المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاولة للوقوف



رامز النويصري
17/02/2011, 04:33 PM
محـاولة للوقـوف




كأنها لحظتي الأولى، خطوتي الأولى. عيناي مسمرتان إلى حافة حذائي البني. وكأن ماحولي تحالف في الصمت، لا صوت يصلني به، أو كأني وُجدت في اللحظة الخطأ في المكان الخطأ. وجدتني أعود واقفاً على عتبة الباب الحديدي الكبير، لكن ما يختلف هناك عن هنا، أن يداً قوية كانت تصحبني، وتشدني خلفها. مشيت متثاقلاً، أمتد خط خلفي من أول الباب الحديدي حتى حافة السلم. خمس درجات، صعدتها واحدة واحدة، واليدُ تشدني، وتحثني:
- هيا، لا وقت لدي؟!!!؟

عبرنا باباً خشبياً كبيراً، أنا لم أره، لكني قدرت حجمه من سمك حافته السفلى، وعرفت أنا داخل المبنى الآن، فإضاءة النهار خفتت بعض الشيء، وارتسمت على أرضية الممر زوايا منيرة لنوافز تحاذي رأسي.

- سأذهب به غداً.
- على بركة الله، ما باليد حيلة.
- هكذا قضت سياسة البلد، أن لا خواص.
- على الأقل هي قريبة من البيت، ويمكنني العودة به.
- لا!!!
- !!!
- سيعود لوحده.
- !!؟؟؟!!

أفقت على اصطدامي برجله اليمنى، كنا قد توقفنا أمام باب مغلق، سمعت صوت طرقات، وإذنٍ بالدخول. وكأني انتقلت من عالم إلى أخر، هدوء لم أعد أسمع جرجرة قدمي، فقد تكفل غطاء الأرض السميك زهري اللون بامتصاصه، وتحولت الإنارة إلى الكهربائية راسمة كتلتي على الأرض، فتقسمها الرقعة المخملية التي تتوسط المكان.
- تفضل.

ارتخت يسراي، فسارعت لضمها ليمناي، فأحسست بحرارتها ولزوجة الرطوبة التي صنعتها يده وهي تضغط علي. تأملت الرقعة المخملية، كان طرف دبوس نتأ عند حافة وردة زرقاء، عجبي!، هل الورد بهذا اللون يكون؟، وكيف تسلل الدبوس أسفلها ونفذ؟. ثم لماذا صوته عال؟، يجبرني على سماع ما يقول:
- هه. جيد.
- هو هادئ، وسوف لن تجدوا معه أي مشكلة.
- سنرى!!!
- يعني، استلمت؟
- توكل على الله.

كنت أريد أن أعيد له يدي، لكنه تجنبها، ولحظة أغلق الباب، أحسست بنفسي أتضاءل، حتى لامست الدبوس، جريت إلى قائمة الكرسي، لكني تعثرت في أثر حرق على الرقعة المخملية، كان كافياً ليباغتني:
- هيا.

الآن النوافذ على يساري، ساورني شعور إنّا باتجاه الباب الخشبي الكبير، سمعت صوت العالم الخارجي بوضوع، فرحت؟، نعم، لكن لحظة وصولنا له، انعطفنا يساراً. كانت الإنارة أخف، وأصوات ترتفع هنا، وأخرى هناك، أصوات مختلطة، لم أستطع الهروب، ركزت النظر أكثر إلى مربعات البلاط، حتى أخرجني هو:
- انتظر هنا.

اكتشفت أن الغبار غطى مقدمة حذائي، وأن الوقت لن يسعفني لمسحه، ثمة عقب سيجارة عند استدارة المقدمة، وخوفاً من اتهامي به، سحبته تحت الحذاء، وراجعت في داخلي الحوار الذي رتبته، أو الذي يفترض أن يكون، أو أن أحاول قيادته، حتى لا أوجِد للأسئلة غير المتوقعة مكاناً. واكتشفت أيضاً أني لم أُحسن كي البنطال، فالخط لا يبدو ظاهراً بشكل قائم، وأن ربطة الحذاء لم تكن متوازية. ربما في المرة القادمة أكون أكثر حذراً، أو ربما أنتعل نوع الأحذية الذي لا يحتاج للربط. و......
- و..... ماذا؟
- ..........

وامتدت أمامي، في اللون الذي أحب، الأحمر القاني، في أتقان وترتيب محترف، حركت أصابعي داخل الحذاء، تحركت هي، كيف؟، لا أعرف!، تحركت في توافق وعادت لوضعها الأول، ما يجذبني إليهما هو هذا الخط المائل الذي تصنعه رؤوسها في تدرج سهل، وكيف تختار في كل لقاء لوناً يحبسني إليها، سائلاً نفسي كيف لها أن تخرج بهذا الشكل المربع دون زوايا خادشة، ولا.....
- هل ستستمر بالنظر إليهما كثيراً؟... ءأعجباك؟، هذه المرة اخترت الأحمر القاني، قبضت عليه في مرة يأخذك بعيداً عني.
- ... هه... أنا... متى؟
- لا عليك... هيا بنا.

سَحَبتهُما، اختفى حذائي البني، ولون الرصيف الرمادي، وعلى غير العادة من لقاءاتنا السابقة، لم يسر الحوار كما أريد.


البريقة: 24-01-2011



نشرت: صحيفة قورينا_ العدد: 653_ 14/02/2011