المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوباما .. الدولة مقابل حق العودة : د . لطفي زغلول



لطفي زغلول
29/04/2011, 05:45 PM
أوباما.. الدولة مقابل حق العودة

د. لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com

لم يأت باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية بجديد وهو يطرح خطته لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي المتمثلة في أساسها على التبشير بدولة فلسطينية شريطة تنازل الفلسطينيين عن حق العودة.
لقد سبق أوباما جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق بوعود لم يكن لها أدنى رصيد على أرض الواقع تخص إقامة الدولة الفلسطينية، علاوة على ذلك فقد منح الجنرال شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك وعدا بإلغاء حق العودة الذي يتمسك به الفلسطينيون، ويعتبرونه واحدا من أهم ثوابت قضيتهم.
إننا لا نظن أن باراك أوباما يجهل ما تقترحه خطته المشؤومة هذه، والتي بموجبها ينوي إلغاء حق العودة بجرة قلم، ويلتف على كارثة النكبة الفلسطينية التي ساهمت في تجسيدها سياسات من سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية.
إن أقل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد إن باراك أوباما لايملك قراره، وإنه دون أدنى شك واقع تحت تأثير ضغوطات اللوبيات الصهيونية المتحكمة بسياسات الولايات المتحدة الأميركية التي لم تعترف بالنكبة الفلسطينية، ولا بمأساة الشعب الفلسطيني طوال نيف وستة عقود من الزمان.
تذكيرا إن التهجير القسري الذي مارسته إسرائيل بحق الفلسطينيين عشية قيامها وغداته كانت محصلته الإستيلاء على وطنهم وطردهم منه، وبالتالي تكوّن مركز هزة النكبة الفلسطينية الإنسانية التي استمرت توابعها وارتداداتها وما زالت في كل الإتجاهات، وجراءها كان الصراع العربي الإسرائيلي.
ثانية هذه الحقائق إن التقادم لا يسري على حق العودة كونه ما زال قائما وكون ضحايا النكبة ما زال معظمهم أحياء يحملون في جيوبهم مفاتيح دورهم ووثائق ملكيتها الشرعية "كواشين الطابو"، وأما الذين طواهم الردى ودفنوا في الشتات فقد ورث أبناؤهم عنهم هذه المفاتيح والكواشين، وكونهم أيضا يشعرون أنهم ضحايا ما زالوا يصرون على حق العودة إلى وطنهم السليب الذي يشكل البنية التحتية للحلم الفلسطيني.
ثمة حقيقة أخرى تتعلق بمسؤولية إسرائيل في كل الإتجاهات عن هذه النكبة وليدة التهجير القسري، والتي رغم كل المحاولات التي بذلتها وتبذلها للتعتيم عليها أو طمسها أو الإلتفاف عليها وتجاوزها لم تفلح، وذهبت أدراج الرياح، وزادت الإصرار الفلسطيني في الوطن والشتات في كل مرة على تصحيح مسار التاريخ الذي حرفته إسرائيل منذ ما ينوف عن ستة عقود وما تزال.
رابعة هذه الحقائق، إن حق العودة وكل ما يخصه لا يمكن أن يجد له أرضا أخرى بديلة غير ذات الأرض التي شهدت النكبة والتهجير ونبع منها مجمل القضية "النكبة" الفلسطينية.
خامسة هذه الحقائق وهي بالتأكيد ليست الأخيرة، إن أوهام التوطين التي تداعب مخيلات الإسرائيليين وتعشعش في أذهانهم تخصهم وحدهم، ولا يمكن لها أن تجد ممرا آمنا في أية بقعة من بقاع الوطن العربي، ناهيك عن كونها تجديدا وتحديثا للنكبة الفلسطينية وتكريسا لها بالتالي، إضافة إلى أن إسرائيل إذا ما كانت تريد السلام فعلا فان فلسطينيي الشتات والمنافي هم الأرقام الصعبة في معادلة التسوية النهائية إذا ما كتب لها أن تكون.
في ذات السياق إننا نؤكد أن أساس كل التحركات الخاصة بالعملية السلمية تنطلق عربيا وفلسطينيا من مبدأ الأرض مقابل السلام. إن التفسير المنطقي لهذا المبدأ هو تلازم مساري السلام وحق العودة، وأما المقصود بالأرض فهو الأرض الفلسطينية قبل غيرها- ولا يعني هذا الإقلال من أهمية الأراضي العربية الأخرى وقداستها- وإنه لا أرض أيا كانت يمكن أن تكون بديلا لها أو تسد عنها، بمعنى أن أراضي الدول العربية المحتلة هي ضمن المبدأ الأساسي وكذلك الأرض الفلسطينية على حد سواء.
هذا يؤكد أن ليس هناك استثناء أيا كان شكله أو صورته، وأن عودة الأرض إذا تمت لا تعني بأية حال من الأحوال أن تكون مجردة خالية خاوية على عروشها، وإنما أن يعود لها الذين كانوا يعمرونها آنذاك.
إن عودة الأرض تعني أيضا أن يتمتع هؤلاء العائدون لها بحق إعمارها والإقامة عليها هم وأبناؤهم،وأجيالهم اللاحقة، وأن يكون لهم هم وأبناء جلدتهم حق إقامة النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي والأيديولوجي الذي يرتأونه تحقيقا لرؤاهم وأحلامهم إسوة ببقية الشعوب المتحضرة ذات السيادة.
في اعتقادنا أن هذا تفسير منطقي وعقلاني وموضوعي لمبدأ الأرض مقابل السلام والذي تمتد جذوره إلى القرار الدولي "194" الذي كفل حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
إن الولايات المتحدة الأميركية إذا ما أرادت، فإن إسرائيل لا يمكن لها إلا أن تذعن لمشيئتها، لكن الولايات المتحدة لا تريد، وها هو رئيسها الرابع والأربعون باراك أوباما يبتز الفلسطينيين بخطته فيعرض دولة افترسها الإستيطان الصهيوني، ولم يبق منها إلا النذر اليسير مقابل تنازلهم عن حق العودة.
كلمة أخيرة. إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل تظنان أن ملف اللاجئين وحق عودتهم قد أسدل الستار عليهما، وأن الممثلين على خشبة مسرح الأحداث قد تفرقوا فهما مخطئتان خطأ فادحا، ذلك أن هذا الملف ما زال مفتوحا وصفحاته تزداد يوما بعد يوم.
إن مسار أي سلام يستثني حق العودة ويلتف عليه هو مسار قصير النفس، لاهث الخطوات، وعر المسالك، جم المهالك. إنه سلام والحال هذه لا يمكن ضمان ديمومته ومصداقيته إلا بإخماد النار التي يمكن أن تأتي عليه من جذوره. إن حق العودة هو واسطة الحقوق الفلسطينية التي سلبت منه قسرا وتكمن فيه تلك النار. إنه ليس منة من أحد ولا تكرما، بل هو تصحيح لمسار، وخطيئة تاريخية ارتكبت بحق شعب ما زال يعيش نكبته. وإن غدا لناظره قريب.