المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منطقة القبائل ( تيزي وزو) بين عتبات التاريخ و شرفات المستقبل



علجية عيش
13/02/2011, 06:30 PM
منطقة القبائل بين عتبات التاريخ و شرفات المستقبل
( الأربعاء ناث إيراثن "نموذجا" )

نبذة تاريخية/
تؤكد الكتابات التاريخية أن كلمة أمازيغ عربية الأصل، لكون الأمازر من الرجال في اللغة العربية تعني الأقوياء أشداء القلوب، و آخرون قسموا الكلمة إلى مقطعين اثنين وهما: ماس ( mas) و معناه السيّد، و زيري ( ziri) و معناه النبيل و بالتالي فكلمة امازيغ تعني السيد النبيل، كما تنطق ماس زيري ( maziri ) نسبة إلى زيري ابن مناد مؤسس الدولة الزيرية، و تواجد الإنسان في منطقة القبائل في منطقة القبائل ( تيزي وزو) حسب المؤرخين يعود إلى فترة ما قبل التاريخ من خلال البقايا ألثرية التي تم العثور عليها في مناطق مختلفة كتيقزيرت، أزفون، عزازقة، ذراع الميزان..) و هي مناطق جبلية ريفية عانت منذ القد منم قبل شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط بدءًا من الفينيقيون و الرومان ثم البيزنطيون ، و قبل مجيء الأتراك كانت منطقة القبائل على شكل كونفدراليات كآث فراوسن، و آث إيراثن، إلى أن استولى عليها الجيش الفرنسي إلى شرع في بناء مدن صغيرة و قرى ذات طابع أوروبي في أماكن عديدة مثل: تيزي وزو، تيقزيرت، ذراع بن خدة، أزفون و الأربعاء ناث إيراثن..
و تحتوي منطقة القبائل على تراث تاريخي اثري ثقافي يتمثل في أدوات حجرية، نحوت و رسومات جدارية و معالم جنائزية، أبراج و حصون و آثار لمدن قديمة، كما تتميز منطقة القبائل بتقاليدها و عاداتها الخاصة، و نلمس ذلك من خلال التظاهرات الثقافية التي تناقلتها ألأجيال تتمثل في الطقوس الموروثة والتي ما تزال المنطقة متشبثة بها رغم تعاقب ألأجيال و نذكر على سبيل المثال : "أنزار يناير" و أنزار يعني إله المطر فهو طقس من الطقوس العريقة و التي تمارس إلى يومنا هذا و يتمثل في حمل ملعقة كبيرة متنكرة في زىّ امرأة و يسير بها موكب يردد: " أنزار أنزار يا اله المطر أنزار ربي اسقي الأرض حتى الجذور" و هي عادة يمارسها أهل منطقة القبائل الكبرى في حالة الجفاف، و بسقوط الأمطار يحضر أهل المنطقة الواعدة بالكسكسى و اللحم و مزيج من البقول الجافة، و المتأمل في تاريخ الحركة الوطنية يقف على حقيقة مفادها أن منطقة القبائل ( تيزي وزو) أول من قدمت الفيالق الأولى من المهاجرين بعد قيام السلطات الفرنسية بتحطيم أساسها الاقتصادي و مصادرة أراضيها..


الحياة الثقافية في منطقة القبائل
(الأغنية القبائلية نموذجا)

لعبت ألأغنية القبائلية المعاصرة دورا هاما في تقوية الوعي بالانتماء إلى الهوية الأمازيغية بمنطقة القبائل الكبرى، وكانت لها قاعدة شعبية على يد مغنين قبائل أمثال سليمان عزام، إيدير، آيت منقلات وفرحات مهني و غيرهم الذين بدأت معهم حركة الاحتجاج المعلن و الشديد للأغنية القبائلية الجديدة و كان لهم جمهور واسع في الداخل و الخارج
و الأغنية القبائلية بدأت تعرف النور في الفترة بين 1945 و 1950 عندما قام جيل من الشباب القبائلي المناضلين في صفوف التيار الوطني الراديكالي بتأليف أغاني ملتزمة ( les chansons engages ) باللغة الأمازيغية خاصة أناشيد الحركة الكشفية المتطورة في منطقة القبائل باستعمال كلمات النشيد: " kker a mmi-s umazigh و معناها بالعربية انهض يابن مازيغ "، و كان أساس و جوهر الأغنية القبائلية يغلب عليه الأثر الوطني الثوري و السياسي في محاولة تصحيح أخطاء النظام والدعوة إلى التحرر و نذكر على سبيل المثال لا الحصر: أغنية ( بارزيدان berzidan ) أي الرئيس للمغني فرحات مهني كلمات محند أويحي وكان من الممكن أن تلقى هذه ألأغنية متابعات قضائية بتهمة سب الرئيس و إهانة الدولة وان كان في بلد ديمقراطي، كما نجحد أغنية amzzarti أي الهارب من الجندية، و أغنية ( أدّو Adu ) و تعني ريح الحرية..الخ و من أغاني إيدير نقف على أغنية (تاقراولة tagrawla) و تعني في الأمازيغية الثورة و ( تيغري أنوقدود tighri n’ wegdud) و تعني نداء الشعب فضلا عن المجمعة النسوية " جرجرة" و الحرية التي غنت أغنية taqbaylit أي بنت القبائل، وابتداء من 1974 أعطت ألأغنية القبائلية الحديثة خاصة مع النجاح الذي أحرزه المطرب إيدير و مجموعة من المطربين المؤلفين ذوي الموهبة الكبيرة أمثال آيت منقلات وفرحات مهني لموضوع الهوية الأمازيغية كقاعدة جماهيرية، كما عززت من مصداقية الثقافة الأمازيغية على المستوى الوطني و الدولي..
و الموسيقى في منطقة القبائل تحمل الكثير من الإثارة حتى لو كانت في المناسبات العادية و هي تتميز بطابع شعبي محض، مما مكنت الأغنية من التنقل خارج الحدود على يد المؤلفين و المغنين أمثال: ( إقربوشن، الشيخ الحسناوي، سليمان عازم، شريف خدام، آيت منقلات، إيدير، معطوب الوناس و تكفاريناس..خ)، و ننوه أن بعض ألغاني ترافقها فنون الرقص التي تتداخل فيه الحركات ألأنيقة مع الحفاظ على القيم الاجتماعية و قواعد الالتزام بالآداب، أي الالتزام باللباس المحتشم و هي ( الأقندور و البرنوس بالنسبة لرجل، و يمثل البرنوس الأبيض رمز الرجولة و الشرف و أيضا تلبسه المرأة يوم زفافها، أما بالنسبة للمرأة فنجد الفوطة أو كما تسمى: تيمحرمت، و الأمنديل و تعني الشال، و الأقوس أي الحزام و هي ألبسة ما تزال ترتديها المرأة القبائلية في منطقة القبائل الى يومنا هذا بكل فخر و اعتزاز لكونه مظهر يعكس الهوية الأمازيغية لاسيما و هو يكون مرفق دوما بحلي فضية، مثل : ( أزرار أي العقد، أخلخال، أبزين، ابروش، تيخوثام أي الخاتم و غير ذلك من الحلي التي تتزين بها المرأة..
فقد لعبت الأغنية القبائلية المعاصرة دورا هاما في تقوية الوعي بالانتماء إلى الهوية الأمازيغية بمنطقة القبائل الكبرى، وكانت لها قاعدة شعبية على يد مغنين قبائل أمثال سليمان عزام، إيدير، آيت منقلات وفرحات مهني و غيرهم الذين بدأت معهم حركة الاحتجاج المعلن و الشديد للأغنية القبائلية الجديدة و كان لهم جمهور واسع في الداخل و الخارج، و نشير هنا إلى أن المهجر كان عاملا مهما لتطور الأغنية القبائلية الجديدة من حيث الشكل و المواضيع المعالجة ممزوجة بديناميكية الحركة من اجل إثبات الهوية الأمازيغية خاصة بالنسبة للنساء أمثال طاوس عمروش و ماسة بوشافة و غيرهن..
و إذا قلنا أن الثقافة تبدأ بلغة أهلها فيمكن القول أن الثقافة الأمازيغية لا يذمكن أن تزدهر بلغات أخرى إلا بلغتها هي أي بحروفها لاسيما و هي تتميز عن باقي اللغات باختلاف بعض الحروف نذكر على سبيل المثال: ( الحرف g فوقه (accent circonflexe) و مثاله كلمة igeni تنطق إيجنّي و معناها السماء، و الحرف z فوقه (accent circonflexe) و مثاله كلمة azar و تنطق أزّار و هي تعني الحذر، كذلك الحرف تشه tch و مثاله كلمة إيتشا itcha و لهذه الكلمة معاني كثيرة ، فهي تعني أكل، كما هي اسم لأنثى الطير..الخ ).
ومن أجل تخليد الحياة الثقافية أسست في ذلك جمعيات عديدة كان لها طابع ثقافي نذكر مثلا: ( الأكاديمية البربرية أنشأت عام 1967 باسم جمعية البربر لتبادل و البحوث الثقافية - أبارك- ثم تحولت إلى اسم ثقافة الأمازيغ عام 1969، و نجد جمعية تيويزي tiwizi أنشاها علي مسيلي عشية أحداث تيزي وزو سنة 1980 بفرنسا لنشر الثقافة البربرية،، و موازاة مع إنشاء الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان في 30 جوان 1985 تحرك دعاة البربرية لمناقشة النظام حول الشرعية الثورية و التاريخية فأسسوا جمعية ثقافية سميت thighri هدفها الاهتمام بتاريخ الثورة والحركة الوطني لكنها لن تعتمد إلى اليوم مما دفع أعضاءها و هو من فئة أبناء الشهداء لمحاولة منهم إنشاء تنظيم مستقل عن حزب جبهة التحرير الوطني رغم الاعتقالات العديدة لأعضائها و على رأسهم نور الدين آيت حمودة ابن الشهيد عميروش، و المغني فرحات مهني و المحامي مقران آيت العربي..
استمرت هذه الحركات الثقافية في نشر الثقافة الأمازيغية و تحسيس الرأي العام بوجود ثقافة أمازيغية منبثقة من الهوية الأمازيغية و التي ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، و المطالبة بحق نشر هذه الثقافة كباقي الثقافات الموجودة ، ذلك ما نلحظه من خلال التظاهرات الثقافية التي تحييها منطقة القبائل اليوم على مدار السنة، مثل العروض المسرحية، أيام الشعر الأمازيغي، و الأغنية القبائلية، عيد الزربية، عيد الكرز، تقام في فضاءات مخصصة دور الثقافة، المسرح الجهوي كاتب ياسين و المركز الثقافي مولود معمري لاحتضان هذا الزخم الثقافي..


لن نتسامح في دم معطوب الوناس

أين وصلت الأغنية القبائلية في الألفية الثالثة لاسيما و هذه الأخيرة كما يبدو كانت و ما تزال محاصرة من كل جانب و معرضة لهدم و التحطيم و التراجع خاصة بعد موت رائد الأغنية القبائلية معطوب الوناس، ما وقفنا عليه من أفكار و أراء ولو أنها كانت متناقضة في مجملها أن الأغنية القبائلية فقدن بريقها بموت الوناس كما عرفت الجمعيات الثقافية تراجعا إلى الوراء باستثناء البعض منها مثل جمعية "تيقجديث" و هي ذات طابع ثقافي، و كما يبدو من خلال الحديث مع شباب منطقة القبائل الذين تحدثنا معهم - على الهواء – فإنهم متعطشون إلى سماع الجديد و بروز جيل من نوع الوناس و إيدير و آيت منقلات، فما هو موجود في سوق الأغنية القبائلية مقلد ، يقول أحد المتدخلين أن آيت منقلات في مستوى معطوب الوناس لكنه بدأ يكبر، و يقول آخر لدينا أصوات قبائلية في المستوى ، لكن غياب إمكانيات النشر جعلت ما سموه بالمادة الرمادية أو كما سمها أحدهم "الكريمة النقية " مهددة بالانهيار..
المسالة حسبهم طبعا تتعلق بالمال من أجل إخراج شريط كاسيت أو قرص مضغوط ( سي دي أو دي في دي ) ما يثير في ألأمر أن أبناء المنطقة عندما لاحظوا على موفدة المثقف أنها لا تتقن اللغة الأمازيغية أطلقوا العنان للسانهم الفصيح ز يتحدثوا إلى المثقف بالغة العربية الأصيلة ، باستثناء القليل منهم من كان يخلط بين العربية و الفرنسية ، و يذكر أحد الشبان الشاب حميد من بجاية ، و هو معوق معروف على مستوى منطقة الأربعاء ناث إيراثن، كانت نهاية الشاب حميدو "الانتحار" و ذلك منذ 05 سنوات عندما وجد نفسه على الهامش بعدما أخرج ألبومه الغنائي و لقي مبيعات كبيرة جدا لكن دار النشر أجهضت حقه في التأليف رغم أن ثمن الإخراج كان على عاتقه هو و من ماله الخاص.. ما لوحظ أن اسم سليمان غانم و معطوب الوناس مال اسمهما يترددان على السنة الشباب الذين أكدوا للمثقف أنهم لن يتسامحوا في دم الوناس، ليؤكد واحد منهم لو مات كل القبائل إلا الوناس لأنهم مغنون ملتزمون بأتم معنى الكلمة، يبقى زداق المولود شعلتهم الوحيدة في إحياء ألأغنية القبائلية و رد الاعتبار للفنان الوناس و كل من غنى لقضية الوطنية و الهوية الأمازيغية..



الأربعاء ناث إيراثن معقل "الأسود"

تتبع دائرة الأربعاء ناث إيراثن ولاية تيزي وزو، تتربع على مساحة تقارب 40 كيلومتر مربع، و يبلغ عدد نسمتها أكثر من 30 ألف نسمة، و هي تبعد عن الولاية الأم تيزي وزو بـ: 27 كيلومتر، بها 16 مدرسة ابتدائية، 04 إكماليات، و ثانويتين و مركز للتكوين المهني، و ناث إيراثن حسب أعيان المنطقة كانت تسمى إيشرعيون من عرش آث إيراثن، و الأربعاء تعني السوق في الأمازيغية يجتمع فيها التجار و الباعة في قرية أشرعيون، و آث إيراثن هي جمع " إيراث" و تعني "الأسود" مفردها إيزّام izem و في الجمع izamawen، و هي رمز للقوة و الصلابة، و هو ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون في كتاباته حول تاريخ المغرب، و لو أن للأسد أسماء عديدة منها: ( إيهّر iher و هي في الجمع إيهرن ihran ، و أيراد ayrad و هي في الجمع ayraden ثم اسم إيرات irat و هي في الجمع إيرا أو إيراثن ira أو irten لتتحول الكلمة إلى إيراثن ..
وتقع كنفدرالية الأربعاء ناث إيراثن في شمال سلسلة جبال جرجرة يحيط بها آث جناد ، آت أواقنون في الشمال، آت محمود و آت عيسي و آت دوالة في الغرب ، و آت ينّي من الجنوب الغربي و من الجنوب قرية آت منقلات و من الشرق قرية آت فرعوسن، كما عرفت الأربعاء بتاريخ ثوري مجيد خرج من رحمها أبطال ضربوا المثل في التضحية و منهم الشهيد عبان رمضان المولود بقرية عزوزة، و تضم الأربعاء كل من: ( آث إيراثن، آت كرمة، آث إيرجن آت أوسمار و آث أومالو و التي تضم بدورها آت قواشة التي خرجت من بطن آت عكاشة) و الأربعاء نسبة إلى يوم الأربعاء الذي يفتح فيها السوق الأسبوعي ، و هي منطقة جبلية ريفية تعتمد على زراعة الكرز..



مرحبا بكم في مسقط رأس الشهيد عبان رمضان
Bienvenu au village natal de Abane Ramdan


من يتأمل الأربعاء يجدها على شكل pièce monte ، و الزائر إلى هذه البلدة الهادئة تقابله قرية عزوزة مسقط رأس الشهيد عبان رمضان مرورا عبر قرية عدني الشهيرة بنضالها و مقاومتها للجيش الفرنسي، و الشهيد عبان رمضان من مواليد 20 جوان 1920 قرب الأربعاء ناث ايراثن (تيزي وزو ) وسط عائلة ميسورة الحال. واصل دراسته الثانوية بمدينة البليدة وتحصل على البكالوريا عام 1941، وأثناء الحرب العالمية الثانية جنّد في الجيش الفرنسي برتبة ضابط صف، انخرط في صفوف حزب الشعب، وشارك في مظاهرات 08 ماي 1945، وأصبح عضوا في المنظمة الخاصة، بعد إلقاء القبض عليه تم الحكم عليه بالسجن مدة 06 سنوات ثم أطلق سراحه من سجن الحراش في جانفي 1955..، بعد اتصاله مع العقيد أعمر أو عمران التحق الشهيد عبان رمضان بالثورة وكلف بتنظيم شبكة المناضلين بالعاصمة و لعب دورا أساسيا في إعداد وثائق مؤتمر الصومام وكان صاحب فكرة أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري، كما عمل في الصحافة فكان يشرف على إصدار الأعداد الأولى من جريدة المجاهد بالعاصمة إلى أن صار عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ، ليلتحق بتونس وأظهر معارضة لبعض العسكريين أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ و بقي على مواقفه إلى أن تعرض لعملية اغتيال يوم 26 ديسمبر 1957 بالمغرب ولازالت ظروف اغتياله غامضة إلى اليوم..
و إحياء لذكراه أقامت بلدية الأربعاء ناث إيراثن له تمثالا وسط المدينة وسط ساحة سميت على اسمه تحيط به أربعة مدافع، و الساحة مقابلة للمجلس الشعبي البلدي، كما نصبت البلدية مقاما لشهداء الثورة المنحدرين من الأربعاء و هو المحاذي لمقر الأمن الحضري..، و قد وقفت "المثقف" على البيت القديم للشهيد عبان رمضان الواقع بقرية عزوزة، و رغم أن المنزل كان مغلقا غير أننا تمكنا من النفوذ غلي الداخل بمساعدة أبناء القرية الذين قادونا إلى زاوية من زوايا المنزل أين توجد فتحة من خلالها يمكن التسلل داخله، كانت نوعا من المجازفة و المغامرة و لكن كانت فيها لذة طالما تتعلق بشخصية ثورية لها صيت على مستوى الداخل و الخارج، و حسب ما كشفته لنا مصادر مطلعة فإن السلطات المحلية قررت أن تحول البيت القديم الذي ولد و ترعرع فيه الشهيد البطل عبان رمضان إلى متحف أثري، و تكاد أشغال الترميم أن تنتهي إلى حين تسليم المشروع قريبا حتى يكون مرجعا تاريخيا للأجيال القادمة..



«لا معنى للثورة إن كانت تقدم السلاح على الفكر!» ..

هي عبارة قالها عبان رمضان عندما التقى بقادة الثورة، الذين ساعدوه على الفرار عندما كان في الإقامة الجبرية في إحدى القرى الصغيرة بعد اندلاع الثورة الجزائرية ، ثم انكب على إعداد دستور جبهة التحرير الجزائرية ليطرحه على زعمائها ومناضليها في المؤتمر السري الذي انعقد في الجبال الوعرة أواسط الخمسينات، وسرعان ما ضمن هذا الدستور اعترافا دوليا لجبهة التحرير

الحديث عن مشروع تحويل البيت القديم للشهيد عبان رمضان إلى متحف أثري يرجع بالقارئ الكريم إلى الأمس القريب و الصراع القبائلي – العربي أثناء الثورة التحريرية، عندما اصطدم الشهيد عبان رمضان مع أولئك الذين كانوا يرون أن السلاح هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة الجيش الفرنسي،و صرخ فيهم في أحد الاجتماعات ضاربا بيديه على الطاولة قائلا: «يجب أن يسبق الفكر السلاح وإلا فان هذه الثورة ستعود علينا وعلى شعبنا بالوبال!» ولم يستمع رفاق الثورة إلى نصيحة عبان رمضان ولم يأخذوها بعين الاعتبار، بل اعتبروها هذيان مثقف «منقطع عن الواقع» لكن عبان رمضان بقي متمسكا بموقفه منددا بأصحاب «الرؤوس الساخنة» المتشبثين بضرورة الرد على العنف بالعنف، حينها بدأت خطة اغتياله تدبر له في الخفاء ، أين أخذ غدرا إلى الحدود الجزائرية ـ المغربية، وهناك أعدم رميا بالرصاص وهو معصوب العينين ..
قبل عملية الاغتيال بدأت تحركات بن بلة في تشويه صورة القبائلي بأنه رجل متعجرف و غير متحضر و شار ب للخمر و لا يصلي و لا يصوم رمضان وصل الأمر إلى الاعتقاد بأن القبائل مسيحيين لا علاقة لهم بالإسلام و أنهم لا يجيدون العربية قراءة و كتابة و نقل هذه الصورة إلى النظام المصري المتمثل في القائد جمال عبد الناصر، و هذا لكي يحقق دعم عبد الناصر ، في حين لم يتوانى عبان رمضان في اتهام بن بلة و الوفد الخارجي بالتقاعس في تموين المناطق الداخلية بالأسلحة و هي مناطق الشمال القسنطيني و القبائل و العاصمة و ما جاورها، إلى أن تفاقم الصراع بينهما من اجل الزعامة انتهت بالتصفيات الجسدية..
الوقوف على هذه الحادثة يتطلب شيء من الشجاعة و الجرأة التاريخية للكشف عن بعض الحقائق التي بقيت في خانة السرية، و ذلك ما عرقل سير كتابة التاريخ لدى الأجيال، لاسيما فيما يتعلق بسلسلة الاغتيالات الوطنية، و تؤكد الكتابات التاريخية مدى عداء بن بلة للجانب الأمازيغي و هو عداء قديم و صراعه مع عبان رمضان كون أحمد بن بلة معروف عليه و مقربيه بتبنيه الاتجاه الماركسي و قد طرح بن بلة قضية التعريب ليس دفاعا عن العروبة بل من اجل كسر شوكة القبائل و على رأسهم الشهيد عبان رمضان و حسين آيت احمد..، و عندما اغتيل عبان رمضان عبّر بن بلة عن فرحته ورضاه بتصفية عبان رمضان •، في حين ندد أحمد محساس بمقتل عبان رمضان ولم تعجبه مثل هذه السلوكات العدوانية، و هو ما يؤكده عبد الحميد مهري بأن عبان رمضان من القادة البارزين في الحركة الوطنية والثورة الجزائرية، ومن الطبيعي أن تبقى قضيته مثارا للبحث والتساؤل..


علجية عيش
التحقيق أجري يوم الخميس29 جويلية 2010
نشر على صفحات أسبوعية المثقف يوم 05 أوت 2010