المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية ... أخطاء المترجمين هفوات قد تشعل حروباً



غالب ياسين
05/04/2007, 01:37 PM
بعضها مقصود لتحقيق مكاسب سياسية
قضية ... أخطاء المترجمين هفوات قد تشعل حروباً
نشرت وكالة الأنباء الفرنسية مؤخرا خبرا أثار جدلا واسعا على المستوى الدولي مفاده أن “الجيش الأمريكي أقر بأن هناك أخطاء ارتكبت في ترجمة إفادات معتقلين عرب في قاعدة جوانتانامو الأمريكية وتعهد استجواب المعتقلين المعنيين مجددا”. وقال المسؤولون العسكريون إن أخطاء حصلت في ترجمة تصريحات معتقل سعودي وأشار اليها صحافيان عربيان.



القاهرة شيرين أبوشعيشع:

وقالت ناديا شارترز من قناة “العربية” انها (صدمت ) بأخطاء الترجمة وأعطت مثالا على ذلك ان تحالف الشمال وهو ائتلاف للقوى الافغانية المعارضة تحول في الترجمة إلى الولايات المتحدة أو الولايات المتحدة وحلفائها، لكن الصحافيين اعتبرا أن الأخطر من ذلك انه عندما سأل المحقق المعتقل السعودي ما إذا كان توجه إلى افغانستان للتدرب قبل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001م ضد الولايات المتحدة، وترجم السؤال ب”هل غادر أفغانستان قبل الاعتداءات أم بعدها”، وشدد محمد العلمي مراسل “الجزيرة” على أن الاسئلة لها معنى وانعكاسات مختلفة تماما على المعتقل. وأوضح الناطق العسكري للصحافيين انه في حال كانت هناك شكوك حول صحة الترجمة فإن (المحكمة ستلجأ الى مترجم آخر). وأضاف (نتعهد بأن تكون الإجراءات عادلة)، وأن المترجمين محترفون وتم إبلاغ الصحافيين العربيين بتصحيح الأخطاء التي وردت في تصريحات المعتقل السعودي.


*** هناك أمثلة عديدة لبعض أخطاء المترجمين والدليل على هذا أن العالم قبل الأزمة الإيرانية بفترة ليست طويلة كان مشغولا بالخطأ الذي ارتكبته مترجمةc.n.n عندما نقلت عبارة قالها الرئيس الايراني احمدي نجاد وهي “أن لإيران الحق في صنع سلاح نووي” والواقع انه قال إن “لإيران الحق في الطاقة النووية”، وطبعا هناك فرق بين المعنيين، وبالرغم من أن القناة اعتذرت عن الخطأ إلا أنه كان من الممكن أن يؤدي إلى كارثة بغض النظر عما حدث بعد ذلك من تداعيات.

ومن قبل اتهمت المخابرات الهولندية مترجما مغربيا بتهمة تسريب معلومات إلى أعضاء في تنظيم خلية العاصمة الإرهابية وحكمت عليه بالسجن لمدة 4 سنوات ونصف السنة.

ومن ناحية اخرى فإن الاتحاد الأوروبي الجديد يواجه مشكلة تعدد اللغات خصوصا بعد توسيعه ليشمل 25 دولة بدلا من 15 يشارك سكانها في انتخاب البرلمان الأوروبي، وليس هناك أدل من هذا الإعلان على الوضع الجديد “مطلوب شخص يتحدث المالطية ويجيد ترجمة وثائق قانونية مؤلفة من مئات الصفحات من اللغة المجرية خلال 4 أيام. الراتب قابل للتفاوض وعلى الراغبين بهذه المهمة ان يكونوا مستعدين لتقاسم مكتب مع مترجمين المان قادرين على الترجمة من اللغة الآستونية الى اليونانية”.

وحتى الأمم المتحدة لا تستخدم سوى 6 لغات للترجمة الرسمية لقراراتها، ويعتمد الدبلوماسيون في معظم الاجتماعات على الترجمة من وإلى لغتين هما الانجليزية والفرنسية، إلا أن البرلمان الأوروبي يصر على الترجمة الفورية والكتابية لمداولاته باللغات الرسمية لكل أعضائه. ومنذ توسيع الاتحاد أصبح ذلك يعني ترجمة تشمل 20 لغة. وبحساب بسيط فإن عدد الترجمات من كل اللغات وإليها يصل الى 380 ترجمة.

ومما يزيد الأمور سوءا أن عدد سكان بعض أعضاء الاتحاد صغير لدرجة يصعب العثور على مترجمين فوريين مؤهلين بما يتطابق مع معايير الاتحاد الأوروبي، إذ لا يتجاوز عدد من يتحدثون المالطية 400 الف شخص والآستونية 4.1 مليون شخص.

وقال جيرارد بوكانفسكي رئيس خدمات الترجمة في البرلمان إنه لم يتقدم لشغل وظيفة مترجم في البرلمان سوى اثنين فقط من مالطا. وتساءل “كيف استطيع العمل بشخصين فقط بوجود آلاف الصفحات المطلوب ترجمتها في كل جلسة؟”.

ويعقد البرلمان 11 جلسة تستمر كل منها 4 أيام في العام في مدينة ستراسبورج الفرنسية. وارتفع عدد المترجمين في البرلمان من 600 الى 800 شخص منذ توسيع الاتحاد، إلا أن بوكانفسكي يقول إن هناك حاجة الى مائتي مترجم آخرين على الأقل.

وتفيد رئيسة قسم الترجمة الفورية أولجا كوسميدو انها تحتاج الى حوالي 720 موظفا أي بمعدل 80 موظفا للعمل في كل من اللغات التسع الجديدة.

وتضيف: “لم نوظف سوى أقل من مائة مترجم حتى الآن”، مؤكدة ان عملية اختبار المرشحين تستغرق وقتا طويلا وأنه من غير المرجح ان تزيد أعداد المترجمين في وقت قريب.

وقرر أعضاء البرلمان الأوروبي اتخاذ خطوة غير مسبوقة منذ فترة قصيرة وهي تغيير القوانين الداخلية بحيث يلغى شرط ترجمة جميع الوثائق الى جميع اللغات في الوقت الراهن على الأقل، وذلك خشية أن تتوقف العملية البيروقراطية الهائلة في البرلمان.

وقد يضطر المترجمون الشفويون الى العمل في باريس على “الربط بين اللغات” على الرغم من مخاطر ارتكاب أخطاء مركبة. فإذا لم يعثر على شخص للترجمة الفورية من اللغة اللاتفية الى البرتغالية على سبيل المثال، يقوم أحد المترجمين الشفويين بتسجيل الملاحظات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية كخطوة أولى ثم يترجمها آخر إلى اللغة المطلوبة.

وأنفق حوالي 10 ملايين يورو على بناء أماكن جديدة مخصصة للمترجمين ومعدات صوت جديدة في غرف المؤتمرات وغرفة مشاورات في البرلمان الأوروبي في ستراسبورج إضافة الى مكاتب جديدة بنيت في الأمانة العامة للبرلمان في لوكسمبرج، إلا أن هذا المبلغ يعتبر زهيدا مقارنة مع مبلغ 900 مليون يورو الذي ينفقه الاتحاد الأوروبي سنويا ليوفر لكل عضو في البرلمان فرصة للتحدث بلغته الخاصة.

وتقول كوسميدو إن “ثمن الديمقراطية يساوي ما نسبته واحد في المائة من ميزانية الاتحاد الأوروبي أي بمعدل 2 يورو لكل مواطن في الاتحاد الأوروبي.

وحول أخطاء المترجمين تقول نجلاء سري مترجمة فورية في الأمم المتحدة ورئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والمؤتمر الإسلامي: بشكل عام المؤتمرات الدولية لا تختار المترجمين بسهولة، بل يجب أن يكونوا أعضاء في الاتحاد الدولي للمترجمين الدوليين، ولذلك تكون أخطاؤهم نادرة للغاية، فقد يحدث ان ينفعل المتحدث في اغلب الاحيان ويقول كلمة غير لائقة يترجمها المترجم كما وردت، وعند الاحتجاج على المتحدث يلقي بالتهمة على المترجم، ولكن إذا أخطأ المترجم فإنه لا يُطلب او يُستعان به مرة أخرى.

وتقول إيناس زيادة (مترجمة فورية في قناة العربية الاخبارية): كثير من المترجمين الفوريين لبيان سياسي مثلا ينتظرون حتى تنتهي الشخصية من خطابها، وهذا خطأ كبير يقع فيه المترجم لأن الشخصية المتحدثة إذا كانت سريعة في الكلام فإن كثيرا من العبارات المهمة ستضيع، ولن يستطيع المترجم اللحاق بها، ومن هنا تكمن مشكلة النقل السيئ لمعنى الكلام، كذلك هناك ايضا بعض المتاعب في اللهجات، فأنا على سبيل المثال كنت من خلال عملي في التلفزيون الأردني سابقا افهم حديث المسؤولين الرسميين من الهند باللغة الإنجليزية بسبب إقامتي فترة طويلة في الخليج العربي، وهناك أيضا بعض السياسيين المحنكين في اللغة الذين يجب أن يجاريهم المترجم كلمة بكلمة في انتباه شديد ويقابل المترجم أحيانا شخصية تبتكر بعض المصطلحات السياسية التي يجب عليه فهمها وشرحها للمستمع بدقة، كذلك يتم العمل تحت الضغط المتواصل والكفاءة العالية، فمثلا مطلوب مني أن اكون في المحطة من الرابعة صباحا لأترجم بيانا صحافيا للرئيس بوش وهي مسألة يجب على المترجم أن يفهمها جيدا.

ويروي الدكتور محمد بكر الذي كان يعمل أستاذا بكلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود لمدة 20 عاما وهو مترجم فوري في المؤتمرات الدولية والمحلية حادثة متعلقة بالأخطاء قائلا: كان لي زميل يترجم ما يقوله الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الى الانجليزية بالرغم من أن الرئيس الفرنسي يجيد الانجليزية، ولكن معظم الرؤساء يفخرون ويتمسكون بلغة بلادهم لأنها بالنسبة لهم مسألة قومية، وفي أثناء الحوار ذكر المترجم كلاما مغايرا لما قاله ميتران فأوقفه عن الكلام وقال له: أنت غلطان أنا لم أقل ذلك، وكان المترجم قد أخطأ وهذا الخطأ كاد يتسبب في أزمة دبلوماسية مع احدى الدول العربية آنذاك.

وهناك كتاب لمحمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري الأسبق تحدث فيه عن تدخل الرئيس الراحل أنور السادات في الترجمة في أثناء معاهدة كامب ديفيد والتي أدت لحدوث بعض الأخطاء في الاتفاقيات التي أبرمت ثم تم تداركها فيما بعد، وكذلك عندما قال السادات في الكنيست: جئت الى خصمي في عقر داره فترجمه المترجم: “جئت الى عدوي” مما أثار امتعاض “الإسرائيليين”.

وعموما لا يجوز وجود مترجم واحد فقط بل يلزم وجود اثنين على الاقل لأن المترجم إنسان مبدع لأنه ينقل فكر المتحدث ويرتدي ثوبه وينقله إلى الطرف الآخر بلغته، فنحن في الدول العربية نفتقد المترجمين الأكفاء.

ويختتم الدكتور محمد حديثه بخطأ آخر تسبب في أزمة كبرى وذلك عندما زار الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان مصر وقال بلغته: ان النظام في مصر “آري ترير” وهذه الكلمة لها معنيان الأول اختياري أو حر، والمعنى الثاني معناه متعسف. فتمت ترجمة هذه الكلمة بأن النظام في مصر متعسف أو ديكتاتوري، فثارت زوبعة دبلوماسية، فبسبب هذه الكلمة غضب الرئيس السادات آنذاك لكن الرئيس الفرنسي اعتذر وقال إنه لم يقصد هذا المعنى، بل قصد المعنى الآخر وهو الإشادة بأن النظام في مصر حر.

الدكتور فاروق أبو زيد عميد كلية الإعلام في جامعة القاهرة سابقا يرى أن الأخطاء التي تحدث أحيانا لا يكون المترجمون السبب فيها دائما، بقدر ما تكون محاولة من المسؤول ان يتنصل من تصريحاته، حيث إن مجال العمل السياسي واسع، وليس فيه أسهل من إلقاء المسؤولية على عاتق المترجم. ويؤكد أن الترجمة تقدمت بشكل رهيب والدليل هو قيام المحطات الفضائية والعالمية بالترجمة الفورية لأكثر من 8 لغات. ومن ناحية أخرى لا تتم الاستعانة بالمترجمين إلا في المؤتمرات العلنية فقط. ويقول أبوزيد: في عام 1974 قام الأستاذ محمد حسنين هيكل بجولة في دول شرق آسيا وقابل العديد من رؤساء الدول، ومنهم الرئيس السوفييتي بريجينيف وعندما نُشر الحوار أصدرت الوكالة السوفييتية بيانا أوضحت فيه أن هناك خطأ في ترجمته وفهمه ثم نشره، ففكر هيكل ثم كتب في اليوم التالي “مادام الرئيس قال إنه لم يقل فإنه لم يقل”. كذلك كلنا نتذكر ما حدث عقب وقوع حادث سقوط الطائرة المصرية في مياه المحيط الأطلنطي، إذ قال المحللون إنهم وجدوا آخر جملة مسجلة في الصندوق الأسود قالها البطوطي كابتن الطائرة قبل السقوط “توكلت على الله” والذي حدث هو قيام مترجم لبناني يعمل في المخابرات الأمريكية بترجمة هذه الجملة وفقا للغة العربية التي يعرفها بأن الشخص الذي يقدم على الانتحار يقولها، وللأسف لم يفرق في اللغة العربية ومعاني الجمل والكلمات والدلالات بين لبنان ومصر، ففي مصر يقول الشخص هذه الكلمة عندما يفوض أمر قدراته وعلمه الى الله فيقول هذه الجملة لكي يمنحه الله القدرة ويوفقه للصواب، وبسبب هذا الخطأ في ترجمة الجملة أثيرت أزمة لا تزال قائمة حتى الآن بسبب الاقتناع بالمعنى الأول، وذلك لأن هذا المترجم اللبناني مصدر ثقة لديهم ويعمل في أجهزة مخابراتهم.



معاناة “أراض محتلة”

لعل أشهر الأخطاء التي نعاني منها حتى الآن وربما يكون مقصودا، حسب الدكتور فاروق أبوزيد الخطأ الخاص بقرار مجلس الأمن رقم (242) الذي “يقضي بانسحاب “إسرائيل” from occupied arab lands “من الأراضي التي احتلتها عام 1967م” وعند ترجمة هذا القرار الى اللغة العربية كتب “انسحاب “إسرائيل” من أراض محتلة منذ عام 1967م”. ويقول أبوزيد: نلاحظ الاختلاف في أداة التعريف في كلمة “الأراضي المحتلة” وهي موطن الاختلاف حتى الآن، فالنص الانجليزي يتحقق عندما تنسحب من أي مساحة من الأراضي، لكن الترجمة العربية لا تتحقق إلا عندما تنسحب من كل الأراضي المحتلة وعندما جاءنا هذا القرار كنت وقتها في نيويورك فقلنا نريد إضافة أداة التعريف (the) للقرار قبل كلمةoccupied ، وعندما أثيرت الرغبة في هذا التعديل، أصر اللورد كاراون صانع هذا القرار على عدم تغيير حرف واحد في المشروع.

وبسبب هذا الخطأ نعيش في أزمة بسبب جدل “إسرائيل” بأنها نفذت القرار برد بعض الأراضي المحتلة، وليس كلها.

ويضيف: هناك خطأ ثالث بعد حادث 11 سبتمبر/ أيلول فقد قال جورج بوش في تصريح له: لا بد من تنفيذ “كروسيت” وترجمت هذه الكلمة حرفيا، فهي طبقا للتاريخ تعني الحملات الصليبية وفهم أن بوش يعلن عن رغبته في عمل غزوة صليبية ضد المسلمين ولكنه تدارك هذا الخطأ واعتذر عنه، وقال: إن المترجم نقل عنه خطأ في حين أنه قصد توصيل معنى آخر وهو محاربة الإرهابيين وليس المقصود معاداة الشعوب الإسلامية وذهب في اليوم التالي الى مسجد كبير بواشنطن وصرح بأنه يحترم الإسلام وهو دين عظيم ولا يزال.

كثيرون من المسلمين لا يصدقون مبرر الرئيس الأمريكي لاستخدام الكلمة، مؤكدين أنه كان يقصد فعلاً إعلان الحرب الصليبية على المسلمين.





للرد أو التعليق على أي نص ينشر في موقع "الخليج" في المجالات كافة
: alkhaleej@alkhaleej.ae

غالب ياسين
05/04/2007, 01:37 PM
بعضها مقصود لتحقيق مكاسب سياسية
قضية ... أخطاء المترجمين هفوات قد تشعل حروباً
نشرت وكالة الأنباء الفرنسية مؤخرا خبرا أثار جدلا واسعا على المستوى الدولي مفاده أن “الجيش الأمريكي أقر بأن هناك أخطاء ارتكبت في ترجمة إفادات معتقلين عرب في قاعدة جوانتانامو الأمريكية وتعهد استجواب المعتقلين المعنيين مجددا”. وقال المسؤولون العسكريون إن أخطاء حصلت في ترجمة تصريحات معتقل سعودي وأشار اليها صحافيان عربيان.



القاهرة شيرين أبوشعيشع:

وقالت ناديا شارترز من قناة “العربية” انها (صدمت ) بأخطاء الترجمة وأعطت مثالا على ذلك ان تحالف الشمال وهو ائتلاف للقوى الافغانية المعارضة تحول في الترجمة إلى الولايات المتحدة أو الولايات المتحدة وحلفائها، لكن الصحافيين اعتبرا أن الأخطر من ذلك انه عندما سأل المحقق المعتقل السعودي ما إذا كان توجه إلى افغانستان للتدرب قبل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001م ضد الولايات المتحدة، وترجم السؤال ب”هل غادر أفغانستان قبل الاعتداءات أم بعدها”، وشدد محمد العلمي مراسل “الجزيرة” على أن الاسئلة لها معنى وانعكاسات مختلفة تماما على المعتقل. وأوضح الناطق العسكري للصحافيين انه في حال كانت هناك شكوك حول صحة الترجمة فإن (المحكمة ستلجأ الى مترجم آخر). وأضاف (نتعهد بأن تكون الإجراءات عادلة)، وأن المترجمين محترفون وتم إبلاغ الصحافيين العربيين بتصحيح الأخطاء التي وردت في تصريحات المعتقل السعودي.


*** هناك أمثلة عديدة لبعض أخطاء المترجمين والدليل على هذا أن العالم قبل الأزمة الإيرانية بفترة ليست طويلة كان مشغولا بالخطأ الذي ارتكبته مترجمةc.n.n عندما نقلت عبارة قالها الرئيس الايراني احمدي نجاد وهي “أن لإيران الحق في صنع سلاح نووي” والواقع انه قال إن “لإيران الحق في الطاقة النووية”، وطبعا هناك فرق بين المعنيين، وبالرغم من أن القناة اعتذرت عن الخطأ إلا أنه كان من الممكن أن يؤدي إلى كارثة بغض النظر عما حدث بعد ذلك من تداعيات.

ومن قبل اتهمت المخابرات الهولندية مترجما مغربيا بتهمة تسريب معلومات إلى أعضاء في تنظيم خلية العاصمة الإرهابية وحكمت عليه بالسجن لمدة 4 سنوات ونصف السنة.

ومن ناحية اخرى فإن الاتحاد الأوروبي الجديد يواجه مشكلة تعدد اللغات خصوصا بعد توسيعه ليشمل 25 دولة بدلا من 15 يشارك سكانها في انتخاب البرلمان الأوروبي، وليس هناك أدل من هذا الإعلان على الوضع الجديد “مطلوب شخص يتحدث المالطية ويجيد ترجمة وثائق قانونية مؤلفة من مئات الصفحات من اللغة المجرية خلال 4 أيام. الراتب قابل للتفاوض وعلى الراغبين بهذه المهمة ان يكونوا مستعدين لتقاسم مكتب مع مترجمين المان قادرين على الترجمة من اللغة الآستونية الى اليونانية”.

وحتى الأمم المتحدة لا تستخدم سوى 6 لغات للترجمة الرسمية لقراراتها، ويعتمد الدبلوماسيون في معظم الاجتماعات على الترجمة من وإلى لغتين هما الانجليزية والفرنسية، إلا أن البرلمان الأوروبي يصر على الترجمة الفورية والكتابية لمداولاته باللغات الرسمية لكل أعضائه. ومنذ توسيع الاتحاد أصبح ذلك يعني ترجمة تشمل 20 لغة. وبحساب بسيط فإن عدد الترجمات من كل اللغات وإليها يصل الى 380 ترجمة.

ومما يزيد الأمور سوءا أن عدد سكان بعض أعضاء الاتحاد صغير لدرجة يصعب العثور على مترجمين فوريين مؤهلين بما يتطابق مع معايير الاتحاد الأوروبي، إذ لا يتجاوز عدد من يتحدثون المالطية 400 الف شخص والآستونية 4.1 مليون شخص.

وقال جيرارد بوكانفسكي رئيس خدمات الترجمة في البرلمان إنه لم يتقدم لشغل وظيفة مترجم في البرلمان سوى اثنين فقط من مالطا. وتساءل “كيف استطيع العمل بشخصين فقط بوجود آلاف الصفحات المطلوب ترجمتها في كل جلسة؟”.

ويعقد البرلمان 11 جلسة تستمر كل منها 4 أيام في العام في مدينة ستراسبورج الفرنسية. وارتفع عدد المترجمين في البرلمان من 600 الى 800 شخص منذ توسيع الاتحاد، إلا أن بوكانفسكي يقول إن هناك حاجة الى مائتي مترجم آخرين على الأقل.

وتفيد رئيسة قسم الترجمة الفورية أولجا كوسميدو انها تحتاج الى حوالي 720 موظفا أي بمعدل 80 موظفا للعمل في كل من اللغات التسع الجديدة.

وتضيف: “لم نوظف سوى أقل من مائة مترجم حتى الآن”، مؤكدة ان عملية اختبار المرشحين تستغرق وقتا طويلا وأنه من غير المرجح ان تزيد أعداد المترجمين في وقت قريب.

وقرر أعضاء البرلمان الأوروبي اتخاذ خطوة غير مسبوقة منذ فترة قصيرة وهي تغيير القوانين الداخلية بحيث يلغى شرط ترجمة جميع الوثائق الى جميع اللغات في الوقت الراهن على الأقل، وذلك خشية أن تتوقف العملية البيروقراطية الهائلة في البرلمان.

وقد يضطر المترجمون الشفويون الى العمل في باريس على “الربط بين اللغات” على الرغم من مخاطر ارتكاب أخطاء مركبة. فإذا لم يعثر على شخص للترجمة الفورية من اللغة اللاتفية الى البرتغالية على سبيل المثال، يقوم أحد المترجمين الشفويين بتسجيل الملاحظات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية كخطوة أولى ثم يترجمها آخر إلى اللغة المطلوبة.

وأنفق حوالي 10 ملايين يورو على بناء أماكن جديدة مخصصة للمترجمين ومعدات صوت جديدة في غرف المؤتمرات وغرفة مشاورات في البرلمان الأوروبي في ستراسبورج إضافة الى مكاتب جديدة بنيت في الأمانة العامة للبرلمان في لوكسمبرج، إلا أن هذا المبلغ يعتبر زهيدا مقارنة مع مبلغ 900 مليون يورو الذي ينفقه الاتحاد الأوروبي سنويا ليوفر لكل عضو في البرلمان فرصة للتحدث بلغته الخاصة.

وتقول كوسميدو إن “ثمن الديمقراطية يساوي ما نسبته واحد في المائة من ميزانية الاتحاد الأوروبي أي بمعدل 2 يورو لكل مواطن في الاتحاد الأوروبي.

وحول أخطاء المترجمين تقول نجلاء سري مترجمة فورية في الأمم المتحدة ورئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والمؤتمر الإسلامي: بشكل عام المؤتمرات الدولية لا تختار المترجمين بسهولة، بل يجب أن يكونوا أعضاء في الاتحاد الدولي للمترجمين الدوليين، ولذلك تكون أخطاؤهم نادرة للغاية، فقد يحدث ان ينفعل المتحدث في اغلب الاحيان ويقول كلمة غير لائقة يترجمها المترجم كما وردت، وعند الاحتجاج على المتحدث يلقي بالتهمة على المترجم، ولكن إذا أخطأ المترجم فإنه لا يُطلب او يُستعان به مرة أخرى.

وتقول إيناس زيادة (مترجمة فورية في قناة العربية الاخبارية): كثير من المترجمين الفوريين لبيان سياسي مثلا ينتظرون حتى تنتهي الشخصية من خطابها، وهذا خطأ كبير يقع فيه المترجم لأن الشخصية المتحدثة إذا كانت سريعة في الكلام فإن كثيرا من العبارات المهمة ستضيع، ولن يستطيع المترجم اللحاق بها، ومن هنا تكمن مشكلة النقل السيئ لمعنى الكلام، كذلك هناك ايضا بعض المتاعب في اللهجات، فأنا على سبيل المثال كنت من خلال عملي في التلفزيون الأردني سابقا افهم حديث المسؤولين الرسميين من الهند باللغة الإنجليزية بسبب إقامتي فترة طويلة في الخليج العربي، وهناك أيضا بعض السياسيين المحنكين في اللغة الذين يجب أن يجاريهم المترجم كلمة بكلمة في انتباه شديد ويقابل المترجم أحيانا شخصية تبتكر بعض المصطلحات السياسية التي يجب عليه فهمها وشرحها للمستمع بدقة، كذلك يتم العمل تحت الضغط المتواصل والكفاءة العالية، فمثلا مطلوب مني أن اكون في المحطة من الرابعة صباحا لأترجم بيانا صحافيا للرئيس بوش وهي مسألة يجب على المترجم أن يفهمها جيدا.

ويروي الدكتور محمد بكر الذي كان يعمل أستاذا بكلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود لمدة 20 عاما وهو مترجم فوري في المؤتمرات الدولية والمحلية حادثة متعلقة بالأخطاء قائلا: كان لي زميل يترجم ما يقوله الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الى الانجليزية بالرغم من أن الرئيس الفرنسي يجيد الانجليزية، ولكن معظم الرؤساء يفخرون ويتمسكون بلغة بلادهم لأنها بالنسبة لهم مسألة قومية، وفي أثناء الحوار ذكر المترجم كلاما مغايرا لما قاله ميتران فأوقفه عن الكلام وقال له: أنت غلطان أنا لم أقل ذلك، وكان المترجم قد أخطأ وهذا الخطأ كاد يتسبب في أزمة دبلوماسية مع احدى الدول العربية آنذاك.

وهناك كتاب لمحمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري الأسبق تحدث فيه عن تدخل الرئيس الراحل أنور السادات في الترجمة في أثناء معاهدة كامب ديفيد والتي أدت لحدوث بعض الأخطاء في الاتفاقيات التي أبرمت ثم تم تداركها فيما بعد، وكذلك عندما قال السادات في الكنيست: جئت الى خصمي في عقر داره فترجمه المترجم: “جئت الى عدوي” مما أثار امتعاض “الإسرائيليين”.

وعموما لا يجوز وجود مترجم واحد فقط بل يلزم وجود اثنين على الاقل لأن المترجم إنسان مبدع لأنه ينقل فكر المتحدث ويرتدي ثوبه وينقله إلى الطرف الآخر بلغته، فنحن في الدول العربية نفتقد المترجمين الأكفاء.

ويختتم الدكتور محمد حديثه بخطأ آخر تسبب في أزمة كبرى وذلك عندما زار الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان مصر وقال بلغته: ان النظام في مصر “آري ترير” وهذه الكلمة لها معنيان الأول اختياري أو حر، والمعنى الثاني معناه متعسف. فتمت ترجمة هذه الكلمة بأن النظام في مصر متعسف أو ديكتاتوري، فثارت زوبعة دبلوماسية، فبسبب هذه الكلمة غضب الرئيس السادات آنذاك لكن الرئيس الفرنسي اعتذر وقال إنه لم يقصد هذا المعنى، بل قصد المعنى الآخر وهو الإشادة بأن النظام في مصر حر.

الدكتور فاروق أبو زيد عميد كلية الإعلام في جامعة القاهرة سابقا يرى أن الأخطاء التي تحدث أحيانا لا يكون المترجمون السبب فيها دائما، بقدر ما تكون محاولة من المسؤول ان يتنصل من تصريحاته، حيث إن مجال العمل السياسي واسع، وليس فيه أسهل من إلقاء المسؤولية على عاتق المترجم. ويؤكد أن الترجمة تقدمت بشكل رهيب والدليل هو قيام المحطات الفضائية والعالمية بالترجمة الفورية لأكثر من 8 لغات. ومن ناحية أخرى لا تتم الاستعانة بالمترجمين إلا في المؤتمرات العلنية فقط. ويقول أبوزيد: في عام 1974 قام الأستاذ محمد حسنين هيكل بجولة في دول شرق آسيا وقابل العديد من رؤساء الدول، ومنهم الرئيس السوفييتي بريجينيف وعندما نُشر الحوار أصدرت الوكالة السوفييتية بيانا أوضحت فيه أن هناك خطأ في ترجمته وفهمه ثم نشره، ففكر هيكل ثم كتب في اليوم التالي “مادام الرئيس قال إنه لم يقل فإنه لم يقل”. كذلك كلنا نتذكر ما حدث عقب وقوع حادث سقوط الطائرة المصرية في مياه المحيط الأطلنطي، إذ قال المحللون إنهم وجدوا آخر جملة مسجلة في الصندوق الأسود قالها البطوطي كابتن الطائرة قبل السقوط “توكلت على الله” والذي حدث هو قيام مترجم لبناني يعمل في المخابرات الأمريكية بترجمة هذه الجملة وفقا للغة العربية التي يعرفها بأن الشخص الذي يقدم على الانتحار يقولها، وللأسف لم يفرق في اللغة العربية ومعاني الجمل والكلمات والدلالات بين لبنان ومصر، ففي مصر يقول الشخص هذه الكلمة عندما يفوض أمر قدراته وعلمه الى الله فيقول هذه الجملة لكي يمنحه الله القدرة ويوفقه للصواب، وبسبب هذا الخطأ في ترجمة الجملة أثيرت أزمة لا تزال قائمة حتى الآن بسبب الاقتناع بالمعنى الأول، وذلك لأن هذا المترجم اللبناني مصدر ثقة لديهم ويعمل في أجهزة مخابراتهم.



معاناة “أراض محتلة”

لعل أشهر الأخطاء التي نعاني منها حتى الآن وربما يكون مقصودا، حسب الدكتور فاروق أبوزيد الخطأ الخاص بقرار مجلس الأمن رقم (242) الذي “يقضي بانسحاب “إسرائيل” from occupied arab lands “من الأراضي التي احتلتها عام 1967م” وعند ترجمة هذا القرار الى اللغة العربية كتب “انسحاب “إسرائيل” من أراض محتلة منذ عام 1967م”. ويقول أبوزيد: نلاحظ الاختلاف في أداة التعريف في كلمة “الأراضي المحتلة” وهي موطن الاختلاف حتى الآن، فالنص الانجليزي يتحقق عندما تنسحب من أي مساحة من الأراضي، لكن الترجمة العربية لا تتحقق إلا عندما تنسحب من كل الأراضي المحتلة وعندما جاءنا هذا القرار كنت وقتها في نيويورك فقلنا نريد إضافة أداة التعريف (the) للقرار قبل كلمةoccupied ، وعندما أثيرت الرغبة في هذا التعديل، أصر اللورد كاراون صانع هذا القرار على عدم تغيير حرف واحد في المشروع.

وبسبب هذا الخطأ نعيش في أزمة بسبب جدل “إسرائيل” بأنها نفذت القرار برد بعض الأراضي المحتلة، وليس كلها.

ويضيف: هناك خطأ ثالث بعد حادث 11 سبتمبر/ أيلول فقد قال جورج بوش في تصريح له: لا بد من تنفيذ “كروسيت” وترجمت هذه الكلمة حرفيا، فهي طبقا للتاريخ تعني الحملات الصليبية وفهم أن بوش يعلن عن رغبته في عمل غزوة صليبية ضد المسلمين ولكنه تدارك هذا الخطأ واعتذر عنه، وقال: إن المترجم نقل عنه خطأ في حين أنه قصد توصيل معنى آخر وهو محاربة الإرهابيين وليس المقصود معاداة الشعوب الإسلامية وذهب في اليوم التالي الى مسجد كبير بواشنطن وصرح بأنه يحترم الإسلام وهو دين عظيم ولا يزال.

كثيرون من المسلمين لا يصدقون مبرر الرئيس الأمريكي لاستخدام الكلمة، مؤكدين أنه كان يقصد فعلاً إعلان الحرب الصليبية على المسلمين.





للرد أو التعليق على أي نص ينشر في موقع "الخليج" في المجالات كافة
: alkhaleej@alkhaleej.ae

أمير جبار الساعدي
09/07/2007, 12:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تذكرة جيدة جدا لأهل الاختصاص لعلهم يتدراكون ما قد يحدث من هفوات ويتحذروا من أن تحدث لهم أخطاء مشابهة ،ومما أحب أن أورده في سياق هذه التجارب هو ما حدث في العراق ويحدث لحد الآن من أخطاء في الترجمة أودت بأصحاب البلد الى غياهب السجون أو الموت أحيانا نتيجة أخطاء في الترجمة من قبل مترجمين عرب أو عراقيين لا يملكون الخبرة الكافية بثقافة المحتل وهذا خلق حالة هجينة ضد المترجمين في العراق وأصبحوا هدفا للجماعات المسلحة.
باحث وإعلامي