المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرثية للحب المخنوق



محمد خليل الفراش
20/03/2011, 10:32 PM
مرثية للحب المخنوق

قصة / محمد خليل
مشاهديَ الأعزاء ..
وعدناكم منذ سنوات خلت أن نعرض أولا فأول مشاهد مسرحية (أقتلهم قبل أن يقتلوك .. (والليلة حان الوقت لنعرض مشهدا جديدا.. فأرهفوا السمع وأقلوا الكلام.. وأيقظوا من الأحلام النوام.
(مجموعة إرشادات وتعريفات أولية لزوم فهم المشهد)
رجاء غاية في الأهمية : اضحكوا.. وقهقهوا جيدا حتى تصطدم الرؤوس الخاوية في الأقفية (المفلطحة) .. ألم تقل الحكمة شر البلية ما يضحك ؟ ..
)محظورات)
لا تجزعوا.. وعندما تخرم آذانكم آهات المجروحين لا تعبأوا.. واعملوا بنصيحة الحمقى والمخبولين (أذن من عجين .. والأخرى من طين..
)مطلوبات)
إطالة الشعور والأظافر.. وتوسيع الحناجر..
(المكان)
غابة عربية .. عبرية غربية .. سنية شيعية .. كردية أردية .. تاهت بين أجماتها العزة الإسلامية.
(الزمان)
الحاضر والمستقبل والمجهول.
)الخلفية)
ابتسامة من الوجه.. وعناق للرأس.. وخنجر فى الظهر.. ونشوة بلحم شقيق مقتول..
)الديكور)
أنا وزوجتي وولدي وابنتي..
(الإضاءة)
نيران المدفعية.. تشتعل الآبار.. ترتفع النار.. تضيء الطريق لدمار الديار..
(الموضوع)
ذات ليلة هادئة جلست وصغيري أمازحهما وأشرح لهما الدرس الأول في معنى العروبة والسلام .. قلت وقد غلبني الحنين للحلم الكبير:
ــ والنيل يا خديجة والفرات ودجلة أنهار من عسل مصفي.. تتصل بها كل شرايين العرب.. فتتواصل الأرواح .. وتتفاعل العقول .. فتتولد الأفكار .. والأفكار يا بني تجلب الدينار .. والدينار يأتي بالدولار .. والدولار يفعل العجب .. وتوقف لساني وقلت لنفسي : " فتنفتح شهيتنا للرخاء والبغاء والغباء والحياة " .. عندئذ تلبسني شعور بالامتعاض والانقباض .. ورغم أنفي ابتسمت وأردفت:
ــ هذه يا ولديَ حقيقة العربي بالعربي .. الكل في واحد .. الناس والأرض .. والزرع والنفط والعرض .. والذهب والتاريخ واللغة .. والدين والألم .. كلها يابني تصنع الذراع والساق والخطوة .. وتجدل الوجدان والعقل والفكرة .. فهل وعيتما الدرس جيداً ؟ .. وصاح الحسن:
ــ وعيناه يا أبتاه.. وسوف أحقق فيه أعلي الدرجات.
ورنت إليه خديجة وهمست بصوت حنون رخيم:
ــ حفظته أحسن منك وسأتفوق فيه عليك..
وبينما نحن نيام، والأحلام تمرح في مخيلاتنا يتقدمها الحلم الكبير .. في هذه الهدأة وجدتني فجأة .. أتخبط في أولادي وزوجتي ومتاعنا .. في لحظة كل شيء قد ارتبك .. كل الإضاءة ضاعت في الحلك .. دوى المدافع ابتلع كل النداءات .. وبدد أزيز الطائرات كل الاستغاثات .. رحنا نلملم الضرورات لرحلة لا نعرف كيف تبدأ ولا متى أو كيف تنتهي .. ركبنا السيارة وانطلقنا بها .. كل الطرق مسدودة يحرسها الموت أو تعبث على مخارجها الشياطين .. بدونا في حالة مخاض في رحم حياة تترنح .. كلما لاح أمل في النجاة .. يتلاشى كالسراب في الفلاة .. وعندما سمحوا لنا بالخروج ساومونا عليه .. امتدت مخالبهم واستولت على كل ما نحمله .. حتى زوجتي لم تفلت من عبث الصغار منهم والكبار .. وعندما تمسكت بما معنا من ماء .. وأبدت استياءها من الاستيلاء عليه .. في لحظات (يااااه) .. لا أستطيع .. وهم يضحكون يتمايسون يتمايلون يتغامزون يتهامسون يتصايحون يتمازحون .. ويطلقون الرصاص في خبل وجنون .. وصرخنا .. فحوصرت صرخاتنا فى حناجرنا بفوهات الأسلحة المشرعة في وجوهنا .. وهم يسحبون جثتها ويدفعونها بأحذيتهم وكعوب بنادقهم..
وابتلعتنا الصحراء .. يرافقنا الرعب والبكاء .. وليلة تمضى وراء ليلة .. ويصيح الحسن:
ــ عطشان يا بابا ..
وتقول خديجة:
ــ عطشانة يا بابا ..
رنوت إليهما وتجمدت في عيني الدموع .. وتصدعت فوق شفتي الحروف .. تمنيت أن أهرس جلدي .. أعصره وأصفيه وأنقيه وأسقيه لهما .. وبغتة يسألني الولد عن أنهار دجلة والفرات والنيل .. أضغط بصدري وجسدي مقود السيارة لعلها تطير .. أو تنشق الأرض عن جرعة ماء أو يسّاقط المطر .. تهرب الممرات من ناظري .. ويجندلني إحساس الحصار بالخلاء .. ويصرخ الحسن باكياً:
ــ عطشان يا بابا..
وصمت خديجة يعكس جفاف الحلق واللسان .. ويتكرر طلب الماء .. أبكي .. أتوقف .. والسيارة تصرخ أيضا تريد ماء .. أعطيت كلا منهما (زلطة) صغيرة .. من بين نوبات البكاء والصمت يبتسمان ويعلقان:
ــ أهذا وقت التنكيت يا أبي ؟..
دسستها في فم الحسن فتفلها .. ذوب هجير الصحراء جسدي فتفجر العرق غزيرا، بقطعة أسفنج نزعتها من مقعد السيارة رحت أمتص قطرات العرق لتبليل الشفاه الجافة .. وعلى الرغم من ذلك يقترب الموت عطشا وجفافا .. أستحلب كُليتي .. أخبط رأسي في السيارة التي تغوص إطاراتها في الرمال .. وتتبعثر حولها حياة الأطفال .. وبحروف مكلومة .. من طفلة محمومة تقول خديجة:
ــ عطشا...
ولا تكتمل الكلمة .. ويأخذ الحسن خديجة بين ذراعيه .. وأترنح فوقهما أبكي .. وأفوض الأمر إلى الله .. وبينما أحفر لحديهما في الرمال .. تفجر ينبوع عذب للمياه.. !
( إظلام كامل )
انتهت مشاهدة المشهد
عزيزي المستمع المشاهد:
بالقطع صدمك المشهد .. بالضرورة وضحت أمامك الصورة .. بالتأكيد أنت الآن تسأل:
ــ وماذا سوف تفعل ؟
دعني أسألك أيضاً:
ــ وماذا ستفعل أنت ؟! ..
عموماً إذا كنت قد انتويت شيئا فاكتب لنا .. فقد يسعدك الحظ لتفوز بجائزة من جوائزي النفيسة الكثيرة .. هذا إذا كنت قد فهمت شيئاً..
)الجوائز):
علاوة على ما سبق الإعلان عنه من جوائز .. أتشرف أن أضيف جوائز جديدة...
أشلاء زوجتي وولدي وابنتي ..
وإذا لم تكن فهمت .. وبالطبع لن تفوز بجائزة من جوائزي .. فإني أعلق الذنب في رقبتك .. وأعدك أن أكون أول من يبكي على جثتك.
(توصية مهمة عامة)
أرجوكم امنعوا التصفيق .. وارفعوا الكلمة من القاموس ..

رشيد ساحلى
21/03/2011, 12:40 AM
جميلة هي اطلالتك المشرقة الحاملة لهذا السرد الممتع..
أحييك محمد خليل

محمد خليل الفراش
23/03/2011, 02:15 PM
الأخ العزيز الفاضل الأستاذ رشيد ساحلى .... سلام الله عليك ورحمته وبركاته .. أشكرك على مرورك على هذه القصة ..وعلى اعجابك بسردها .. وأتمنى أن يكون قد أعجبك مضمونها .. دمت ودامت حياتك على الخير والمودة .. مع خالص تحياتى وتقديرى .. ونتواصل ان شاء الله ... محمد خليل ... عضو اتحاد كتاب مصر ...