المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لحظة خيال واقعية



جمال عبد القادر الجلاصي
03/04/2007, 12:48 PM
لحظة خيال واقعية

الصديق الناصر الحجري:

ذكرى واقعنا الذي لم يستطع خيالهم الوصول إليه.



حدث هذا شتاء، كان ينظر إلى السماء من نافذة المبيت الجامعي وهي تلقي رذاذا خفيفا على الطريق السريعة المطار التي امتلأت مياها من أمطار البارحة، وكان يفكر في كتابة هذا المشهد ليؤثث به أي نصّ كان. الشارع مبتل وأضواء المصابيح التي أشعلت مبكرا وأضواء السيارات والمعلقات الإشهارية.

استدار نحو المسجل وشغّله فانطلقت أصوات الكمنجات الذبيحة تحت حزّ الأقواس لتملأ فضاء الغرفة... فجأة طغى صوت محرّك قوي فعاد مسرعا نحو النافذة يغلق بلورها ليمنع الصوت من الدخول إلى الغرفة، فإذا به يرى آلة حصاد ضخمة وسط حقل واسع من القمح الأصفر والسنابل تنحني تحت مناجلها البتارة بينما تتقافز طيور الحجل أمامها في خوف مرتجل، والفلاحون يطلقون أغنيات تسيل عرقا لذيذا...

كان ينظر إلى الآلهة الحاصدة وهي تبيض أكياس القمح من مؤخرتها( عكس قلمي الذي يبيض الكلمات من رأسه) متذكرا طفولته حين كانوا يذهبون إلى حقول "بئر الجدي" للتمتع بمنظر السنابل المذبوحة بالمناجل اليدوية وبأصوات النسوة تقـ... تقـ... تقـ... تقطر حزنا ورديا، والشمس، برتقالة الضوء والحياة، تلسع أطفالها بأشعتها غير الرقيقة...

يقفز الحجل، فنقفز وراءه في يقين وهمي من مسكه، فلا نمسك غير السنابل والحصى وهي تدمي ركبنا الصغيرة العارية... بينما يقف كبار الصغار وراء النسوة يختلسون النظر إلى أفخاذهن السمراء شبه العارية نتيجة الانحناء المتواصل لالتقاط السنابل التي تخلفها مناجل الرجال المتسرّعة... ( عرف قيمة الصفوف الخلفية حين صار صغيرا كبيرا وأصبح يفضل الوقوف وراء صفوف النسوة على ملاحقة الحجل المتقافز في خوف مرتجل... والسبب ليس غياب اليقين الوهمي في قدرته على مسكه).

توقف المسجل فاستدار ليعيد تشغيله متحسرا على الوقت الذي سيمرّ دون أن يتابع المشهد. خرج صوت عم الهادي الجويني مشحونا شجنا:

يا كاسي وينهم جلاّسي وينهم أهلي وينهم ناسي يا كاسي ضاقت أنفاسي حرت أش نعمل يا كاسي

..................................................

..................................................

حين عاد إلى النافذة لم يفاجأ بالسماء وهي تلقي رذاذا خفيفا على الطريق السريعة المطار التي امتلأت مياها من أمطار البارحة... لكنه فوجئ بشعور الفرح الذي اجتاحه أنه تمكن من صياغة مشهد كامل بأشكاله وألوانه وأصواته، بخياله، وهذا ما سيمنع النقاد من اتهامه بالواقعية...

ريمه الخاني
08/04/2007, 07:39 PM
احيانا نصوغ من واقعنا المؤلم او الطبيعي احلاما وردية نصوغها بخيالنا فنعيش بطريقتنا الاحلى
تحية لقلمك

جمال عبد القادر الجلاصي
16/04/2007, 05:15 PM
المبدعة المتميزة ريمه:

شكرا لمرورك الرقيق
وكلماتك العذبة

مودتي

خيري حمدان
26/02/2008, 10:51 PM
المبدع جمال عبد القادر
معظم ما يخطّه قلمك يترك سحابة من الأفكار غير المنتهية تدعونا للتواصل والتأمل في سحنة الكاتب متسائلين: من يكون هذا الكاتب؟ والجواب هو غير تقليدي. هذا ما شعرت به عندما قرأا من قتل النمر وثانية عند توقّفي عند هذا النصّ.
دمت بخير أخي جمال.

عبد الرحمن الكرد
27/02/2008, 07:57 PM
تحيه وتقدير
مررت وصافحت كلماتك
دائما لابد ان تكون هناك رؤيه مختلفه
حتى ترطب الواقع وتستمر الحياه
تحياتي

سعيد نويضي
27/02/2008, 08:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الأخ جمال...تحية طيبة...

لحظة خيال واقعية...هي لحظة أسست حضورها الهادئ وسط الضجيج...الضجيج المنبعت من خارج النوافذ...فهل حقا تزعجنا النوافذ لما يتم انفتاحها على العالم؟ أم أنها مصدر إلهام يعيد لنا صورا رسمتها خيوط اللحظات بشكل جديد؟ نرى من خلالها ذواتنا و قد عاد بها الواقع إلى حقائق...غابت عن خيالنا لبعض الوقت حتى أيقظها انفطاع صوتنا الآتي من دواخلنا من بيوتنا؟

كيف يصحو الإنسان من غفوته و غفلته و يتسائل عن الحاضر الذي أصبح ماضي و غاب و توارى كما تغيب الشمس في الأفق أو ينقطع الرذاذ الذي ملأ الفضاء لطفا و هدوءا؟

فهل واقعية الخيال في لحظات التأمل هي تهمة في عرف النقاد؟

تحية أبعد من الخيال الواقعي...و في رعاية الله جل و علا...