انين فى الظلام

[صلاح م ع ابوشنب]

أنينٌ فى الظلامِ

دخلت الى القاعة يسبقـُها عطرُها الفواح ، عَرِفَ أنها هى .. فالأبيوم الباريسى لا يقتنيه سُواها .. ممشوقةَ القوامِ ثابتة الخُطى .. بشرتها بيضاءٌ وشعرها قصيرٌ لكنه أصفرٌ ناعمٌ "ألا جارسون"، قليل من الميك آب يجعلها فاتنة، لكنها تأباه .. فى كل مرة يسألُ نفسَهُ من تكون .؟
تلقاها المضيفُ بدبلوماسيةٍ وانحناءةٍ تبعتها قبلةٌ فوق راحةِ يدِها ، أجابته بإيماءة خفيفة .. هرول أمامها يُفسِحُ لها المجالَ لتجلسَ فى مقاعدِ الصَّفِ الأولِ ، كانتْ توزعُ ايماءاتـَها على الجالسين عن اليمين وعن الشمال .. جلست .. وضعت ساقا فوق ساق.
أُعتِمَتْ القاعة وبدأت ماكينةُ العرضِ فى الدورانِ تعرض صوراً فوق شاشةٍ بيضاءٍ عُلـِّقت على الحائط .. تتابعت الصور ، صورةٌ تلو أخرى وهو ينظرُ عينٌ هُنا وعينٌ هُناك .. صورةُ المئآذنِ على الشاشةِ قد برِقَتْ .. ابتسمت .. تبعتها صورٌ لصلبانٍ يلفـُّها جليدُ .. عرف أنها فى أوروبا ، وعرف أيضا أنها فى فصل الشتاء وتوالت أسودٌ تسكبُ من أفواهِهَا الماء .. الجوُّ جدُ قارصٌ .. أحس بقشعريرةٍ تسرى فى جسمه .. نظر اليها فوجدها تنتفضُ.. لماذا ننتفض ونحن فى عز الصيف .؟ تمنى لو يُحْتـَوَيـَانْ ، أنينـُها وآهٍ يأتى اليه من قريبٍ وقد أصابَهُ بُهتانٌ .. يصلُ الى أذنيه كالظمئان .. حَبَسَ المنديلُ أنينـَها ودُمُوعَها ، التقطت عيونـُها نظراتـَهُ فهرولت الى خارج القاعةِ خَجـِلةً وأضيئت خلفـَهَا الأنوارُ .. أسْرَعَ الناسُ خلفـَها وبقيت ماكينةُ العرضِ وحدَها تدورُ حولَ نفسِها تصرُخُ وأندلساه..!!***