المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة المغناطيسية



عبد الرحمن الطويل
14/04/2011, 06:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

المقامة المغناطيسية

لمّا دخلتُ المدرسة الثانوية ، كنت في المكر ثانيَ اثنين ، أولهما يستخف به مُشاريه ، و يأخذ منه الشئ برُبع ثمن أخيه ، و كان ظنّي بالناس حَسَنا ، و قولي للناس حُسْنا .
و كانت صحابتي سحابتي ، لا أسمع لسواهم قولاً ، إلا كسمع العربيِّ غير الهجين ، غمغمة ألثغ من أهل الصين ، و لا أرى لسواهم فعلاً ، إلا كرأي ذي النظّارة ، إذا جرّد منها أنظارَه .
فلمّا مضى فجرُ العام ، رأيتُ أُناسًا تكشّفت لي وجوههم حتى ألفتُها ، و ما تكشّفت لي سواكنُ صدورهم و لا عرفتُها .
و في نهارٍ واضح ، جاءني أحدُهُم ، يقطعُ إليَّ أرضًا ، ليعرض عليّ عرضًا .
قال لي : أتحب أن أن أُنَوِّمك تنويمًا مغناطيسيًا ؟
فقلت له : أما كفاك تنويم القراطيس ، حتى بحثتَ عن تنويم المغناطيس !
فقال لي : لا تخف ، إنه أمرٌ لطيف ، و فعلٌ ظريف ، لن يُصيبك منه ضَر ، و لن ينالك منه شر .
فقلتُ : شكرًا لك ، لا حاجة بي إلى التنويم ، و نفسي تجول بين الخوف من أمسيَ مسحورًا ذا مضرّة ، أو مخدوعًا ذا معَرّة .
فألحّ حتى أسأم ، و أصرّ حتى أرغم ، و ما قبلتُ عرضه إلا اختباءً من نوء إلحاحِه ، و اتقاءً لصوبه و انسحاحِه .
فقلتُ : نَوِّم ، فأعطاني حجرين كأنهما جبلان اجتُثا من فوق الأرض و أُلقيا في يديه ، و قال : ضع هذا تحت ثوبك و ضع الآخر عليه ، و اضربهما ببعض ، و ولِّ عينيك شطرَ عينيّ ، و تحقيقُ قوليَ دينٌ عليّ .
فربطتُ عينيَّ بعينيه بحبلٍ من تصديق ، و أخذتُ أضرب الحجرين حتى أكثرتُ بهما التصفيق .
فجعل يسألني : أنمت ؟ و جعلت أجيبه : لمّا أنم ، و أضرب ، فيعيد السؤال : أنمت ؟ فأعيد الجواب : لما أنم ، و أضرب ، و ظل يُعيد كرّاتٍ ، و أعيد مرّاتٍ ، حتى قال لي : حسبُك ، انظر إلى ثوبِك .
فنظرتُ إلى الثوب ، فإذا فيه ثُقبٌ كأنّه سُرّة ، فبلعتُ ريقي ، فإذا خديعتي في حلقي مُرّة .
و رفعتُ عينيَّ إلى وجهه ، فرأيتُ فيه ابتسامةً ساخرة ، و ازدراءةً حاذرة .
و رأى في وجهي غيظًا يتولد ، و نارًا تتوقد ، فاستدرك الجُرم و قال لي : لا تغضب ، لقد كنتُ أمزح ، فكدتُّ أكنس به و أمسح ، ثم تذكرتُ أن الثوب قد خُرم ، و أن الانتقام لن يُعيد شباب ما هرم ، فأمسكتُ لساني عن سبّه ، و ألجمتُ بناني عن ضربه ، و ودّعتُهُ بعُبوسي ، و آثرتُ في الفِناء جُلوسي ، حتى هدأ الغيظ ، و خف القيظ .
فلما أن عُدتُ إلى الفصل ، وجدتُّ ثيابًا مخرومة ، و قلوبًا عليها مكلومة ، تحترق غيظًا من قهر المكّار ، و تفترق فَرَقًا من عقاب العائل عند العودة إلى الدار ، فقلتُ : لله درُّه من محتال ، بصنعته يختال ، على من عقولُهُم عليها أقفال ، و عزمتُ على أن أعرف مكر المُلاعب ، حتى آمن مكر المُغالب .

كرم زعرور
15/04/2011, 06:33 PM
أخي الفاضل عبد الرحمن
جميلة ٌهذه المقامة ، أبدعها كاتبٌ طويلُ القامة ،
سعدتُ بقراءتها هنا ، ويستحقّ ُمُبدعُها أجملَ المنى ،
لكَ مني السّلامُ ، وتحيَّتي والإحترامُ .
كرم زعرور