المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التدخل العسكري الدولي في ليبيا بين الحسابات القذافية والحسابات الدولية ومستقبل الثورة !.



فتحي الحمود
22/03/2011, 05:32 PM
التدخل العسكري الدولي في ليبيا
*بين الحسابات القذافية والحسابات الدولية ومستقبل الثورة*
نبيل شبيب


من مقدّمات التدخل العسكري
حتمية السقوط.. ودموية الانتقام
ثورة مسلّحة بالإكراه
الثائرون.. وشهود الثورة عن بعد

مخاطر التدخّل الدولي قائمة

مع كتابة هذه السطور بدأت مواقع الكيان القذافي العسكرية وقواته من الميليشيات
والمرتزقة وأسلحتها الثقيلة على أرض ليبيا تتعرّض لقصف الأسلحة الغربية. وبغض
النظر عن تطوّرات مستقبلية، لا يُستبعد الإعلان خلال فترة وجيزة نسبيا عن تحقيق
الهدف "الرسمي" من القصف: حماية المدنيين من أسلحة القذافي، وسيأخذ ذلك
"عسكريا" صورة هزيمةٍ تلحق بآلة الفتك القذافية (ويصعب وصفها بالليبيّة بعد أن
أوغلت عشوائيا في الدم الليبي) إنّما يمكن –رغم ذلك- اعتبار هذه الهزيمة
المتوقّعة "نجاحا" إجراميا انتقاميا يودّع به المستبدّ العجوز ليبيا التي حكمها
42 سنة.
من مقدّمات التدخل العسكري

إنّ كلّ تدخّل عسكري أجنبي مرفوض، في أي بلد من البلدان العربية والإسلامية
وسواها من البلدان المعرّضة دوما لمخاطر الهيمنة الدولية والمطامع الأجنبية
بمختلف أنواعها. ولا يوجد ما يستدعي الظنّ بأنّ أغراض التدخل في ليبيا "بريئة"،
مقتصرة على تقديم العون للإنسان الليبي.. وإن كان "هذا" أيضا جزءاً ممّا يحقّق
في المرحلة التاريخية الراهنة "مصالح ذاتية" لدى القوى المشاركة في التدخل،
منها مثلا:
(1) محاولة تجميل الوجه القبيح الذي صنعته حقب عديدة من الحروب العدوانية
القديمة والحديثة ضدّ البلدان العربية والإسلامية..
(2) ومحاولة إيجاد "بديل" من "الثقة أو التجاوب" على صعيد الشعوب بعد أن بدأت
القوى الدولية تفقد مرتكزاتها عبر مسلسل تساقط الأنظمة الاستبدادية نتيجة ثورات
شعبية.
وتوجد مصالح ذاتية أخرى بطبيعة الحال، النفط الخام أبرزها، والنفوذ في إفريقية
جنوب الصحراء في مقدمتها، وتصوّر التأثير على مسار الثورات العربية أخطرها.
*على أنّ إدراك ما يعنيه التدخل وما يمكن أن يسفر عنه، لا ينبغي أن يطغى على
إدراك ما أوصل إلى صدور المطالبة ثمّ الترحيب به، عن غالبية من يمثّل شعب ليبيا
في ثورته السلمية على الاستبداد الإجرامي.
*وممّا ينبغي النظر فيه هنا ما يرتبط أوّلا بسلوك الكيان القذافيّ الشاذّ نفسه،
ثمّ ما يرتبط ثانيا بمسار ثورة شعب ليبيا وتحوّلها إلى ثورة مسلّحة.
حتمية السقوط.. ودموية الانتقام

بدا من سلوك القذافي وكلامه قبل اتخاذ القرار بالتدخل العسكري وكأنّه حريص كلّ
الحرص على وقوعه، ومن ذلك سلسلة الخطب الاستفزازية والتصريحات المتتالية، التي
أثارت "استغراب" الخبراء السياسيين والعسكريين عموما، إذ كانت -من حيث المضمون
أو التوقيت على السواء- تتناقض مباشرة مع أيّ منطق استبدادي أو غير استبدادي،
وتتطابق مباشرة مع كلّ ما يمكّن من "تمرير قرار" بتدخل عسكري دولي.. وهو ما
يفرض التساؤل ما إذا كان الحاكم المعروف طوال أربعة عقود بشذوذ أساليبه في
الوصول إلى أهدافه، تعمّد:
(1) تقديم مسوّغات لقوى دولية كانت متردّدة بوضوح –بسبب مصالحها الذاتية- عن
التدخل كي تتخلّى عن تردّدها ذاك..
(2) وتعمّد زيادة إحراج دول أخرى بقيت متشبّثة بدعم الكيان القذافي أو الامتناع
عن تأييد تدخّل عسكري، بسبب مصالحها الذاتية أيضا، فكان بما يصنع ويقول يدفعها
دفعا إلى موقع القبول على مضض بتدخل عسكري دولي، بدلا من رفضه.
*ليس السؤال: هل أراد المستبد العجوز دفع التطوّرات في اتجاه تدخّل دولي..
بل ينبغي السؤال: علام صنع ذلك فعلا؟..
*لو كان يتصرّف بمنطق سياسي، لأمكن طرح بعض الاحتمالات المنطقية لتفسير هذه
المواقف التي تكرّرت وتتابعت في توقيت مدروس (قبل مؤتمر جامعة الدول العربية
مثلا.. وعشية انعقاد مجلس الأمن الدولي مثلا آخر) ناهيك عن سلسلة أكاذيب مفضوحة
بصورة مباشرة وتناقضات مباشرة بين ما يقول صباحا ومساء، وبين ذاك وما يصنعه
فعلا، وجميع ذلك بلغ درجةً يصعب معها القول إنها لم تكن مقصودة.
- ربّما استهدف من وراء ذلك تحويل نفسه إلى "ضحية عدوان دولي".. وهذا هدف غير
قابل للتحقيق، فما ارتكبه من جرائم ينزع عنه هذه الإمكانية جملة وتفصيلا، حتى
وإن وصل الأمر إلى محاكمته وإعدامه.
- ربّما استهدف تحويل هدف تحرير البلاد بثورة سلمية إلى أوضاع فوضوية عسكريا
ليتمكّن من البقاء في صيغة تمرّد مسلّح مدعوم دوليا على أرض ليبيا.. وسبق أن
أتقن التعامل مع "حركات التمرد المسلّح" وتوظيفها بنفسه عبر تحرّكاته في الساحة
الإفريقية.
- ربّما استهدف تشويه صورة الثورة السلمية شعبيا في ليبيا وعلى المستوى العربي،
لتخسر شيئا من قوّتها الشعبية الجماهيرية الواسعة النطاق.
- أمّا الاحتمال المستحيل مهما بلغ الشذوذ في طريقة تفكير عصابة إجرامية
"تحكم"، فهو "الأمل" في استعادة السيطرة على الأرض والشعب، فهو شاذ بأساليبه
فحسب، ولكنه ليس "مجنونا" كما يبدو في نظر العاقلين، ولهذا فهو يعلم علم اليقين
أنّ نهاية وجوده أصبحت حتمية، من اللحظة الأولى لميلاد ثورة شعب ليبيا ضدّه.
*المفروض أن يدرك كل شعب يحكمه الاستبداد –ما يعلمه المستبدون أيضا- أنّ لحظة
اندلاع الثورة هي لحظة نهاية الاستبداد، ولا يبقى سوى تحديد مسارها فحسب.
*لا يمكن تفسير سلوك المستبدّ العجوز ليقع تدخل عسكري دولي إلاّ وفق ما يمكن
استنباطه من تصرّفاته على امتداد اثنتين وأربعين سنة مضت، استطاع خلالها أن
يمارس كلّ ما يمكن ممارسته من جرائم لتحقيق هدف واحد: *السيطرة المطلقة على
البلد وشعبه وثرواته.*وفي اللحظة التي رأى فيها بأمّ عينيه انهيارَ جميع "ما
حققه" –أو ما يسمّى إنجاز العمر في الأحوال الاعتيادية- انهيارا كاملا أمام
اندلاع ثورة الشعب عليه، لم يبقَ من دافعٍ يحرّكه أقوى من دافع الانتقام
الإجرامي الدموي، كيلا يغيّبه الموت أو القتل الذي يستحقّ، إلاّ مع أكبر عدد
ممكن من الضحايا من الشعب الثائر ضدّه.
لا شكّ أنّ التدخل العسكري الدولي سيقضي على بقايا الكيان القذافي في نهاية
المطاف، وهو أوّل من يعلم ذلك، وسيعمل حتى النهاية على توجيه ما يملك توجيهه
حتى اللحظة الأخيرة من أجل تنفيذ هدف الانتقام من الشعب الثائر، متذرّعا بما
يفرضه "العدوان الخارجي" أو متّهما بأنّ هذا من صنع العدوان الخارجي.. والأهمّ
من ذلك في نطاق أسلوب تفكيره وسلوكه هو أن يترك ليبيا من بعده عرضة لأطماع
"أجنبية".
ولقد تحدّث المستبد العجوز في ليبيا علنا –بأسلوبه الشاذ- عن أهدافه، من
اللحظات الأولى لميلاد الثورة، فكان يحذّر –كابنه أيضا- بصفاقة غير طبيعية من
أنّ هذه الثورة *ستجلب إلى شعب ليبيا الاحتلال، والفقر، والانقسام.. ولن يتوقف
أثناء التدخل العسكري الدولي عن العمل لتحقيق ذلك فعلا، على أمل أن يكون
"الطوفان" من بعده، آخر جريمة كبرى في مسلسل الجرائم التي ارتكبها حتى الآن.*

**
*ثورة مسلّحة بالإكراه*

*منذ الأيام الأولى للثورة السلمية استطاع شعب ليبيا تحرير الجزء الأعظم من
أرضه بما في ذلك جميع المدن والبلدات في الشرق والوسط وعدد منها في الغرب. وكان
ذلك من دوافع انتشار الاعتقاد بأنّ الثورة السلمية قادرة على بلوغ هدفها الأول
سريعا: إسقاط رأس الاستبداد والفساد، فما الذي حوّل مسارها إذن حتى باتت توصف
بثورة مسلّحة أولا ثمّ إلى التخلّي لاحقا عن التحذير المتكرّر من تدخل خارجي
والانتقال إلى المطالبة به؟..
لقد تحرّك شعب ليبيا في شرق البلاد وغربها مثلما تحرّك شعب تونس وشعب مصر،
بالمظاهرات السلمية، والاحتجاجات الجماهيرية، والمطالب المشروعة، وتميّز هذا
التحرّك أيضا بغلبة عنصر الشباب ثم انضمام مختلف فئات الشعب إلى الثورة، وكان
يُفترض للوهلة الأولى ألاّ يختلف مسار ثورة شعب ليبيا عن هاتين الثورتين. فمن
أراد البحث عن مسؤولية وصول مسار الثورة إلى مرحلة "تدخل عسكري دولي" لا بدّ أن
ينظر نظرة موضوعية في مسار تحوّلها من ثورة سلمية إلى ثورة مسلّحة:
1- سجّلت ثورة شعب ليبيا درجاتٍ منقطعة النظير من الصمود والشجاعة والبسالة،
ومن الاستعداد لتقديم أغلى التضحيات، رغم شدّة الذهول والرعب المسيطريْن
بالضرورة على الإنسان الليبي من عامّة المدنيين، إزاء إجرام عصابة مسلّحة
متوحّشة..
2- وما كان ما تصنع تلك العصابة منذ البداية بسيطا، بل بلغ درجة من الإجرام
دفعت كثيرا من أعوان الحاكم المستبد إلى "النجاة" بأنفسهم عبر الانفصال عنه،
كيلا ينزلقوا معه إلى حمل مسؤولية المشاركة في مزيد من الإجرام الفاحش.
3- هذا ما يستدعي استيعاب انتشار الحرص لدى أفراد شعب ليبيا على البحث عن أيّ
وسيلة للدفاع المشروع عن الأهل والنفس.
4- في تلك المرحلة بالذات توافر السلاح بكميات بسيطة ونوعيات محدودة، ممّا أتى
به المنحازون إلى الثورة من قطاعات عسكرية وشبه عسكرية، وكذلك ممّا استطاع
الثائرون أن يغنموه -رغم أنّهم لم يملكوا السلاح في البداية- وهم يواجهون القوة
المسلّحة في أكثر من مدينة وقرية.
لقد اجتمعت عناصر التضحيات الجسيمة، والذهول من هول الجرائم المرتكبة، لتدفع
إلى استخدام السلاح في الثورة السلمية الشعبية، فمكّنت –دون قصد- الحاكمَ
المستبدّ العجوز من تحقيق "نجاح" مبدئي في حربه الانتقامية ضدّ شعبه الثائر.
بدأت الثورة السلمية تتحوّل إلى ثورة مسلّحة كما أرادها وهو يعلم أنّ تسلّحها
لا يكفي لمواجهة ما يستخدم الاستبداد من أسلحة ثقيلة فتاكة، ولعلّه اعتقد
بإمكانية نشر الاقتناع أنّه "مضطر" إلى استخدام القوّة!
لا مجال هنا لتوجيه "اللوم" لثوّار ليبيا الأحرار، أنّهم حملوا السلاح في فترة
لاحقة، فتحقّق دون قصد ما أراده الحاكم المستبد، وأوصل إلى تدخل عسكري أجنبي..
رغم أنّ مثل ذلك "اللوم المرفوض" يصدر بدافع قويم ناجم عن الموقف المبدئي،
القائم على رؤية موضوعية مشروعة لنتائج تجارب سابقة، وهو موقف الرفض المطلق لأي
تدخّل أجنبي. *
*
الثائرون.. وشهود الثورة عن بعد

إنّ في مقدّمة ما ينبغي رصده وتقويمه والاستفادة منه على صعيد ثورات شعبية
عربية اندلعت أو توشك أن تندلع، هو أنّ ثورة شعب ليبيا كانت "أوّل" ثورة شعبية
عربية تواجه ما واجهته، وربما فوجئ الثوار به، فلم يعمد المسلّحون المنحازون
للثورة إلى تكوين فريق منفصل بنفسه، لتوظيف ما يملكونه من قوّة وتدريب –وإن
كانا متواضعين- في مواجهة القوة المسلّحة المهاجمة، بحيث تتخذ الثورة مسارين
متوازيين، سلميا مشروعا جماهيريا، ومسلّحا مشروعاً أيضا ضدّ عصابة بلغ إجرامها
المسلّح عبر السلطة مداه.. ولكن هذا بالذات ما يمكن أن تحرص عليه ثورات عربية
أخرى، إذا واجهت حالة مشابهة.
أمّا في ليبيا –التي سبقت ثورتها إلى مواجهة هذه الحالة- فلا بدّ من تقدير
حقيقة الظروف التي نشأت على أرض معركة مسلّحة فرضها الحاكم المستبد العجوز وهو
يترنّح، وتقدير ظروف الجماهير الثائرة سلميا وهي تستقبل من ينضمّ إليها من
المسلّحين، وتعايش بنفسها –وليس عن بعد- ارتكاب الجرائم الكبرى عن طريق الأسلحة
الثقيلة، ويسقط الضحايا بين أيدي ذويهم من سكان المدن الليبية.. فلا يمكن
الحديث هنا –عن بعد- بأسلوب اللوم لمن وجدوا أنفسهم مضطرين إلى استخدام السلاح
بأنفسهم، ثم في فترة تالية إلى المطالبة بتدخل دولي، واعين بما يعنيه، ولهذا لم
تراجعوا عن حرصهم على عدم اقترانه بعمليات برية أو احتلال عسكري.
لم يكن سهلا على أيّ إنسان في ليبيا كما هو الحال مع أي بلد من البلدان
العربية، أن يتصوّر مهما عانى بنفسه من حقبة الاستبداد الدموي الطويلة، وصولَ
إجرام العصابات الاستبدادية إلى ما وصل إليه القذافي وأعوانه (وهو ما يكاد يصل
إليه حاكم مستبدّ آخر وأعوانه في اليمن) فقد كان يرتكب جرائمه المتتابعة لعدّة
عقود قبل الثورة، وكانت بدرجة خطيرة، تُنذر مسبقا بأنّه سيواجه ثورة الشعب عليه
بعنف أشدّ.. ولكن بلغ في مواجهة الثورة السلمية استخدامَ الطائرات والدبابات
والبوارج الحربية والمدفعية وراجمات الصواريخ وغيرها، ومارس قتلَ الجرحى
واختطاف الجثث واستخدام الدروع البشرية.. في مواجهة جماهير محتشدة في الساحات
أو مدنيين داخل مساكن آمنة، لا يملكون ملاجئ تقيهم من القصف ولا أسلحة للدفاع
عن أنفسهم من مرتزقة همجية وميليشيا مروّضة على الفتك والقتل.
لقد اتخذت ثورة شعب ليبيا مسارا يجب استيعابه –عن بعد- ليمكن تقدير مجراه كما
هو على أرض الثورة، خارج نطاق تأثير "نشوة" انتصارات الثورتين السلميتين في
تونس ومصر خلال أسابيع معدودة، فقد رفعت ما يسمّى "سقف التوقعات" من مسار
الثورات الشعبية الأخرى إلى درجة عالية من التفاؤل، وبدا أن سقوط الأنظمة
الاستبدادية سيتتابع بالسرعة نفسها، وأنّ نسبةً منتظرةً من التضحيات التي
قدّمها شعب تونس وشعب مصر (مع تأكيد أقصى درجات الألم والأسى تجاهها فردا
فردا.. وإدانة من سبّبها إدانة مطلقة) هي المعيار الذي يمكن أن تقدّمه شعوب
أخرى -كشعب ليبيا- على طريق الانتصار المبدئي بإسقاط رؤوس الاستبداد والفساد.
مخاطر التدخّل الدولي قائمة

تبرئة ثوار شعب ليبيا من المسؤولية عن تحويل ثورتهم السلمية إلى ثورة مسلّحة لا
تنفي أن للقوى الدولية سياسات محسوبة، لا توزن بموازين حقوق الإنسان واستغاثات
الشعوب من استبداد كانت تلك القوى الدولية من محاضنه عالميا، وإنّما تتحرّك
وتتصرف وفق لغة المصالح ولغة المكاسب والخسائر فقط.
فرنسا.. خسرت الكثير من مكانتها نتيجة عدم تقديرها السريع لِما تعنيه ثورة شعب
تونس ثم شعب مصر، وتعلم أنّها خسرت الكثير من قبل من مواقعها في القارة
الإفريقية لأسباب عديدة، من بينها استخدام القذافي ثروات ليبيا وشعبها في تكوين
"قاعدة" إفريقية يعتمد عليها في جلب المرتزقة إلى ليبيا، وفي تحريكهم في القارة
الإفريقية نفسها، بالإضافة إلى من يجلبهم من صربيا وسواها ويسدّد لهم "الثمن"
مقابل ما يؤدّونه من "مهمات قذرة".. ناهيك عن استمرار مفعول تاريخ فرنسا
الاستعماري الطويل في المنطقة، لا سيما في شمال إفريقية.
بريطانيا.. خسرت الكثير بسبب مشاركتها الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها
العدوانية في المنطقة العربية والإسلامية، ناهيك عن مفعول تاريخها الاستعماري
الطويل، ومفعول ما ارتكبته بصورة مباشرة في قلب المنطقة الفلسطيني، وما تزال
عواقبه مستمرة إلى يومنا هذا.
ولا يحتاج الأمر إلى تعداد المزيد بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أو
إلى موقع النفط الليبي في تشغيل الآلة الصناعية في أوروبا، وجميع ذلك يجعل من
التدخل في ليبيا في صيغة "إنقاذ شعب ليبيا" مدخلا لمحاولة التعويض عن خسائر
سابقة.
ويأتي ذلك في لحظة تاريخية فاصلة يصنعها مسار الثورات العربية بسرعة لا تستطيع
قوالب التفكير التقليدي الغربية استيعابها، إنّما تقدّر أن أوضاع المنطقة شعوبا
ودولا لن تكون قطعا كما كانت عليه قبل انطلاقة شرارة تلك الثورات لأول مرة في
جنوب تونس.
هل يمكن أن تسلّم القوى الدولية دون مقاومة بمسار الثورات في اتجاه التحرّر،
وسيادة الشعوب على صناعة القرار، على المستوى الداخلي، وعلى مستوى العلاقات
الخارجية؟..
هل يمكن أن تنقلب على نفسها وتتخلّى عن أساليبها تحت تأثير إرادة الإنسان في
هذه المنطقة وتطلّعاته إلى التحرر والتوحّد والتقدّم، ليصنع خارطة سياسية
واقتصادية جديدة، تقوم على لغة "المصالح المبتادلة" بدلا من معادلة "الهيمنة
والتبعية" وائتلاف الاستبداد العالمي مع الاستبداد المحلي؟..
لن يكون الوضع مستقبلا كما كان بالأمس.. إنّما لن يمنع ذلك القوى الدولية من
بذل أقصى ما تستطيع لإيجاد ثغرات جديدة، لا تتحقق من خلالها المصالح المشروعة
في العلاقات الدولية فقط، بل تحفظ ما يمكن الحفاظ عليه من "مطامع" قامت نسبة
كبيرة من الهيمنة الغربية السياسية والأمنية والاقتصادية عليها طوال حقبة زمنية
طويلة، وعلى الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لا شك أن التدخل الدولي في ليبيا سيفسح المجال أمام محاولات غربية حثيثة،
لصناعة مرتكزات جديدة للتأثير على ليبيا نفسها، وعلى المنطقة العربية
والإفريقية، لا سيما على الدول المتحررة عبر ثوراتها، وفي مقدمتها تونس ومصر..
إنّما تؤكّد صحوة الشعوب الواعية أنّها ستكون محاولات خائبة بإذن الله.
هذا بالذات ما يفرض على الثوار في ليبيا -وهم يحققون انتصارهم بعون الله، آجلا
أو عاجلا- أن يعملوا منذ الآن، لوضعه في حسبانهم، على كل صعيد داخلي وخارجي،
رغم ظروف الثورة، وظروف التضحيات الكبرى التي يقدّمونها، وظروف التدخل الدولي
الذي استطاع الكيان القذافيّ أن يفرضه على مسار الثورة في نطاق انتقامه من شعب
ليبيا الثائر.
ولا بد من أن يكون أنصار ليبيا وشعبها وثورتها وأنصار الثورات العربية والشعوب
العربية كتلة واحدة من وراء مختلف الحدود والظروف الآنية في كل قطر على حدة،
وأن يكون نصيبهم من نصرة شعب ليبيا الثائر، تقديم المدد والعون على كلّ صعيد
ممكن، للحيلولة دون الوصول بانتقام المستبدّ العجوز من شعب ليبيا الثائر الحر،
إلى مداه، ليس على صعيد ما يرتكب بنفسه من جرائم فحسب، بل على صعيد ما يمكن أن
يخلّفه بعد سقوطه من مخاطر عبر التدخل العسكري الدولي.

أحمد صالح السنباني
23/03/2011, 04:22 AM
أستاذي القدير :فتحي الحمود ,إن تحليل الأستاذ نبيل شبيب للوضع الليبي قد أجاب عن كثير من تساؤلاتي , قناعتي بما أوصل إليه المستبد العجوز شعبه الليبي من التنكيل والإنتقام قد أوجب التدخل , ولكن تساؤلي عن كيف ستواجه الأطماع الأجنبية في حال تحقق هدف القضاء على هذا الطاغية , يبدو لي أن ثوار ليبيا -أعانهم الله - قد فرض عليهم الواقع والأحداث ثورتين , أولها ضد المستبد , وثانيها ضد استغلال المستعمر أليس كذلك ....

فتحي الحمود
24/03/2011, 04:18 AM
نعم أخي أحمد . إبتداء شكرا لمرورك الكريم . وسؤالك هو ما دفعني لوضع هذه المقالة الوافية .
لاتوجد مساعدات خارجية بلا ثمن . والمثال العراقي ماثل أمامنا .
أعتقد أن ثمن عناد القذافي سيدفعه الشعب الليبي غاليا !!!
تحياتي وتقديري
أخوكم : فتحي