المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تركيا.. رُب ضارة نافعة/مريم سالم



نبيل الجلبي
24/05/2011, 11:59 AM
تركيا.. رُب ضارة نافعة

البيان: مريم سالم

أدركت الدولة التركية باكراً أن انضمامها إلى ما يعرف اليوم «بالاتحاد الأوروبي»، سوف يعود عليها بكثير من النتائج الإيجابية، سواء على نمو اقتصادها وتعزيز مكانتها الإقليمية وانتقالها من وضع الدولة «الطرف» إلى وضع الدولة «المركز»، أو لإنهاء العديد من المشكلات السياسية التاريخية المعلقة، والتي لعبت دوراً في عرقلة انضمامها حتى هذه اللحظة، كالقضيتين الأرمنية والقبرصية. ومن أجل عيون الشراكة الحقيقية مع الأوروبيين، عملت تركيا جاهدة لنيل رضاهم، وحققت سلسلة من الإنجازات على كافة الصعد وفي زمن قياسي.

فمنذ أكثر من عقدين قامت الدولة التركية بعدة إصلاحات، سواء على اقتصادها أو سياساتها، وعززت مفهوم علمانيتها، والأهم أنها أقدمت على إصلاحات دستورية عالية المستوى، لعل أهمها إلغاء عقوبة الإعدام ومحاكم أمن الدولة، ووضع العديد من الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان موضع التنفيذ، كما أنها ذهبت إلى تحقيق واقعي لمفهوم الديمقراطية، حين أخضعت مسألة انتخاب رئيس الجمهورية لإرادة الشعب مباشرة. أما من الناحية الأخرى المتعلقة بالمؤشرات العملية لوضع تركيا، اقتصاديا وسياسيا، ففي الوقت الحالي يمكن القول إن تركيا استطاعت أن ترعى نظاما ديمقراطيا أعمق رسوخا، يتوازى مع نظام اقتصادي أكثر قوة وازدهارا، إلى جانب الهيكلية الاجتماعية التي أصبحت أكثر استقرارا، وتكون بذلك قد اقتربت من تحقيق «معايير كوبنهاغن»، وهي من المسائل المهمة التي إن تحققت فإنها تكون قد مهدت لانضمام سلس للحظيرة الأوروبية.

في الطرف المقابل الخاص بردود فعل الاتحاد الأوروبي على هذه الإنجازات التركية، نجد أن تمسك بعض الدول الأعضاء بـ«لا» للانضمام التركي، يتجاوز كل ما حققته تركيا وما سوف تحققه، لأنه وفق حسابات هذه الأطراف فالثقل السكاني التي ستشكله تركيا في الاتحاد، سيميل لصالح الأخيرة على حساب دولة مثل ألمانيا والتي يجاوز عدد سكانها سكان تركيا بقليل. وكما كشفت إحدى الوثائق الأميركية المسربة إلى موقع ويكيليكس الإلكتروني، فإن معارضة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي هي مسألة مبدأ، وأنه أعلن صراحة، ومهما كانت أسباب إبقاء تركيا خارج الإطار الأوروبي، فإنه يعارض إدخال أكثر من 70 مليون مسلم إلى الاتحاد. ويبدو أن هذا الشعور قد تسرب إلى الأتراك أنفسهم، الذين كانوا يتطلعون بشغف إلى ساعة انضمامهم، وأصبحوا الآن في حيرة من أمرهم، مصابين بالإحباط والحنق.

ولم يخف «أردوغان» ولا «غول» هذه المشاعر، ففي أكثر من مناسبة انتقد الاثنان الدول الأوروبية الرافضة لوجود تركيا، ومن منطلق إدراك حقيقة وأهمية الدور التركي الاستشرافي الذي يمكن أن تلعبه بصفتها الأوروبية في المنطقة، فإن غول يشير إلى أنه «من المحزن أن نشاهد بعض الزعماء الأوروبيين لا يرون بوضوح مستقبل العالم على مدى عشرين وخمسين وسبعين عاماً مقبلة، وبالنظر إلى الوقائع فإن ميزان القوى الدولي يميل في اتجاه آسيا، والحقيقة أنها حتمية استراتيجية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي أن تكون تركيا عضوا داخله»، ولكن يبدو أن هذه الإشارات التركية لم تحرك ساكنا في مياه العضوية المتجمدة منذ زمن.

وإذا نظرنا إلى الداخل التركي، سنجد أن السياسات الداخلية قد هيأت المواطن التركي كي يصبح يوما ما مواطنا أوروبيا، واشتغلت على توظيف كافة المعايير الشكلية والجوهرية لهذا التحول. وقد ظهر أن 90% من الشعب التركي متحمسون لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتعلّق كثير من الأتراك بالحلم الأوروبي الذي ترك مع الوقت انطباعات سلبية على نفسيات الأتراك، فقد تراجع التأييد الشعبي التركي لعضوية الاتحاد الأوروبي إلى 20%، وهو حد أدنى غير مسبوق، مقارنة بالمستويات السابقة.

ولكن في ظل هذه الإحباطات، نجد أن تركيا اليوم أفضل من تركيا قبل طموح الانضمام إلى أوروبا، فرغم التمنّع الأوروبي لاستقبالها في بيتهم الكبير، إلا أن المكانة التي حققتها تركيا اليوم جعلت من هذا الرفض الجارح قوة جبارة، استطاعت أن تخرج من وضع اقتصادي متواضع إلى طفرة ضخمة وازدهار غير منكر، بحيث نجحوا في الخروج من عنق الزجاجة بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بهم بداية الألفية الجديدة، وفي هذا الإطار تأتي عملية إعادة هيكلة بنيته التحتية ورفع قدراته التنافسية على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى نجاح الحكومة التركية في إصلاح الموازنة العامة والحفاظ على استقرارها واستعادة كسب ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في قوة وعافية الاقتصاد التركي.

ولا بد من الإشارة إلى النمو الاقتصادي في عهد «العدالة والتنمية»، الذي فاز في الانتخابات البرلمانية لعام 2002 وفي الانتخابات النيابية 2007، مما جعل تركيا تحتل المرتبة رقم 16 في الاقتصاد العالمي، بسبب الاستقرار والانفتاح على دول الجوار، وفقاً لنظرية وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو «تصفير المشكلات مع دول الجوار»، مما فتح المجال للتجارة مع الجوار الجغرافي لها في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا والعالم العربي، بل تحتل تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية المرتبة رقم 8 في الاقتصاد الزراعي العالمي، بعد أن كانت في المرتبة رقم 11، وتصدر المنتجات الزراعية التركية لأكثر من 177 دولة في العالم، وتحتل في صناعة الفولاذ المرتبة رقم 30، مما يعطي تركيا مكانة اقتصادية وسياسية في العالم اليوم.. فرب ضارة من أوروبا نافعة لتركيا

عن أخبار العالم