المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة ( ألأمل )



نهاد عبد الستار رشيد
01/05/2011, 11:40 PM
قصة قصيرة
------------
( الأمل )



بقلم القاص : نهاد عبد الستار رشيد

في أحد ألآصال , عندما كانت الشمس تشق طريقها الى لجج البحر , شاءت المصادفة ان التقي بها عند باب الفندق , وقد اصطبغت وجنتاها بدرجات متفاوتة من الطيف الأحمر , وبدت على محياها امارات الحيرة والأرتباك ... سألتني عن شاب ياباني , فاجبتها انه ترك الفندق منذ اكثر من شهر , وكان من مألوف عادته ان يقضي أماسيه في الكفتريا القريبة ... جلسنا في تلك الكفتريا , وطفقنا , في فترة الأنتظار التي لا طائل تحتها , نتبادل احاديث التعارف فيما بيننا ,أعجبني فيها صدقها , وصراحتها واسلوبها المتحرر في الحياة , وأمسيت كأني عثرت على ضالتي التي ستدمل جراحاتي الفاغرة , وتعيد لنفسي الأمل في قدرتي على الأنجاب وتشييد صرح السعادة الزوجية , بعد ان صوّحته من جذوره زوجتي التي طلقتها نزولا عند رغبتها في انجاب الأطفال ... قلت على نحو مفاجيء :
_ من امؤكد يا آنسة ( ريتا ) انه عاد الى اليابان قبل بضعة ايام .
_ يا للطعنة النجلاء ! ... لقد اوعدني بالزواج .
_ يا له من رجل مذاع مذاق , لا يستحق اهتمامك المتزايد .
_ أشعر بالحنق , حين يحاول المرء اطفاء لهيب شهوته في جسدي , كدأبه مع منفضة سكائره , دون الأكتراث لمشاعري الأنسانية .
_ لست ممن ينظرون الى الفتاة كأنثى فحسب , بل كمشاعر وأحاسيس أيضا .
ومع تقدم الليل , انقطع الأمل في العثور على الياباني , فغادرنا الكفتريا .
في ركن هاديء في مقصف سافويا, وسط العاصمة روما , جلسنا الى المائدة , في لقاء متجدد . كان وجهها بهيجا , مفعما برائحة عطر فرنسي , وقد اومضت في عينيها الزرقاوين اشراقات فريدة, وتركت اطراف شعرها الأشقر مسترخيا , في نعومة الحرير , فوق كتفيها ... تناولنا العشاء ثم اغتبقنا شراب ( الفينو ) الأحمر الذي اشتدت سورته , وتبادلنا الأحاديث الخاصة , كدأبنا في الأماسي السابقة ...ما كاد الليل ان ينتصف حتى هممنا بمغادرة المقصف , لكننا لم نعد بعد الآن نختلف على من سيدفع قائمة الحساب أولا , اذ ادخرنا كل ما لدينا في حساب مشترك لدى بنكو دي روما الذي تعمل فية ريتا , وماحض الواحد منا الآخر الود والحب . بعد عودتنا الى الشقة التي استأجرناها , اتفقنا على الزواج سريعا , اذ لم يعد بمقدورها اخفاء ذلك الكائن المتنامي في أحشائها .
في ذات مساء , عندما كانت السماء تندف بالثلج , وقد انتشرت على رأسي ومعطفي ندف منه , دخلت شقتنا , فاستقبلتني زوجتي بحرارة , وقد شعت عيناها بنور الحبور , وسرت في صوتها رجفة الفرح , وأنشأت تردد في ابتهاج :
_ أنا حامل , حامل ... ستكون ابا يا رمزي !
أجفلت لدن سماعي كلمة ( حامل ) , وتذكرت الدواء الذي أخفيته في حقيبتي , واتوجره كل مساء في غفلة عن الأعين , فشعرت بمزيج متناقض من الفرح والحزن . وهتف صوت في داخلي : " ربما شفيت من مرضي ! " . وانفرجت أساريري في الحال , وأنتابني شيء من الفرح ثم ما فتىء أن تحول الى موجة عارمة من السعادة فاندفعت نحوها , اعانقها واضمها بعنف الى صدري .
في صباح اليوم التالي , ابلغت طبيبي , وبعد اعادة فحصي , همس في أذني بنتيجة التحليل في لهجة تفيض بالحزن , ووجه يكتسي بمسحة من الأسف ... لم يكن بميسوري اخفاء اضطرابي لدى عودتي الى الشقة , لكني اصبت بصدمة عنيفة حين وجدت حقيبتي مفتوحة , وقد تناثرت بجوارها التقارير الطبية .
مع مرور الأيام , أدركنا أن جذوة حبنا لا تخمد لها وقدة , وليس في صدري نحوها سوى مزيد من الحب الذي تأصل في أغوار نفسي , بعد ان ألقيت بهمومي ودوائي الى سيل المطر الثجاح الذي اشتد انصبابه في الخارج , وادركت اني وجدت فيها عزائي وما يجعلني أتجاوز محنتي .
أوكفت زوجتي , وكنت أطعمها بكل ما تشتهي من طعام عندما تتوحم ... وكلما يزداد الجنين نموا , تزداد عرى المحبة والألفة بيننا توثقا , ونزداد توقا لأستقبال الوليد الذي سيحمل اسمي .
وما كادت آلام المخاض تداهمها حتى شعرنا كأن الدنيا تتمخض لنا عن سعادة لم يكن لنا بها عهد من قبل .

روما / ايطاليا

اماني مهدية
06/05/2011, 11:39 PM
اخي نهاد السلام عليه

سرد باذخ ولغة مستحكمة
تشد القاريء وترضي ذائقة من
يحب بديع الحرف
تقبل مودتي
اختك اماني

نهاد عبد الستار رشيد
07/05/2011, 04:28 AM
الفاضلة أماني مهدية
تحية لك من الأعماق
شكرا على ردك البليغ والذي ان دل على شيء فانه يدل على عمق المشاعر الأنسانية الجياشة التي تتحلين بها ، أتمنى انضمامك الى مجموعتنا ( بشر بلا حدود ) كي تضيفي بصماتك المفيدة وتجاربك الثرية الى مسارها .
نهاد عبد الستار رشيد
قاص ومترجم وصحفي مستقل