المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الانتظـــــــــار/ قصة قصيرة



الزبير قريب
21/01/2011, 05:45 PM
الانتظــــــار
النافذة المطلة على "السان "، توحي بأن يوما باريسيا جديدا، ينساب بين شوارعها ..
قلَّبَ صفحة " لو موند " حيث لم تأت بجديد مثير، غير أخبار المظاهرات، و إضراب أصحاب الشاحنات، الذي دخل يومه الخامس، حتى أخبار العالم فقدت عنصر الإثارة، فمهما كان شتاؤها هذا، حارا بلهيب القذائف هنا وهناك، إلا أن شيئا من ذلك .. لا القذائف، ولا سائقو الشاحنات، يأخذ شيئا من اهتمامه، ويخفف من شدة قلقه، الذي اختبأ بعضه في أعقاب السجائر المتراكمة، وقد ضاقت بها المطفأة .. وفنجان القهوة، الذي نال منه برد الانتظار، نصيبا أكبر مما ناله "ماركو" لهذا الموعد، الذي لم يأت بعد، ولليوم العاشر ..
ربما، بدأ اليأس هذا الصباح ينال منه .. وهو كذلك، يلح على الساعة، ويديرها في ساعده، كأنها هي من تخبئ بين عقاربها مجيء "ألفريد"... الساعة، والولاعة، والمطفأة والجريدة، والنافذة، وبرد باريس، وصوت القطار الذي يغادر المحطة لتوه، كلها تناشد ماركو أن يكف عن صمته .. وزجاج النافذة الحزين، الذي لا يخفي دموعه المتساقطة بتكثف الضباب، والموقد المنزوي، هناك خلف الكرسي المنقوش بزخارف سويسرية، والطاولة المتوسطة أرجاء الغرفة، والإطارات المعلقة على الجدران، كلها تتحلق في دائرة أنيقـة حــوله، ربـما هي كذلك تتوسل إليه أن يتكلم ويقول شيئــا يبعث الحياة، في هذا الركـن المختبئ في فنــدق "لو سان" .
الثامنة.. تكسر الصمت الذي لم يكن يشوبه، غير دقات البندول الرتيبة .. ولولا أن النــادل دخل قبل ساعة أو أقل، وسأله إن كان يريد شيئا غير الجريدة وفنجان "النسبريسو"، الذي حفظه من إماءة رأسه ..لولا ذلك، لظنت الأشياء حول ماركو، أن هذه الغرفة مهجورة منذ القرن السادس عشر، وربما مر البارحة تحت شرفتها جيش "لويس الثاني عشر" .
الثامنة ..والتفت قليلا إلى الباب، ثم استدار ثانية إلى أفق النافذة، والجريدة ما زالت تتوسد ركبتيه، وتأخذ قسطا من الراحة تحت ظلال الدخان الصاعد من زفراته :
- ((.. الثامنة ولم يأتِ!"))
أخيرا تكلم، واستدار ثانية إلى الباب، ولكن، هذه المرة وقف من مكانه مسرعا، وتناول سماعة الهاتف:
- نعم ، من ؟ من ؟ ألو ..من المتصل ؟
حقا لقد كان جرس الباب، أو ربما رنين شيء آخر في ذاكرته، عندما فتح الباب فلم يجد أحدا، وتأكد حين تذكر أن ليس في غرف الفندق جرس للباب ، فالطرق هنا من الإتيكيت .. لكن، كيف استطاع أن يترك في رأسه مساحة للإيتيكيت ؟
عاد إلى مقعده وحمل الجريدة ثانية، كأنه يتدثرها من النسمات الباردة، التي تساجل خيوط الدفء المتواضعة، المنبعثة من الموقد الخافت .. وأشعل سيجارة أخرى. حدق طويلا في عنوان (( خطر انتشار إنفلونزا الطيور في شرق أوروبا)).
طوى الجريدة ووضعها جانبا، حيث لم يكن الموضوع يهمه، أكثر من كلمة (خطـــر) وأرسل يده إلى الجيب الداخلي لمعطفه، وعاد منه بورقة مطوية على الطريقة الصينية .. ثم أعادها دون أن يفتحها. ربما كان يتأكد من وجودها أو من بقائها هناك .. وعاد ليقارن بين ساعة الجدار، وتلك المطوقة ساعده، ثم حمل الجريدة مرة أخرى :
- خطر! ..لماذا لم يأت إلى الآن؟
كانت كلمة أخرى قالها هذا الصباح ، وعلى غير عادته تكلم، وتكلم كثيرا ، لعل نهاية انتظاره ابتدأت ، وكلامه هذا، إرهاص لانطلاق يوم عاشر، أفضل مما سبقه.
- هل كان أحد غيره يرتاد هذه الغرفة؟
- أبدا سيدي المفتش .. في سجلات الفندق، نزل لدينا يوم الثامن جانفييه ، ولم يزره أحد طيلة مدة إقامتــه هنا.
- حسنا .. أخبر صاحب الفندق أن يأتي فورا .. وأنتم أريدكم أن تقلّبوا في ثيابه التي يلبسهــا .. وفي كل أغراضه .. ثم.. ثم خذوه إلى المشرحة .
- هنا ورقة في جيب معطفه الداخلي، سيدي المفتش.
- أرني ..
(( .. إذا لم أحضر حتى ليلة السابع عشر جانفييه وطلع صباحها فلا فائدة من الانتظار. إمضاء ألفريد )).
- عجيب ! .. هذا ما أسميه الانتظار القاتل.
الزبير قريب،بئر العاتر، الجزائر 10/07/2007

عادل سلطاني
29/01/2011, 07:01 PM
رائعة انتظارك يازبير سردية مدهشة متمكنة تتجاوز المكرور تحلق بالقارئ ليطل على عين المشهدية المرمزة الواقع من خلال مضمر مزاح تسكبه لغة مفارقة متجاوزة مضيفة لتعكس مستوى التمكن القصصي بحرفية تضاهي الإبداع الغربي المتمكن من هذا اللون المبدع بنكهة زبيرية المذاق ..
تحياتي أيها القلب القطبي المبدع

الزبير قريب
04/02/2011, 04:42 PM
رائعة انتظارك يازبير سردية مدهشة متمكنة تتجاوز المكرور تحلق بالقارئ ليطل على عين المشهدية المرمزة الواقع من خلال مضمر مزاح تسكبه لغة مفارقة متجاوزة مضيفة لتعكس مستوى التمكن القصصي بحرفية تضاهي الإبداع الغربي المتمكن من هذا اللون المبدع بنكهة زبيرية المذاق ..
تحياتي أيها القلب القطبي المبدع

كما أدعوك دائما أخي الأكبر عادل....
إنها محاكاة لخطى قلم ينفلت على واجهة الإحساس ولا يتوقف ...
يريد أن يقول شيئا ويسعد جدا حين تعترضه عين متصفحة فاحصة
أسعد و أسعد حين يفهمني مبدع لا يحب الورق الناسخ
هنيئا لي بقراءتك المشرّفة
ألف تقدير أخي