المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفجير كنيسة الإسكندرية .. الدلالات والتداعيات والابعاد



ثابت العمور
06/01/2011, 11:18 PM
كتب/ ثابت العمور
أنتج انفجار كنيسة الإسكندرية بمصر مجموعة من التساؤلات المتصلة فيما بينها، والتي لها علاقة مباشرة وارتباطيه بما يحدث في غالبية الدول العربية بل وفي البيئة الإقليمية للمنطقة، فتداعيات الاعتداء وأثاره القريبة والمتوسطة والبعيدة، لا يمكن النظر إليها وفهمها بمعزل عن جملة أحداث ومتغيرات تشهدها المنطقة، أهم معالمها ودلالاتها هو استهداف الاستقرار السكاني والاجتماعي والطائفي، بعدما تمكنت هذه المتغيرات من استهداف الاستقرار السياسي والعلاقة بين الأنظمة والشعوب، وبالتالي ما حدث في مصر هو جزء من منظومة تخريبية استعمارية شيطانية تستهدف جل الدول العربية، ولكن تبقى لمصر الكنانة خصوصيتها وموروثها التاريخي ووزنها السياسي كأحد أهم الأطراف الفاعلة والمؤثرة في حيثيات وإحداثيات المنطقة، وبالتالي استهدافها بهذه الطريقة يعد مرحلة متقدمة جدا من مشروع الفتنة والإرباك والتقسيم والاستهداف.
انفجار الإسكندرية يدفع للتساؤل من الذي قد يقف وراء التفجيرات؟، من المستفيد؟، ومن الذي له مصلحة في إشغال مصر عن دورها الإقليمي؟، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟، ولماذا يستهدف التفجير كنيسة؟، هل هناك علاقة بين ما حدث وما يحدث في بعض الدول العربية المجاورة لمصر كالعراق والسودان والصومال واليمن ولبنان وفلسطين ؟، هل يمكن أن ينفذ بعض المسلمين مخططات شيطانية خارجية؟ ولماذا؟، وما هو المطلوب؟، كيف يمكن استدراك التداعيات وتفويت الفرصة؟، وأخيرا هل ما حدث في الإسكندرية قابل للتكرار في دول عربية أخرى بسيناريوهات أخرى مختلفة؟. وهل يمكن إعفاء الكيان الصهيوني مما حدث؟، هل هناك علاقة بين تفجير الإسكندرية وبقية مخططات المشروع الصهيوني في المنطقة؟. وهل هناك من أخذوا على عاتقهم تنفيذ حيثيات المشروع الصهيوني بمسميات وخلفيات وعناوين وهمية وتضليلية متعددة ومتنوعة؟. هل هناك شواهد معلنة تفيد بمعرفة من الفاعل؟.
بدأت حيثيات التفجير باستهداف إحدى كنائس الطائفة المسيحية الأرثوذكسية القبطية في الإسكندرية، مما أدى لوقوع 22 قتيلا وما يزيد عن الأربعين جريح، وسط أجواء الاحتفال برأس السنة الميلادية، وتحولت فرحة الاحتفالات وتوديع العام لحادثة حزن فاجعة مفاجأة للجميع، وتقول الإحداثيات بأن مجموعة كبيرة من المصريين الأقباط كانوا متجمعين في كنيسة القديسين الشهيرة بمدينة الإسكندرية، وذلك على خلفية احتفالات انتهاء عام 2010 وبدء عام 2011م، وفي ساعة متأخرة من الليل جاءت سيارة إلى الكنيسة، وسرعان ما دوى انفجار هائل غير مسبوق اهتزت له المدينة الآمنة .
كل الصراعات والتوترات والاحتقانات الحاصلة في المنطقة بدأت من شرارة صغيرة، ولكن تشتعل نيرانها الكبيرة بفعل مغذيات ومخططات خارجية داعمة وهادفة للتخريب، بدأ من لبنان والسودان والعراق الذي كانت الشرارة الأولى فيه استهداف أحد المواقع الشيعية، والسؤال هل يكون انفجار كنيسة القديسين بالإسكندرية بمثابة الشرارة التي قد تشعل الحرب؟، الإجابة هنا غير مرتبطة بنتائج التحقيقات وما قد تصل إليه، بقدر ارتباطها بعمق وطبيعة العلاقات المصرية الداخلية، والقدرة على قطع الطريق على كل المخططات الخارجية التي تستهدف مصر رأس الحربة في استقرار واستمرارية الأمة العربية، وترتبط أيضا بقدرة النظام السياسي بكل مؤسساته على تجاوز التداعيات الأولية، كما ترتبط أيضا بكل مكونات المجتمع المصري مسلمين وأقباط.
أحدث انفجار الإسكندرية صدمة عميقة الأثر والدلالات على كافة المستويات، ولكن بقراءة متأنية، يمكن فهم المسببات الأولية، خاصة وأن التجمعات الطائفية لم تقتصر في مصر وفي هذا التوقيت بالذات على الطائفة القبطية، فمثلما يحتفل الأقباط برأس السنة الميلادية، احتفل اليهود بمولد "أبو حصيرة" في محافظة البحيرة، وهو الاحتفال الذي أثار موجة غضب واستغراب وتنديد لكثير من المصريين، حتى وصل الأمر لخروج مظاهرات منددة ورافضة لهذا الاحتفال، ورغم ذلك لم يستهدف الاحتفال، وفي ذلك عدة إشارات طمأنة قوية وحقيقية، أهمها أن ما يحدث في مصر ليس مخطط خارجي خبيث فقط، بل أن الأيادي التي نفذت هي أيادي خارجية وليست مصرية، وهنا رسالة طمأنة مفادها أن الوحدة الوطنية والعلاقات الداخلية في مصر بألف خير، ودلالة ذلك بأن الداخل المصري بريء ولا يمكن أن يستهدف المصري المصري لأي سبب وتحت أي مبرر، وإن كانت تلك دلالة إيجابية، فإنها في المقابل تعني بأن هناك يد من الخارج امتدت ووصلت واخترقت لتعبث بأمن مصر واستقرارها، وهذه اليد يجب أن تقطع وستقطع إن آجلا أم عاجلا.
مصر بوابة العرب والمنطقة وهي عنوان الحرب والسلام، واستهدافها والنيل منها وإشغالها بل وتقسيمها مخطط صهيوني قديم، ففي الفترة السابقة كان الاستهداف يقصد مصر "بفرضية ونظرية شد الأطراف"، أي من الخارج إلى الداخل،فتارة عبر السودان وتقسيمها، وتارة أخرى عبر النيل ومنابعه، لكن مؤخرا بات الاستهداف يحدث من الداخل عبر الاختراق ببعض الخلايا التخريبية، وشبكات التجسس الصهيونية، وضرب السياحة والاقتصاد.. الخ، من مخططات وعمليات استطاعت مصر التصدي لها وقطع الطريق عليها، ويبدو أن فشل كل هذه المخططات، أدى بالقائمين على المخطط إلى اللجوء لخيار الطائفية من خلال استهداف الكنائس، وهو خيار له ما يدعمه في الخارج وقد ينجح حيثما فشلت الخيارات الأخرى، وبالتالي معرفة القائمين على المخططات السابقة سيسهل المهمة في معرفة المسئولين والقائمين على النيل من مصر في الداخل عبر استهداف الوحدة الوطنية والطائفية فيها، وستثبت نتائج التحقيقات صحة وصدقية هذه الفرضية.
لا ضرر من دعم هذه الفرضية ببعض ما تحفظه الذاكرة، ورغم أنه لا يستقصد مصر مباشرة إلا أنه يقتضي القياس عليه، في أكتوبر من العام 2008 صرح "آفي ديختر" وزير الأمن الداخلي الصهيوني السابق،وقال علنا "الهدف هو تفتيت السودان وشغله بالحروب الأهلية"، وهناك كتاب لـ" موشيه فرجي" -وهو رجل مخابرات صهيونية- بعنوان " إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان : نقطة البداية ومرحلة الانطلاق"، فهل قرب الاستفتاء على تقسيم السودان يعني انتهاء مرحلة البداية والشروع في مرحلة الانطلاق؟، ومن أين الانطلاق؟، وصوب من؟، وفي أي اتجاه؟. لماذا نتوه في زحمة التساؤلات والإجابات ماثلة أمامنا بالوثائق والقرائن والشواهد، ومنذ زمن.
واختتم بعام 1982 حينما ظهرت وثيقة صهيونية بعنوان "استراتيجية إسرائيلية للثمانينات"، وكانت قد نشرتها دورية "كيفونيم" التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية، ثبت في الوثيقة المخططات التالية: تقسيم العراق، فصل جنوب السودان عن شماله، الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الجزائر كمقدمة لها ما بعدها، تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية، تهجير الفلسطينيين إلى الاردن، وكان ما يحدث في مصر اليوم قد ورد في الوثيقة الصهيونية بالتفصيل.