر و فرنسا التي كانت تنفق آلاف الملايير من أجل الكفاح في الجزائر..
لا يمكن أن ينسى من عايش الثورة ممارسات الاستعمار الفرنسي من نهب للأراضي، و حرق للقرى و المداشر و تخريب و تعذيب و اغتصاب، تعرض خلالها الشعب الجزائري لأبشع المجازر فاقت وحشية العنف الفرنسي للجزائر كل وصف، و مواجهة أقوى دولة كان يعتبر جنونا هكذا كان يقول الملاحظون للشعب الجزائري و لكن بالإرادة و العزيمة كان النصر حليفه..
يجرنا الحديث عن هذه الممارسات إلى اتفاقيات الصداقة بين الجزائر و فرنسا بعد الاستقلال و رفض تقديم هذه ألأخيرة اعتذارها للجزائريين، و بدلا من الاعتراف بجرائمها تصدر قانونا تمجد فيه الاستعمار و يصادق عليه برلمانها في 23 فيفري 2005..، الفرق بين طبعا بين دولة تحترم شعبها و تطبق قوانينها و دولة يتردد برلمانها في المصادقة على قانون تجريم الاستعمار، يقول الأستاذ يوسف فرحي في كتابه: "فرنسا صاحبة اللطافة" أنه ليس هناك صداقة مع فرنسا، بل يمكن أن تكون هناك مصالح متبادلة، لأن مصلحة فرنسا أن تبقى الجزائر مستعمرة بشكل أو بآخر فكريا و ثقافيا حتى اقتصاديا، و أنه على المؤرخين و الباحثين و المثقفين و سياسات كل الدول ـأن يتفقوا على كتابة " الكتاب الأبيض " للاستعمار لأن العولمة تفرض ذلك،و هذا يعني أن الشعب الجزائري ملزم بطي صفحة الماضي و أن ينسى الشعب و بخاصة الفئات المتضررة ( الأسرة الثورية ) الثمن الذي دفعوه بالأمس و يدفعه اليوم أبناؤهم..
"المرتزقة " أي ( الحركى) الذين قدموا خدماتهم لفرنسا و الموجدون حاليا داخل و خارج الجزائر وحدهم على ما يبدو المستفيدين من الثورة، و ما زادهم قوة المراسيم الفرنسية التي تصدر بين الحين و الآخر لتحسين أوضاعهم ثمن تعاونهم معها، و السماح بإنشاء الجمعيات التي تهتم بشؤونهم، جعلت غالبية الشباب اليوم يكفر بذاكرته و يختار الموت عبر قوارب الموت و هو عنوان للقطيعة بين المواطن و التاريخ، و بين الدولة و الشعب..
الجزائر اليوم كما يقول خليفة بن قرعة في كتابه" الجزائر و الصديق اللدود" آراء في العلاقات الجزائرية الفرنسية " منكوبة " برجالاتها و سياساتها، فهل يمكن أن نكتفي بالكلمات و ترديدها في كل مناسبة وطنية لتحديد الضمير الجماعي بأكمله و نثبت بأن ثمة نوايا حسنة، إذا ما اعتقدنا أن المسؤولية شاملة و أصيلة، اليوم و بعد ثمان و أربعين سنة من الاستقلال ما تزال الذهنية الجزائرية تجتر الشعارات الرنانة المزيفة، و لغة الخشب دون أن تبدي أية نيّة في التغيير و تصحيح الأخطاء و الأوضاع ، و تحديد موقفها من تجريم الاستعمار لإخراج الجزائر من الوصاية الفرنسية ..
شيء مخزي جدا عندما يرقص رجل "نجس" مثل ساركزي للتاريخ الجزائري ثم يجره من لحيته الطويلة بأسبوع قبل هذا التاريخ يوم زار مدينة ابن باديس - قسنطينة - ، و وقف على منبر محمد الصديق بن يحي بجامعة منتوري قسنطينة، و في حضرة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة خاطب ساركوزي الطلبة الجزائريين بلغة أمه، عن ضرورة التبادل الاقتصادي بين البلدين، كانت الجزائر تستعد للاحتفال بالذكرى الخامسة و الأربعون لمظاهرة 11 ديسمبر ، و كان الجميع يعتقد أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ذو الأصول اليهودية جاء في هذه المناسبة بالذات ليعتذر للشعب الجزائري عن جرائم بلده البشعة، لكن الرجل اثبت أنه ابن وطنه، كل شيء بدأ و انتهى بالرقص، ما لم يفهم البعض هو أن ساركوزي اختصر خطابه بالقول : " نقطة إلى أول السطر" ..
"من أنا إلى نحن و من نحن إلى أنا" تبقى الحركة مستمرة في مذكرات مولود فرعون التي طبعت بعد موته ، لإعادة النظر في كل شيء عندما يعود الوعي الوطني، و عندما ينهض الوعي الثوريّ، و يلتف الجميع حول المحررين الذين قاتلوا و ماتوا من أجل قضية اسمها "الوطن" فزرعوا حماس "الجهاد" في القلوب و جروا الجماهير وراء علم ساطع اسمه العدالة الاجتماعية لبناء دولة قوية لا تزول بزوال الرجال، يكون فيها كما قال محمد الصديق بن يحي " التوليد الشامل" الذي يمحو التناقضات التي غرس النظام الاستعماري جذورها، و بعث التغيير الجذري الذي سطرته رسالة مليون و نصف مليون شهيد ، حُلـْمٌ قد يتحقق و لكن..
علجية عيش