المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسرح الطفل والوعي الإعلامي العربي



صادق ابراهيم صادق
13/02/2011, 11:38 PM
تجربة تتأرجح بين نقد مرفوض ومجاملة غير مفيدة
مسرح الطفل والوعي الإعلامي العربي
في حين يعتبر مسرح الطفل أحد أهم مخرجات الإبداع الإنساني متمثلا بما يكتب ويخرج من أعمال مسرحية خاصة بصغار السن، تبرز علاقة هذا المنتج بوسائل الإعلام عموما والعربية منها خصوصا، إلى الواجهة ،وذلك جنبا إلى جنب مع مدى إدراك الأخيرة لأهمية هذا المسرح في تشكيل وعي الأطفال عندما يصبحون كبارا مؤثرين في تحديد مسار المجتمعات التي يعيشون فيها ،وفي تحديد هويتها ومكانتها بين الأمم.


في هذا السياق، لا بد من التأكيد على حقيقة مفادها أن مسرح الطفل في العالم العربي، ومعه مختلف وسائل الإعلام عموما، يعاني من مشكلة ذات طابع مزدوج، حيث يتعرض لما يتعرض له المسرح عموما من تهميش وإهمال وغياب التوجهات الجادة والرؤى بعيدة المدى، كما يرزح في الوقت نفسه تحت وطأة مجموعة أخرى من المشاكل الخاصة، التي تبدأ بغلبة أسلوب التعاطي الكرنفالي والموسمي مع مسرح الطفل ولا تنتهي بهشاشة النصوص التي تقدم في هذا المسرح من ناحية قدرتها على مواكبة عقلية الطفل العربي ورغباته وميوله مرورا بالعديد من العقبات والتحديات الأخرى مثل التمويل والتنسيق والنشر الترويج وغيرها.

من نافلة القول إن العلاقة بين مسرح الأطفال ووسائل الإعلام تتسم بطابع التأثير المتبادل الذي يتناسب طردا مع مدى اتساع رقعة الأعمال المسرحية الموجهة لهذه الشريحة العمرية الحساسة للغاية، إذ لا يمكن الحديث عن وعي إعلامي بأهمية مسرح الأطفال بعيدا عن الواقع الموضوعي الذي يعيشه هذا المسرح نفسه، الأمر الذي يتجلى من الناحية الإعلامية في شقين يعكسان جوهر طبيعة هذه العلاقة.

الشق الأول يتعلق بالمنتج المسرحي نفسه وقلة هذا المنتج من الناحية الكمية وتدني مستواه من الناحية النوعية وما يعكسه ذلك من تدني مستوى التناول الإعلامي لواقع مسرح الطفل من ناحية المتابعة والتغطية والنشر انسجاما مع معطى موضوعي لا دخل للوعي الإعلامي بمسرح الطفل فيه على الإطلاق، وذلك كما يقول المثل الشعبي «كل إناء بما فيه ينضح»، بحيث لا تستطيع وسائل الإعلام خلق ظاهرة من لا شيء.

لكن الشق الثاني من المعادلة يرتبط ارتباطا وثيقا بمستوى وعي معشر الإعلاميين بأهمية مسرح الطفل، وذلك حين يصبح الحديث يدور عن عامل ذاتي إلى حد كبير يتعلق بإرادة ووعي الصحافيين أنفسهم، الذين إذا كانوا قد آثروا على أنفسهم اختيار الطريق الأسهل مع مسرح الكبار فراحوا يكيلون له المديح بمناسبة وبدون مناسبة، فإنهم لم يتعاملوا بطريقة تختلف كثيرا مع مسرح الصغار، الذي أخذوه على محمل العاطفة وراحوا يحتفون بكل ما ينتجه ليس انطلاقا من تقييمات وتوصيفات موضوعية منصفة وإنما كونه منتج معد لشريحة بريئة من المجتمع محببة على قلوبهم ولا بد من التضامن معها ومع ما يقدم لها بكل الأحوال بغض النظر عن طبيعة هذا المنتج ومستواه، ما أسهم بشكل سلبي إلى حد كبير في تراجع إمكانية تطور هذا الجنس الإبداعي، الذي يحتاج، بطبيعة الحال، إلى حركة نقدية تواكبه وترفده حاله في ذلك حال أي جنس إبداعي آخر.


غياب التخصص

مما سبق يتبين أن هناك سيطرة للتناول العاطفي لمسرح الطفل في وسائل الاعلام، التي يبدو أنها تفتقر إلى مقومات التناول العلمي الموضوعي لهذا المسرح، مما يحول دون رؤية العناصر الحقيقية المكونة له في واقع الأمر، كما يدفع وسائل الإعلام في الوقت نفسه إلى تلقف المنتج المسرحي الخاص بالطفل على علاته بصفته إنجازا حقيقيا لا نقاش فيه، وإلى إبقاء الصحافيين عالقين في شرنقة إعلامية ضيقة عنوانها تناول مسرح الطفل ضمن دائرة التوصيفات السطحية التي لا ترقى بالمرة إلى مستوى نقد الظاهرة الفنية وتقليبها من الداخل، مع الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء الصحافيون ليسوا نقادا مسرحيين، لكن غياب النقاد جعلهم يضطلعون أحيانا بهذا الدور الحيوي الذي عادة ما تتولاه الحركة النقدية نفسها باتجاه تصويب أي جنس إبداعي. بمعنى آخر، يصعب إن لم يكن من المستحيل النظر إلى مسرح الأطفال بعيدا عن النقد نفسه، فضلا عن غياب الجانب التخصصي في عمل هؤلاء الصحافيين، الذي يسهم بدوره سلبا في تدني مستوى التناول الإعلامي لمسرح الطفل.

بيد أن هذا الواقع المزري لا يعني أن الإعلاميين لم يقوموا بدور كبير كهمزة وصل بين المؤسسات المعنية بالشأن المسرحي وبين الجمهور المتلقي قارئا أو مشاهدا أو سامعا، إلا أن غياب التوجه الاستراتيجي في تلك المؤسسات كان له على الدوام أثر بالغ على الدور الفاعل للإعلامي، لأن أغلب الفعاليات المتبناة من قبل هذه المؤسسات ظلت حبيسة التعاطي الشكلاني مع مسرح الطفل وظلت تصب في الشكليات على حساب جوهر العمل المؤسساتي الهادف إلى تأسيس هذا المسرح ودعم وجوده.

من جهة أخرى، فإن مسرح الطفل على الصعيدين المحلي والعربي يفتقر إلى شبكة من العلاقات المؤسساتية بين مختلف الجهات المعنية به، حيث يتعين على المؤسسة المسؤولة عن مسرح الطفل التنسيق والتخطيط بين ومع المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية بحيث يكون هناك منظومة متكاملة ومتوافقة في رؤيتها لمسرح الطفل في واقعه ومستقبله.

نحن لا ندافع عن الإعلامي من خلال هذا الطرح، لكن ما قدم حتى الآن في المسرح على المستوى العربي من محيطه إلى خليجه لا يرقى إلى مستوى القراءة والمتابعة والنقد والتغطية الإعلامية، وهذا ما يضع الإعلامي في موقف حرج لا يحسد عليه البتة على الرغم من إدراكه لأهمية مسرح الطفل كمدماك حقيقي لأي حركة مسرحية لها مساهمتها في تشكيل الوعي الفردي والمجتمعي ليس فقط في ميدان تخريج ممثلين ومخرجين وتقنيين مسرحيين وإنما في إعداد مشاهد حقيقي للمسرح أيضا.

إضافة إلى ذلك، فإن المؤسسات المعنية بشأن مسرح الطفل غالبا ما تتبنى إصدارات مسرحية للطفل في مجال التأليف لا تتناسب لا في طباعتها ولا في إخراجها ولا في رسوماتها ولا في حجمها ولا في مضمونها مع عقلية ورغبات وميول فكر الطفل العربي ولا تأخذ في الاعتبار مستويات فئاته العمرية المتباينة.

ولأن الإعلامي الواعي والملتزم يعتبر نفسه مشاركاً وشريكاً في هذا الحراك المسرحي الموجه للطفل، فإنه يجد نفسه واقعا بين فكي كماشة، فإما أن يكون ناقدا مرفوضا أو مجاملا غير مفيد في أحسن الأحوال وذلك كي لا نقول ضارا، من هنا تأتي اشكالية العلاقة بين الإعلام والمسرح في وطننا العربي حتى أنها تبدو علاقة متشابكة متناقضة متداخلة متعارضة ومتوافقة في آن. ولقد ظلت وسائل الإعلام ومن يعمل فيها تتلهى على شاطئ بحر مسرح الطفل دون أن تغوص في أعماقه ليس لأنها لا تريد أو أنها لا تملك القدرات التقنية والفنية والثقافية والمعرفية اللازمة التي تؤهلها لذلك، بل لأن أغلب التجارب المسرحية التي قدمت للطفل العربي تبدو وكأنها مجرد أداء واجب مفروض على أجندات المؤسسات المعنية بمسرح الطفل، حيث يلاحظ العديد من الإعلاميين نوعا من الاستخفاف بعقلية الطفل العربي عبر ما يقدم له من أعمال هي أقرب إلى التهريج في حالات كثيرة كالطرق وإعادة الطرق وبلا كلل أو ملل على موضوعات بعينها مثل أسلوب أنسنة الحيوانات الذي تعدته عقلية طفل باتت تتعامل بمهارة فائقة مع مخرجات التقنيات الحديثة وثورة المعلومات والكومبيوتر لدرجة أننا في مهرجان مسرحي للطفل استمر لمدة سبعة أيام قدمت فيه أكثر من عشرة عروض تدور حول الفلاح في مزرعته في الغابة في مكان صحراوي يمثل بيئة هذا الطفل ويرسم ملامح وسمات شخصيته ومسار حياته اليومية.

حتى لو أخذنا ٍّما يقدم في العديد من مهرجانات مسرح الطفل في العالم العربي على محمل الجد، فإننا نجد أن أحدا في مهرجان مثل مهرجان مسرح الطفل في الإمارات والذي قدمت فيه أكثر من ‬40 مسرحية للأطفال على مدار خمس دورات سنوية متتالية لم يلتفت إلى أهمية إصدار نصوص تلك الأعمال المسرحية في مطبوعات مناسبة تقدم للأطفال خارج المواسم الكرنفالية سواء كانت تلك المطبوعات كتبا أو مجلات أو صحفا كما أننا لم نر إلا القليل منها يعرض على الشاشة الصغيرة والمحطات الإذاعية المنتشرة على نطاق واسع في البلاد أو يوزع على أقراص مدمجة في الأسواق.


ندرة

ولإعطاء فكرة عن ضآلة نشر النصوص المسرحية الخاصة بالأطفال، تكفي الإشارة إلى أن عدد مسرحيات الأطفال المنشورة في بلد عربي مثل المغرب، قد بلغ تسعة عشر نصا مسرحيا فقط بين عامي ‬1959 و‬1999، ولنا أن نتخيل حجم الكارثة التي يشي بها هذا المعطى الرقمي، الذي ذكره الباحث والأكاديمي المغربي الدكتور جميل حمداوي في مقال تحت عنوان» مسرح الطفل والإعلام المغربي بين الحضور والغياب»، التي يؤكد فيها كذلك على أن متابعة الصحافة لمسرح الطفل ضئيلة بدورها.

حتى لو تجاوزنا واقع مسرح الطفل وغضضنا النظر عن ما يقدمه لهذه الفئة العمرية المهمة ونظرنا إلى بعض المجلات التي تصدر بالعربية والمخصصة للأطفال مثل «ماجد» و«أسامة» و«سندباد» و«سمير»، والتي يصدر بعضها منذ ‬50 عاما، وغيرها ــ إذا نظرنا إليها من منظور درامي صرف، نجد أنها لا تمثل بدورها فكر وعقلية ورغبة وميول هذا الطفل الذي بات يواكب أحدث معطيات العصر.

نظرة سريعة إلى مختلف وسائل الإعلام المهتمة بمسرح الطفل تشي بوضوح أن المرئية منها تطغى على المسموعة والمكتوبة منها في آن، حيث لا يمكن مقارنة ما تقدمه الشاشة الصغيرة مع ما تقدمه الصحف والمجلات والمحطات الإذاعية، مع ملاحظة أن المجلات المتخصصة تأتي في المرتبة الثانية في هذا المقام، فبينما كانت مجلة «الحياة المسرحية» في سوريا، على سبيل المثال، تنشر أحيانا بعض النصوص المسرحية الخاصة بالأطفال، دأبت بعض المحطات التلفزيونية العربية مثل التلفزيون السوري وتلفزيون الشارقة على سبيل المثال على عرض هذا النوع من المسرحيات في الأعياد والعطل، فضلا عن أن الجهات المعنية في هذا البلد العربي أو ذاك تنشر عادة نصوص المسابقات المسرحية.

لكن تبقى بلدان المغرب العربي هي التي تحتل موقع الريادة على صعيد اهتمام وسائل الإعلام المختلفة بمسرح الطفل، حيث لا يقتصر هذا الاهتمام على التلفزيون أو الكتب أو المجلات المتخصصة، بل يشمل كذلك الصحف اليومية، التي دأبت على نشر نصوصا مسرحية خاصة بالأطفال، فضلا عن انتشار الأبحاث النقدية المتعلقة بهذا الموضوع في شتى أنواع المطبوعات، على الرغم من أن بعض النقاد المغاربة يرون أن مسرح الطفل في الإعلام المغربي لم يأخذ مكانته بعد بالمقارنة مع مسرح الكبار.

أما فيما يتعلق بوسائل الإعلام الإماراتية وعلاقتها مع مسرح الطفل، فإنها لا تختلف كثيرا عن نظيراتها في بقية البلدان العربية، حيث يلاحظ ندرة في عرض مسرحيات الأطفال على شاشات التلفزيون المحلية، فضلا عن غياب قناة تلفزيونية متخصصة في هذا الميدان، كما يلاحظ غيابا من نوع آخر يتعلق هذه المرة بالاسطوانات المدمجة التي تحتوي على أعمال مسرحية محلية بينما تغص الكثير من محلات بيع هذا النوع من الاسطوانات وحتى محطات البترول بالمسرحيات الخليجية والعربية، فضلا عن غياب أي توجه على هذا الصعيد في المحطات الإذاعية والمجلات والصحف اليومية.

خلاصة القول، بوسعنا أن نستعرض في هذا المقام الكثير من التوصيات والمقترحات التي من شأنها أن تشكل رافعة لواقع مسرح الطفل في العالم العربي وعلاقته بمختلف وسائل الإعلام على غرار إدراج مادة المسرح في المناهج المدرسية أو تخصيص قناة تلفزيونية أو مجلة أو حتى تخصيص بعض صفحات الصحف اليومية لمسرح الطفل أو الاكثار من المهرجانات والإصدارات المسرحية الخاصة بالطفل لأننا نعتقد أن جميع المنتديات التي حاولت معالجة هذا الموضوع قد جاءت على ذكر هذه التوصيات والمقترحات وغيرها ولذلك ربما ما يحتاج إليه هذا الواقع المزري لمسرح الطفل بذاته أو بعلاقته مع وسائل الإعلام هو رمي بحصة في مياه بركة مسرحية راكدة عل صدى تردداتها يصل إلى ضمير القائمين على الشأن المسرحي عموما ومسرح الطفل خصوصا قبل أن يصل إلى مسامعهم.
مع تحياتى ومحبتى الناقد والقاص/صادق ابراهيم صادق