المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تونس ما بعد الانتفاضة هل يستمر الحراك أم تجهض الثورة؟!



ثابت العمور
20/01/2011, 09:07 PM
تونس ما بعد الانتفاضة هل يستمر الحراك أم تجهض الثورة؟!
كتب/ ثابت العمور
بدأت الجمهورية التونسية تدشن عهدا جديدا، وتاريخا معاصرا، عنوانه الأبرز ومعلمه الأوضح إرادة الشعب تنتصر، فقد استطاع الشعب التونسي وعلى مدار ثلاثة أسابيع متواصلة من دحر نظام زين العابدين بن علي الذي ربض على كرسي الحكم ما يقرب من عقدين ونصف إلا قليلا، خرج الرئيس التونسي وعلى غير العادة راحلا وتاركا ورائه إرثا ثقيلا وملفات شائكة ومسؤوليات معقدة، خرج أو فر أو هرب، المحصلة النهائية باتت تونس في يد التونسيين الذي استطاعوا قول كلمتهم الفصل في نهاية المطاف.
وانتهى عهد بن علي بغير رجعة، ولكن هل انتهائه يعني انتهاء التحديات وحل المشكلات؟، هل يستطيع الشعب التونسي الاستمرار والمواصلة في انتفاضته وثورته؟، أم أن الوجوه هي فقط من تغير؟، بمعنى آخر من يملأ فراغ بن علي؟، بقايا رجاله؟، أم الثوار وقوى التغيير؟، ما هي حظوظ المعارضة؟، وما هي طبيعة المشهد التونسي ما بعد انتصار الانتفاضة الشعبية الجماهيرية وانتهاء عصر بن علي؟. ما هي طبيعة العلاقات الداخلية بين القوى السياسية في تونس؟، وما تأثيرات ما حدث على العلاقات التونسية الخارجية لا سيما في ضوء ردود الأفعال الدولية التي أعقبت انتصار الشعب التونسي؟.
المشهد في تونس ما بعد سقوط نظام بن علي، لا يؤشر لهذه اللحظة بأن الاحتجاجات مرشحة للتوقف،فرغم انتشار قوات الجيش إلا أن بعض مظاهر الفلتان الأمني لا زالت مستمرة، وبدا المشهد بأن الصراع قد تحول ما بين المتظاهرين والنظام السياسي، إلى صراع ما بين طرفين هما بقايا النظام السابق، وبعض القوى التي تنادي بالتغيير من قوى المعارضة وبعض الأطراف التي كانت ممنوعة من ممارسة أي عمل أو نشاط سياسي، فكان سقوط النظام وانتصار الشعب رافعة قوية لها من أجل العودة والإسهام في بناء الوطن وتضميد جراحاته، لكن هذه القوى اصطدمت على ما يبدو ببعض القناعات القائلة بأن خروج بن علي لا يعني خروج بقايا نظامه، وبأن النظام سيستمر كما كان، وهو ما يفسر إعلان الغنوشي -رئيس الحكومة المقال- السريع لمهام رئيس الجمهورية، ومقابلة ذلك بردود فعل رافضة وغاضبة لذلك ومشككة في قانونية الإعلان ودستوريته، مما دفع بظهور رئيس البرلمان التونسي وإعلانه تولي الرئاسة مؤقتا -ستين يوما- لحين انتخاب رئيس جمهورية جديد، ولكن تكليف الأخير لرئيس الحكومة- الغنوشي- السابق والمقال من بن علي، يضع جملة تساؤلات في طريق التغيير والانتصار الشعبي الذي حصل في تونس، بل وربما يفتح مستقبل تونس على صراع سياسي من نوع وطبيعة وشكل جديد.
وبالتالي ما حدث لهذه اللحظة في الساحة السياسية التونسية يؤشر بأن تحولا جديدا قد حدث في الصراع القديم الجديد بين القوى السياسية التونسية القديمة والجديدة، وهو صراع مرشح للتصعيد، مابين القوتين، ولكن بشكل جديد ومعالم جديدة، فسيناريو تولي نائب البرلمان لمهام رئيس الجمهورية مؤقتا وتكليفه لرئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة مفاده في النهاية وكأن شيئا لم يحدث، وهو ما دفع القوى الجديدة أو قوى التغيير إلى المطالبة بتغيير واستبدال النظام السياسي التونسي القديم بكل مكوناته وليس الرأس فقط، هذا الحاصل يضع الشارع التونسي على المحك وأمام تحدي جديد وهو لمن سينحاز، وبالتالي من من هذه الأطراف قد يستطيع استمالة الشارع، ومن ثم ويصبح هو المحدد الأساسي والفاعل الرئيسي في المشهد التونسي ما بعد سقوط بن علي، لهذه اللحظة هو الذي سقط بن علي وليس النظام بالكامل، وهذا هو التحدي، وذلك هو المحدد لطبيعة العلاقات الداخلية، والمحرك لمفاعيل الشارع التونسي.
المعطيات الواردة من الساحة التونسية تضع عدة سيناريوهات- تحدث عنها بعض المهتمين والمراقبين- يمكن إيجازها في الخيارات التالية، أولا: استمرار الصراع بين رموز النظام القديم وبين قوى التغيير وهو ما يعني استمرار المواجهات والانقسامات ومظاهر الفلتان الأمني، ثانيا: تقدم موز النظام القديم على حساب قوى التغيير، وإجهاض كل ما حدث من ثورة شعبية، ولكن هذا الخيار مرتبط بمدى استمرارية الضغط الشعبي وأن تتواصل حركة الشارع التونسي وتحقق مطالبها، وثالثا: خروج قوى النظام القديمة من المشهد السياسي التونسي، وتقدم قوى التغيير، وهذا مرتبط أيضا بحراك الشارع التونسي وقدرة هذه القوى على استمالته وحسم الموقف لصالحها، وقد بدأت معالم هذا الخيار تتجسد بعد اعتقال وزير الداخلية السابق، ومدير عام أمن الرئاسة التونسية، وتوجيه التهم إليهم بأنهم المسئولين عن القتل والسلب والفلتان الأمني، ولكن هذه ربما قد تكون أيضا أحد أوراق القوي القديمة، من أجل استمالة الشراع، ويكون الرجلين كبش فداء يجب التضحية بهما لصالح بقاء واستمرار القوى القديمة، ولكن هل يكتفي الشعب التونسي باعتقال الرجلين فقط، هذا الاكتفاء ورضاء الشارع التونسي هو من سيحدد أي الأطراف قد يتقدم صوب تولي الأمور. لكن المشهد لا يوحي بأن صفقة "مرضية" قد تعقد بين الطرفين ، لعدة اعتبارات مسئول عنها النظام السابق وقواه ، وهو ما يعني بأن الساحة التونسية ربما تكون قابلة لمزيد من الصراع القديم الجديد، لكنه صراع محكوم ومحدد بموقف ورأي الشارع التونسي .
الصراع في تونس مرشح للاستمرارية، لعدة عوامل واعتبارات، أهمها مسرحية تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة وزعامة محمد الغنوشي رئيس الوزراء السابق، وتأكيده على مبدأ فصل الدولة عن الدين، وعدم مشاركة أي حزب أو جماعة ذات طابع سياسي إسلامي،، واحتفاظ الحزب الحاكم- المسئول عن كل ما آلت إليه الأمور في تونس- بجميع الوزارات السيادية، وبقاء كلا من وزير الداخلية ووزير الخارجية ووزير الدفاع في وزاراتهم، يعني أن مفاعيل الصراع مستمرة، وأن مقومات الثورة والانتفاضة الشعبية قائمة، وجميع ما سبق يعني بأن شيئا لم يحدث، وقد يقرأ من زاوية إجهاض الثورة، وذهاب التضحيات والدماء أدارج رياح التغيير الشكلية التي حدثت في مسرحية سياسية الممثلين فيها كم هم، فهل يتم وأد الثورة التونسية بهذا الإخراج السيئ للحكومة الجديدة بالرجالات القديمة. هل يكتفي الشعب التونسي برحيل الرأس وبقاء الجسد؟.