المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغثيان/عبدالقهارالحجاري



harjjari
30/03/2007, 01:08 AM
الغثيان
قصة قصيرة بقلم عبدالقهارالحجاري
هاهو المعاد يعاودك مرة أخرى. ما هذه الأصوات والغرغرات التي تتصارع في بطنك؟.. ها إنك تواجه الشارع الطويل.. تواجه الزحام. ثرثرة السوابل. أصوات السيارات. وهواء السماء المختلط بدخان الوقود المحترق يثير غثيانك. تشد ببطنك. تحس بقدميك تتراجعان إلى الوراء. وتحس كأن كل شيء يتراجع إلى الوراء. فيما تدفعهما إلى الأمام جاهدا نفسك.
ربما كان موقف الحافلة قريبا. لكن أمام عينيك الآن تتمدد المسافات. فيرد احتمال السقوط والانهيار. هاإنك تحاول أن تبدو عاديا. طبيعيا لا شيء يشوبك. يراودك الأمل بأن هذه الحموضة التي تتسلق بلعومك، سوف تكف عن فعلها. وهذا الانتفاخ المشؤوم الذي يشد بطنك، سوف يتبدد شيئا فشيئا. ويراودك الأمل بأنك سوف تصل موقف الحافلة، دون أن يصيبك شيء.
لكن لا.. لا يجب أن تركب الحافلة حتى تحسم في قضيتك. لقد تفاءلت مرات. لكن تفاؤلك لم ينفعك. مرات داهمك مرضك. وتفاقم. وقلت إن حدته ستخف بعد قليل.. غير أن شيئا من هذا لم يقع.. الحل الوحيد هو الاستقياء.
* * * * *
كان الوقت بداية الليل. وكانت الحافلة تتكاسل في طريقها إلى الحي الذي أسكنه. وكان الطلبة يرتهسون داخلها كالنعاج في شاحنة المواشي. وثرثرتهم الفارغة تساهم في هيجان مرضي. كانت ثمة أشياء أخرى تثير غثياني؛ إذ لم يخل المكان من رائحة كريهة. فكرت: "لابد أن يكون من بينهم من يشعر مثلي بالغثيان.." وتسللت فجأة بين الأجسام إلى أرضية الحافلة دون شعور مني. كان لا مفر لي من ذلك.. أحسست بالصراع المرير داخل بطني يصل أوجه... واندفع السائل الحامض دفعة واحدة وراح يبحث عن طريق له بين الأقدام.. رحت أتأمله لحظة. وأنصت إلى غرغرة بطني التي خفت حدتها قليلا.. علت جلبة بين الطلبة. ثرثرة. ضحك.. عبارات إشفاق.. تساءلت: كيف يشفق من هم أولى بأن يشفق عليهم!؟.. وددت يومها لو أغرقهم في صهريج في قيائي.
أمسكني أحدهم من ذراعي. التفت إليه. كان حميد. يعرفني جيدا. قال:
- عاودك الملعون مرة أخرى؟
وظل يمسكني ماشيا. وأنا أتبعه وسط زحام الركاب. أفرغ لي أحدهم المقعد وارتميت عليه منهارا.
* * * * *
هاهو المعاد يعاودك مرة أخرى في الشارع. الثرثرة الفارغة. القهقهات. أصوات السيارات.. ابحث عن أحد الأركان، وضع أصبعك في فمك. الصراع لا يزال قائما داخل بطني. الآلام لم تختف بعد، غرغرات، انتفاخ.. حاول في هذا المكان.. حاول إذن اللعنة.. ورفض الاندفاع، إنه يتحين فرصة ركوبك الحافلة. حاول مرة أخرى.. اللعنة مرة أخرى.. بإمكانك أن تركب الحافلة. ربما لن يداهمك.
سوف يساورك الغثيان لاشك. لأن هناك عدة أشياء تغريه على ذلك. أحس بأن ريقي قد جف. جرعة ماء. لا تشرب! سيزداد بطنك انتفاخا. لا يمكن هل سأقتل نفسي عطشا؟ أدخل السوق إذن! عانق الصنبور. جرعة واحدة. جرعتان. كفى! كفى يا ملعون!.. غرغرات في البطن.. ستنفجر.. أوف.. أسرع نحو الحافلة يا ملعون: قبل أن تسقط هنا. أعبر الشارع! واتجه نحو محطة الحافلة!
انتظر هذه الحافلة الملعونة وسط هذا الحشد من الناس الذين ينتظرون هم أيضا.. مرت لحظة. ربما كانت قصيرة إلا أن الدقائق تتمطط عن عمد.. ومع ذلك لم تأت. لا زال الانتفاخ يشد ببطنك.
آلام وغرغرات..
قال حميد:
-كيف أنت الآن؟
-شوية.
-هل زرت طبيبا؟
-نعم. قال لي قد يكون المرض بسيطا. ولكنه يصبح كبيرا وخطيرا. لأنك لست خارج المستنقع.
-إذن؛ لماذا تتعب نفسك بالتفكير. والكد الذي لن يدر عليك إلا تفاقما في المعاد ؟
-وماذا يجب أن أفعل؟
-سلك!
-شيء تجاوزته، هذا الذي تقول..
وقفت الحافلة. نزلنا أنا وحميد وأناس آخرون في حينا. وكالعادة: الظلام والمياه الكريهة الرائحة والحمأ في الدروب والمسارب. وكلنا يمشي حذرا من أن تزل قدمه. تفرق الناس. بعض الدكاكين مفتوحة. مضاءة بقارورات الغاز. كنت أحس بآلام في رأسي بعد أن خفت حدتها في بطني.
* * * * *
ها هو المعاد يعاود صب جام غضبه عليك. فيما تواصل الدقائق تمططها قبل أن تأتي الحافلة. يدنو موعد الانهيار، وسط هذا الحشد. فلتكن صامدا. ولتقلص الدقائق.
* * *
قال حميد :
- هل تحس أنك مزيان؟
- شوية.
- سلك!
أردت أن أصرخ في وجهه. لكني لم أستطع. وقلت به بهدوء:
- قلت لك لابد من التفكير في هذا المستنقع. وهذه الكلمة: "سلك" أصبحت أكرهها. وقبل أن نفترق في رأس الدرب سألني:
- كيف كانت الحركة عندكم هذا اليوم؟
قلت:
- تدخلت العصا. فتفرق الكل.
- نفس الشيء العصا عندنا. تبا لهم.. .الحاصل.. مع السلامة..
* * * * *
أخيرا تصل علبة السردين المهترئة. هكذا هي دائما مزدحمة بالركاب. تبعث على الغثيان. تصعد إلى الحافلة. ويبدأ السائل الحامض صعوده داخل بلعومك. تقاومه صامدا. ويواصل الصراع تفاقمه داخل بطنك ليصل حده. لم تعد تطيق صبرا. والحامض هذه المرة عزم على الصعود دون النزول. الحافلة لا زالت لم تصل. تتمطط الدقائق. وأخيرا افرغ قياءك على الشركة ذات البطن الكبير..
- .. اووع..!
- يخ..خ..خ..!
- مريض!
- خذ المنديل.. امسح!
- أصابه الدوار!
- ليس الدوار.. ألا ترى اصفرار وجهه!
زمجر الجابي:
- ما هذا؟ .. ألم تركب قط حافلة؟ قلت :
- ليس الدوار.. لست مريضا.. ثمة شيء آخر هو المريض.


:tired:

ريمه الخاني
19/08/2007, 07:08 PM
قفله حرفيه
ولو اني اهمس لك ان تبتعد عن العاميه مااستطعت
تحيه