محمد المهدي السقال
20/10/2006, 10:10 PM
قراءة في عنوان مقالة :
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *(1)
للأستاذ محمد المعزوز الباحث في الأنتربولوجيا السياسية
موقف شخصي أم استنتاج علمي !!!؟؟
ملاحظة العنوان :
لست أدري فيما إذا كان الأستاذ المعزوز,
قد أنجز بحثا أكاديميا حول النقابات من موقع تخصصه كباحث في الأنتربولوجيا
السياسية ,
حتى يمكن الاستـئـناس بـمسـتـنـتجـاتـه في التعاطي مع الشأن النقابي ...
ولست أعرف للأستاذ الباحث , حضورا على الساحة الفكرية , كطرف ينظر
لأطروحات يعـتـقـدها أو يـقـتـنع بفاعـليتها في إعادة بناء الحياة
المعرفية والفكرية , ذات الصلة بالموضوع التربوي ....
بل لم أعرف للأستاذ توجها يذكر به في السجال الثقافي والسياسي ,
في خضم السؤال عن المشروع المجتمعي ,
سواء قبل أو بعد إرهاصات التحول نحو ما يسمى بالمجتمع الديمقراطي الحداثي ....
لكنني أعرف الأستاذ محمد المهزوز- عفوا- المعزوز,
مسؤولا عن تسيير الإدارة التربوية والتعليمية ,
في إطار التنفيذ الوظيفي لأدوات أجرأة ميثاق التربية والتكوين ,
باعتباره نائبا عن الإدارة الوصية ....
وليس غريبا أن يكون الأستاذ مهتما بموضوع الإضرابات في الوسط التعليمي ,
بحكم معايشته للظاهرة و انشغاله بأسبابها وتبعاتها ,
ضمن التفكير في تجاوز ما يمكن أن يكون عائقا في وجه تمرير ما هو ملزم
بتطبيقه ...
لكن الغريب ,
أن يشهر مقولاته حول مجال بالغ التعقيد , إن لم يكن عميق الحساسية ,
بالنظر لتأثيراته على مسار التبادل التواصلي , بين مختلف الفرقاء
المعنيين بحيثيات فعل الإضراب ,لأن ممارسة النقابات للإضراب , أكبر من أن
تحجـم في مفردات , أبعد ما تكون عن الحقل التربوي والتعليمي , خاصة إذا
كانت تصدر عن أستاذ باحث في الأنتربولوجيا السياسية ... يفترض فيه أن
يكون مهتما بحفريات الظواهر وتوصيفاتها العينية , قبل تولي إصدار أحكام
قيمة , محكومة بالظرفي والذاتي .
كم تمنيت لو أنه عالج قضايا وظواهر في الحياة التعليمية بنيابته من موقع
تخصصه , فربما أفاد واستفاد , وربما ساهم بالبحث الميداني , في حل كثير من
المشكلات التي يعرفها الإقليم الغربي , ضمن سياق الاختلالات التي يعانيها
التطبيق على أرض الواقع ....
و كم كنت أتمنى , لو أن الباحث في الأنتربولوجيا السياسية , يسمح لنفسه
بالظهور في الناس , من خلال موقعه المهني تصريحا , كنائب لوزير التربية
الوطنية , بعد استئذان السلطة الوصية عليه طبعا , لأن ما صدر عنه
الباحث في تأليف خطابه , ليس بحثا ميدانيا , تتوفر فيه أبسط الشروط
العلمية قبل الأكاديمية , بقدر ما هو موقف أملته ظروف المعاينة و
المعايشة لمسارات احتجاجية في الوسط التعليمي بنيابته الإقليمية , يدل
على ذلك , الطابع الانفعالي في تركيب العبارات , والميل إلى استباق إصدار
أحكام تعميمية , تأخذ لبوس الاستنتاج العلمي تحت غطاء الصفة .
أما بعد :
فلست هنا بصدد التعليق على أطروحات المقالة , لأني أتركها لذوي
الاختصاص , كي يفندوا ما بها من تخريجات انتربولوجية , إن لم تكن تقليعات
إعلامية , وقد لا يجد المبتدئ في المجال النقابي , مهما كانت حساسيته ,
صعوبة في الرد عليه بأمثلة من الواقع المعيش , تنفي ما ذهب إليه من
ادعاء , بأن * ممارسة النقابات للإضراب , تعبر عن دكتاتورية عدوانية و
ظلامية * , خاصة إذا تم إدراج كتابة المقال الموجز من غير تكثيف , ضمن
سياق التعبيرات الظرفية'(النص في الاصل استجواب صحفي مع الدكتور) , عن
مواقف الخطاب المضاد , من الفعل النقابي على الساحة التعليمية , وهي في
مجملها تؤسس لثقافة نقابية رسمية , يمكن من خلالها احتواء ما تبقى من
شرارة الحضور النقابي الفاعل وطنيا , تحت أغطية شتى , منها البحث
الانتربولوجي السياسي , والبحث منها براء .
وما سأقوم به , ليس أكثر من وقفة متأنية مع العنوان , من خلال تحليل
مكوناته على أساس الخلفية المعجمية , وما تحيل عليه من إيحاءات , نربطها
عادة بالتأسيس لفرضية القراءة , في التعامل مع النصوص في الصف
التعليمي.
لكن لماذا هذا التعامل بالذات ؟ مع مقال :
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية *
بعد قراءة ما كتبه الأستاذ محمد المهزوز – عفوا – المعزوز , وجدت أن
صاحبه قد استنفد القول المراد بالنص , في جملة العنوان الطويل , بألفاظ
لا تربط بينها وحدة الدلالة , ناهيك عن أن تكون مرتبطة بالمضمون الذي
راهن الكاتب على الإقناع به , لأن الحقول الدلالية التي ترتبط بها كل كلمة
في العنوان , متنافرة من حيث مجال الاشتغال , بل يمكن الذهاب إلى أن
الرابط بينها , لا يقوم إلا على الـتـمـحـل والقـسـر, باعتبار التباعد
والخرق الذي يرفضه حتى المجاز, بين الإضراب والدكتاتورية مثلا... لأن الأمر لا
يعدو أن يكون ضربا من الوجهين : إما أن استعمال الألفاظ عائد على
الحقيقة بما هو متواضع عليه في الأصل اللغوي , والاحتكام في الفصل بين
مدلولاتها إلى المعاجم بالضرورة لرفع الإبهام , و إما أن استعمال الألفاظ
عائد على المجاز, وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له في الأصل لعلاقة غير
المشابهة , لأنه ينتقل إلى الاستعارة على التشبيه , وكلاهما محكومان في
التعريف بالقرينة المانعة لفظا أو معنى .
ووجدت بعد القراءة الأولى أيضا , أن الموضوع المعالج في مقالة الأستاذ
الباحث الأنتربولوجي في السياسة , قد أغـمـط حقه عرضا وتناولا وتحليلا ,
حين تم الاكتفاء فيه بالتلويح والتلميح , على طريقة : إياك أعني واسمعي
يا جارة .... فلا عمق في التفكير ولا بعد في الدلالة , بل لا مقاربة تتوسل
بالمنهج في الطرح والتحليل , وبدا لي جليا أن المقالة ستذهب أدراج
الرياح , لأن المعنيين بالخطاب النقابي وحتى السياسي , لن يجدوا فيها رؤية
جديدة أو بديلة , تغني الحوار و ترتفع به عن الذاتي المـنـاسـبـتـي ,
مما سيجعلها في النهاية عرضة للتلف والضياع , مثلما ما يحدث لبعض
الكتابات التي يكون الداعي إليها تسرع ينتهي إلى التسطيح , إن لم يكن
لغاية في نفس يعقوب ....
ثم كان السؤال عن مرجعية مفردات العنوان : * ممارسة النقابات للإضراب
تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية * , قبل التساؤل حول خلفية تركيبه
اللغوي , في الذهن تفكيرا و رؤية , في اتجاه تكويـن الانطباع في النفس
والعقل , بأن صاحب المقالة للأسف , لم يكلف نفسه عناء التقصي في المبنى
اللغوي , بعدما لم يكلف نفسه عناء التحري في المعنى المستهدف بالإبلاغ .
وقد كانت العودة للمعاجم اللغوية و التاريخية ضرورية , للتحليل
والتعليق , غير أن ضيق حيز النشر , لا يبدو مسعفا لتقديم الجرد المطول
بالمصادر المستأنس بها كالقاموس ولسان العرب والخصائص والعين وتاج العروس
والمصباح وغيرها , لذا سيتم الاقتصار على التنبيه و الإشارة إليها ضمن
السياق .
الممارسة , ما يصدر من فعل عن الإنسان على سبيل الاتصال في الزمان
والمكان , إما على سبيل القيام بالموكول إليه , وإما استجابة لرغبة
ذاتية تنزع إليها النفس عن هوى أو اقتناع .... والممارسة من * مرس*
بزيادة الألف للمفاعـلة ...... والممارسة إفرادا , على الوحدة
والاتفاق, تلغي التنوع والتعدد فيها , كأنها واحدة في كل مجال .
جاء في القاموس المحيط للفيروز أبادي : مارسه ... عالجه و الممارسة ....
المعالجة , و المـرس بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها.
لقد أضيفت الممارسة في العنوان للنقابات على أساس صدورها عنها بالفعل
, بعد افتراض تحقق المعالجة والتجريب , مما يستدعي ضرورة التعريف بالمضاف
إليه (النقابات) , وهي جمع للمؤنث السالم على القياس فيما مفرده على
وزن فعالة (نقابة) من فعل نقب ... وكل المعاجم على مذهب الاتفاق , حول
دلالة اللفظ اتصالا بالعلم والمعرفة والعقل والمشورة , قال سيبويه :
النقابة بالكسر الاسم وبالفتح المصدر, وفي لسان العرب وفي القاموس المحيط
: و نقب على القوم نقابة بالكسر فهو نقيب أي عريف و المنقب بالكسر
والتخفيف , الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها
وعند الحربي في غريبه : والنقيبة النفس والعقل والمشورة ونفاذ الرأي
....وعند غيرهم إجماعا بالمتواتر في اللغة والاصطلاح : النقيب الأمير على
القوم , وقد نقب نقابة , ونقب قومه ينقب نقابة , إذا كان نقيبا
,والنقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم.
معنى ذلك , أن المضاف إلى الممارسة بالفعل من النقابة مفردا وجمعا ,لا
يفترض فيه بالدلالة اللغوية, إلا أن يكون عن معرفة أصلها العقل وسبيلها
المشورة , عدا أن يكون النقيب فيها شاهد القوم وضمينهم... وينفي ذلك
, ما ذهب إليه الأستاذ من ربط ممارسة النقابات بالدكتاتورية
والعدوانية والظلامية , إلا أن يكون قد ربط بين المتنافر على الدلالة
الواقعية بالخبر والمعاينة , وهو ما يمكن الوقوف عنده لاحقا , بعد
الاستمرار في تحليل مكونات العنوان , قبل التسرع في الحكم على النية
والقصد من التركيب اللغوي , بعد الخروج بمدلولاته عن الأصل في الاستعمال.
غير أن المعنى بإضافة الممارسة للنقابات , لا يستقيم بغير إسناد المصدر
الذي ينوب عن الفعل , إلى ما يقع عليه مفعولا , وهو الإضراب.
الإضراب مصدر فعل *ضرب* مزيدا بالهمز , ليس من أجل التعدية باللازم
,لأنه لا يستقيم دلالة بغير المفعول بمختلف أنواعه , وإنما للانتقال بالحدث
من مستواه المادي المرتبط بأداة خارجية , إلى الفعل المعنوي المرتبط في
الإنجاز بالذهن على التغليب , إذ أنه في ثلاثيه متعلق بما يتم به تحقق
الفعل الواقع على المفعول بوسيلة ما , فحين نقول : ضرب الشرطة المعتصمين
, لا بد أن تكون هناك أداة لتحقق دلالة الفعل, كالعصي مثلا , بينما
ينتقل نفس الفعل مزيدا , إلى الانجاز على أساس قدرة الاستعداد في النفس
داخليا ...... لذلك دل المزيد بالهمز على الفعل المعنوي من قبيل : أضرب
فلان عن هذا الأمر إضرابا , كف عنه , و أضرب عنه أي أعرض . والمضرب :
المقيم في البيت , وأضرب الرجل في البيت : أقام . ومصدره على الإفعال
قياسا , مفيد لنفس المعنى العائد على حركة أو حدث في النفس
و العقل: يقول الشاعر:
لَمَّا وَثِقْتُ بـأَنَّ مـالَكَ مالِـي أَصْبَحْتُ عن طَلَبِ المَعِيشةِ مُضْرِباً
والجملة السابقة : ( ممارسة النقابات للإضراب ) مبتدأ بحاجة إلى متعلق
يتمم المعنى بالخبر , و يحدد طبيعة الممارسة الواقعة على الإضراب مفعولا به
للمصدر , لأن حرف الجر زائد , على تقدير/ ممارسة النقابات الإضراب
فتحا....
هذا المبتدأ الجملة الاسمية , لا تحيل دلالات مكوناته اللغوية مفردة ومجتمعة
, على ما يخالف العقل في الفعل والمصدر, فالممارسة المعالجة , والرجل المرس
بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها..... والنقابة من نقب
فتحا على المصدرية, ترتبط بفاعلها الدال على الرجل العالم بالأشياء
الكثير البحث عنها ... , و النقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو
شاهد القوم وضمينهم ...
أما الإضراب بمعنى الترك والكف والإعراض , فلا يكون إلا مما ير فضه العقل
ويأباه .
غير أن البحث عن الخبر في العنوان , سيصرف القارئ عن كل معنى تؤول إليه
مفردات المبتدأ , ليصلها بالجملة الفعلية على التحقيق والخبر : ( تعبر عن
دكتاتورية عدوانية ظلامية ) .
أما * تعبر* بصيغة مضارع فعل * عبر* بالزيادة تشديدا , لتدل على صدور
الفعل عن إرادة لها تجسيدها بما وسع الإنسان من اقتدار , فإنها تقبل
التجاور مع السابق على الاشتراك الذهنـي , لأن المصادر المؤلفة للجملة
الاسمية الأولى , تحيل على أفعال الذات في النفس , بما يتناسب مع تجاوز
الاعتلال إلى العلاج ممارسة , والارتباط بالعلم و التجربة نقابة , والتعلق
بالإعراض والامتناع إضرابا .
والزيادة بالتضعيف في فعل * عبر* , ليست زيادة لحاجة التعدي إلى
المفعولية , لأن الفعل في ثلاثيه يقع على مفعول بالضرورة , إنما تدل على
تخصص الفعل بما يتصل بالذهن والتفكير, ولعله بذلك , أوثق صلة بما يعن في
النفس شعورا أو لاشعورا , كما يدل على ذلك, ارتباط المصدر*
التعبير*بالرؤى والأحلام وما تؤول إليه من تأويلات وتفسيرات....وليس
غريبا أن يتحول *عبر* , من الفعل المتعدي مجردا, إلى اللازم مزيدا , فلا
يحتاج إلى ما يقع عليه فعل الفاعل مفعولا إلا بحرف الجر الزائد , ليؤول
التعبير في النهاية إلى ما يتصل بالنفس على السجية والأصل في الطبع ...
والجملة الفعلية بالمضارع الدال على الحال والاستقبال , وفاعلها العائد
إضمارا على الممارسة , خـبـر للجملة الاسمية الأولى , (ممارسة النقابات
للإضراب تعبر) , سواء قدرنا التأويل على المصدر( تعبير) أو على اسم
الفاعل (معبرة) تأنيثا.... والإخبار بحمولة ما يكون مادة للتعبير, من
قبيل ممارسة النقابات للإضراب , ليس بالضرورة مما يصدق حمله على التحقيق
, لأن الجملة الخبرية في النحو كما في البلاغة , تبقى محتملة للتصديق
والتكذيب , بمعنى أن المتعلق الذي يقع عليه الفاعل لاحقا في الجملة , ( عن
دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , لا يمكن أن يحمل إلا على التأرجح
بالتخصيص دون الإطلاق على التعميم , أما إذا حاول القارئ الربط بين
إفادة تلك الألفاظ لغويا , وما تفيده مدلولات الكلمات في جملة المبتدأ ,
فإنه سيجد في التركيب دفعا لقيد التناظر في العبارة , لأن ما تحيل عليه (
دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , من عنف وجبروت وطغيان على سبيل الإضرار
بالآخر بغير حق , مخالف لما تحيل عليه (ممارسة النقابات للإضراب) , من فعل
دال على الموقف الصادر عن استواء في الفكر والوجدان , بل سيجد القارئ
نفسه مطالبا بالبحث عن علة الربط بينهما في العنوان , متسائلا عن
كليته المؤسسة على التناقض مبنى ومعنى , وقد لا يخرج السؤال عن المصدر في
الإخبار بأن : * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و
ظلامية *, عن أحد الافتراضين , فإما أن يكون القول على التصريح بما أوصل
إليه البحث والتقصي بالعلم والاختبار, و إما أن يكون القول على
التلميح بما ترسب في النفس من فيض الانفعال والضيق بالعجز عن الفهم و
التفهم , ناهيك عن الاقتدار على التحكم فيما تأخذه ممارسة الإضراب , من
أبعاد الإعراض والكف , وتبعات الامتناع , بما هو رفض يهدد هيبة الممتنع
عنه نصبا , قبل أن يزعزع سلطتـه ....
من هذين الافتراضين , تناسل التساؤل الملحق بالعنوان في هذا المقال , حول
المصدر في حكم القيمة المخبر به على التحقيق بأن :* ممارسة النقابات
للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * , هـل هـو موقف شخصي أم
استنتاج علمي ؟
فإن كان المصدر رؤيـة الذات وعيا و وجدانا , فلن يكون مطبوعا بأكثر
من الانفعال دفاعا بـرد الفعل على السلب , والوعي قد يكون زائفا تحكمه
بلاوعي آليات التوهم صناعة , للاحتماء مما يكون هجوما بقوة الواقع ,
على ما لا يوجد إلا في الوهم قناعة ... لذلك , فالموقف الشخصي مصدرا ,
يثير الشفقة على صاحبه , كما تـثـيـر رقصة الحبل خوفا على الراقص فوقه
, علما بأن عدم وقوع السقوط في الحال , لا يلغي إمكانيته في الاستقبال ,
وتزداد هوة الشفقة غورا , حين يكون القائل ممن يصفه أهله , بالكاتب
الباحث في الانتربولوجيا السياسية , لأن ما انتهى إليه علمه , مناقض
بالقلب لكل ما شهد به الفكر والواقع .. وإلا كيف يمكن القبول بأن *
ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * ؟!
أما إذا كان مصدر الكاتب استنتاجا علميا , أوصله إليه البحث
والاستقصاء , فقد كـان من المفروض أن يكون مادة للتداول بلغة الفكر
والعقل , لغة واصفة بما تستدعيه من ملاحظة وتحليل, وما تتطلبه من تجرد
وموضوعية سندهـمـا الاحتجاج بالعرض والمقارنة , على قاعدة انتربولوجية
* كلود ليفي شتراوس* , والحالة مع كاتب المقال غير ذلك , لأنه لم يبرر حكمه
بما يشفع له تسرعه , بل لم يستند فيما ذهب إليه , لا إلى معرفة بالحقل
الذي انتسب إليه , ولا إلى معايشة للظاهرة التي تناولها ... وهو بذلك ,
يثير إلى جانب الشفقة عليه , رغبة في تجاوز منطوقه المبني على التغـليط ,
تناسبا مع ركوب موجة العولمة , إن لم يكن في الأصل مبنيا على الغلط في
التحصيل والخلل في التكوين .
هل يجب تذكير الكاتب الانتربولوجي , بأن الخلوص إلى أن * ممارسة النقابات
للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * إنما هو من قبيل الباطل
الذي أريد به النيل من حق ؟!
هل يجب التذكير على سبيل الاستئناس , بأن مثل هذه التعبيرات , إنما تصدر
عن منطق الخطاب المضاد من حقل السياسة , لتطبيقها على حقل الاجتماع ؟!
أما بعد , فكم كان سيكون جميلا , لو أن باحثنا في الانتربولوجيا السياسية
, الأستاذ محمد المعزوز, كفى نفسه شر القتال بغير سلاح , فـكـفانا بلية
الإيهام بديلا عن الواقع , لأن ما خبرته الجماعة بالمكابدة من أجل انتزاع
حقوقها , وهي ضمن الحلقة الضعـيـفة , ينفي أن تكون * ممارسة النقابات
للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * كما جاء في المقال موضوع
القراءة ...
ومن يدري , بعد تمرير مثل هذا الخطاب , أن يطلع علينا صاحبنا ذات صباح
, بمقال يكون عنوانه:
* ممارسة المثقفين في تصديهم للإيهام بالواقع , تعبر عن استلاب وجودي
أسطوري *
محمد المهدي السقال
القنيطرة20/02/2006
************************
(1) الأحداث المغربية / العدد :2562 / 5 فبراير 2006
ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية
محمد المعزوز الباحث في الانتربولوجيا السياسية
(2) بعثت به إلى نفس الصفحة التي نشرت الحوار , لكنها لم تنشره بعد أكثر من شهرين
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *(1)
للأستاذ محمد المعزوز الباحث في الأنتربولوجيا السياسية
موقف شخصي أم استنتاج علمي !!!؟؟
ملاحظة العنوان :
لست أدري فيما إذا كان الأستاذ المعزوز,
قد أنجز بحثا أكاديميا حول النقابات من موقع تخصصه كباحث في الأنتربولوجيا
السياسية ,
حتى يمكن الاستـئـناس بـمسـتـنـتجـاتـه في التعاطي مع الشأن النقابي ...
ولست أعرف للأستاذ الباحث , حضورا على الساحة الفكرية , كطرف ينظر
لأطروحات يعـتـقـدها أو يـقـتـنع بفاعـليتها في إعادة بناء الحياة
المعرفية والفكرية , ذات الصلة بالموضوع التربوي ....
بل لم أعرف للأستاذ توجها يذكر به في السجال الثقافي والسياسي ,
في خضم السؤال عن المشروع المجتمعي ,
سواء قبل أو بعد إرهاصات التحول نحو ما يسمى بالمجتمع الديمقراطي الحداثي ....
لكنني أعرف الأستاذ محمد المهزوز- عفوا- المعزوز,
مسؤولا عن تسيير الإدارة التربوية والتعليمية ,
في إطار التنفيذ الوظيفي لأدوات أجرأة ميثاق التربية والتكوين ,
باعتباره نائبا عن الإدارة الوصية ....
وليس غريبا أن يكون الأستاذ مهتما بموضوع الإضرابات في الوسط التعليمي ,
بحكم معايشته للظاهرة و انشغاله بأسبابها وتبعاتها ,
ضمن التفكير في تجاوز ما يمكن أن يكون عائقا في وجه تمرير ما هو ملزم
بتطبيقه ...
لكن الغريب ,
أن يشهر مقولاته حول مجال بالغ التعقيد , إن لم يكن عميق الحساسية ,
بالنظر لتأثيراته على مسار التبادل التواصلي , بين مختلف الفرقاء
المعنيين بحيثيات فعل الإضراب ,لأن ممارسة النقابات للإضراب , أكبر من أن
تحجـم في مفردات , أبعد ما تكون عن الحقل التربوي والتعليمي , خاصة إذا
كانت تصدر عن أستاذ باحث في الأنتربولوجيا السياسية ... يفترض فيه أن
يكون مهتما بحفريات الظواهر وتوصيفاتها العينية , قبل تولي إصدار أحكام
قيمة , محكومة بالظرفي والذاتي .
كم تمنيت لو أنه عالج قضايا وظواهر في الحياة التعليمية بنيابته من موقع
تخصصه , فربما أفاد واستفاد , وربما ساهم بالبحث الميداني , في حل كثير من
المشكلات التي يعرفها الإقليم الغربي , ضمن سياق الاختلالات التي يعانيها
التطبيق على أرض الواقع ....
و كم كنت أتمنى , لو أن الباحث في الأنتربولوجيا السياسية , يسمح لنفسه
بالظهور في الناس , من خلال موقعه المهني تصريحا , كنائب لوزير التربية
الوطنية , بعد استئذان السلطة الوصية عليه طبعا , لأن ما صدر عنه
الباحث في تأليف خطابه , ليس بحثا ميدانيا , تتوفر فيه أبسط الشروط
العلمية قبل الأكاديمية , بقدر ما هو موقف أملته ظروف المعاينة و
المعايشة لمسارات احتجاجية في الوسط التعليمي بنيابته الإقليمية , يدل
على ذلك , الطابع الانفعالي في تركيب العبارات , والميل إلى استباق إصدار
أحكام تعميمية , تأخذ لبوس الاستنتاج العلمي تحت غطاء الصفة .
أما بعد :
فلست هنا بصدد التعليق على أطروحات المقالة , لأني أتركها لذوي
الاختصاص , كي يفندوا ما بها من تخريجات انتربولوجية , إن لم تكن تقليعات
إعلامية , وقد لا يجد المبتدئ في المجال النقابي , مهما كانت حساسيته ,
صعوبة في الرد عليه بأمثلة من الواقع المعيش , تنفي ما ذهب إليه من
ادعاء , بأن * ممارسة النقابات للإضراب , تعبر عن دكتاتورية عدوانية و
ظلامية * , خاصة إذا تم إدراج كتابة المقال الموجز من غير تكثيف , ضمن
سياق التعبيرات الظرفية'(النص في الاصل استجواب صحفي مع الدكتور) , عن
مواقف الخطاب المضاد , من الفعل النقابي على الساحة التعليمية , وهي في
مجملها تؤسس لثقافة نقابية رسمية , يمكن من خلالها احتواء ما تبقى من
شرارة الحضور النقابي الفاعل وطنيا , تحت أغطية شتى , منها البحث
الانتربولوجي السياسي , والبحث منها براء .
وما سأقوم به , ليس أكثر من وقفة متأنية مع العنوان , من خلال تحليل
مكوناته على أساس الخلفية المعجمية , وما تحيل عليه من إيحاءات , نربطها
عادة بالتأسيس لفرضية القراءة , في التعامل مع النصوص في الصف
التعليمي.
لكن لماذا هذا التعامل بالذات ؟ مع مقال :
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية *
بعد قراءة ما كتبه الأستاذ محمد المهزوز – عفوا – المعزوز , وجدت أن
صاحبه قد استنفد القول المراد بالنص , في جملة العنوان الطويل , بألفاظ
لا تربط بينها وحدة الدلالة , ناهيك عن أن تكون مرتبطة بالمضمون الذي
راهن الكاتب على الإقناع به , لأن الحقول الدلالية التي ترتبط بها كل كلمة
في العنوان , متنافرة من حيث مجال الاشتغال , بل يمكن الذهاب إلى أن
الرابط بينها , لا يقوم إلا على الـتـمـحـل والقـسـر, باعتبار التباعد
والخرق الذي يرفضه حتى المجاز, بين الإضراب والدكتاتورية مثلا... لأن الأمر لا
يعدو أن يكون ضربا من الوجهين : إما أن استعمال الألفاظ عائد على
الحقيقة بما هو متواضع عليه في الأصل اللغوي , والاحتكام في الفصل بين
مدلولاتها إلى المعاجم بالضرورة لرفع الإبهام , و إما أن استعمال الألفاظ
عائد على المجاز, وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له في الأصل لعلاقة غير
المشابهة , لأنه ينتقل إلى الاستعارة على التشبيه , وكلاهما محكومان في
التعريف بالقرينة المانعة لفظا أو معنى .
ووجدت بعد القراءة الأولى أيضا , أن الموضوع المعالج في مقالة الأستاذ
الباحث الأنتربولوجي في السياسة , قد أغـمـط حقه عرضا وتناولا وتحليلا ,
حين تم الاكتفاء فيه بالتلويح والتلميح , على طريقة : إياك أعني واسمعي
يا جارة .... فلا عمق في التفكير ولا بعد في الدلالة , بل لا مقاربة تتوسل
بالمنهج في الطرح والتحليل , وبدا لي جليا أن المقالة ستذهب أدراج
الرياح , لأن المعنيين بالخطاب النقابي وحتى السياسي , لن يجدوا فيها رؤية
جديدة أو بديلة , تغني الحوار و ترتفع به عن الذاتي المـنـاسـبـتـي ,
مما سيجعلها في النهاية عرضة للتلف والضياع , مثلما ما يحدث لبعض
الكتابات التي يكون الداعي إليها تسرع ينتهي إلى التسطيح , إن لم يكن
لغاية في نفس يعقوب ....
ثم كان السؤال عن مرجعية مفردات العنوان : * ممارسة النقابات للإضراب
تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية * , قبل التساؤل حول خلفية تركيبه
اللغوي , في الذهن تفكيرا و رؤية , في اتجاه تكويـن الانطباع في النفس
والعقل , بأن صاحب المقالة للأسف , لم يكلف نفسه عناء التقصي في المبنى
اللغوي , بعدما لم يكلف نفسه عناء التحري في المعنى المستهدف بالإبلاغ .
وقد كانت العودة للمعاجم اللغوية و التاريخية ضرورية , للتحليل
والتعليق , غير أن ضيق حيز النشر , لا يبدو مسعفا لتقديم الجرد المطول
بالمصادر المستأنس بها كالقاموس ولسان العرب والخصائص والعين وتاج العروس
والمصباح وغيرها , لذا سيتم الاقتصار على التنبيه و الإشارة إليها ضمن
السياق .
الممارسة , ما يصدر من فعل عن الإنسان على سبيل الاتصال في الزمان
والمكان , إما على سبيل القيام بالموكول إليه , وإما استجابة لرغبة
ذاتية تنزع إليها النفس عن هوى أو اقتناع .... والممارسة من * مرس*
بزيادة الألف للمفاعـلة ...... والممارسة إفرادا , على الوحدة
والاتفاق, تلغي التنوع والتعدد فيها , كأنها واحدة في كل مجال .
جاء في القاموس المحيط للفيروز أبادي : مارسه ... عالجه و الممارسة ....
المعالجة , و المـرس بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها.
لقد أضيفت الممارسة في العنوان للنقابات على أساس صدورها عنها بالفعل
, بعد افتراض تحقق المعالجة والتجريب , مما يستدعي ضرورة التعريف بالمضاف
إليه (النقابات) , وهي جمع للمؤنث السالم على القياس فيما مفرده على
وزن فعالة (نقابة) من فعل نقب ... وكل المعاجم على مذهب الاتفاق , حول
دلالة اللفظ اتصالا بالعلم والمعرفة والعقل والمشورة , قال سيبويه :
النقابة بالكسر الاسم وبالفتح المصدر, وفي لسان العرب وفي القاموس المحيط
: و نقب على القوم نقابة بالكسر فهو نقيب أي عريف و المنقب بالكسر
والتخفيف , الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها
وعند الحربي في غريبه : والنقيبة النفس والعقل والمشورة ونفاذ الرأي
....وعند غيرهم إجماعا بالمتواتر في اللغة والاصطلاح : النقيب الأمير على
القوم , وقد نقب نقابة , ونقب قومه ينقب نقابة , إذا كان نقيبا
,والنقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم.
معنى ذلك , أن المضاف إلى الممارسة بالفعل من النقابة مفردا وجمعا ,لا
يفترض فيه بالدلالة اللغوية, إلا أن يكون عن معرفة أصلها العقل وسبيلها
المشورة , عدا أن يكون النقيب فيها شاهد القوم وضمينهم... وينفي ذلك
, ما ذهب إليه الأستاذ من ربط ممارسة النقابات بالدكتاتورية
والعدوانية والظلامية , إلا أن يكون قد ربط بين المتنافر على الدلالة
الواقعية بالخبر والمعاينة , وهو ما يمكن الوقوف عنده لاحقا , بعد
الاستمرار في تحليل مكونات العنوان , قبل التسرع في الحكم على النية
والقصد من التركيب اللغوي , بعد الخروج بمدلولاته عن الأصل في الاستعمال.
غير أن المعنى بإضافة الممارسة للنقابات , لا يستقيم بغير إسناد المصدر
الذي ينوب عن الفعل , إلى ما يقع عليه مفعولا , وهو الإضراب.
الإضراب مصدر فعل *ضرب* مزيدا بالهمز , ليس من أجل التعدية باللازم
,لأنه لا يستقيم دلالة بغير المفعول بمختلف أنواعه , وإنما للانتقال بالحدث
من مستواه المادي المرتبط بأداة خارجية , إلى الفعل المعنوي المرتبط في
الإنجاز بالذهن على التغليب , إذ أنه في ثلاثيه متعلق بما يتم به تحقق
الفعل الواقع على المفعول بوسيلة ما , فحين نقول : ضرب الشرطة المعتصمين
, لا بد أن تكون هناك أداة لتحقق دلالة الفعل, كالعصي مثلا , بينما
ينتقل نفس الفعل مزيدا , إلى الانجاز على أساس قدرة الاستعداد في النفس
داخليا ...... لذلك دل المزيد بالهمز على الفعل المعنوي من قبيل : أضرب
فلان عن هذا الأمر إضرابا , كف عنه , و أضرب عنه أي أعرض . والمضرب :
المقيم في البيت , وأضرب الرجل في البيت : أقام . ومصدره على الإفعال
قياسا , مفيد لنفس المعنى العائد على حركة أو حدث في النفس
و العقل: يقول الشاعر:
لَمَّا وَثِقْتُ بـأَنَّ مـالَكَ مالِـي أَصْبَحْتُ عن طَلَبِ المَعِيشةِ مُضْرِباً
والجملة السابقة : ( ممارسة النقابات للإضراب ) مبتدأ بحاجة إلى متعلق
يتمم المعنى بالخبر , و يحدد طبيعة الممارسة الواقعة على الإضراب مفعولا به
للمصدر , لأن حرف الجر زائد , على تقدير/ ممارسة النقابات الإضراب
فتحا....
هذا المبتدأ الجملة الاسمية , لا تحيل دلالات مكوناته اللغوية مفردة ومجتمعة
, على ما يخالف العقل في الفعل والمصدر, فالممارسة المعالجة , والرجل المرس
بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها..... والنقابة من نقب
فتحا على المصدرية, ترتبط بفاعلها الدال على الرجل العالم بالأشياء
الكثير البحث عنها ... , و النقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو
شاهد القوم وضمينهم ...
أما الإضراب بمعنى الترك والكف والإعراض , فلا يكون إلا مما ير فضه العقل
ويأباه .
غير أن البحث عن الخبر في العنوان , سيصرف القارئ عن كل معنى تؤول إليه
مفردات المبتدأ , ليصلها بالجملة الفعلية على التحقيق والخبر : ( تعبر عن
دكتاتورية عدوانية ظلامية ) .
أما * تعبر* بصيغة مضارع فعل * عبر* بالزيادة تشديدا , لتدل على صدور
الفعل عن إرادة لها تجسيدها بما وسع الإنسان من اقتدار , فإنها تقبل
التجاور مع السابق على الاشتراك الذهنـي , لأن المصادر المؤلفة للجملة
الاسمية الأولى , تحيل على أفعال الذات في النفس , بما يتناسب مع تجاوز
الاعتلال إلى العلاج ممارسة , والارتباط بالعلم و التجربة نقابة , والتعلق
بالإعراض والامتناع إضرابا .
والزيادة بالتضعيف في فعل * عبر* , ليست زيادة لحاجة التعدي إلى
المفعولية , لأن الفعل في ثلاثيه يقع على مفعول بالضرورة , إنما تدل على
تخصص الفعل بما يتصل بالذهن والتفكير, ولعله بذلك , أوثق صلة بما يعن في
النفس شعورا أو لاشعورا , كما يدل على ذلك, ارتباط المصدر*
التعبير*بالرؤى والأحلام وما تؤول إليه من تأويلات وتفسيرات....وليس
غريبا أن يتحول *عبر* , من الفعل المتعدي مجردا, إلى اللازم مزيدا , فلا
يحتاج إلى ما يقع عليه فعل الفاعل مفعولا إلا بحرف الجر الزائد , ليؤول
التعبير في النهاية إلى ما يتصل بالنفس على السجية والأصل في الطبع ...
والجملة الفعلية بالمضارع الدال على الحال والاستقبال , وفاعلها العائد
إضمارا على الممارسة , خـبـر للجملة الاسمية الأولى , (ممارسة النقابات
للإضراب تعبر) , سواء قدرنا التأويل على المصدر( تعبير) أو على اسم
الفاعل (معبرة) تأنيثا.... والإخبار بحمولة ما يكون مادة للتعبير, من
قبيل ممارسة النقابات للإضراب , ليس بالضرورة مما يصدق حمله على التحقيق
, لأن الجملة الخبرية في النحو كما في البلاغة , تبقى محتملة للتصديق
والتكذيب , بمعنى أن المتعلق الذي يقع عليه الفاعل لاحقا في الجملة , ( عن
دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , لا يمكن أن يحمل إلا على التأرجح
بالتخصيص دون الإطلاق على التعميم , أما إذا حاول القارئ الربط بين
إفادة تلك الألفاظ لغويا , وما تفيده مدلولات الكلمات في جملة المبتدأ ,
فإنه سيجد في التركيب دفعا لقيد التناظر في العبارة , لأن ما تحيل عليه (
دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , من عنف وجبروت وطغيان على سبيل الإضرار
بالآخر بغير حق , مخالف لما تحيل عليه (ممارسة النقابات للإضراب) , من فعل
دال على الموقف الصادر عن استواء في الفكر والوجدان , بل سيجد القارئ
نفسه مطالبا بالبحث عن علة الربط بينهما في العنوان , متسائلا عن
كليته المؤسسة على التناقض مبنى ومعنى , وقد لا يخرج السؤال عن المصدر في
الإخبار بأن : * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و
ظلامية *, عن أحد الافتراضين , فإما أن يكون القول على التصريح بما أوصل
إليه البحث والتقصي بالعلم والاختبار, و إما أن يكون القول على
التلميح بما ترسب في النفس من فيض الانفعال والضيق بالعجز عن الفهم و
التفهم , ناهيك عن الاقتدار على التحكم فيما تأخذه ممارسة الإضراب , من
أبعاد الإعراض والكف , وتبعات الامتناع , بما هو رفض يهدد هيبة الممتنع
عنه نصبا , قبل أن يزعزع سلطتـه ....
من هذين الافتراضين , تناسل التساؤل الملحق بالعنوان في هذا المقال , حول
المصدر في حكم القيمة المخبر به على التحقيق بأن :* ممارسة النقابات
للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * , هـل هـو موقف شخصي أم
استنتاج علمي ؟
فإن كان المصدر رؤيـة الذات وعيا و وجدانا , فلن يكون مطبوعا بأكثر
من الانفعال دفاعا بـرد الفعل على السلب , والوعي قد يكون زائفا تحكمه
بلاوعي آليات التوهم صناعة , للاحتماء مما يكون هجوما بقوة الواقع ,
على ما لا يوجد إلا في الوهم قناعة ... لذلك , فالموقف الشخصي مصدرا ,
يثير الشفقة على صاحبه , كما تـثـيـر رقصة الحبل خوفا على الراقص فوقه
, علما بأن عدم وقوع السقوط في الحال , لا يلغي إمكانيته في الاستقبال ,
وتزداد هوة الشفقة غورا , حين يكون القائل ممن يصفه أهله , بالكاتب
الباحث في الانتربولوجيا السياسية , لأن ما انتهى إليه علمه , مناقض
بالقلب لكل ما شهد به الفكر والواقع .. وإلا كيف يمكن القبول بأن *
ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * ؟!
أما إذا كان مصدر الكاتب استنتاجا علميا , أوصله إليه البحث
والاستقصاء , فقد كـان من المفروض أن يكون مادة للتداول بلغة الفكر
والعقل , لغة واصفة بما تستدعيه من ملاحظة وتحليل, وما تتطلبه من تجرد
وموضوعية سندهـمـا الاحتجاج بالعرض والمقارنة , على قاعدة انتربولوجية
* كلود ليفي شتراوس* , والحالة مع كاتب المقال غير ذلك , لأنه لم يبرر حكمه
بما يشفع له تسرعه , بل لم يستند فيما ذهب إليه , لا إلى معرفة بالحقل
الذي انتسب إليه , ولا إلى معايشة للظاهرة التي تناولها ... وهو بذلك ,
يثير إلى جانب الشفقة عليه , رغبة في تجاوز منطوقه المبني على التغـليط ,
تناسبا مع ركوب موجة العولمة , إن لم يكن في الأصل مبنيا على الغلط في
التحصيل والخلل في التكوين .
هل يجب تذكير الكاتب الانتربولوجي , بأن الخلوص إلى أن * ممارسة النقابات
للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * إنما هو من قبيل الباطل
الذي أريد به النيل من حق ؟!
هل يجب التذكير على سبيل الاستئناس , بأن مثل هذه التعبيرات , إنما تصدر
عن منطق الخطاب المضاد من حقل السياسة , لتطبيقها على حقل الاجتماع ؟!
أما بعد , فكم كان سيكون جميلا , لو أن باحثنا في الانتربولوجيا السياسية
, الأستاذ محمد المعزوز, كفى نفسه شر القتال بغير سلاح , فـكـفانا بلية
الإيهام بديلا عن الواقع , لأن ما خبرته الجماعة بالمكابدة من أجل انتزاع
حقوقها , وهي ضمن الحلقة الضعـيـفة , ينفي أن تكون * ممارسة النقابات
للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * كما جاء في المقال موضوع
القراءة ...
ومن يدري , بعد تمرير مثل هذا الخطاب , أن يطلع علينا صاحبنا ذات صباح
, بمقال يكون عنوانه:
* ممارسة المثقفين في تصديهم للإيهام بالواقع , تعبر عن استلاب وجودي
أسطوري *
محمد المهدي السقال
القنيطرة20/02/2006
************************
(1) الأحداث المغربية / العدد :2562 / 5 فبراير 2006
ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية
محمد المعزوز الباحث في الانتربولوجيا السياسية
(2) بعثت به إلى نفس الصفحة التي نشرت الحوار , لكنها لم تنشره بعد أكثر من شهرين