المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تعود الحركة الإسلامية لخارطة المشهد السياسي في تونس؟!



ثابت العمور
30/01/2011, 04:15 PM
بعدما عانت لأكثر من عقدين " من"تجفيف المنابع"
هل تعود الحركة الإسلامية لخارطة المشهد السياسي في تونس؟!
بقلم/أ. ثابت العمور
رحل نظام بن علي ويتوقع أن ترحل معه كل المظاهر، وكل التركة التي كانت رابضة على خارطة الحياة السياسية في تونس، وقد فتح رحيله كل الأبواب التي كانت مؤصدة، مثلما فتح الباب أمام كثير من التساؤلات،أهمها ما بعد سقوط بن علي؟، وقد تركز جزءا غير يسير من هذه التساؤلات حول مستقبل الخارطة السياسية الحزبية عموما والحركة الإسلامية بوجه خاص، سيما وأن صعود الإسلاميين في المنطقة العربية بات مثار تساؤل وجدل وحساسية ومراقبة ومتابعة داخلية وخارجية، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وظهور اصطلاح ما بات يعرف بالحرب على "الإرهاب" وربط هذا الاصطلاح بالجماعات والحركات الإسلامية في الوطن العربي، والسؤال هل يؤدي زوال بن علي لعودة الحركة الإسلامية"النهضة" للمشهد السياسي في تونس؟، هل نجحت الحركة في ابتلاع الضربات التي وجهها نظام بن علي؟، وهل هناك قاعدة جماهيرية للحركة الإسلامية في تونس بعد قمع استمر لما يزيد عن 23 عاما؟.
عانت الحركة الإسلامية في تونس منذ البدايات من "تجفيف المناع" أي الاستئصال الأمني والثقافي والسياسي، ومنذ استقلال تونس عام 1956 والحركة الإسلامية في تونس تعاني القمع والإقصاء والتهميش والنفي والسجن، حتى أن بعض الباحثين والمهتمين بالحركة الإسلامية عموما وفي تونس تحديدا تحدثوا عن حصول نوع من الخلط والقمع ما بين الحركة الإسلامية والإسلام كدين، هذا القمع وذاك الخلط، أوجد علاقة ترابطية ما بين الشعب التونسي عموما والحركة الإسلامية، وقد ظهرت كمدافع وحيد عن الهوية الإسلامية والعربية في وجه العلمانية والتغريب الذي تعهد به الرئيسان الوحيدان لتونس منذ الاستقلال بورقيبة وبن علي.
ورغم الترابط الذي كان حاصلا ما بين الشعب و الحركة الإسلامية في تونس، إلا أن هذه الحركة وباعتراف قياداتها لم تكن من حرك الشارع التونسي ولم تكن المسئولة عن ذات الانتفاضة والثورة الشعبية التي شهدتها تونس، وأسفرت عن سقوط بن علي في الرابع عشر من يناير هذا العام، ونلمح في ذلك ليس هروبا من المسؤولية والفاعلية، ولكنه يبدو منهجا ويد ممدوه لكل الشركاء، أكثر منه توظيف واستئثار بما حدث، وهو ما عبر عنه زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، الذي قال:" الجميع شارك في تحرك الشارع التونسي من علمانيين وشيوعيين وإسلاميين". ومؤكدا بأن حركة النهضة" ليست وراء الاحتجاجات"،مضيفا على ما يبدو أنه رسالة طمأنة بأنه لن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة، وأنه لن يتقدم أي مرشح إسلامي من حركة النهضة للانتخابات الرئاسية. ويذهب الغنوشي أبعد من ذلك حينما يؤكد بأنه على" يقين بأن الحركة الإسلامية ليست مرشحة للحكم في تونس"، موضحا السبب بأنه "لأكثر من عشرين عاما كان الرئيس بن علي يخوف الغرب من فزاعة الإسلاميين، وأنه إذا ذهب بن علي سيأتي الأصوليين ويحكمون البلد، وكنا نريد أن نفوت عليه هذه الفرصة"، بالطبع حديث الغنوشي يفتح الباب ثانية أمام كثير من التساؤلات أكثر مما يضع ويوفر الإجابات. فالرجل رغم كل ما قاله أعلن بأنه سيعود إلي تونس قريبا، وهو ما يعني أن الباب مفتوحا أمام كل الخيارات والسيناريوهات.
يبدو المشهد السياسي عموما وما يتعلق بالحركة الإسلامية على وجه خاص في تونس ما بعد الثورة وسقوط بن علي ، شبيها لحد ما بما قبل السقوط ، فمشاورات تشكيل الحكومة لم تدعى لها الحركة الإسلامية، بل ربما لم يدعا لها أحد، ومن دعوا رفضوا المشاركة وخرجوا منها قبل أن تبدأ،فهل يعني هذا أن المشهد قد يسير بذات الطريقة التي كان عليها النظام السابق في تصوير الإسلاميين بأنهم خطر كبير يجب استبعاده واستئصاله إن أمكن؟، الإجابة هنا تتعلق بنظرتين الأولى أن الاستمرار على نفس النهج السياسي السابق وإقصاء الإسلاميين رغم كل ما حدث في تونس، سيؤدي إلى نتيجة ايجابية، مفادها كسب تعاطف الشعب التونسي مع الحركة الإسلامية، وبالتالي استمرار الحراك الشعبي ضد الممارسات الحاصلة من إقصاء واستبعاد، وتحول المطالب الشعبية إلى ضرورة أن تكون الحكومة الجديدة مشكلة من كافة الأطياف السياسية التونسية بما فيها الحركة الإسلامية، وبهذا تكون الحركة الإسلامية قد حققت أمرين الأول التعاطف الشعبي وهو مهم جدا في هذه المرحلة، والثاني أن تدخل العملية السياسية وتشارك فيها من موقع قوة ودعم شعبي واستجابة جماهيرية.
وبالعودة لحديث الغنوشي السابق نلحظ بأن الرجل يذهب في ذات الاتجاهين، فهو يريد الاستفادة والتوظيف من عملية الإقصاء التي حصلت ما قبل الثورة وما بعدها، ومن ناحية ثانية يريد إعادة ترميم وترتيب الأوراق قبل المشاركة في العملية السياسية، وفي ذات الوقت يبعث برسائل ضمنية للذين تم استبعادهم رغم مشاركتهم في الثورة، بما يوحي بأن هناك جبهة أخرى موازية بدأت تتحرك باتجاه المشهد التونسي وهو جبهة تضم كل الأطياف السياسية من علمانيين وقوميين ويساريين وليس حكرا على الحركة الإسلامية فقط، وتشكيل هذه الجبهة وهو أمر وارد جدا، سيعفي الحركة الإسلامية من تهمة "الأصولية" ويبث رسائل طمأنة للغرب المتوجس من عودة الإسلاميين وسيطرتهم على زمام الأمور كلها في تونس.
وبالتالي فإن مستقبل الحركة الإسلامية في المشهد السياسي التونسي سيكون حاضرا، لكنه حضور متأني ومتريث ومدروس جيدا "ستشارك في الانتخابات البرلمانية فقط وتحجم عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية" وبالطبع لهذا دلالاته، وهو حضور يدرك حساسية الوضع الداخلي في تونس، ويدرك تماما حساسية المشهدين الإقليمي والدولي، وبالطبع فإن جملة معطيات تؤكد وتدلل بأن هذا الحضور سيكون مؤثرا ومريحا ومضمونا، وهو مرهون بأمرين الأمر الأول يتعلق بالحركة الإسلامية نفسها، ويتوقع أن تشهد عودتين العودة الأولى من المنفى والثانية العودة للساحة السياسية التونسية،العودة الأولى ستوفر للحركة انتهاء "تجفيف المنابع" وانتهاء عملية الاستنزاف لقواعدها في الداخل، وبالتالي عودة كوادرها من الخارج ستوفر لها رصيدا بشريا مميزا ومتفردا. أما العودة الثانية تقتضي خطاب ورؤية سياسية تصالحيه ناضجة وجامعة وهو ما لمس بالفعل في خطاب الغنوشي عقب ثورة الرابع عشر من يناير.
عودة الحركة السلامية للمشهد السياسي التونسي مرتبط أيضا بعدة تحديات أهمها:
- لغة الخطاب السياسي الذي ستتبناه هذه الحركة داخليا وإقليميا وخارجيا، رغم وضوح معالمه ورسالة الطمأنينة التي بثها قيادات وكوادر حركة النهضة، إلا أن هذا الخطاب يبقى مرهونا بالممارسة أيضا.
- القدرة على إعادة ترميم الهيكل التنظيمي للحركة وقد تعرض على مدار عقدين لعملية استئصال ونفي وسجن وقمع..، وتفعيل عملية الدمج ما بين قيادة الداخل الذين كانوا في السجون، والخارج الذين كانوا في المنفى.
- زمن العودة، بمعنى كم تحتاج الحركة من الوقت للعودة سواء من المنفى أو للمشهد السياسي التونسي، فالتريث مطلوب ولكن بقدر محدود، لأن الحاصل في تونس الآن هو عملية استقطاب سياسي كبيرة وجادة، وتأخر عودة الحركة الإسلامية سيترتب عليه كثير من التحديات وسيصعب أي عملية استقطاب ستقوم بها فيما بعد.
تكوين جبهة موازية، ويتعلق ذلك بمدى قدرة الحركة الإسلامية على تكوين جبهة سياسية متعددة من باقي القوى السياسية التونسية لمواجهة، الحزب الحاكم في تونس، ولمواجهة بقايا النظام السياسي السابق ورجالاته، ومواجهة عملية الاستقصاء التي حدثت والتصدي لبعض الأطراف التي تريد سرقة الثورة الشعبية التونسية.
والخلاصة أنه ما بعد ثورة الرابع عشر من يناير، لم يعد مقبولا رؤية المشهد السياسي التونسي دون حضور للقوى والأحزاب السياسية بمختلف مشاربها بما في ذلك للحركة الإسلامية التونسية، وسيكون هذا الحضور عنوانا لانتصار الثورة وبدء عصر سياسي جديد في تونس، ولكن ما هو سيناريو وما هي طبيعة ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية على عودة الحركة الإسلامية للمشهد؟ هذا يبقى رهنا بما قد تسفر عنه الأيام القادمة.