المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للعشق نجمة تحميه. بقلم: مختار عبد العليم.



مختار عبد العليم
24/04/2011, 06:28 PM
للعشقِ نجمةٌ تَحميه،،،


بقلم: مختار عبد العليم.


ظلت حروفه متمردة عليه.
كانت دائماً ما تمتطيه.
وكان يشعر دوماً أنه جواداً هزيلاً.
حاول مراراً استرضاءها؛ لكنها كانت تستعصم بالرغبة في إذلاله.
كانت دوما ثائرة، مجنونة. تغتال فيه كل الأحاسيس؛ لتشعره بأنه ضعيف.
وبأنه كائنٌ تسيطر عليه خيالات عاجزة لا قوام لها ولا جسم لها ولا حركة فيها.
صرخاته مدوية لا يسمعها إلا هو.
ولم تعبأ حروفه بصرخاته تلك. فقد كانت تستعصي بتعاليها الدائم عليه.رامية إياه بعبارات الاستهانة.
محاولاً كان أن يلملم شتات نفسه. يتخيلها قوةً لفارسٍ بلا سيف.
تضمه الحروف إليها وتلقي به إلى الأرض مبعثرًا. ثم تجمع قوتها وتقف على رأسه مصلصلة بسيوفها.
هاتفة بكل مسام جسمه:
لست أهلاً للعشق.
أنت لست عظيما.
فالعشق لا يأتي إلا للعظماء..
بوجه ممتقع وأسنان مضغوطة يضرب الأرض بكلتي يديه؛ محاولاً أن يهمّ بنفسه.
لكنْ ضربات حروفه تعيده مرة أخرى إلى حيث كان.
تخرج له لسانها، وتتركه مضمخًا في دماءِ عزّته.
وتصعد إلى قمة برجها العاجي تنظر إليه نظرات تشفٍّ واحتقار من ثقوبٍ دائرية ومستطيلة، مسلطة عليه عيونها النارية؛ لتأكل فيهِ كلَّ مناطقَ اليأس، غيرَ رحيمة.
محاولة بعثه؛ ولكن هيهات هيهات.
فأين العشيقة؟
وأين المعشوق؟..
أين العشق؟ أين العشق؟ أين العشق؟؟؟؟؟؟؟؟؟
............
تمطر السماء يوماً حروفاً جديدة.
مكونة آهات تنتزع منه وجع العمر.
وتعيد قلبه التائه إلى صدره من جديدٍ. ثم تخرجه ثم تعيده ثم تخرجه فتعيده.
لا يعرف ماذا يحدث؟
هل هذا غسيل قلبٍ؟
هل هذا تطهير؟
هل هذا انتحار؟
هل هذا قتل؟
هل هذا خيال شيطاني تبثه السماء في قلوب المرضى؟
كي تنظف الأرض من أمثاله من فقهاء اليأس والاستسلام إلى عبارات خراب أوكار العشق!!!
تغيب الشمس، وترعد السماء، وتبرق، تنطوي وتنفرد، تنقلب وتعتدل،
ثم استقرت متفتحة صافية ناصعة وبدا القمر يتوسط الشمس في لوحة ضوء إعجازي..
نزلت حروفه طواعية من برجها العاجي منكسة رايات التعالي.
متقافزة حول نجمة هبطت أرض غرفته وسط أمطار الحروف الجديدة.
يحاول كل حرفٍ أن يجد له مكاناً يحفر فيه اسماً على جلدها.
حتى صار صراعًا أزليًا أبديًا تعلمهُ الحروف فيما بينها.
زاحم كل حرف أخاه محاولاً اللحاق به على بساط جلدها.
لكن كلما حاول حرفٌ مطاردة حرف!
فاجأته حروف جديدة تتوسطهما؛ لتخلق لنفسها مكانا فوق البساط..
يستشيط الصراع بين الحروف.
بينما هو قابعٌ في زاويةٍ بغرفته. حافي القدمين، يصيبه برد من بلاط غرفته.
وكلما تقدم خطوة!
أحس بدفء الحروف المتزاحمة.
يعتصره التمني بحلمه أن يكون حرفاً يُحْفَر فوق جلد النّجمة.
فيتسع ويتسع حتى يفترش البساط كحرف لامتناهي.
لكنه لم يتلق الإذن بعد.
يحاول جاهداً رفع يده نحو رأسه ليفركه حسرة مسائلاً نفسه:
تُرى! هل ستسمح له تلك النجمة العجيبة بأن يكون؟؟؟
متى سأكون؟
ترج تساؤلاته ضفاف نفسه المنهزمة على طول المدى ويتردد صداها في سائر أعماقه:
متى؟ متى؟ متى؟
باغتته النَجمة سائلة:
أما زالت في خيالك روح؟
أما زالت في خيالك أوهام؟
هل تظن أن العشق مات؟؟؟
تضربه آلة الارتباك تفتت ضلوع تماسكه.
فهو لم يتصور ولو للحظة أنها ستهتم بمثله.
يقف مكتوف اليدين.
مكبل القدمين.
أخرسا.
مقطع أحبال الصوت.
يتبعثر نظره بعشوائية في كل أرجاء الغرفة في محاولة فاشلة للهرب.
لكنه؛ وكلما تدحرج بصره في ناحية.
تجلى وجه النجمةِ فيها.
وتكاثرت أسئلتها حول جسده وهي ترمقه بعين الرعاية.
قالت له:
أعلم بأمنيتك الأزلية بأن تكون حرفاً يفترش بساط العشق فيطويك وقتما تحتاج، وتطويه وقتما تحتاج.
فأنا أعلم بأنك فاقد لعالم يخصك.
عالم تتلذذ بغزوه لك، يحتل كيانك، يستبيح قلبك، يطهر جسمك.
اعلم بأنني هبطت من السماء إليك وحدك.
فهل ترى نفسك قادراً على استقبال السماء؟؟؟!!!
تصرخ كل الحروف حولهما محاولة فضحه:
إنه لا يستطيع.
إنه غير قادر.
أإنه واهم.
إنه فقير.
إنه ضعيف.
إنه لا إرادة له...
تهش النجمة بضفائرها.
فتعمى عيون الأحرف جميعاً.
وترفع عصاً بيدها كانت قد صحبتها معها من السماء.
وجمعت كل الحروف ولضمتها في تلك العصا.
وأمرتهم بتحسس طريقهم كي يسكنوا قلبهُ طوعاً دون ثورة أو حتى تمرد...
اقتربت منه شيئاً فشيئاً.
ضَمّته ضمة واحدةً.
ثم أبعدته ثم ضمته ثم أبعدته.
بعدها احتضنته احتضاناً زلزالياً.
وهمرت جسمه بدموعها الباعثة للحياة.
وهي تقول له:
إن إله العشق يقرؤك السلام.
ويقرئُ حروفك سلاماً آخرا.
محذراً إياهم أن يتمردوا عليك مرة أخرى.
فبهبوطي إليك تكون الأرض طائعة لك.
والسماء ملك يمينك.
وإله العشق في جوفي يناديك:
أن صن نفسك.
وكن براء من وهم التخلي عن ذاتك الراغبة في بناء دواوين العشق فوق أنقاض التلوث.
ولتصرخ صرخةً عالية تَجْمع بها أئمة العشق.
وسيأتونك من كل فج عميق..
لتصلِّ بهم في محراب الأقصى.
ثم تعرج بهم إلى سماءات لا يطالها إلا مَن أنفخ فيه من روحي بأمر من إله العشق....



الجمعة، 16 أيار، 2008. الساعة 2:40 فجرا.