المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الذي بقي من فكرة العروبة؟



سامح عسكر
14/12/2010, 01:15 PM
رفيق عبد السلام

http://www.alwihdah.com/images/stories/auth_rafik_abdessalam.jpg

ثمة سجال صاخب يجري بين الكثير من المثقفين والسياسيين العرب حول مصائر فكرة العروبة، وما إذا كانت تحمل مقومات البقاء والاستمرار، أم أنها قد فشلت تماما وطويت صفحتها إلى غير رجعة، وهو سجال ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، بل تمتد جذوره إلى فاجعة 67 التي رأى فيها بعض المثقفين اليساريين والليبراليين العرب، علامة فارقة على فشل الأيديولوجيا الناصرية وعجزها عن الصمود في وجه إسرائيل. أما الإسلاميون الذين بطش ونكل بهم عبد الناصر فقد رأوا في هذه الهزيمة علامة دالة على نزول العقاب الإلهي بحق ما اقترفه عبد الناصر في حقهم من مظالم.

ومع موجة سقوط المنظومة الشيوعية التي كانت متحالفة معها أغلب الأنظمة القومية بوجهيها الناصري والبعثي فقد أصبحت مقولة فشل المشروع القومي ورثاؤه أكثر ارتفاعا ومجاهرة، وباتت تنبعث من عروبيين تائبين ويساريين وليبراليين وإسلاميين. بيد أن ما وضع التوجهات العروبية القومية موضع المحاكمة المفتوحة، هو الغزو الأميركي للعراق الذي قوض أكبر وأهم الأنظمة الحاملة لفكرة العروبة في المنطقة، أعني بذلك نظام صدام حسين الذي لم يتمكن من الصمود في وجه الآلة العسكرية الأميركية العاتية سوى بضعة أسابيع.



المشكلة في هذا السجال الصاخب الذي يجري في الساحة العربية أنه تحول إلى صراع خنادق أيديولوجية متقابلة بين من ينافح عن سجل القومية العربية بخيره وشره، ويلتمس لها ما أمكنه من المعاذير والمسوغات، ومن يريد محاكمة الخصم والحمل عليه، ولا هم له سوى تجميع حيثيات الإدانة وإصدار حكم الإعدام وليس أكثر من ذلك. إن مثل هذا السجال الذي يجري في الساحة الفكرية والسياسية ودوائر الإعلام في العالم العربي يظل أمرا محمودا ومطلوبا، لو أنه قام على أساس من الرغبة في فهم وتقييم حقبة فاعلة ومؤثرة في تاريخ العرب الحديث ووزن مقادير النجاح من الفشل فيها، بعقل وقلب مفتوحين، إلا أن ما يجعل هذا النقاش عبثيا وعديم الفائدة في الكثير من الأحيان، هو أنه يقوم على ثنائية الأسود أو الأبيض المطلقين، وتصفية الحسابات لصالح هذا المعسكر أو ذاك.

وهنا نأتي إلى تقييم الفكرة العروبية بشيء من التوازن وبعيدا عن آفتي المدح والذم الرائجة في سوق الكتاب والسياسيين العرب.

أولا: من الواضح أن الفكرة العروبية، قد أخذت شحنة عقائدية مغلقة كادت ترتقي بها إلى مصاف العقائد الأيدلوجية الصارمة، ومن ذلك ادعاءاتها النظرية المشطة في تقديم إجابات فلسفية كبرى على قضايا المصير الوجودية، ومسائل الأخلاق والقيم والفن والاقتصاد والسياسة وكل شيء. فمن يقرأ أدبيات ميشال عفلق أو زكي الأرسوزي وساطع الحصري وغيرهم من المنظرين العروبيين، يخيل إليه أن القومية العربية تقدم الإجابات النهائية والقاطعة، على طريقة أنت تسأل والقومية العربية تجيب.


ولا شك عندي أن الإيديولوجيات الشمولية الكبرى التي غمرت القرن العشرين، وخصوصا الشيوعية قد مثلت نوعا من الضغط الفكري على الجيل الثاني من منظري القومية العربية باتجاه هذا النزوع العقائدي الطاغي. وحتى الناصرية التي تخلقت في حقيقة الأمر من رحم أزمات النظام الملكي المصري وغضب جيل الشباب من بين الضباط المصريين، وولدت من موقع الشعور العفوي بترابط الوطنية المصرية بالحلقة العربية قد تحولت هي نفسها عند بعض المفكرين القوميين العرب، مثل المرحوم عصمت سيف الدولة إلى نظرية واعية ومكتملة لها كلمتها النهائية ومفاتيحها السحرية لسائر المشكلات والقضايا.

ثانيا: إن القومية العربية قد تم إكساؤها طابعا تبشيريا رومانسيا يتمحور حول النداء الباطني للتاريخ «أمة واحدة ذات رسالة خالدة» وحول الزعامة السياسية الملهمة، وكأن القوميين العرب أرادوا أن يجعلوا من القومية العربية عقيدة ودينا له طقوسه ومقدساته وأيقوناته الدنيوية نظير العقائد والأديان الكبرى.

ثالثا: يجب أن نضيف هنا أن فكرة العروبة قد أخذت عند بعض القوميين طابعا عرقيا جوهريا لا يمكن الدفاع عنه بأي حال من الأحوال، وكأن العربي وفق هذه الرؤية هو هبة من السماء بالجبلة والطبيعة، أي ذاك الذي تسري فيه الدماء العربية النقية مقابل أعراق وأجناس أخرى أقل شأنا ومكانة منه، وهي أفكار منحدرة من تأثيرات القومية الألمانية المتمحورة بدورها حول رفعة الجنس الآري على نحو ما نظر لها فيخته، فضلا عن ردود الفعل عن النزعة الطورانية التركية على خطاب الجيل الثاني والثالث من القوميين العرب.

وهنا أقول إن هذا الجنوح العقائدي الرومانسي، وهذا الادعاء العرقي الجوهري للعروبة، هو من مظاهر الوهن والخلل في الفكرة العروبية التي لا يمكن تسويغها أو الدفاع عنها بأي حال من الأحوال، بيد أن هذا لا يعطي مشروعية لإلقاء الرضيع مع الماء الملوث على ما يقول المثل الإنجليزي. فكل هذه الهنات التي صاحبت مسار العروبة لا يلغي الحاجة إلى تقليب صفحاتها ونخل مسارها بروية وسعة بصر وبصيرة، للوقوف عند ما هو أخلال وعثرات يتوجب تداركها بكل جرأة وصراحة، وعند ما يمثل مكاسب يتوجب الحفاظ عليها وتعزيزها.


واحدة من المشكلات الكبرى في الرقعة العربية تعود إلى هذا النزوع العدمي في قراءة مسار الفكر والتاريخ العربيين، بما أفقد التيارات الفكرية والسياسية المتلاحقة فضيلة التعلم من بعضها البعض، أو مراكمة مسار الوعي والخبرة السياسية، مثلما حرم المجتمعات العربية رسوخ مؤسساتها وانتظام خط سيرها. تذكرنا الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت بأن العبقرية السياسية الرئيسية للفكر السياسي الحديث، والتي طورها الآباء المؤسسون للثورة الأميركية خلافا لأقرانهم من رجالات الثورة الفرنسية في الانتباه إلى أن فكرة بناء المؤسسات الاجتماعية والسياسية، هي في الأساس محكومة بمحاولة التغلب على قدر الموت وتاريخية الكائن البشري، أي ضمان الامتداد والاستمرار رغم الفجوات والتقلبات التي يفرضها حدث الموت الذي لا مهرب منه.

حينما صعد القوميون العرب في موجة الانقلابات العسكرية للخمسينات والستينات لم يروا في الليبراليات العربية التي أطاحوا بها سوى شر مستطير وعمالة مطلقة للإنجليز، ولم يروا فيها شيئا يستحق الحياة، لذلك أتوا بسرعة البرق على ما تبقى من مؤسسات سياسية وتقاليد ديمقراطية على هشاشتها قد ورثوها من الملكيات السابقة، وحينما جاء الإسلاميون من بعدهم لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة تجارب أقرانهم وأسلافهم القوميين فأعادوا الكثير من أخطائهم والسير على خطاهم شبرا بشبر وذراعا بذراع. ما فعله الإسلاميون السودانيون مثلا ليس إلا استعادة متأخرة ومشوهة لزملائهم القوميين الذين استلموا الحكم بقوة السلاح، واستهوتهم شهوة السيطرة على الأجهزة، وهكذا بدت التيارات السياسية العربية وكأنها تعيد إنتاج نفس الأخطاء وتكرر ذات التجارب تقريبا، أي هي تشتغل بروح كلما جاءت أمة لعنت أختها وليس بروح الرسالة الخاتمة «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

ما ذكرناه سابقا يدعو إلى إعادة فكرة العروبة إلى نصابها الطبيعي باعتبارها رابطة سياسية عامة تمثل حاجة عملية لدى العرب، وليست نظرية أو عقيدة أو مذهبا فكريا، وهي رابطة تتأسس على جانبين اثنين: أولا هذا الإحساس التلقائي والعميق بهوية مشتركة تشد العرب إلى بعضهم، تقوم على وحدة اللغة والثقافة والمشاعر العامة، فضلا عن رباط المصالح السياسية والاقتصادية العامة، وليس على نقاء الجنس أو العرق.


وهذه مسألة لا تحتاج إلى عناء استدلال، إذ يكفى المرء أن يتحسس نبض الناس في شوارع القاهرة ودمشق والرياض وبغداد والرباط وصنعاء وغيرها، وخصوصا في الملمات الكبرى، حتى يقف عند هذه الحقيقة الظاهرة للعيان. أما إذا تناولنا المسألة من جهة المنافع والدواعي العملية، فهل يشك أحد مثلا في أن وجود سوق عربية مشتركة، أو أي شكل من أشكال التعاون العربي - العربي لا يشد من أزر العرب ويعزز حضورهم في عالم اليوم المتجه إلى التكتلات السياسية والاقتصادية القارية. إن انقسام العرب وتفاوت أوضاعهم العامة من رقعة إلى أخرى، ومن بلد عربي إلى آخر، حقيقة واقعة لا مراء فيها، بيد أن هذا لا يلغي الشعور العام بوحدة الانتماء والمصير الذي يظل يسكن كل عربي تقريبا من موريتانيا إلى سلطنة عمان.

ثمة مشكلة عربية لا يمكن حجبها بأي حال من الأحوال تتمثل في هذا التناقض الحاد والصارخ بين واقع الجغرافيا السياسية للدولة العربية وما يمكن تسميته خارطة الوعي السياسي العربي، فبينما تنزع الدولة العربية إلى تأسيس شرعيتها وبناء سرديتها التاريخية الخاصة بها، يظل الشارع العربي عابرا للحدود والشرعيات القطرية، وربما يشغله ما يجري في بغداد والقدس وبيروت وصنعاء أكثر مما يشغله من هموم محلية. طبعا مثل هذا الإشكال لا يمكن أن يحل في بطون الكتب أو في مجالس المثقفين، بل يخضع لمستقبل حركة التدافع السياسي في العالم العربي، وما إذا كان العرب سيسلمون طوعا أو كرها بأن دولهم القطرية تمثل الأفق النهائي المتاح أمامهم أم سيظل حلم الوحدة (كيفما كان وضعها) حاضرا وملهما لهم.

وهنا أخلص للقول بأن ما يؤسس شرعية فكرة العروبة ليس الادعاءات النظرية الفارغة التي يرددها القوميون العرب، بقدر ما تؤسسها الحاجات العملية الاستراتيجية، فبنظرة واقعية باردة، يمكن القول بأن الرقعة العربية، ولظروف تاريخية معروفة، ظلت من أكثر مناطق العالم تفككا سياسيا وفراغا إقليميا، مثلما هي عرضة لتدخلات خارجية لا حد لها، منذ انسحاب العثمانيين الأتراك بعد الحرب العالمية الأولى، وهو فراغ لم تقو الدول العربية المبعثرة على ملئه أو تداركه، وذلك خلافا حتى للدول المجاورة لنا مثل الأتراك والإيرانيين الذين تمكنوا على نحو أو آخر من إقامة كياناتهم القومية المستقرة بعض الشيء.

هذا يعني فيما يعنيه إفراغ فكرة العروبة من الشحنة العقائدية والمذهبية التي تلبست بها، وإرجاعها إلى حجمها ونطاقها الطبيعي باعتبارها رابطة سياسية عامة تشد العرب إلى بعضهم البعض وتحد من وهنهم وضعفهم، وبهذا المعنى أقول بأن عروبة متصالحة مع الإسلام، ومتبصرة بروح العصر وحاجاته، تمثل حاجة للحاضر وأفقا نحو المستقبل وليست حركة ارتدادية نحو الماضي، أي العودة هنا إلى عروبة الآباء المؤسسين من الإصلاحيين الإسلاميين.

* المصدر: جريدة الشرق الأوسط، 14-12-2010 (http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=599420&issueno=11704)

معتصم الحارث الضوّي
14/12/2010, 03:58 PM
رفيق عبد السلام
وهنا أخلص للقول بأن ما يؤسس شرعية فكرة العروبة ليس الادعاءات النظرية الفارغة التي يرددها القوميون العرب،


أخي الكريم الأستاذ عصام
التحية لك على نقل هذه المقالة، والتي تحمل في مجملها أفكارا جديرة بقراءة متعمقة.
وقفتُ عند العبارة المنقولة أعلاه حائرا، فكاتب المقالة أكاديمي رصين، ولا أشك للحظة أنه يعلم جيدا أن اختزال منظومة فكرية بأكملها، ووصمها بأنها "فارغة"، هو نهج غير أكاديمي على الإطلاق، ويتنافى بشكل صارخ مع تأهيله التخصصي وطرق التحليل الفكري التي تعلمها.

إطلاق الأحكام من هذا النوع على نتاج فكري للعديد من الفلاسفة والمفكرين والكتّاب، فيه من الخطل ما فيه، فجميع الفكر البشري خاضع للنقد والمراجعة والتنقيح والتصحيح، ولكن التعميم الذي يحاول سحق الفكر المخالف بهذا الأسلوب هو داء ابتليت به الكثير من دوائرنا الأكاديمية والفكرية.

الحوار بين القوميين والإسلاميين هو غاية مرجوة ومطلوبة بشدة، وذلك باعتبارهما التيارين الرئيسين على المستوى الفكري والجماهيري في عالمنا العربي، ولذا، فإن هذه التصريحات لا تفيد، بل على العكس تخلق جوا عاما تستمر في ظله المرارات بين الجانبين، وتتعمق أكثر فأكثر.

تقديري لك

سامح عسكر
14/12/2010, 07:18 PM
تحيه لكم استاذنا الكريم

ليست كل الادعاءات -استاذنا -فهو لم يقصد الاطلاق ابدا، وربما بقيه المشاركه توضح ذلك، هذا ليس دفاعا عن الكاتب اكثر ما هو توجيه لدفه الفكر المؤسس لباقي المقال، ايضا حديثه كان عن الادعاءات الراميه الي اصاله الجنس العربي مذهبا وعقيده دونا عن غيره فهويعارض هذا الفكر بشده.

تعالي بنا لدقائق-استاذنا -لنتعرف علي اصول فكر الكاتب، فهو يؤمن يقينا بان عوامل النهضه في بلادنا لن تتحقق الا بما اشرت اليه من التحالف بين التيارين الاسلامي والقومي فكلاهما له من الثقل علي الارض مما يمكنه من قياده شعبيه ولكن بشروط اولها هي الرغبه في تقييم الحقبه القوميه -من الطرفين-بحياد كامل كما قال هنا:


إن مثل هذا السجال الذي يجري في الساحة الفكرية والسياسية ودوائر الإعلام في العالم العربي يظل أمرا محمودا ومطلوبا، لو أنه قام على أساس من الرغبة في فهم وتقييم حقبة فاعلة ومؤثرة في تاريخ العرب الحديث ووزن مقادير النجاح من الفشل فيها، بعقل وقلب مفتوحين،


فالاهم من وجهه نظره هي الرغبه الفاعله في مناقشه ايجابيات الفتره وسلبياتها بكل حياديه وموضوعيه علي السواء ، وفي نفس الوقت تراه ينتقد التعامل مع رواسب الماضي التي خلفت جرحا عند الاسلاميين ما زالت اثاره موجوده حتي الان


إلا أن ما يجعل هذا النقاش عبثيا وعديم الفائدة في الكثير من الأحيان، هو أنه يقوم على ثنائية الأسود أو الأبيض المطلقين، وتصفية الحسابات لصالح هذا المعسكر أو ذاك.

الانتقاد في هذه الحاله للتيار الاسلامي الذي ما زال-في فكر الكاتب- يتذكر وينشغل بما حدث ابان الفتره الناصريه القوميه في الخمسينات والستينات وكلنا يعلم ما جري، والاصل في انتقاد هذا الرفض هو النظر للاولويات، فما يواجه كلا التيارين اصعب مما واجههما في الماضي.

ايضا هناك تأصيلا مهما للمقال يتلخص في ان فكره القوميه العربيه في خلد الكاتب لا تعدو كونها مذهبا سياسيا بحتا يترتب عليه مصالح اقتصاديه وثقافيه عامه، وليس لهذا الفكر اي دور عقدي او مذهبي فكري، فلو كان لهما دور لكانت الدعوه الي الاعراق والاجناس ارقي من الدعوه الي الله الواحد الديان،،،هذه نقطه فاصله يريد الكاتب ان يأصل لها ويستدل لها بغيه تحقيق هدفه الرئيسي في هذا المقال الا وهو تقريب وجهات النظر بين القوميين والاسلاميين، فتراه ينتقد بعض سلوكيات هذا وذاك علي السواء.

ايضا فأكثر ما يعيب الفكر القومي -وجهه نظر خاصه- هو اختزال هذا الفكر من قبل انصاره في حقبه زمنيه محدده، ربما يعود ذلك الي ان الفكره نفسها لم تنشط الا في ذلك العهد، ولكن القياس عليها ربما يصطدم مع الديمقراطيه وهذا يعود -ربما-الي عسكره المجتمع تلك الايام، ايضا من الواجب علينا تفعيل مقاصد الحريه عبر فتح باب النقاشات الجاده المؤديه الي حريه الفرد ككيان مستقل بذاته والعمل علي تطويره وتثقيفه،وهذا لن نحصل عليه عبر المناظرات التصادميه اكثر من الحوارات البناءه التي تم البدء فيها منذ فتره ليست بالقليله ، يرجع ذلك بعدما شعر الطرفان بالحرج امام نظام سلطوي لا يعمل الا لذاته بعيدا عن مصالح الطبقه الكادحه والعامله(طبقه الجمهور).

الحاج بونيف
14/12/2010, 08:45 PM
إن الذين يحاولون إبعاد فكرة القومية العربية هم من دعاة العولمة التي تتحكم فيها جهات همها الوحيد تفرقة العرب والقضاء على دولهم واحدا بعد الآخر. والقومية العربية لم تكن في يوم من الأيام عدوا للإسلام أو المسلمين، بل كان مفهوم العروبة لا يعني سوى أنها (أي العروبة) والإسلام شيئا واحدا، وما زال مصطلح العروبة في بعض المجتمعات كما هو الحال عندنا في الجزائر يعني المسلم، ولا يمكن أن تتصور بعض الفئات وبخاصة البسيطة أن العربي غير مسلم؛ ويذهب بها الاستغراب إلى حد بعيد إذا علموا أن من العرب من هو مسيحي أو يعتنق ديانة أخرى.. حتى الأمازيغ إذا حدثوك قالوا نحن العرب، ولم يشعروا بأي مانع في ذلك، ولعل هذا ما قال عنه بعض علمائنا " نحن أمازيغ عربنا الإسلام".
هو ذا العراق العربي يمزق، وتتلاعب به الأيدي، ويكاد يذهب شذر مذر، فقط لأنه عربي. وها هو ذا السودان تمتد إليه نفس الأيدي لتمزقه. كل ذلك ونحن لاهون، ونتفرج من بعيد وكأن الأمر لا يعنينا.
مثل هذه المقالات الفلسفية التي يجتهد فيها مفكرونا، ويصوغونها بأساليب في غاية من البيان والتقعر في اللغة هي سبب خراب بيوتنا؛ أما كان لهذا المفكر وغيره أن يجتهد في إيجاد الحلول السريعة التي يمكنها أن تخرج السودان من الأزمة التي يمر بها؟ أن يبحث هو وكل من وصلوا إلى هذا المستوى من الفكر عن الحلول الميدانية التي يجب أن تتبع كي لا يتوزع السودان..؟
أنا لا أتهم أحدا، لأننا جميعا ننهل من البئر نفسها، ولكنني ألقي باللائمة على علمائنا المتقاعسين وحكامنا المهزومين المخذولين، وشعوبنا التي لم يعد يهمها سوى أمر بطنها.
هل سنبقى متفرجين، ونملأ صفحات جرائدنا ومواقعنا بالمقالات التي تتحدث عن أيهما أسبق وأضمن للحكم، العروبة أم الإسلام، مع أن جل شعوبنا وعلمائنا لا يرون فرقا؟
علينا أن نبحث عن كيف نتوحد ونلم الشمل، كيف نصبح دولة واحدة، كيف تصبح السودان هي الجزائر وهي مصر وهي سوريا وهي السعودية وهي العراق وهي اليمن وهي المغرب وهي تونس... الخ فيصبح ما يمس السودان نشعر به جميعا ونعتبره قد مسنا حقيقة، ونتحرك جميعا في الاتجاه الذي تريده السودان؟ أقول: لا بد من وحدة حقيقة عاجلة وإلا فإن المصير سئ جدا جدا .. ونسأل الله العافية.