المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من روائع القصص الشعبي ( ق.ق )



علجية عيش
30/01/2011, 12:50 PM
الحاسن و عروس البحر


يحكى أن رجلا اسمه الحاسن كان يعيش بمفرده مع والديه، و كان لأبيه محل "حدادة" لبري السكاكين، و عندما توفي الولد خلفه ابنه الحاسن في مواصلة الحرفة، و جاء يوم و تعرف الحاسن على شيخ طاعن في السن و كان رجلا حكيما له قدرات سحرية، نصحه قائلا: إن هذه المهنة لا تساعدك و طموحك لاسيما و أنت شاب مقبل على المستقبل، و نصحه بتركها ، فقال له الحاسن : إنها مصدر رزقي و قد أوصاني الوالد بالحفاظ عليها، و لا يمكنني تركها، و أصر الشيخ على فكرته و اقترح عليه بأن يصعد الجبل، فإنه يوجد به الذهب..

قال الحسن : و كيف ذلك؟

قال الشيخ: لي جلد بقر أضعك فيه و أعيد إحاكته و أدعمك بسكين، و عندما أوصلك إلى الجبل استعمل السكين في قطع الجبل كي تخرج منه بسهولة..، ثم أرسل إلي حباة الذهب، حينها استعمل قدراتي السحرية و أعيدك إلى الأرض..، غير أن الحاسن رفض فكرة الشيخ، لكن الشيخ اصر على فكرته ، و في يوم من الأيام حضّر له عشاء ووضع فيه منوما، أكل الحاسن الطعام و غاب عن الوعي، وضعه الشيخ في جلد البقر، واستعمل قدراته الخارقة و رفع الحاسن إلى رأس الجبل عندما أفاق الحاسن من غيبوبته شعر ببرودة قاسية ، ووجد نفسه ملفوفا في جلد البقر، أخذ السكين و مزق الجلد وخرج منه ، و بقي ييحث عن الذهب فلم يجد له أثرا، ماعدا عظام رؤوس بشرية ميتة..

أدرك الحاسن بالكمين الذي نصبه له الشيخ، و لأنه كان شديد االذكاء، قام بإرسال له الحجر بدلا من الذهب، إلى أن قتله، و بقي الحاسن يبحث عن مكان آمن يبيت فيه خشية من الظلام، و هو يبحث لاح له نور على مقربة من شاطئ البحر..

رمى الحاسن برنوسه في البحر و استلقى فوقه و هو على يقين بأن الموت ينتظره عاجلا أم آجلا

فجأة خرجت "عروس البحر" لتمسك بالبرنوس، و أنقذت الحاسن، و رأى الحاسن على بعد أميال قصرا ضخما..

خرجت منه فتاة و قص عليها قصتها، فاقترحت عليه أن يبقى معها في القصر و يكون لها اخا و تكون له أخت ، قبل الحاسن الفكرة بعدما يئس من العودة إلى بلده و تعاهدا على أن يبقيا على الأخوة ..

و جاء يوم قررت فيه الفتاة صاحبة القصر السفر لمدة شهر كامل، و طلبت من الحاسن حراسة القصر حراسة شديدة،و تركت له مفاتيح الغرف، و نصحته بأن لا يفتح" بيت الظلام" و عاهدها على ذلك، و لكن الشيطان وسوس له فقرر فتح الغرفة ..

فتح الحاسن الغرفة.. وجدها جد مظلمة، لكنه قرر معرفة سر هذه الغرفة، وبقي يسير في الظلام إلى أن لاح له نور من بعيد.. اقترب من النور ، إذ يرى حديقة واسعة فيها كل أنواع الفاكهة و الورود و الحياة العذبة، و بقي يتأمل تلك الحديقة، و فجأة ظهرت "ثلاث حمامات" إثنان زرقاوتان، و الثالثة ناصعة البياض، حطت تلك الحمامات الثلاث و نزعت ريشها وإذ بها تتحول إلى "بشر" كانت الحمامة البيضاء اكثرهن جمالا، أخذت تلك الحمامات حمامهن في البحيرة، عندما حانت ساعة عودتهن لبست الحمامات ثوبهن و طرن من جديد..

تعلق قلب الحاسن بالحمامة البيضاء التي تحولت إلى بشر و أصبح دائم التفكير فيها، و انقطعت شهيته عن الأكل و غاب عنه النوم، شعر بحزب كبير على فراق الحمامة البيضاء..

وعادت الأخت من سفرها فوجدت الحاسن على غير طبيعته، يائسا.. هزيلا.. و مهموما..

سألته عن الحالة التي هو فيها، فراودتها الشكوك، و سألته عن الغرفة المغلقة، لم يستطع الحاسن الكذب على أخته صاحبة القصر، و أخبرها بالحقيقة، و طلب منها أن تخطب له الحمامة البيضاء، فأخبرته بقصة الحمامات و بأنه يستحيل الزواج بها ، كون والدها هو سلطان الجنون..

لكن قلب العاشق لا يعرف المستحيل، و أصر الحاسن على رغبته من الزواج بإبنة سلطان الجنون مهما كان الثمن..، حينها أخبرته صاحبة القصر قصتها الحقيقية هي الأخرى ، و أنها هنا من اجل حماية قصر السلطان و ابنتاه الثلاث، مخبرة إياه أن الحمامات الثلاث يأتين مرة كل سنة إلى تلك الحديقة، و عليه انتظار سنة بكاملها..

وافق الحاسن ، و بقي ينتظر عودة الحمامة البيضاء، و لما دارت السنة، عادت الحمامات إلى الحديقة لتستحمن في تلك البحيرة، تربص الحاسن للحمامة البيضاء إلى أن نزعت ثوبها..، وقام بسرقة الثوب، ولما حانت عودتهن لم تجد الحمامة البيضاء ثوبها، بحثت عنه في كل مكان ، لا يوجد له أثر، لبست الحمامتان ثوبهما و طارتا تاركتان الأخت الثالثة، و عادتا خشية من عقاب الأب، بينما الحمامة البيضاء فقد بقيت "بشرا" و لم تتمكن من العودة..

وتزوج الحاسن من الحمامة البيضاء و أنجبت له ولدان سمتهما ( ناصر و منصور)..

اشتد حنين الحاسن إلى والدته فقرر زيارتها، أخذ زوجته وولديه ليزور أمه، بعد ايام من مكوثه عند أمه، استدعي الحاسن من قبل صاحبة القصر ، فوجد نفسه مجبرا على العودة إلى القصر، و ترك الحاسن زوجته وولديه أمانة عند أمه، وأوصاها بأن تخفي الثوب الأبيض عن زوجته، و حذرها من أن تسلم الثوب لأحد..

أرادت الحمامة الذهاب إلى الحمام، و أصرت على ذلك و لم تجد الأم ( الحماة) إلا موافقتها و مرافقاها، نزعت الحمامة البيضاء ثوبها، انبهرت كل النساء لدرجة ألإغماء، و كانت وصيفة ( زبيدة) بنت السلطان حاضرة في الحمام، ذهبت الوصيفة إلى زبيدة و أخبرتها بالقصة

قالت زبيدة بنت السلطات: اسكتي يا حمقاء لا توجد من هي اجمل مني

قالت الوصيفة: بل توجد من هي أجمل منك يا مولاتي و أنا على يقين بأنكِ سوف تقطعين رأسي..

اقامت زبية بنت السلطان حفلة يوم الجمعة، وأمرت "البرّاح" بدعوة كل نساء المدينة حضور الحفلة ..

حضرت النساء ، و بنت السلطان جالسة على كرسي العرش و كان مرصعا بالذهب..

قالت الوصيفة : لقد حضرت كل النسوة يا مولاتي، ماعدا عجوز مع كنتها و حفيديها، أمرت بنت السلطان بإحضار العجوز و الكنة بالقوة، و لما رأت بنت السلطان الحمامة البيضاء التي كانت في هيئة بشر، اندهشت لجمالها و أمرتها أن تجلس مكانها في العرش قائلة:

إنك أنت التي تستحقين الجلوس على كرسي الذهب ، و طلبت من النسوة أن يرقصن داعية الحمامة البيضاء كي ترقص هي الأخرى ، وقامت الحمامة ترقص و ترقص و ترقص دون تعب أو كلل، لكن الحمامة كانت في قمة الذكاء و الحيلة، فكرت في حيلة للعودة إلى اهلها فقالت لبنت السلطان: لو سَمِحَتْ لي سيدتي بارتداء ثوبي الأبيض، و أريها الرقص الحقيقي..

و أمرت بنت السلطان من الحمامة البيضاء أن تلبس الثوب الأبيض ، و لما علمت أن الثوب مخبأ عند العجوز، أمرت العجوز بإحضار الثوب، و لم تستطع العجوز أن تخالف أوامر الملكة زبيدة خشية من أن تقطع راسها..

أحضرت العجوز الثوب الأبيض ، في الوقت الذي حضّرت فيه الحمامة البيضاء نفسها و أخذت وليدها تحت "إبطيها" ..، لبست الحمامة البيضاء الثوب الأبيض و طارت بولديها بعد أن تحولت من جديد من بشر إلى حمامة حقيقية ، و قبل أن تطير أوصت الحمامة البيضاء حماتها قائلة: أخبري إبنك إذا كان "عاشق و عشاق فليلحق بي إلى جزيرة الوقواق" ، حينها فهمت العجوز قصة الثوب الأبيض و سر الحمامة، و راحت تندب و تبكي على خيانة الأمانة و مخالفة وصية إبنها..، ولم تجد العجوز المسكينة كيف تداري فعلتها، ففكرت في حيلة و هي الذهاب إلى المقبرة و حفرت العجوز ثلاثة قبور و غطتهم بالتراب..

و الحمامة عائدة إلى أهلها مرت على القصر، لمحها زوجها فعرف أنها زوجته و هي تحمل لديه تحت جناحيها، عاد الحاسن إلى أمه ليستفسر عن الأمر..

سأل الحاسن الأم: أين زوجتي و ولداي؟

قالت الأم: لقد أصيبوا بمرض خبيث و توفوا جميعا..

و أخذته إلى المقبرة و أرته القبور الثلاثة

لم يصدق الحاسن الكذبة التي اخترعتها له أمه ، ولم يصدق قلبه العاشق ما رأته عينه في الفضاء..

طلب الحاسن من أمه أن تحضر له فأسًا، و قام بحفر القبور فوجدها مليئة بالتراب دون جثث، و ما كان للأم سوى الإعتراف بما حدث معها و أن ما فعلته كان أموامر الملكة بنت السلطان..

بكى الحاسن على فراق زوجته ووليده، ولما حكت له أمه وصية زوجته ، قرر اللحاق بها و متابعة أثرها و رحل إلى جزيرة الوقواق..

و في طريقه وجد الحاسن العاشق طفلان يتشاجران، و علما بأنهم يتشاجران من أجل عصا و قبعة ورثاهما عن والديهما و كان كل واحد يريد أخذ الإثين بعدما أخبراه بأنه عند ما يضع الشخص القبعة على راسه يصبح متخفيا، و عندما يضرب العصا على الأرض تُخْرِجْ له جنودا مسلحين تدفع عنه الأعداء..

أراد الحاسن العاشق الحصول على العصا و القبعة ، و خادع الطفلين و سرق منهما العصا و القبعة ، وواصل رحلته يسأل عن جزيرة الوقواق، إلى أن صادف أحد رعاة سلطان الجنون ( والد زوجته..)

سأل الحاسن عن زوجته، فأخبره الراعي أن زوجته مقيّدةٌ في قصر ابيها و هي تُعَذَّبُ يوميًّــا بسوطٍ من نحاس لزواجها من "إنسي"..

استعمل الحاسن العصا و القبعة السحرية ، و دخل قصر السلطان، بحث عن حبيبة القلب ، فوجدها في بيت التعذيب المخصصة للمساجين ، معلقة و مقيدة وولداها يصرخان لعذاب أمهما..

نزع الحاسن القبعة من على رأسه فعرفته زوجته و صرخ الطفلان ، أمرهما الحاسن بالتزام الصمت، فك الحاسن القيد من زوجته ، في هذه اللحظة أدركت الحمامة البيضاء مدى حُبّ الحاسن لها و ولهَهُ بها، فقررت الهروب و العيش معه و أنه لا يمكنها العيش من دونه ، و هرب الأربعة معًا..

علم الحراس بهروب الحمامة البيضاء من قصر والدها…، لحقوا بالحاسن و أهله…، أخذ الحاسن العصا وضرب بها الأرض ، خرجت جنود مسلحة و بقي الجنود يحاربون حراس سلطان الجنون ( والد الحمامة البيضاء) و في كل مرة يصادفه حراس السلطان يضرب بالعصا الأرض فتخرج جنود مسلحة مدرعة و تدفع عنه الأذى، إلى أن قضى عليهم جميعا و عاد الحاسن العاشق هو وزوجته و طفليه إلى أهله سالما ..


انتهى