محمد بن سعيد الفطيسي
10/03/2011, 11:50 AM
ان ما حدث من تحولات ثقافية وسياسية في تونس ومصر ويحدث حاليا في العديد من الدول العربية , ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان العالم العربي يسير في طريق آخر غير الذي كان عليه قبل سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين , مما يقتضي الوقوف قليلا عند تلك المتغيرات وأسبابها والمحفزات التي أدت لحدوثها , ومنها نتوقع ان تتغير تدريجيا خارطة العالم العربي والسياسات العربية الداخلية والخارجية منها , ونؤكد على ان السنوات الـ 9 المتبقية من العقد الراهن لن تمضي دون ان تترك بصماتها وآثارها الاستثنائية على تلك الخارطة السياسية والجيوسياسية المستقبلية للعالم العربي .
ومن وجهة نظرنا ان عاملا من عوامل الحكم والسياسة بين الشعوب والحكومات قد بدأ بالتغير جذريا منذ المرحلة الفاصلة بين العقدين , - ونقصد – تحديدا ما نطلق عليه في العلوم السياسية والإعلام السياسي بالخطاب السياسي الرسمي , وخصوصا ذلك الذي كان يبرز بين الحين والآخر بما تقتضيه الضرورة السياسية , فيدفع الرؤساء والحكومات الى مخاطبة الشعوب والتواصل معها , - وبمعنى آخر – توجيه رسالة معينة لها .
وطبعا فان تحليل هذه الظاهرة وقراءتها قراءة صحية يحتاج منا الى ان تتشارك في ذلك التحليل وتلك القراءة العديد من العقول والجهود السياسية منها والإعلامية والسيكولوجية والتاريخية , وكما يقول سيرغييف في كتابه : مناهج التوقع في السياسة , من ان عملية تحليل الظواهر السياسية عملية صعبة ومعقدة , فقبل كل شي يجب اللجوء الى العلاقات الاجتماعية والطبقة الموضوعية القائمة في مجتمع ما , وفي لحظة ما , ومن الجهة الأخرى يجب التأكيد على الجهود العقلية الواعية التي يبذلها الناس بغية التغير والتحول , أو حتى الحفاظ على الوضع القائم .
فإذا ما تحدثنا عن الخطاب السياسي الرسمي العربي ( سنلاحظ حدوث تحول في هذا الخطاب في العقدين الأخيرين نتيجة هبوب رياح الديمقراطية على المنطقة ونتيجة الثورة المعلوماتية والتقنية التي حطمت جدران العزلة التي كانت تفرضها النظم على شعوبها ) و– بمعنى آخر – قد فرضت ثقافة المجتمع وقدرة أبناءه وطبقاته الاجتماعية والنخبوية , والمتغيرات الدولية نفسها على شكل وأسلوب الخطاب السياسي الرسمي العربي في القرن 21 .
وفي هذا الخصوص تحديدا , - أي – الملاحظات والأنماط والمتغيرات التي يمكن الإشارة إليها , على أنها قد طرأت على ذلك الخطاب , هي :
( 1 ) النمط الكمي – فقد تزايدت في الآونة الأخيرة الخطابات الرسمية الموجهة من قبل الحكومة الى الشعوب , وذلك نتيجة الحاجة الملحة لذلك التسارع , على اثر تلك التحولات السياسية والثقافية والاقتصادية التي استجدت على الساحة العربية والدولية.
( 2 ) النمط النوعي – حيث لم يتوقف التغير عند حدود الكم والعدد , إذ وصل ذلك الى الأسلوب وطريقة الخطاب والتوجه الثقافي والسياسي واللغوي , حيث بدأ واضحا على الكثير منها الرضوخ لمطالب الشعوب وإرادتها , كما اتضح على بعض النماذج منها الارتباك والعاطفة والاستجداء والضعف والخوف , وهو على عكس الخطابات السابقة , والتي كانت اقرب الى الرسائل الحازمة والسلطوية الواثقة .
ويمكننا القول ان مرحلة زمنية معينة انتهت الى غير رجعة من عمر ذلك الخطاب العربي الرسمي الذي كان يعاني من التقهقر والبعد عن الشارع وهموم الناس , فقد تأكد للشارع كما اشرنا سابقا ان الأفكار التي كانت تحملها الطبقة الحاكمة لم تعد مقنعة للجماهير , كما ان تلك المبادئ والأفكار والسياسات والتوجهات لم تعد مفيدة للمجتمع وغير ملبية لطموحات الطبقات المتوسطة والفقيرة , - وبمعنى آخر – انهيار منظومة التواصل الثقافي والفكري بين طرفي الحكم في الدولة , - أي – الشعب والحكومات أو الشعب والنظام .
وقد اتضح بالفعل ان ( حالة الاختناق التي انتابت التعبير السياسي الرسمي العربي في مواجهة حالة الانحدار العام والاختراقات الأمنية التي لم تشهد المنطقة مثيلاً لها منذ عقود ، كما تبدو في الاحتلال والوجود العسكري والأمني الأجنبي ، وتراجع مكانة العالم العربي في المستوى العالمي ، هذه الحالة المعبرة عن مضامين عجز السلطة الرسمية – قد صاحبها - تحولان أساسيان غاية في الأهمية ، هما التحول من نموذج دولة الدور السياسي ، أي البحث عن الإقليم القاعدة الى البحث عن الدولة الوطنية النموذجية ، والتحول في الخطاب السياسي الذي ينتجه قادة الرأي والمثقفون ، أي العقلانية الجديدة ، وكل منهما يحتاج الى معالجة خاصة ) .
كما ان اقرب تصور بنظري الشخصي لتشريح الأسباب التي أدت الى هذه الحالة التي تمر بها كياناتنا ومجتمعاتنا العربية اليوم , هي إفلاس الايدولوجيا السياسية للأنظمة القائمة , وهو ما دفع شعوب المنطقة الى التحرر والتحرك لإيجاد أيديولوجيا جديدة تساعد على ربط السلطة والنظام بالشعوب , - وبمعنى آخر – وصول الأنظمة الى مرحلة الشيخوخة السياسية , وعجزها عن إقناع الجماهير باستمرار المبادئ والأفكار التي حملتها منذ البداية , والتي أصبحت متناقضة مع أفكار الشعوب وطموحاتها وتوجهاتها , وهو ما دفع تلك الشعوب بالتدرج الى البحث عن أفكار جديدة وأيديولوجيا سياسية أخرى.
أما عن أسباب انتشار واستشراء هذا الحراك في مختلف الدول العربية , فان اقرب تصور راهن للحالة بالنسبة لي يكمن في التأثير المتبادل للشخصيات والشعوب , مثلما هناك تأثيرات متبادلة بين الشعوب والأحداث التاريخية , وكما يقول شبنجلر : من ان الأحداث العظيمة تحمل مسؤولية مرحلتها والنهوض بشعبها , وهو ما قد يدفع بقية شعوب العالم الى الاحتذاء والاقتداء بتلك الشعوب والمكونات الاجتماعية , في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية .
وهو ما يجعلنا نفهم الأسباب التي أدت الى الإحداث الأخيرة على الساحة العربية , ومن المؤكد أنها ستستمر لتشمل أجزاء أخرى من عالمنا العربي خلال السنوات القادمة , حيث لم تعد الجماهير تؤمن سوى بأفكارها فقط , - وبمعنى آخر – لم تعد تؤمن أو تصدق أفكار حكامها وقادتها وزعاماتها لأنها متناقضة كل التناقض والبعد الفكري والنفسي والقومي عن أفكارها وطموحاتها وهمومها , وهذا الوضع بكل تأكيد سيؤدي بدوره الى الاضطرابات الاجتماعية والهيجان الشعبي .
كما يمكننا التأكيد على ان السنوات القليلة القادمة ستشهد الكثير من التحولات الفلسفية والتغيرات الثقافية على صعيد أشكال وأساليب ولغة الخطاب الرسمي العربي , فهذه المرحلة التي نشهد تسارع تراكماتها الأيديولوجية والسسيولوجية على المشهد السياسي العربي اليوم تعد المرحلة الأخيرة لشكل ومضمون خطابات الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي , بل ونهاية الخطابات التي طالما أطلقنها عليها بالخطابات الرسمية الفارغة ذات التجليد الفاخر .
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية.
ومن وجهة نظرنا ان عاملا من عوامل الحكم والسياسة بين الشعوب والحكومات قد بدأ بالتغير جذريا منذ المرحلة الفاصلة بين العقدين , - ونقصد – تحديدا ما نطلق عليه في العلوم السياسية والإعلام السياسي بالخطاب السياسي الرسمي , وخصوصا ذلك الذي كان يبرز بين الحين والآخر بما تقتضيه الضرورة السياسية , فيدفع الرؤساء والحكومات الى مخاطبة الشعوب والتواصل معها , - وبمعنى آخر – توجيه رسالة معينة لها .
وطبعا فان تحليل هذه الظاهرة وقراءتها قراءة صحية يحتاج منا الى ان تتشارك في ذلك التحليل وتلك القراءة العديد من العقول والجهود السياسية منها والإعلامية والسيكولوجية والتاريخية , وكما يقول سيرغييف في كتابه : مناهج التوقع في السياسة , من ان عملية تحليل الظواهر السياسية عملية صعبة ومعقدة , فقبل كل شي يجب اللجوء الى العلاقات الاجتماعية والطبقة الموضوعية القائمة في مجتمع ما , وفي لحظة ما , ومن الجهة الأخرى يجب التأكيد على الجهود العقلية الواعية التي يبذلها الناس بغية التغير والتحول , أو حتى الحفاظ على الوضع القائم .
فإذا ما تحدثنا عن الخطاب السياسي الرسمي العربي ( سنلاحظ حدوث تحول في هذا الخطاب في العقدين الأخيرين نتيجة هبوب رياح الديمقراطية على المنطقة ونتيجة الثورة المعلوماتية والتقنية التي حطمت جدران العزلة التي كانت تفرضها النظم على شعوبها ) و– بمعنى آخر – قد فرضت ثقافة المجتمع وقدرة أبناءه وطبقاته الاجتماعية والنخبوية , والمتغيرات الدولية نفسها على شكل وأسلوب الخطاب السياسي الرسمي العربي في القرن 21 .
وفي هذا الخصوص تحديدا , - أي – الملاحظات والأنماط والمتغيرات التي يمكن الإشارة إليها , على أنها قد طرأت على ذلك الخطاب , هي :
( 1 ) النمط الكمي – فقد تزايدت في الآونة الأخيرة الخطابات الرسمية الموجهة من قبل الحكومة الى الشعوب , وذلك نتيجة الحاجة الملحة لذلك التسارع , على اثر تلك التحولات السياسية والثقافية والاقتصادية التي استجدت على الساحة العربية والدولية.
( 2 ) النمط النوعي – حيث لم يتوقف التغير عند حدود الكم والعدد , إذ وصل ذلك الى الأسلوب وطريقة الخطاب والتوجه الثقافي والسياسي واللغوي , حيث بدأ واضحا على الكثير منها الرضوخ لمطالب الشعوب وإرادتها , كما اتضح على بعض النماذج منها الارتباك والعاطفة والاستجداء والضعف والخوف , وهو على عكس الخطابات السابقة , والتي كانت اقرب الى الرسائل الحازمة والسلطوية الواثقة .
ويمكننا القول ان مرحلة زمنية معينة انتهت الى غير رجعة من عمر ذلك الخطاب العربي الرسمي الذي كان يعاني من التقهقر والبعد عن الشارع وهموم الناس , فقد تأكد للشارع كما اشرنا سابقا ان الأفكار التي كانت تحملها الطبقة الحاكمة لم تعد مقنعة للجماهير , كما ان تلك المبادئ والأفكار والسياسات والتوجهات لم تعد مفيدة للمجتمع وغير ملبية لطموحات الطبقات المتوسطة والفقيرة , - وبمعنى آخر – انهيار منظومة التواصل الثقافي والفكري بين طرفي الحكم في الدولة , - أي – الشعب والحكومات أو الشعب والنظام .
وقد اتضح بالفعل ان ( حالة الاختناق التي انتابت التعبير السياسي الرسمي العربي في مواجهة حالة الانحدار العام والاختراقات الأمنية التي لم تشهد المنطقة مثيلاً لها منذ عقود ، كما تبدو في الاحتلال والوجود العسكري والأمني الأجنبي ، وتراجع مكانة العالم العربي في المستوى العالمي ، هذه الحالة المعبرة عن مضامين عجز السلطة الرسمية – قد صاحبها - تحولان أساسيان غاية في الأهمية ، هما التحول من نموذج دولة الدور السياسي ، أي البحث عن الإقليم القاعدة الى البحث عن الدولة الوطنية النموذجية ، والتحول في الخطاب السياسي الذي ينتجه قادة الرأي والمثقفون ، أي العقلانية الجديدة ، وكل منهما يحتاج الى معالجة خاصة ) .
كما ان اقرب تصور بنظري الشخصي لتشريح الأسباب التي أدت الى هذه الحالة التي تمر بها كياناتنا ومجتمعاتنا العربية اليوم , هي إفلاس الايدولوجيا السياسية للأنظمة القائمة , وهو ما دفع شعوب المنطقة الى التحرر والتحرك لإيجاد أيديولوجيا جديدة تساعد على ربط السلطة والنظام بالشعوب , - وبمعنى آخر – وصول الأنظمة الى مرحلة الشيخوخة السياسية , وعجزها عن إقناع الجماهير باستمرار المبادئ والأفكار التي حملتها منذ البداية , والتي أصبحت متناقضة مع أفكار الشعوب وطموحاتها وتوجهاتها , وهو ما دفع تلك الشعوب بالتدرج الى البحث عن أفكار جديدة وأيديولوجيا سياسية أخرى.
أما عن أسباب انتشار واستشراء هذا الحراك في مختلف الدول العربية , فان اقرب تصور راهن للحالة بالنسبة لي يكمن في التأثير المتبادل للشخصيات والشعوب , مثلما هناك تأثيرات متبادلة بين الشعوب والأحداث التاريخية , وكما يقول شبنجلر : من ان الأحداث العظيمة تحمل مسؤولية مرحلتها والنهوض بشعبها , وهو ما قد يدفع بقية شعوب العالم الى الاحتذاء والاقتداء بتلك الشعوب والمكونات الاجتماعية , في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية .
وهو ما يجعلنا نفهم الأسباب التي أدت الى الإحداث الأخيرة على الساحة العربية , ومن المؤكد أنها ستستمر لتشمل أجزاء أخرى من عالمنا العربي خلال السنوات القادمة , حيث لم تعد الجماهير تؤمن سوى بأفكارها فقط , - وبمعنى آخر – لم تعد تؤمن أو تصدق أفكار حكامها وقادتها وزعاماتها لأنها متناقضة كل التناقض والبعد الفكري والنفسي والقومي عن أفكارها وطموحاتها وهمومها , وهذا الوضع بكل تأكيد سيؤدي بدوره الى الاضطرابات الاجتماعية والهيجان الشعبي .
كما يمكننا التأكيد على ان السنوات القليلة القادمة ستشهد الكثير من التحولات الفلسفية والتغيرات الثقافية على صعيد أشكال وأساليب ولغة الخطاب الرسمي العربي , فهذه المرحلة التي نشهد تسارع تراكماتها الأيديولوجية والسسيولوجية على المشهد السياسي العربي اليوم تعد المرحلة الأخيرة لشكل ومضمون خطابات الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي , بل ونهاية الخطابات التي طالما أطلقنها عليها بالخطابات الرسمية الفارغة ذات التجليد الفاخر .
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية.