ثروت الخرباوي
04/04/2007, 06:24 AM
من داخل غرفة الإعدام
عن الظلم والظالمين دار حوار أمامي بين مجموعة من المحامين من زملائي الذين بحكم عملهم رأوا المظالم وتعرفوا على الظالمين ، إلا أننى ولسبب غير مفهوم إعتصمت وقت هذا الحوار بالصمت ولم أشترك فيه ، وبعد أن إحتدم الأمر بينهم سألني أحد المتحاورين ... لماذا لا تدلي بدلوك فى حوارنا ؟ إبتسمت له وقلت بصوت خافت مبحوح وكأنني أحدث نفسي : يا ويل الظالم ... والله إنني لأشفق عليه من ظلمات يوم القيامة ومن القصاص فى الحياة الدنيا ، ثم إسترسلت بعد ان إحدودبت إلى الأمام ونظرت بوجهي إلى الأرض: جاء لى أحد المتقاضين متهماً فى جريمة قتل عمدي مع سبق الإصرار والترصد ، وتضافرت الأدلة ضده ، وكان تضافر الأدلة قد أثار ريبتي إذ لا يعقل أن يجتمع هذا الحشد من الأدلة الثبوتية التى تشبه اليقين ضد أحد المتهمين خاصة وأن هذا المتهم كان من الذكاء والحصافة بحيث يسهل عليه تدبير أمر الجريمة – إن كان هو الذى فعلها – بشكل أكثر دقة وأقل خطأ بحيث يتحاشى من خلال تدبيره أن تحاط به الشكوك أو الشبهات ، وظل هذا المتهم يقسم لي بأغلظ الأيمان أنه برئ وأنه لم يرتكب هذا الجرم وأنه لم يفكر ألبتة فى قتل هذا "القتيل" خاصة وأن القتيل شاب فى مقتبل العمر ولا تربطه بالمتهم ثمة رابطة أو خلاف يدفعه إلى قتله !! ولكل الأسباب السالفة قبلت المرافعة فى قضية هذا المتهم ...وبجلسة المرافعة طلبت من المحكمة سماع شاهد نفي ....ذلك أن أحد الأشخاص الذين تربطهم بالمتهم صلة قرابة كان مع المتهم وقت إرتكاب الجريمة فى مدينة أخرى تبعد عن المدينة التى وقعت فيها جريمة القتل بمسافة لا تقل عن ثلاث ساعات بالسيارة ,ومن تصاريف القدر أن هذا الشاهد كان يحمل معه الأدلة التى تثبت هذا الأمر ، واستجابت المحكمة لطلب سماع شاهد النفي وأجلت الدعوى لحين حضوره ..إذ كانت شهادته تمثل حجر الزاوية فى القضية ، وبالجلسة المذكورة إنتظرت الشاهد على أحر من الجمر ولم يحضر فطلبت التأجيل لآخر الجلسة واستجابت المحكمة إلا أنه فى آخر الجلسة وصل إلينا من ينعي الشاهد ويخبرنا بوفاته صباح الجلسة فى حادث سيارة بشع إحترقت فيه السيارة مما أدى إلى تفحم جثته!!
ولم يكن من بد سوى المرافعة ...وترافعت بالفعل وأزعم أننى بذلت قصارى جهدي... وفى آخر الجلسة أصدرت المحكمة قرارها بإحالة أوراق المتهم إلى المفتي ثم بعد أن جاء رأى المفتي أصدرت المحكمة حكمها بإعدام المتهم شنقاً ، وتأيد الحكم أمام محكمة النقض ، وقبل تنفيذ العقوبة ذهبت لزيارة المتهم وكلي أسف على مصيره ذلك أنه سيعدم على جريمة لم يرتكبها ، وفى حجرة الزيارة عندما انفردت بذلك البائس التعيس أبديت له أسفى الشديد وأخذت أواسيه وأشد من أزره ، ويالعجبي !! وجدته رابط الجأش مبتسماً غير آبه بمصيره ، فقلت فى نفسي لعلها لحظات إيمانية اجتاحت مشاعر الرجل قبل تنفيذ العقوبة فقلت له: لقد ظلموك وسينصفك الله سبحانه وتعالى .... ولدهشتي فوجئت به يقول: لم يظلمني أحد فالحكم صحيح.
فقلت له وقد اقشعر بدني : أقتلت هذا الرجل فعلاً ؟ .... قال : لا لم أقتله ، كنت بريئاً بخصوص هذه الجريمة ، ولكنى يا سيدي قبلها بعام إقترفت جريمة قتل فقتلت شخصاً كانت بيني وبينه خصومة ، ودارت الشبهات حولي بالفعل ، ولكنني أفلت بسبب شهادة شاهد النفي الذى احترق فى سيارته !!، فقد شهد زوراً أنني كنت معه فى مدينة تبعد عن المدينة التى وقعت فيها الجريمة بمسافة لا تقل عن ثلاث ساعات بالسيارة ، وبسبب هذه الشهادة تم قيد الواقعة ضد مجهول !!، فقلت وقد بدت علامات الدهشة ترتسم على وجهي : وهل كنت في الجريمة الثانية التى صدر فيها حكم إعدامك ترافق الشاهد فعلا في مدينة أخرى أم أنه اعتاد على شهادة الزور؟ فإذا بالمتهم يبتسم ابتسامة تقطر خزياً ويقول: لا ... لقد كنت معه بالفعل ، فى هذه المرة كان سيشهد شهادة حقيقية ولكن الله لم يمهله وعاقبه فى الدنيا على شهادة الزور التى شهدها لصالحي من قبل ، ثم عاقبني الله أيضاً بهذا الحكم فقد أفلت من العقاب عن جريمة قارفتها وسيتم عقابي عن جريمة لم أقترفها !!
وعندما كنت على وشك الخروج من حجرة المأمور بعد الزيارة وقع نظري على لوحة معلقة على الحائط مكتوب فيها ( كما تدين تدان )
ثروت الخرباوي
عن الظلم والظالمين دار حوار أمامي بين مجموعة من المحامين من زملائي الذين بحكم عملهم رأوا المظالم وتعرفوا على الظالمين ، إلا أننى ولسبب غير مفهوم إعتصمت وقت هذا الحوار بالصمت ولم أشترك فيه ، وبعد أن إحتدم الأمر بينهم سألني أحد المتحاورين ... لماذا لا تدلي بدلوك فى حوارنا ؟ إبتسمت له وقلت بصوت خافت مبحوح وكأنني أحدث نفسي : يا ويل الظالم ... والله إنني لأشفق عليه من ظلمات يوم القيامة ومن القصاص فى الحياة الدنيا ، ثم إسترسلت بعد ان إحدودبت إلى الأمام ونظرت بوجهي إلى الأرض: جاء لى أحد المتقاضين متهماً فى جريمة قتل عمدي مع سبق الإصرار والترصد ، وتضافرت الأدلة ضده ، وكان تضافر الأدلة قد أثار ريبتي إذ لا يعقل أن يجتمع هذا الحشد من الأدلة الثبوتية التى تشبه اليقين ضد أحد المتهمين خاصة وأن هذا المتهم كان من الذكاء والحصافة بحيث يسهل عليه تدبير أمر الجريمة – إن كان هو الذى فعلها – بشكل أكثر دقة وأقل خطأ بحيث يتحاشى من خلال تدبيره أن تحاط به الشكوك أو الشبهات ، وظل هذا المتهم يقسم لي بأغلظ الأيمان أنه برئ وأنه لم يرتكب هذا الجرم وأنه لم يفكر ألبتة فى قتل هذا "القتيل" خاصة وأن القتيل شاب فى مقتبل العمر ولا تربطه بالمتهم ثمة رابطة أو خلاف يدفعه إلى قتله !! ولكل الأسباب السالفة قبلت المرافعة فى قضية هذا المتهم ...وبجلسة المرافعة طلبت من المحكمة سماع شاهد نفي ....ذلك أن أحد الأشخاص الذين تربطهم بالمتهم صلة قرابة كان مع المتهم وقت إرتكاب الجريمة فى مدينة أخرى تبعد عن المدينة التى وقعت فيها جريمة القتل بمسافة لا تقل عن ثلاث ساعات بالسيارة ,ومن تصاريف القدر أن هذا الشاهد كان يحمل معه الأدلة التى تثبت هذا الأمر ، واستجابت المحكمة لطلب سماع شاهد النفي وأجلت الدعوى لحين حضوره ..إذ كانت شهادته تمثل حجر الزاوية فى القضية ، وبالجلسة المذكورة إنتظرت الشاهد على أحر من الجمر ولم يحضر فطلبت التأجيل لآخر الجلسة واستجابت المحكمة إلا أنه فى آخر الجلسة وصل إلينا من ينعي الشاهد ويخبرنا بوفاته صباح الجلسة فى حادث سيارة بشع إحترقت فيه السيارة مما أدى إلى تفحم جثته!!
ولم يكن من بد سوى المرافعة ...وترافعت بالفعل وأزعم أننى بذلت قصارى جهدي... وفى آخر الجلسة أصدرت المحكمة قرارها بإحالة أوراق المتهم إلى المفتي ثم بعد أن جاء رأى المفتي أصدرت المحكمة حكمها بإعدام المتهم شنقاً ، وتأيد الحكم أمام محكمة النقض ، وقبل تنفيذ العقوبة ذهبت لزيارة المتهم وكلي أسف على مصيره ذلك أنه سيعدم على جريمة لم يرتكبها ، وفى حجرة الزيارة عندما انفردت بذلك البائس التعيس أبديت له أسفى الشديد وأخذت أواسيه وأشد من أزره ، ويالعجبي !! وجدته رابط الجأش مبتسماً غير آبه بمصيره ، فقلت فى نفسي لعلها لحظات إيمانية اجتاحت مشاعر الرجل قبل تنفيذ العقوبة فقلت له: لقد ظلموك وسينصفك الله سبحانه وتعالى .... ولدهشتي فوجئت به يقول: لم يظلمني أحد فالحكم صحيح.
فقلت له وقد اقشعر بدني : أقتلت هذا الرجل فعلاً ؟ .... قال : لا لم أقتله ، كنت بريئاً بخصوص هذه الجريمة ، ولكنى يا سيدي قبلها بعام إقترفت جريمة قتل فقتلت شخصاً كانت بيني وبينه خصومة ، ودارت الشبهات حولي بالفعل ، ولكنني أفلت بسبب شهادة شاهد النفي الذى احترق فى سيارته !!، فقد شهد زوراً أنني كنت معه فى مدينة تبعد عن المدينة التى وقعت فيها الجريمة بمسافة لا تقل عن ثلاث ساعات بالسيارة ، وبسبب هذه الشهادة تم قيد الواقعة ضد مجهول !!، فقلت وقد بدت علامات الدهشة ترتسم على وجهي : وهل كنت في الجريمة الثانية التى صدر فيها حكم إعدامك ترافق الشاهد فعلا في مدينة أخرى أم أنه اعتاد على شهادة الزور؟ فإذا بالمتهم يبتسم ابتسامة تقطر خزياً ويقول: لا ... لقد كنت معه بالفعل ، فى هذه المرة كان سيشهد شهادة حقيقية ولكن الله لم يمهله وعاقبه فى الدنيا على شهادة الزور التى شهدها لصالحي من قبل ، ثم عاقبني الله أيضاً بهذا الحكم فقد أفلت من العقاب عن جريمة قارفتها وسيتم عقابي عن جريمة لم أقترفها !!
وعندما كنت على وشك الخروج من حجرة المأمور بعد الزيارة وقع نظري على لوحة معلقة على الحائط مكتوب فيها ( كما تدين تدان )
ثروت الخرباوي