المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقترحات عاجلة لتطوير جهاز الشرطة



محمد حمدي غانم
15/02/2011, 01:17 PM
مقترحات عاجلة لتطوير جهاز الشرطة

يعتبر يوم 28 يناير 2011، يوم نكسة جهاز الشرطة المصري، والتي لا تقل في فداحتها بأي حال من الأحوال عن نكسة الجيش المصري عام 1967.. ففي ذلك اليوم الذي سمي بجمعة الغضب، انهار الأمن المركزي تماما أمام المتظاهرين، وهرب أفراده وضباطه كالجرذان تاركين عرباتهم ومدرعاتهم ليحرقها الثوار الغاضبون في القاهرة والسويس والإسكندرية وغيرها من المدن المصرية، وتبع هذا إحراق الأهالي الغاضبون لمراكز الشرطة ومديريات الأمن انتقاما لشهدائهم الذين سقطوا بالرصاص الحيّ، مما أدى إلى هروب كل ضباط الشرطة حتى شرطة المرور، سواء بسبب فزع من طوفان الثائرين الراغبين في الثأر، أو بسبب أمر يقال إنه وُجِّه إليهم بالانسحاب، وهو يشبه الأمر الذي وجهه عبد الحكيم عامر إلى الجيش المصري بالانسحاب العشوائي من سيناء أثناء النكسة!!
لكن الحقيقة أن جرائم أمن الدولة والأمن المركزي ضد الثوار، وهروب الشرطة في ليلة العار وتركها البلاد والعبادَ بلا حماية، خاصة مع تهريب المجرمين من السجون ـ كل هذا ليس إلا قطرة من بحر الإجرام الذي مارسته الشرطة المصرية ضد الشعب المصري طوال العقود السابقة.. إجرام يشمل التعذيب وانتزاع الاعترافات المزورة بالعنف، وإهانة المواطنين وازدراءهم، وإهمال حماية ممتلكاتهم وأمنهم.. على سبيل المثال لا الحصر: في مدينتي والقرى المحيطة بها، انتشرت طوال السنوات الماضية عمليات منظمة لسرقة المواشي، ولم يتدخل ضباط الشرطة، بل رفضوا صراحة التدخل، فليس لدى أحدهم استعداد للمكوث في دورية أو كمين وسط الحقول لمواجهة عصابات مسلحة، قتلت من حاول التصدي لها من الفلاحين!!
وكلنا يعرف كيف انتشر البانجو والمخدرات بين الشباب في كل ربوع مصر، وكيف شاع التحرش بالنساء والبلطجة وغيرها من مظاهر الانفلات الأمني، الذي لم يكن يعني الشرطة كثيرا، ما دامت تؤدي واجبها الأساسي والوحيد في حماية النظام من التيارات الإسلامية!!
هذا غير ابتزاز شرطة المرور اليومي للسائقين، وتلقي الرشاوى والإتاوات منهم علنا، وتلفيق المخالفات لهم، ونصب أكمنة الرادار على سبيل الاسترزاق، وحتى لو التزم السائقون بالسرعة، يتم تحرير المخالفات الجزافية لهم، فإن جادلهم السائق قالوا له: اذهب لتصليح عداد السرعة فقراءته غير سليمة، مما جعل السيارات تسير كالسلاحف في أي منطقة فيها رادار!!
وغير هذا الكثير والكثير من سجل الفساد والإجرام الذي يحفل به ملف الشرطة المصرية، والذي يجعل من الحتمي إجراء إصلاحات جذرية في هذا الجهاز، أقترح منها:
1- تفتيت جهاز الشرطة إلى ثلاثة أجزاء:
‌أ. وزارة الأمن القومي، وتضم أمن الدولة والمخابرات والأمن المركزي.
‌ب. وزارة الشرطة: وتضم مديريات الشرطة ومراكزها التي تعمل على حماية أمن المواطنين، وضبط الجناة، وتنظيم المرور وما إلى ذلك.. هذا سيحسن صورة الشرطة أمام المواطنين، وسيضمن عدم تكرار ما حدث يوم جمعة الغضب، فجرائم الأمن المركزي وأمن الدولة لن تنسب بعد هذا إلى جهاز الشرطة الذي يحمي المواطنين، ولن يكونوا بحاجة إلى الهرب كالدجاج المذعور خشية الانتقام منهم ببسبب أخطاء غيرهم!
‌ج. شرطة تنفيذ الأحكام القضائية، ويتم ضمها إلى وزارة العدل، لضمان تنفيذ أحكام القضاء، فقد عانينا طوال العقود الماضية من صدور آلاف الأحكام التي تجاهلتها وزارة الداخلية!.. وأقترح أيضا إنشاء جهاز شرطة رقابي خاضع لوزارة العدل، مهمته تعقب الفاسدين في أجهزة الشرطة الأخرى، والمتورطين في التعذيب، وضبطهم وتقديمهم للمحاكمة، وليكن اسمه شرطة العدل، فليس من المعقول أن يتقدم المواطن ببلاغ إلى الشرطة ضد الشرطة، فالمجاملات والزمالة وعصبية المهنة وخوف المسئولين من الفضائح، تجعلهم يتكتمون على هذه البلاغات ويهددون مقدميها، لهذا يجب أن يكون هناك جهاز رقابي مستقل يضبط عمل الشرطة ويتلقى البلاغات ويحقق فيها، قبل رفعها إلى القضاء.

2- تقليص جهاز الأمن المركزي الذي يصل تعداده إلى حوالي نصف مليون مجند إلى عُشر تعداده على الأكثر.. هذا سيوفر ميزانيته، ويجعل من المنطقي أن يتم تعيين أفراده بدلا من تجنيدهم، وهذا سيفتح فرص عمل جديدة للشباب، ويضمن رفع كفاءة هذا الجهاز.. ولا أظن بعد ما حدث يوم جمعة الغضب أن هناك من يظن أن كثرة تعداد هذا الجهاز مفيدة أو ضرورية لحماية النظام، فقد تم سحقه بالكامل في أربع ساعات فحسب يوم جمعة الغضب!!.. لذا فالأفضل أن يتم قصره على المهام الأساسية، كتأمين مباريات كرة القدم، وفض المنازعات بين الأهالي، واعتقال المجرمين الخطرين، وهي أمور لا تحتاج جيشا بهذا الحجم الذي يساوي تعداد الجيش المصري!!.. أما منع المظاهرات السلمية والاعتصامات، فهو أمر لم يعد مقبولا ولا حتى مجديا، وقد رأينا ما حدث بسببه، وكيف أدى استفزاز المتظاهرين الذي يطالبون بالإصلاح، إلى الإطاحة بالنظام بأكمله بكل رموزه!

3- إصلاح كليات الشرطة، بمنع الواسطة والرشاوى، والتخلص من الشروط الأمنية التي منعت الشرفاء من دخول هذا الجهاز، بسبب تدينهم أو قرابتهم لأناس ينتمون إلى تيارات إسلامية.. كما يجب تدريس منهج إسلامي في هذه الكليات، يوضح حرمة دم المسلم، وخلود قاتل النفس بغير ذنب في جهنم، وكيف أن قتل إنسان واحد بدون ذنب يعادل قتل الناس جميعا عند الله، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأنه لا يجوز التكبر على الناس وإهانتهم وسب أمهاتهم، وأن سب الدين كفر.. إضافة إلى تدريس اتفاقية جنيف التي تجرم قتل العزل من الأعداء فالأولى عدم قتل العزل من أبناء الوطن.

4- لا يمكن أن نبدأ صفحة جديدة، بدون محاكمة كل المسئولين في جهاز الشرطة في العصر الماضي، عن جرائم التعذيب والقتل والرشوة ومساعدة تجار المخدرات، وتسهيل نهب رجال الأعمال والوزراء لأراضي الدولة وممتلكاتها.. هذه صفحة لا يمكن طيها على سوءاتها، ولن يشعر الناس بالأمان، ولن تبرد نار أهالي القتلى، ولن يستعيد الشعب ثقته في الشرطة، بدون تحقيق العدل أولا.. كما أن هذه المحاكمات هي الضمانة الوحيدة أن ما حدث لن يتكرر، حيث ستصل الرسالة واضحة لا لبس فيها إلى ضباط الشرطة الصغار وطلاب كليات الشرطة، بأنه لا أحد فوق القانون، ولا أحد بمنجى من العقاب، وأن عصيان الأمر غير القانوني الصادر من الرؤساء، أقل مخاطرة من تنفيذه وتحمل تبعاته أمام القضاء.

هذا ما أراه الآن، والمجال مفتوح لكل المقترحات، فالمجتمع لا يعيش بدون شرطة ورجال أمن، لكنه أيضا لا يعيش إذا تحولوا إلى مافيا لترويع المواطنين وسرقتهم وتعذيبهم وقتلهم واستعبادهم.. يجب أن نضمن أن خالد سعيد وسيد بلال رحمهما الله سيكونان آخر ضحايا هذه العصابة المنظمة، التي حادت عن طريقها وانقلبت على الأهداف التي أسست من أجلها، ويجب أن تعود إلى مسارها الصحيح، فبدون هذا لن يشعر أحد فينا بالأمان على نفسه وأهله ومستقبل وطنه.