المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوضى الخلاقة والمجتمعات الدولية !!! . بقلم :فائز البرازي



فتحي الحمود
06/03/2011, 08:35 PM
* الفوضى الخلاقة والمجتمعات الدولية*!!!


*بقلم: فائز البرازي *



*قد نكون في معظمنا قد سمع مصطلح (الفوضى الخلاقة) للمرة الأولى من مسؤولي
الإدارة الأمريكية – المحافظون الجدد – وخاصة من السيدة كوندوليزا رايس، لقد
طرحت السيدة "كوندي" هذا المصطلح وبدون أن يكون هناك أية أهمية لديها أو لدى
الإدارة التي تمثلها، من أن توضح "معنى الفوضى الخلاقة"، ولا تأثيراتها
وانعكاساتها السيئة على المجتمع الدولي وخاصة "دول الجنوب"، صعوداً بنتائجها
على "دول الشمال"، وكأن هذه الإدارة الأمريكية كان لها السبق في اختراع
البارود، أو في تحويل الرمال إلى ذهب، خيميائياً. *

*وبعيداً عن الاستئثار بالمصطلح، وعن النتائج والتأثيرات، ومن باب (المعرفة)
بالشيء، فلا بأس أن نعلم شيئاً عن هذا المصطلح وترابطاته وتأثيراته ومنعكساته،
على المجتمعات الإنسانية. *

*وإن كانت هذه الإدارة الأمريكية ستتوارى في دهاليز السياسة الأمريكية
ومساراتها، أو لا، فمن الغبن والغفلة أن نظن أن هذا المصطلح والمبدأ سيتوارى من
وقائع السياسات الأمريكية والدولية القادمة، وهذا ليس تخميناً أو مجرد عداء –
مبرر – للإدارات الأمريكية، ولكنه يمس الواقع بتاريخيته وصولاً إلى الحاضر. *

*فالسياسة الأمريكية – تحديداً -، ومنذ بداية تشكل الأمة الأمريكية في مدى
منظور قريب، وحتى الحاضر، وإلى المستقبل، كنتيجة لتركيبة أممية اجتماعية، ووعي
زائف أو حقيقي يعتمد على تشكل "عقل" بماضيه وتراثه وثقافته، ستظل السياسة
الأمريكية وانطلاقاً من بدء التشكل، ومروراً في كل تاريخها الثقافي والمعرفي
والسياسي، وحتى أمد غير منظور، على ذات الأسس والمنطلقات والأسانيد عبر الزمن
والتاريخ . *

*بداية.. ومع وصول المهاجرين إلى الأرض الجديدة، هرباً أو طمعاً أو إبعاداً،
وقف القساوسة البروتستانت ليعلنوا أن هذه الأرض الجديدة هي "القدس الجديدة"
التي يبدأ منها ومن بنائها، العالم المسيحي المبشر به في "العهد القديم"، والتي
ستنطلق لاستعادة (القدس) وإحلال اليهود فيها بعد طرد الأغيار منها – الطرد
والإحلال: أساس العقلية والسياسة لديهم، طرد وقتل أهل أمريكا الأصليين، وأهل
فلسطين الأصليين -، كخطوة أساسية لتوفير ظروف تحقق معركة "هرمجدون"، وعودة
"المسيح المنتظرة"، وسيطر هذا "الهاجس الديني اللاهوتي" على مجمل ثقافة وتفكير
المتدينين الأمريكيين، وخاصة المسؤولين منهم المتوالين صعداً وبسبب دعم هذا
الهاجس، إلى مراكز القرار في السياسة الأمريكية عموماً. *

*وتلازم مع هذه القناعة الدينية / الهاجس، استغلال المستثمرين وأصحاب رؤوس
الأموال لهذا الشعب "المؤمن" ولقناعته وثقافته، في دفع الأمور وحركة المجتمع
والسياسة والدولة نحو مفهوم وضرورة التسلح والهيمنة والسيطرة على العالم، وعلى
منطقة "الشرق الأوسط" تحديداً، باعتبار أن ذلك يخدم القيم الثقافية والدينية
والأخلاقية للشعب الأمريكي المؤمن، وبأن ذلك هي الوظيفة التي أوكلها الله
لأمريكا لتحقيق خياراته وقراراته، ومن هنا تلازم خطان مع بعضهما البعض، وارتكن
كل خط على الآخر: *

*1 - خط ديني إيماني لاهوتي، ثقافي يحيط بمعظم المجتمع الأمريكي. *

*2 - خط علماني جامح : خلق إلهه الجديد – المال – على أكتاف إله المجتمع
المتدين. *

*هذان الخطان لا انفكاك بينهما منذ البداية وحتى الآن ولمستقبل غير منظور. *

*وهذه (الفوضى) الدينية والثقافية والأخلاقية، انعكست لتشكل واقعاً على الأرض.
*

*وأستطيع القول: أن "الفوضى" في حد ذاتها المتشكل، هي في طبيعة الحال (نظام)،
طالما أن للفوضى فلسفة، وتوجهات، ومناهج وصولاً إلى نتائج، إنها بالأدق (الفوضى
المنظمة)، وليست "فوضى النظام". *

*نظرية الفوضى العلمية: *

*(الفوضى) هو فرع جديد من فروع العلم، التي تعنى بدراسة ظواهر الاضطراب
والاختلال واللانظام واللاخطية، في مختلف المجالات، كالمناخ، وأجهزة الجسم عند
الإنسان، وسلوك التجمعات الحيوانية، فضلاً عن الاقتصاد والتجارة وحركة الأسواق
المالية، تطوراً نحو حركة المجتمعات الإنسانية والسياسة. *

*وهي بداية فلسفة: تدعو للمشاركة الفعالة بين العلماء من مختلف التخصصات،
فالتقسيم التقليدي للعلوم إلى فروع مستقلة وتخصصات متباعدة، يشكل عقبة في طريق
التقدم العلمي، ولقد بلغ النجاح مداه عندما تحطمت الحواجز بين العلوم، وبرز
مفهوم التطبيق المتبادل للخبرات العلمية، حيث يمكن لكل علم أن يستفيد من
الاكتشافات والأطروحات والاختراعات التي تأتي بها العلوم الأخرى وتكتشفها. *

*والفوضى عندما تحل، يتوقف العلم الكلاسيكي، فما دام للعالم علماء يبحثون في
قوانين الطبيعة، فسوف يعاني من إهمال لظاهرة: الاضطراب في الغلاف الجوي وفي
البحار والمحيطات، وفي ظاهرة التقلب في التجمعات الحيوانية البرية، وظاهرة
تذبذب القلوب والعقول. *

*فالجانب غير المنتظم من الطبيعة، أي الجانب الذي يفتقر إلى الاستمرارية ويمتلئ
بالأخطاء، يمثل "لغزاً" للعلم والعلماء. *

*وفي حقبة السبعينيات من القرن الماضي، بدأ عدد قليل من العلماء يشقون طريقهم
وسط الفوضى والاضطراب، وكان من بينهم علماء في الرياضيات والفيزياء والكيمياء
والبيولوجيا، وكانوا جميعاً يسعون إلى معرفة الصلات بين مختلف أنواع الاضطراب،
وهكذا توصل علماء الفيسيولوجيا – علم وظائف الأعضاء – إلى اكتشاف نظام مدهش
يحكم الفوضى التي تنشأ وتتطور داخل قلب الإنسان، وتكون السبب الرئيسي في الوفاة
المفاجئة التي تفتقر إلى ما يفسر حدوثها . وعلى جانب آخر، تعرف علماء البيئة
على عوامل نشأة "حشرة العتّة" وفنائها، أما علماء الاقتصاد فقد تمكنوا من الكشف
عن بيانات قديمة حول أسعار الأسهم، وحاولوا طرح نوع جديد من التحليل. *

*ولقد أدى ما تمخضت عنه هذه البحوث كلها، إلى وصف للعالم الطبيعي بما في ذلك
أشكال السحب، وممرات الضوء، والتوأمة المجهرية للأوعية الدموية، والتشابك
العنقودي للنجوم في مجراتها. *

*بعد عشر سنوات، أصبحت "الفوضى" اسماً لحركة سريعة النمو تعمل على إعادة تشكيل
المؤسسة العلمية، فكثرت المؤتمرات حول "الفوضى" كما صدر العديد من المجلات
الدورية المتخصصة التي تتناولها. *

*من ناحية أخرى، عمل مديرو البرامج الحكومية المنوط عليها تدبير الموارد
اللازمة للبحث العلمي في القوات المسلحة، وفي وكالة المخابرات المركزية، وفي
وزارة الطاقة، على توفير مزيد من الاعتمادات لبحوث "الفوضى"، بل واتجهت إلى
إنشاء وحدات مالية خاصة لهذا الغرض. *

*الآن، وقد بدأ العلم البحث في ظاهرة "الفوضى"، فقد تبين أنها موجودة في كل
مكان: من عمود الدخان المتصاعد من "سيجارة" مشتعلة ويتحطم في دوائر جامحة،
والراية ترفرف تحت تأثير الرياح، والمياه المتدفقة من صنبور تبدأ بنمط منتظم ثم
سرعان ما تتحول إلى عشوائية . وتظهر كذلك – الفوضى – في سلوك الطقس، وفي تحليق
الطائرة في الجو، وفي حركة السيارة على الطريق، وفي مسار النفط في الأنابيب تحت
الأرض. *

*ولقد أدى إدراك ذلك، إلى تغيير في الطريقة التي يصنع بها رجال الأعمال
قراراتهم فيما يتعلق بالتأمين، وفي الأسلوب الذي ينظر به علماء الفلك إلى
النظام الشمسي، وفي الطريقة التي يتحدث بها "المنظرون السياسيون" عن الضغوط
التي تؤدي إلى صراع مسلح. *

*ويذهب أقوى الداعين لهذا (العلم الجديد) إلى حد القول بأن علم القرن العشرين،
سوف يخلد في التاريخ بسبب ثلاثة عوامل هي : النسبية - الميكانيكا الكمية –
الفوضى، ويذهبون أبعد من ذلك إذ يعلنون أن: (الفوضى) هي ثالث أعظم ثورة في
العلوم الفيزيائية في القرن العشرين. *

*لقد بدأت الدراسات الحديثة حول (الفوضى) في حقبة الستينات من القرن العشرين،
عندما ازداد إدراكاً بحقيقة أنه يمكن "نمذجة" النظم بواسطة معادلات رياضية
بسيطة جداً، وأن الاختلافات الدقيقة في المدخلات يمكن أن تؤدي إلى "فروق شاسعة"
في المخرجات، وهذه ظاهرة عرفت بظاهرة (الاعتماد الحساس على الظروف والأحوال
الأولية). *

*وفي المناخ – على سبيل المثال -، تترجم هذه الظاهرة إلى ما سمي مجازاً (بتأثير
الفراشة)، إشارة إلى فكرة أن الفراشة التي تحوم في الهواء في بكين اليوم،
يمكنها أن تحول نظم العواصف في نيويورك في الشهر التالي، وكان (إدوار لورنز)
العالم في مجال الأرصاد الجوية، هو من أوائل الباحثين والمكتشفين (لنظرية
الفوضى) منذ عام 1960. *

*الفوضى والمجتمعات: *

*منذ وقت مبكر لعبت "فلسفة الفوضى" دوراً في التنظير والأبحاث الاجتماعية
والسياسية والدولية، وكانت الدراسات في مناهج الفكر التقليدية الأساسية الثلاث
والمتنافسة هي: *

*منهج هوبز – منهج غروتيوس – مذهب كانت، والتي على تنافسها وإختلافها في بعض ما
أتت به حول مفهوم (المجتمع الفوضوي)، والتي هي قراءات متقاربة للأسلوب الذي كان
تاريخ الفكر الخاص بالمجتمعات والعلاقات الدولية، وبكل ما تطور به هذا الفكر
داخل أوروبا بدءاً من القرن الخامس عشر، كانت هذه المناهج تعلق أهمية كبيرة على
أهمية التاريخ والمنهج التاريخي، والحاجة إلى إرجاع صلب المجتمع الدولي إلى
التاريخ. *

*بينما لم يتجه "الواقعيون" إلى إبراز أهمية القوى المنهجية، إلا في القرن
العشرين، بعد أن ساد الاعتقاد بأن (فكرة المجتمع الفوضوي) أمر عفا عليها الزمن،
وساد الاعتقاد مثلاً، بأن (كانت): ما هو إلا مجرد منظر ديمقراطي للسلام، وأنه
من المؤمنين بمذهب (التدخل لمصلحة الديمقراطية)، إن أهم الأفكار التي ظهرت في
خلق فكرة (المجتمع الفوضوي)، هي ناجمة عن إدراك المدى الذي وصل إليه النظام
العالمي من فشل بالسيطرة من منظور واحد. لذا كان برأي مؤيدي الفكرة: أن العوامل
الفاعلة كالأثر الواضح لعملية العولمة الاقتصادية، ونشر الديمقراطية السياسية،
والأهمية المتزايدة للمجتمع المدني المتخطي "للحدود القومية"، وتعاظم كثافة
المؤسسات الدولية ونطاقها ومداها، والمشكلات المتعددة والمتراكبة الناجمة عن
تفكك الدول وتعاظم المطالبة بالكيانات الإثنية وحقوقها، قد تطورت إلى حد جعل
التركيز على "مجتمع الدول" قاصراً وبالياً تماماً. *

*وكان أكبر منتقدي (المجتمع الفوضوي)، المفكر (هيدلي بول) بما له من مكانة
مرموقة في ميدان دراسة المجتمعات والعلاقات الدولية. *

*وكان رأي (بول): أنه لابد من وجود عرضاً نموذجياً للأسلوب الذي ينبغي أن نصوغ
بموجبه آراءنا حيال المطالب بإحداث التغيير، فهو لم يتجاهل التغيير، لكنه دعا
إلى التأني في "تحليل عملية التغيير"، وكان ثابتاً في رأيه، بأن الاتجاهات
والمظاهر المعاصرة التي تبدو من نماذج "الحداثة" والتي تتراوح بين: الشركات
متعددة الجنسيات، وخصخصة العنف على شكل جماعات إرهابية أو أمراء حروب، ستظهر
لنا مألوفة بدرجة أكبر حين ندرسها من خلال "منظور تاريخي" طويل المدى بشكل كاف،
وأنه يمكننا أن نكسب كثيراً من مقارنة الحاضر بحقب سابقة من التغيير. *

*كما أن العلاقات الدولية لا يمكن فهمها أو دراستها حصراً من "منظور الأقوياء"،
وأن مجتمعاً دولياً راسخاً، لابد أن يرتكز على معنى من المعاني الأخلاقية
والشرعية، وبأن هذا بدوره، يجب أن يبرز مصالح الأعضاء "الأضعف" في المجتمع
الدولي، والقيم السائدة لديهم. *

*فالعولمة و"نشر الفوضى"، بلغ حداً كبيراً في ممارسة ضغوط شديدة من أجل تحقيق
التجانس والتقارب في العالم – بشكل وهمي - ولكنها أيضاً دفعت العالم في اتجاه
مقاومتها وانعكاس تيارها عليها، وأصبح من الواضح أيضاً، أنه كما يتحرك "النظام
القانوني الدولي" بشكل أكبر في اتجاهي التضامن، وتخطي "الحدود القومية"،
وانخفاض "منسوب السيادة"، كذلك يرتفع المستوى السياسي للاختلاف الاجتماعي
والثقافي، وللقواعد الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبحقوق الشعوب، وبمجموعة
متعاظمة من القضايا الاقتصادية والبيئية، بما لها من أثر بالغ العمق في..
(التنظيم الأهلي للمجتمع). *

*وبهذا تصبح القيم المتباعدة أكثر بروزاً فيما يتحرك النظام القانوني نحو
"الأدنى"، متجهاًمن مذهب الشعارات ذات الفكر السامي، "هبوطاً" إلى قواعد
عملياتية مفصلة ومقحمة بشدة في كل هذه المجالات وإلى وسائل أشد على صعيد
تطبيقها، من خلال "التوسع في وضع العقوبات والشروط". *

*ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يزدهر المجتمع حقآ في وسط فوضوي؟. *

*- هل في وسع عوامل إمكانية "التكيف الاجتماعي"، أن تتغلب على "مظاهر العداء
والخصام" الملحوظة في كل نظام الدول، وفي المجال الدولي، أو في أي ظرف.؟ *

*- هل تطغى أهمية "الترابط الاقتصادي" في كل من المجالين، على ميدان الصراع، أم
تخفف حدته، أم أن الوضعين سيتعايشان ببساطة. وألا ستؤدي الصراعات إلى "تفتيت
المجتمع"؟ *

*- هل يمكن لنظام دولي عالمي يفتقر إلى ثقافة مشتركة، أن يكون مجتمعاً أصيلاً
وقوياً، حتى مع وجود شبكات مكثفة من القواعد والمؤسسات؟ *

*- ماذا سيحدث للنظام العالمي حين تتحداه الدول، عبر العنف والضعف الداخليين،
إضافة إلى العنف الخارجي والعدوانية المألوفين فيما بينهما، وحين تفرز القواعد
والمؤسسات الخاصة بالمجتمع المتخطي للحدود القومية، في حد ذاتها اضطرابات تفوق
ما تحققه من نظام؟. *

*من هنا كان لابد من إعادة النظر في "فلسفة المجتمع الفوضوي"، بإجراء المزيد من
التمحيص التجريبي في مجال السياسة العامة، وكذلك إلى إجراء دراسات تأملية
معيارية في مجال استقصاء الإمكانيات، لإدخال المزيد من الاهتمامات "الأخلاقية"،
في ممارسات العناصر الفاعلة على المسرح العالمي. *

*الفوضى الخلاقة الأمريكية: *

*حتى نستطيع مقاربة هذه النظرية واستيعاب أبعادها بشكل موجز ونسبي، فإنني أتصور
مثالاً بسيطاً يلم بشكل ما بهذه الفكرة: *

*(طاولة بليارد) موضوع في منتصفها "مثلث منتظم ومنظم" من الكرات المختلفة
الأرقام والألوان. *

*الطاولة: - هي الحدود العامة التي تمسك وتقيد حركة الكرات من الانفلات إلى
الخارج. *

*الكرات: - هي في مجموعها الدول أو القوى أو الأهداف المرغوب بتحريكها وإعادة
تشكيلها. *

*العصا: - هي " القوة" الفاعلة في "ضرب" وتحريك هذه الكرات، ونشر "الفوضى" في
انتظامها ومنظومتها السابقة. *

*وتأتي (الضربة الأولى)، لتبعثر الكرات ضمن الحدود الحاكمة للعبة. *

*شخص مشاهد من خارج اللعبة وقوانينها، يرى الوضع الأول "نظام"، بينما يرى الوضع
الثاني: *

*"فوضى غير مفهومة" *

*وتتوالى الضربات بالعصا، لكل كرة على حدة أحياناً، يتم اصطياد الكرة المضروبة
"مباشرة" وإسقاطها في "الحفرة" أحياناً، يتم ضرب كرة بأخرى، إما لدفعها لوضع
مناسب للاعب، أو لإسقاط الكرة الثانية بواسطة الكرة الأولى في "الحفرة"، ويستمر
الشخص المشاهد غير فاهم ولا مستوعب "لعبثية" هذه الفوضى، في النهاية، يفوز
اللاعب في إسقاط جميع الكرات في "الحفرة"، وتبقى هناك بشكل منتظم آخر، عما كانت
عليه في بداية اللعبة، ولكن غير مرئية. *

*وهنا يكون اللاعب قد حقق "فوزاً" بإحداث (الفوضى في النظام) ليشكل ويخلق نتيجة
فوزه نظام آخر غير مرئي بداية، حتى يعاد صف الكرات في معركة جديدة. *

*وعندما أقول – لاعب / مع وجود اثنان أو أكثر، فهو رمز وهو أيضاً صراع بين
طرفين للفوز "بلعبة الفوضى". *

*وفي السياسة والواقع، فقد بدأت الإمبراطورية الأمريكية، في سياسة (الفوضى
الخلاقة) بالاستيلاء على "الأمم المتحدة" مع كل السوء الذي تعيشه هيئة الأمم
المتحدة، إبتداءاً من: ميثاقها، إلى التباسات توجهاتها، إلى تعبيرها عن "الدول
القوة" لا عن جميع الدول العالمية، إلى فشلها بأن تكون (هيئة أممية محايدة
وأخلاقية وقانونية عادلة)، مع هذا لم تتورع الإمبراطورية الأمريكية عن
الاستيلاء عليها واستخدامها "كمؤسسة معبرة عن الرغبات والتصرفات الأمريكية". *

*إن "الفوضى الخلاقة" استمرت (كأداة) وليست هدف، لتحقيق المشروع الرئيسي
والأساسي للإمبراطورية الأمريكية، وهو مشروع (النظام العالمي الجديد). *

*وهو مشروع ليس بجديد مع تطوره وتصاعده الدائم، إنما هو مشروع بدأ منذ تأسيس
أمريكا، وطباعة أول دولار ليكون أحد أهم الوسائل والنشر والتبشير لهذا "النظام
الجديد". *

*وعندما تتعثر "الفوضى الخلاقة" سياسياً، وهي في بدايتها متعثرة – وأرجو حتى
نهايتها - فإنها تقرر استخدام وسلوك سبل أخرى أصبحت واضحة، خاصة في "الشرق
الأوسط"، نقطة البدء والأساس والمفتاح الهام لتحقيق "مشروع النظام العالمي
الجديد"، عندها تستخدم بعد التعثر السياسي وتسلك سبل أخرى: *

*1 - الأعمال العسكرية المباشرة. *

*2 - الأعمال العسكرية غير المباشرة. *

*3 - الضغوط السياسية والاقتصادية. *

*4 - إحداث تغييرات جذرية في مناهج التعليم والثقافة. *

*5 - استخدام (الإعلام) كديكتاتور أكبر، يجمل وحشيته، ويعيث فساداً في العقول،
ويضع "التشابك والفوضى والتفكيك"، كحالة عقلية وفكرية ونفسية أمام الشعوب. *

*6 - دعم وتزعم معظم حركات المجتمع المدني ولو من وراء ستار أو ظهور أو إشعار
بوجود "أمريكا"، أو حتى بشكل مباشر وواضح وصريح وداعم في تبنيها – أمريكا -
لحركات الإصلاح في المجتمعات، "حرصاً منها على هذه المجتمعات"!!. *

*ومن أسف.. فإن استخدامها لمعظم المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية
والوطنية، (كأداة) للسيطرة على العالم تحقيقاً لمآربها وأهدافها، أصبح واضحاً
في مجالات: المرأة – الطفولة – المساعدات الإنسانية – حقوق الإنسان، ظاهرها
الخير والإنسانية والعدالة، وباطنها الشر والتسخير والهيمنة والاستعباد. *

*هذه الوسائل والسبل هي ما تعتمد عليها "سياسة الفوضى الخلاقة"، وتعتمد عليها
بمنهجية وبرامج "منظمة".. تخلق (الفوضى) في الواقع كرغبة وتوجه للتغيير
والتطوير، وفي العقول، وفي أنماط التفكير، وفي التوجهات الاجتماعية والسياسية
والثقافية، لتسود الفوضى في كل مكان وركن ذاتي وعام، ليتم بعدها (لملمة الخيوط)
وخلق نظام جديد من هذه الفوضى السائدة والمنتشرة. *

*وعندما عبر (الفوضويون) عن أنفسهم في فلسفتهم وتوجهاتهم كمذهب أثار ما أثار في
المجتمعات، قالوا: نحن فوضويون برفضنا "للنظام القائم" – في السياسة والثقافة
والمجتمع -، لكننا نمثل (نظاماً) فوضوياً يجب أن يسود العالم. *

*فمن قال أن الفوضى ليست نظاماً؟؟. *

* المراجع: *

* الفوضى / جيمس جليك. *

* المجتمع الفوضوي / هيدلي بول. *