المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (8) الاصرار على الاشتراكية، اصرار على بناء الانسان - عبد الله اوجلان



shiyar
06/04/2007, 02:05 AM
عبد الله أوج آلان
الإصرار على
الاشتـراكيــــة
إصرار على
"بنـــــــــــــاء الإنســــــــــــــــان"


تطورت الفاشية التركية
بمساندة السوفييت لها


مقتطفات من نص الحوار الذي قام به "ماكارينكو واديمMakarinco Vadim" من جريدة "نوفو فيرميا Novoe Vermya" مع الأمين العام لـPKK القائد عبد الله أوج آلان:


عندما يتم الحديث عن روسيا والشعب الروسي، من المستحيل عدم تذكر ثورة أكتوبر العظمى والفريدة. أما الآن فالسقوط الأكبر يظهر للعيان في أراضي روسيا. مافتئ الشعب الروسي في كل الأوقات يكون نوراً ينير درب شعوب العالم المسحوقة ويلهمها في مسيرتها. فالشعب الروسي شعب عريق لعب أدواراً عظيمة في التاريخ والحاضر على السواء.
نمر من مرحلة يتعرف فيها الشعبان الكردستاني والروسي على بعضيهما أكثر فأكثر. علينا التنبه إلى سياسة الإمحاء للفاشية التركية، والمسيرة منذ بدايات القرن وحتى اليوم، وتعيين سياسات صائبة بمقتضى ذلك. فتركيا اليوم تشكل معضلة كبرى، سواء بالنسبة لكردستان أم روسيا.
الشعب الروسي ممثل ثورة أكتوبر العظمى. ولكن نتيجة أية أخطاء ونواقص سقطت ثورة أكتوبر في هذه الحال؟
أشعر أنني قبل كل شيء اشتراكي. وهاهي الدول الامبريالية تقول عني "الاشتراكي الصامد لوحده". حتى أمريكا تنعتني بأنني "أخطر ماركسي – لينيني في العالم". حاربت أمريكا بلا هوادة تجاه السوفييت، ولا تزال تحارب. بيد أن الامبريالية حالياً تتهجم علينا بحدّه وسوء. لكننا لن ننهزم تجاه هذه الامبريالية. لم تخمد أهدافنا ولم تهزل نشاطاتنا لأجل الاشتراكية، ولم تتراجع قيد شعرة عما هي عليه.
نود تقديم تجاربنا لكم والاستفادة من تجاربكم.
لماذا ينفر الجميع اليوم من الاشتراكية، بينما كانت روسيا في وقت ما قلعة للاشتراكية، وكان شعبها متعلقاً بها بأواصر وطيدة؟ تجسدت الاشتراكية والاستنارة العظمى في روسيا. فما هي أسباب انهيار كهذا، وما دوافع كل هذا الضيق لدى الشعب؟
لم أتعاطف أبداً مع الحزب الشيوعي التركي، بل كنت أتحاشاه أيضاً لأن نمط حياته ليس بالشكل المقبول.
كنت أستطيع رؤية أخطاء ونواقص الاتحاد السوفييتي في السبعينات ممثلة في شخص ذاك الحزب. قدم الاتحاد السوفييتي مساعداته للحزب الشيوعي التركي سنين عديدة باسم "الأممية". يمكننا تفهم معاني مساعدة الامبريالية لحركة مصطفى كمال في سنوات تأسيس الجمهورية التركية. لكننا لا نستطيع فهم معنى تحول المساعدات التكتيكية التي كان يقدمها السوفييت آنذاك لاستراتيجية للدولة فيما بعد.
حسب اعتقادي، من الأسباب الأخرى لتشتت السوفييت هي تحول مساعَدَتها لتركيا إلى سياسة للدولة بحد ذاتها. إذا تحولت المواقف التكتيكية إلى استراتيجية وبدأ الانحراف في الأيديولوجية، فإن السياسة التي ستطبق بشأن العالم ستسير ضمن هذا النطاق.
كانت مواقف لينين تكتيكية تجاه مططفى كمال. إلا أن ستالين أَولى هذا التكتيك أهمية بارزة وجعله بمثابة سياسة الدولة. هكذا تعمقت الأمراض، وخسرت الاشتراكية الكثير الكثير. وبالطبع يحظى تحول هذه المساعدة من تكتيك إلى استراتيجية بأهمية قصوى بالنسبة للشعب الكردي، ذلك أنه تكمن فيها نهاية الشعب الكردي والمجازر المطبقة من قبل الفاشية التركية.
هكذا – لو تنبهنا للأمر- يتحول مصطفى كمال إلى فاشي، ويتشكل النظام الفاشي في تركيا حتى عام 1940 مع مساعدة السوفييت.
عمت التمردات في عموم كردستان خلال أعوام 1925- 1940 لتُقمَع من قبل مصطفى كمال بلا رحمة وبمساعدة الامبريالية له في جميعها على وجه التقريب من خلال ارتكاب المجازر بحقها. بينما يتعرَّض شعب للفناء بالمجازر من جانب، كان مصطفى كمال يتظاهر من الجانب الآخر أمام السوفييت والامبريالية بأنه صديق لهما على السواء. أي أنه ينال المساعدة الكبرى من الطرفين. ويقوم مصطفى كمال بعقد الاتفافيات مع الانكليز في عامي 1920- 1921 بغرض تبعثر الاشتراكية.
لا يزال النظام الامبريالي – الرأسمالي يتلاعب بالشعب حتى اليوم، ويقمع أبسط طلب من طلباتهم الديمقراطية بدموية شنيعة. لماذا تتلاعب الامبريالية بالشعوب بهذا القدر؟ لأنها تهاب الاشتراكية، وتتلاعب بالشعوب كي تعقد اتفاقاتها ضدها.
كانت الجمهورية التركية تأخذ المنح والمساعدات في سنوات التأسيس من كل البلدان الامبريالية – الرأسمالية، ولا تزال تأخذها في يومنا الراهن لأن تركيا هي أكثر من حارب الاشتراكية. عندما تحصل كل هذه الأمور، نرى قانون الموت يصدر بحق الكرد من جانب، وتمارس نفس السياسة بحق الشعوب المسحوقة الأخرى من جانب آخر. هكذا قضت على الإغريقيين والأرمن، وصهرت الكثير من الثقافات. وقد حققت كل ذلك بمساعدة السوفييت لحد ما.
أعرف تركيا جيداً. أصحاب الفاشية التركية يرون الروس أكبر أعداء لهم. وحتى أنهم يستطيعون القول "لنحارب ضد الروس". إنه في الحقيقة اتفاق ضد روسيا.
كان الاتفاق الذي عقدته الجمهورية التركية مع الامبريالية ضد روسيا محدوداً في أعوام تأسيسه. أما اليوم فقد تكرس كثيراً. مثل هذه الاتفاقيات تلحق بالشعوب أضراراً جسيمة. سابقاً كانت دولة واحدة، واليوم خمس – ست دول. أي أن السوفييت أهدت سبع دول للامبريالية، مع أنهم يتلقون أكبر الضربات من هؤلاء. إنه لتناقض كبير.
في الواقع، الشعب الروسي ألحق الضرر بنفسه. ثمة بعض الأشخاص، وكأنهم خُلِقوا لأجل الجمهورية التركية. كان هناك السفير الروسي في تركيا، ومن ثم أصبح نائب وزير الخارجية, والذي كان يذكر أقوالاً من قبيل "كيف بإمكاني مساعدة الأتراك؟" على الدوام. كان يقول "إنني ذاهب إلى موسكو، وسأغلق كل البيوت العائدة لـPKK"، مع أنه لم يكن لنا لا بيوت ولا علاقات جدية في موسكو. بل ثمة عدة رفاق لنا، وبإمكاننا إخراجهم ضمن 24 ساعة. ولكن بأي منطق يتم ذكر هذه التقييمات؟ إنها مشكلة ديبلوماسية.
لا شك في أنه هناك أسباب مهمة تكمن وراء عدم تعرف الشعب الروسي على شقيقه الكردي حتى يومنا هذا. فالشعب الكردي كان يعبر عن حالة منسية في التاريخ ويائسة يرثى لها. إنه كان شعباً ممسوخاً، ومن المستحيل عليه كسب حياة جديدة بحاله تلك، حيث كان معرضاً للصهر وجهاً لوجه داخل بوتقة الشعوب الأخرى. ولأجل ذلك قطع كل أمله منه. وحركتنا عندما ظهرت لم يكن أحد يريد الثقة بنا في البداية. كنت حينها وحيداً، ولم يكن هناك أي ميراث قومي أو أرضية طبقية لدي، وبقيت لوحدي سنين عديدة. الكل كان يقول "مستحيل. لن تستطيع إحياء هؤلاء الناس". واستمرت الحال على هذه الشاكلة مدة طويلة. كان هناك مجموعة من رفاقي، هؤلاء أيضاً لم يكونوا يثقون كثيراً. وقد ظل إطار وجهة النظر هكذا لدى الشعب والرفاق حتى الثمانينات والتسعينات. العدو كذلك لم يكن يؤمن بنجاحنا، وجهدتُ لخوض هذه الحرب لوحدي. ومن ثم أدرك الكل أن هذه الحرب ستنامى. وبدأت تتشكل أسس حرب الأنصار في الوطن، وبرزت سرهلدانات (انتفاضات) الشعب، وتصاعدت يومياً. باختزال، فتأسيس حزبنا لا يشبه تأسيس الأحزاب الاشتراكية الكلاسيكية الأخرى.
بدايتي تطابق بداية حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الروسي بتسعة أشخاص في عام 1898. وأنا أيضاً بدأت بتسعة أشخاص، ولم تكن لدينا أية استعدادات أيديولوجية آنذاك.
شرعنا في نضالنا بكلمتين: "كردستان مستعمرة. الشعب الكردي مسحوق. يجب أن يكون لهذا الشعب وطنه". كنت قد طالعت بعض الكتب عن حقوق الإنسان، وركزت أكثر على الأيديولوجية الاشتراكية. لكنني لم أكن أتحلى بالعمق الوافي. الأمر المهم بالنسبة لي في تلك المرحلة كان تشكيل مجموعة تتحلى بجسارة كبرى. طبقاً لما كان عليه حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الروسي، حيث كان له اسمه منذ 1898 وحتى 1903، ولكنه فعلياً لم يكن موجوداً. وأرضيتنا كانت أوهن، وشعبنا أمّيّ جاهل، لا مثقفين فيه. لذا كنت أمارس كل النشاطات لوحدي. وكأن كل العالم كان يساند الجمهورية التركية ويساعدها لكي يُقضى علينا. إلا أن أمريكا وألمانيا وأمثالهما من الدول أدركت بنسبة معينة اليوم مدى استحالة القضاء علينا بسياسة الإمحاء. ومن المستحيل بعد الآن نسف العشب الكردي من الوجود بالمجازر. والآن يُجمع الجميع على رقي الشعب الكردي وانبعاثه. المهم هنا هو برهان حربنا على الكثير من الأمور والحقائق .
ربما لم يتحقق الخلاص التام، إلا أنه حصل الرجوع إلى الحياة. علينا تفهم القضية الكردية حسب المرحلة. وقبل خلاصه وتحرره واستقلاله، يجب انبعاثه أولاً. لقد كان شعباً مبتور الجذور، وقد جفت أوردة الحياة لديه، ولم يتبقَ منها سوى وريد أو أثنين سليمين لم يجفّا بعد. وكان يجب ريّهما كثيراً أملاً في تبرعمهما ثانية. وهذا ما فعلناه، برعمته لحد ما.
تتجه المرحلة قُدُماً نحو الخلاص والتحرر، والآن نحن في مرحلة تحرر الوطن والشعب معاً. وإذا ما دأبنا على النشاطات بهذا الشكل فسنخطو خطوات كبرى نحو التحرر والخلاص.


سؤال "كيف نعيش؟" للشعب الروسي أيضاً

لم تُكتَسَب كل هذه الأمور بسهولة أو بساطة. كان الشعب الكردي في حالة فقد فيها الأمل من نفسه. دعك من الشعب، حتى رفاقنا كانوا يقولون "لا جدوى منّا". أهم مهمة لدينا الآن هي البرهان على أن هذا الحشد الغفير هو شعب له مقوماته، ومن ثم إفهامه هو بذلك. وقد نجحنا في ذلك وكسبنا، وعلى كل رفيق داخل الحزب أن يرى هذه النجاحات لائقة به. كان الشعب أشبه بالموتى الواقفين، وحزبنا برهن أن هذا الشعب يستطيع العيش والصمود على رجليه.
المعضلة الأخرى الهامة التي تعنينا شعباً وحزباً هي مشكلة وسؤال "كيف نعيش؟" والتي كانت تتميز بأهمية خاصة بالنسبة للشعب الروسي أيضاً فيما مضى. ثمة كتاب "ما العمل؟" للكاتب الروسي تشيرنيفسكي، وهو يشرح نوعاً ما وضعنا الذي نحن فيه.
أهم مشكلة تداولتها وحللها هي مشكلة "كيف نعيش؟".
ذلك أن الرفاق والشعب سوية لا يعرفون كيف يجب ان يكون العيش. ومن لا يعرف الحياة لن يعرف الحرب. قد لا يرى الشعب الروسي الآن داعياً للتساؤل فيما بينه عن ذلك، إلا أن هذا السؤال المتعلق بالحياة الحرة كان مهماً للغاية بالنسبة لهم في سنوات 1870- 1880. والآن أيضاً يعد سؤال "كيف نعيش؟" مهماً جداً وواقعياً لأجل الشعب الروسي.
فتحنا الأبواب على مصراعيها لأجل الحياة، واستولينا على مفتاحها. يجب أن يُفهَم ذلك داخل الحزب السوفييتي أيضاً.
الحزب الشيوعي السوفييتي كان صاحب ثاني أكبر الدول في العالم. لكن لم يتبناه أحد عندما انهار، فتفسخ وفسخ ذاته. بينما كانت أمريكا تحارب السوفييت لوحدها، عمدت إلى أخذ ألمانيا وانكلترا وراءها ومحاربتنا كثلاثي معاً. بل وحاربَنا الاستعمار التركي بمساندة السوفييت أيضاً، لكن حزبنا انتصر رغم كل ذلك، وفُتح طريق الحياة، وسلكنا الدرب متجهين نحو الحياة الحرة. تتصاعد مسيرة حزبنا مع مرور كل يوم. أُريد له التبعثر في الكثير من المرات، سواء الداخل أم الخارج، لكن حزبنا رغم كل ذلك يعد حزباً سامياً رفيعاً اليوم. وإذا دأب على طرازه هذا، فسيذيع صيته في العالم وينتشر صداه بقوة.
مسألة تأسيس الدولة مسألة سياسية متعلقة بالسلطة. وضع شعبنا لا يشبه وضع الشعوب الاخرى. فالمهم لدينا هو عودة الشعب إلى الحياة ثانية. وهذا ما يحصل. أما الآن فلدينا مشكلة التدول، إلا أن المشكلة الكردية ليست قضية مستقلة بحد ذاتها، بل تم تقسيمها في الشرق الأوسط بين التُرك والعرب والفُرس الذين مارسوا السياسات معاً بحق الكرد. وهم لن يساعدوا بسهولة لتؤسس دولة، وبالأخص الأتراك. لكن ثمة تطورات ملحوظة الآن، حيث عاشوا فيما بينهم تناقضات حادة. هم بذاتهم عاجزون عن إبداء قوة الحل. إيران– العراق، تركيا – إيران، تركيا- سوريا لا يتحدون فيما بينهم. من هنا تقدم الظروف الخارجية لنا بعض الإمكانيات الموضوعية. وفي الداخل أيضاً انتشرت الحرب الأنصارية وتجذرت، والشعب يقدم المعونات بلا حساب. الظروف مواتية لبناء نصف دولة، وإن لم تكن دولة بالكمال في الميدان السياسي. ويمكن تحقيق ذلك بطراز الفيدرالية.
بإمكان الكرد أن يلعبوا دورهم في الشرق الأوسط كفيدرالية، وهاهو هذا النمط يتحقق بنسبة معينة في جنوب كردستان، إلا أنه يتطور مرتبطاً بكردستان تركيا. من المستحيل بناء فيدرالية في جنوب كردستان بشكل مستقل عن الجزء الخاضع للهيمنة التركية. يجب تطوير الفيدرالية في كل جزء بالترابط مع بعضها البعض. المعضلة الأخرى في الأمر هي أن تركيا كانت تنص على ان جنوب كردستان داخل حدود الميثاق المللي، ولأجل ذلك نرى تركيا متواجدة في كل المشاكل الظاهرة في الجنوب. يستحيل أن ينتظم كل جزء في داخله لوحده. وإلا فإما أن يقبلوا بالأجزاء الأربعة معاً او يستنكروها كلها، هكذا ستظهر التناقضات ثانية.
بمقدورنا خطو خطوات معينة نحو التدول بعد الآن، وخاصة في جنوب كردستان. وإن لم نُقَوِّ كل جزء من كردستان على أساس التدول، فباستطاعتنا تحقيق الثورة في جنوب كردستان والتعزيز من نشاطات الفيدرالية من خلال حملة شاملة، بدءاً من حواف سلسلة جبال زاغروس وحتى شواطئ نهر دجلة إلى قرب نهر بوطان. حينها قد تتكثف الحرب أكثر في جنوب كردستان. تستمر استعداداتنا بهذا الصدد، ويتعزز قرارنا مع مرور كل يوم. هدفنا القريب هو الفيدرالية الديمقراطية. إنه نشاط يتطلب شهوراً وليس أعواماً.
روسيا أيضاً دولة فيدرالية، ونحن نسعى لتطوير الفيدرالية في الشرق الأوسط. يمكن الاتحاد مع الشعوب المجاورة لكردستان عن طريق الفيدرالية، وهي ليست خطوة صغيرة لأجل التدول، بل بإمكانها لعب دورها تماماً كالدولة إذا كانت ديمقراطية.
قبل كل شيء نريد للشعب الكردي أن يعيش مثلما تعيش شعوب العالم. يجب أن تكون كل القوانين المسنونة لأجل البشرية وحقوق الإنسان، سارية المفعول بالنسبة لنا أيضاً. تكثر الأحاديث في هذا المضمار، ولا تُخطى اية خطوة عملية.
تؤثر حربنا على كل دول العالم. وعندما تتكلل ثورتنا بالنصر فستؤدي إلى إجراء تغييرات هامة في أوضاع تركيا والعراق وغيرها من الدول. والتأثير على مثل هذه الدول يعني التأثير على السياسة العالمية. كردستان اليوم تعد العقدة الكأداء في الشرق الأوسط، وعندما تفك هذه العقدة سيتسلط الضوء على الكثير من المشاكل المتوارية لتعلب دوراً استراتيجياً في المجريات. قديماً كانت العديد من الدول تستثمر الكرد حسب مصالحها وتتلاعب بهم حسب مشيئتها. أما اليوم فالكرد يمتلكون استراتيجية خاصة بهم تتعاظم باضطراد. وإذا وُفِّقنا في خطواتنا المقبلة، سيكون بمكنتنا لعب دور عظيم في الشرق الأوسط. تحس أمريكا بارتباك وخوف شديدين من هذا الوضع. إنها لم تعد تولي الأهمية للقضية الفلسطينية، وهي تقول الآن "القضية الكردية مستعصية وكبيرة".
وقد لفتت انتباه العالم بالأرجح على هذه القضية، ذلك أن القضية الكردية تشكل المفتاح المشترك للشعوب الثلاثة ولمشكلتي المياة والبترول.
ستخطو ثورتنا في هذه المسائل خطوات جدية، فمشكلة البترول والمياه ليست متعلقة بالشرق الأوسط فحسب، بل إنها تعني العالم أجمع.

بإمكان الشعبين الروسي والكردي معاً وضع حد للشوفينية التركية

ركزت روسيا على القضية الكردية بكل عناية في القرن التاسع عشر. قام الكثير من المثقفين بالاستطلاعات الهامة - من قبيل مينورسكي – ليسلطوا الضوء بعين موضوعية على القضية الكردية. كانت علاقات روسيا مع الكرد قوية حتى قبل ثورة أكتوبر، حيث وصلت الجيوش الروسية حتى كردستان، واستوطنت في ديرسم وأرضروم وبتليس ووان وأرمينيا. ولو لم تنحسب روسيا لكان الكرد والأرمن سيؤسسون الدولة. لقد تكثفت العلاقات، ومن ثم انقلب كل شيء رأساً على عقب.
ثورة أكتوبر كانت ثورة حرية الشعوب. قدمت روسيا المساعدة لمصطفى كمال وأهملت الكرد والأرمن وتركتهم جانباً، بل ولعبت دورها في قتلهم. إنه تناقض سيء, إذ لا يمكن القيام بثورة بالارتباط بالمساعدات الخارجية، ولكن يجب أن يكون هناك تعاضد بين الشعوب. إننا حركة اشتراكية، ومرغمون على رؤية بعض الحقائق. فتاريخ الشوفييت الممتد على مدى سبعين عاماً يتميز بمكانة إيجابية بالنسبة للأتراك والفُرس والعرب. لكنه كان سوء طالع لأجل الكرد.
لم يكن السوفييت لوحده يشكل مشكلة، بل كان هناك مشاكل داخلية أيضاً. باختصار، لم يشكل الوجود السوفييتي خطوة إيجابية تذكر بالنسبة للشعب الكردستاني. تتفاقم الأمراض في السوفييت يوماً عن يوم، وتتثاقل المشاكل داخلياً وخارجياً على السواء. لم أتأسف كثيراً عندما انهارت، حيث هناك تقييمات كنت قد صرحت بها في 1985 قبل عهد غورباتشوف، ذكرت فيها ضرورة تقرب النظامين من بعضهما لأنهما قد حوّلا كل المشاكل في داخلهما إلى عقد كأداء مستعصية. وأصبحت الكثير من الثورات قرباناً لهذه العُقَد لانعدام السياسات الصحيحة. والمحصلة كانت الضرر الملحق بالشعب الروسي والعديد من القوميات الأخرى.
ما انهار لم يكن الاشتراكية، بل الأمراض المتعشعشة فيها. واليوم يجتر الشعب الروسي آلام ذلك. لم يكن الوسط البارز سيئاً بمعنى الكلمة بالنسبة لنا بعد انهيار السوفييت. وإذا نجح الشعب الروسي في النهوض ثانية سيكون بمثابة ميلاد جديد له. لم تتوضح السياسة الروسية تماماً في يومنا الراهن، ومن الممكن القول أنها ستتوضح أكثر مع مرور الأيام لتترك تأثيرها المهم على السياسة الدولية.
تتبدى بعض المشاكل المرتبطة عن كثب بالشعوب، منذ الآن في روسيا. مثلاًً هناك المشكلة الشيشانية؛ فتركيا تدافع عن الشيشان بطابع سوفييتي تام. كذلك أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وأوزباكستان؛ حيث تتّبِع تركيا فيها سياسة شوفينية بحتة بغرض إضفاء الشرعية على الفاشية. وهناك الأقوام الطورانية. نحن لسنا ضد حرية الشيشان والأتراك، إلا أن إثارة تركيا للشوفينية وتأجيجها أمر خطير. وبالأخص يقوم الفاشيون من أمثال توركيش بذلك. إنها سياسة جد خطيرة، سواء بالنسبة لروسيا أو الشعوب الأخرى.
الاتفاقيات التي أبرمتها البورجوازية التركية في الأناضول مع بعض الدول تناهض في الأساس مصالح الشعب الروسي. يجب تفهم هذه السياسة جيداً. قد تكون تركيا ضعيفة اليوم وليس بيدها حيلة، لكنها تعمل على تعظيم ذاتها. وحقاً تنتشر الرأسمالية التركية في العديد من الدول، بل وتسربت لداخل روسيا أيضاً. وتظهر العديد من المشاكل بشأن البترول منذ الآن، وستطرح بعض التناقضات السياسية نفسها بسرعة في المرحلة المقبلة. حاربت الامبراطورية العثمانية ضد روسيا على مدى قرن بحاله، وحاربت السوفييت أيضاً كقوة موالية للناتو. والآن تتأهب للحرب أيضاً. لن تتراجع الدولة التركية عن سياساتها الشوفينية بسهولة. واليوم يحارب الكرد ضد تلك السياسة. الشعب الروسي هو الوحيد الذي بإمكانه لعب دوره في مواجهة المخاطر البارزة في جنوب السوفييت, والحد من الشوفيتية التركية هناك.
للعلاقات القائمة بين الشعبين الروسي والكردي مقومات تاريخية ومعاصرة، ويجب أن تكون قوية سواء على الصعيد الاستراتيجي أن الاقتصادي أم السياسي. ثمة أرضية موضوعية سائدة في روسيا تخوّلها لأخذ المساعدة من الكرد بالأغلب أكثر من أي شعب آخر. لروسيا علاقاتها مع العديد من الدول الشرق الأوسط، وهي – حسب اعتقادي – تزيد من عبء الشعب الروسي. إن سمو الشعب الكردي سيخفف من المشاكل التاريخية الملقاة على كاهل الشعب الروسي. قد لا يلعب الشعب الكردي دوراً بارزاً أو ملحوظاً الآن، إلا أن نضاله المتصاعد سيهيئ الظروف المواتية لكلا الشعبين.
لا أقول "تعالوا ساعدونا" لكوني سياسي ضعيف غرّ، بل إن المشكلة تعنينا جميعنا. أي تعني كل الشعوب.
ما هو أساس هذه الاتفاقيات والمساعدات؟
لماذا يصر الشعب الروسي ذو الوعي التاريخي والعسكري الراسخ على علاقاته مع تركيا؟ القضية الكردستانية قضية رئيسية تشغل جدول الأعمال اليوم.
وإذا ما نبشنا وسبرنا أغوار القضية الكردية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، سنرى أنه من الواجب على روسيا أكثر من غيرها أن تلعب دورها في حل هذه القضية. وهذا أمر واضح. سيتعرف شعبانا على بعضهما البعض أكثر في المرحلة المقبلة، وكل علاقة ستقام مع شعبنا، ستجلب الفوائد الجمة سواء للشعب الروسي أم الكردي.

قد يحل الاتفاق الكردي – الروسي الكثير من المشاكل

لو أن الاتفاق عُقِد في العشرينات مع الشعب الكردي لَحُلَّت المشاكل منذ زمن طويل، ولما أصبح الأتراك حينها حلفاء لأمريكا، ولما التجأ شاه إيران إلى أمريكا، ولما وقع العراق في وضعه الحالي. شيء واحد فقط كان لازماً آنذاك، وهو عقد الاتفاق مع الكرد. لا أدّعي أن الكرد بلا نواقص، بل إن نواقصهم جمة، ولكن لو بذلت الجهود قليلاً حينها لأسفر ذلك عن نتائج إيجابية. وقد تواجدت هذه الفرص في أعوام 1920 حتى 1945. ونتيجة هذه النواقص أفلتت هذه الفرص من اليد، وهذا ما ألحق الاضرار الجسيمة بالشعب الروسي.
يحقق الكرد صعوداً رفيعاً في الشرق الأوسط اليوم، ويسعون لإثبات ذاتهم للعالم بأسره. وبتقييمنا لسياسات الدولة نلاحظ أن النضال التحرري الوطني الكردستاني سيدرّ بالنفع الكبير للشعب الروسي. يتسم الشعبان بالخصائص المشتركة في العديد من المواضيع. وأي سياسة سلبية تسيّر بحق روسيا في الوضع القائم ستؤثر مباشرة وسلبياً على الكرد أيضاً.
على سبيل المثال، يمكن عمل الكثير بالتكاتف مع الشعب الكردي في قفقاسيا لحل تلك المشكلة. كذلك المشكلة الأرمنية والتركية وغيرها من العديد من المشاكل، كلها مرتبطة بالقضية الكردية لحلها. وإذا أخذنا الوضع السائد بعين الاعتبار سنرى أن الاتفاق بين الشعبين الروسي والكردي قد يلعب دور المفتاح في فك العديد من المشاكل وحلها.
لا ريب في أن من يحب وطنه ويسعى لخوض نضال أيديولوجي. يجب أن يؤسس الوحدة والاتحاد والتراص.


بناء إنسان اشتراكي أهم بكثير من تأسيس دولة

الدافع الأساسي لصراعنا هو بناء شخصية الإنسان الجديد. لم نناضل في سبيل بقعة أرض أو شعب فحسب. بناء شخصية الإنسان الجديد هو حجر الزاوية في أيديولوجيتنا. ونلاحظ نواقص جدية بهذا الخصوص في الاشتراكية المشيدة في السوفييت, حيث أولوا الحدود أهمية زائدة، وتواجدت الأممية شكلياً، بينما رجحت كفة التعصبية القومية مضموناً.
لم يكن زعماء النظام في عهد اشتراكية السوفييت أقل شأناً من الرأسمالية.
لقد تأسست دولة اشتراكية، ونُظِّم شعب اشتراكي ولكن لم يُبْنَ الفرد الاشتراكي. مثلاً، كم كان ستالين متأثراً بالإقطاعية؟ كم بلغ بذاته إلى الشخصية الاشتراكية؟ إن لم تُفهم هذه المشاكل جيداً يستحيل فهم مشاكل الاشتراكية أيضاً.
كيف ظهر كروتشيف؟ كان متعلقاً بستالين لأبعد الحدود، ولكنه بعد ممات ستالين تقمص دور العداوة. كلا الموقفين ليسا صحيحين. لقد تم فقدان مبدأ العلنية داخل الحزب الشيوعي السوفييتي, وصاروا كأنهم يخنقون الإنسان وروحه. ومن ثم انفجروا بأسوأ الأشكال. ما طبقته أنا كان عكس ذلك تماماً. إنني أفعل كل شيء بجودة وعلانية. هذا هو مبدأي الأساسي منذ البداية إلى اليوم.
حتى سياستي التي أتبعها تجاه الدولة التركية علنية. فمبدأ العلانية ساري المفعول لدي لأبعد الحدود. ولا يمكن للإنسان أن يناضل بأي شيء آخر تجاه الإقطاعية والرجعية. وبدون ذلك لا يمكن تحقيق الاشتراكية العلمية.
بينما كانت تمارَس مختلف الأعمال في الاتحاد السوفييتي باسم اللجنة المركزية أو السكرتير العام، سُحِق الشعب من الجانب الآخر. أعلن المكتب السياسي في الأعلى عن ذاته كظاهرة كبيرة، وهذا ما آل إلى حصول انفجارات حادة فيما بعد. كان يجب ألا يكون كذلك، إذ كاد يعلن عن نفسه وكأنه "الله" في العالم. هذا بالطبع ليس اشتراكية, لذا فسينهار لا محال. ويجب أن ينهار, ذلك أن الاشتراكية تمثل الإنسانية الجديدة، وكان من الواجب أن تصبح طراز حياة الإنسانية وتعم كل الأرجاء.
الإنسان الجديد، الإنسان السليم، الإنسان الجميل، هو إنسان اشتراكي. ولمَِ سيُحبَس ضمن الحدود؟ لِمَ سيُخفي نفسه؟ إنني ضد كل ذلك.
إننا نخلق الإنسان الجديد البعيد كلياً عن الحسابات الشخصية في كردستان. لا أحد يبقى في الحزب عنوة. وكل رفيق لنا فدائي يسير على أساس الطواعية، لا الانضباط الإرغامي في الحزب. ولولا ذلك لما تمكنا من محاربة الدولة التركية. لا يمكن تسيير الثورة أو خوض الحرب بالانضباط الإرغامي والمركزية.
إن كان هناك أصدقاء في روسيا يرغبون تسيير الأنشطة الاشتراكية، فبإمكانهم الاستفادة من نشاطاتنا وتجاربنا. عليهم أن يكونوا متواضعين قليلاً, فاعتراف الإنسان بنواقصه ليس بالأمر السيء. وأنا أيضاً لا أبالغ في حقيقتي. لم أدخل بين الشعب الكردي إلى الآن، لكنهم يرونني كقائد وزعيم عظيم. كيف حصل ومثّلنا الأيديولوجية الاشتراكية بالتمام، وتحدينا السواد الأعظم من العالم؟ كيف حصل وسار معي هذا الكم الهائل من الشعب والرفاق معي على خط النار؟ يجب التركيز على هذه الأمور. إنني أركز كثيراً على مسألة بناء الإنسان الجديد داخل الحزب، ذلك أن بناء إنسان جديد أهم بكثير من تأسيس حزب أو دولة.
لو أن لينين توقف على شخصية ستالين وأنشأه كفرد اشتراكي حق، لما تفاقمت المخاطر لهذه الدرجة. أراد لينين قبل وفاته بمدة وجيزة، التوقف على العديد من المواضيع من قبيل الشوفينية الروسية والبيروقراطية، فطرح بعض الأسئلة في ذلك. في الحقيقة كان لينين قد رأى هذه الأخطار، لكن الزمان لم يسعفه. وصايا لينين مهمة، ويجب التوقف عليها.
إنني أقدّم النقد الذاتي نيابة عن الاشتراكية المشيدة

تحتل مسألة المرأة أو العلاقات بين المرأة والرجل، مكانة مميزة في أنشطتي. وثمة نقاط كنت قد انتقدتها بهذا الخصوص في الاشتراكية المشيدة. فعلاقات الحب والود لم تتجاوز إطار النظام الرأسمالي، والرجل هو الرجل القديم، والمرأة هي المرأة القديمة.
مثلاً، يمكن التوقف عند زواج ستالين.
لم تكن الاشتراكية هي الحاكمة في تلك العلاقة القائمة، بل ستالين. في الحقيقة، إني على إيمان بأهمية دور هذه النقطة في تبعثر الاشتراكية المتحققة. وإني أجدد نفسي على الدوام في هذا الخصوص. عندما مارست فعالياتي صارعتُ امرأة وحاربتها وانتصرت عليها. كم تكون المرأة مع شعبها أو مع العدو؟ في النهاية انحازت المرأة المذكورة إلى العدو. إن طراز الحياة الذي أوجّهه خلق معه حزباً اشتراكياً. ولا زلت أتعمق بكثرة في ظاهرة الحب.
لا يمكن ممارسة الحب أو خوض الحرب على أساس العلاقات العبودية.
لقد قتل العدوُّ الحب.
كما تردت مكانة المرأة وهَوَتْ خلال المراحل التاريخية. أما في كردستان فالأمر أشد حدّة، حيث تمثل المرأة رمز الوهن والضعف، وتمثل العوائل الكردية رمز الانحطاط والسفالة تماماً. ويخنق المرأة والرجل بعضهما البعض في علاقاتهما. إنها مشكلة جدية بالنسبة لنا، لذا أولي قضية المرأة أهمية كبرى تفوق ما أوليه للمسائل العسكرية أو السياسية. النساء كثيرات كماً، ويحتلن أمكنتهن في الحرب بخصائصهن القائمة، ويرغبن بالانضمام إليها، ولأجل ذلك نؤسس جيشهن.
إنني أشرح مسألة "العشق" أيضاً بين المواضيع التي أطرحها وأتدارسها.
ما هو الحب؟
ما هي العاطفة؟
كيف يكون العيش سوية؟
ومثلما نجد في كتاب تشيرنيفسكي، ثمة امرأة أظن أن اسمها فيرا. إنها مثال بالنسبة لنا. تتطلع فيرا إلى بناء شخصية المرأة الحرة في ذاتها. وبالطبع يؤثر ذلك على طراز حياة الروس، ويتأثر الثوار الروس بها. نحن نطور مثل هذه النشاطات الآن بأبعاد أوسع.
من هي المرأة الحرة؟
أبحث عن امرأة حرة في كل زمان.
تمثل علاقة المرأة والرجل لدى الكرد، رمز الموت.
لكن لا تستمر الحياة بدون علاقات أو امرأة. كما أن السير معها أمر شاق. ولكن ما الذي يلزم عمله الآن؟ سؤال علينا الرد عليه. أقول للرجال أن يستعدُّوا لأجل نمط حياة حرة ومتساوية. وإذا لم يتشبثوا بالحياة الجديدة إلى آخر رمق، فلن تُمنَحَ لهم امرأة. وأقول للرفيقات أيضاً: هؤلاء الرجال يسعون بالتأكيد للتحكم بكن، ولكن كيف تقبلن بهم؟ إن ممارسة الأنوثة لهم لمجرد يوم واحد أصعب مائة مرة من الموت ذاته. هل ستقبلنهم؟ على الفتاة أن تفضل الموت على الانصياع لهيمنة ووصاية رجل. فالحياة بوضعها الحالي لا يمكن القبول بها.
أيّ رجل؟ يجب أن يُخلَق الرجل والمرأة المرغوب خلقهما على أساس الحرية والمساواة والود. وبدون ذلك ستُلحِق العلاقاتُ الضرَر بأصحابها. ولا يمكن تحمل العيش بكل هذه المساوئ والقبح.
يصغي رفاقنا إلى كل ذلك. أنا أيضاً خير مثال لهم. فمثلاً، عليّ أن أحب؟ كيف يجب أن يحبني الغير؟ لا يمكنني بسط نفوذي على الرفيقات أو الرفاق بالاعتماد على السلطة السياسية. يجب أن تكون الديمقراطية قويةً في هذا الموضوع أيضاً. إنهم يقتربون منا بحب سليم، ونحن نوحد ذاك الحب بالوطنية، ونربطه بالحزب وسياسة الحزب.
من يود حبي عليه أن يكون وطنياً، ويدرك الحرب، ويسير على نهج الحزب، وأن ينظم ذاته قبل كل شيء. وإلا فلا أحد يجرؤ على الاقترب مني. هذه هي معادلتنا.
أقوم الآن بتقديم النقد الذاتي عوضاً عن الاشتراكية المشيّدة. لقد آراق الشعب الروسي الكثير من دمائه الزكية فداءً للاشتراكية والإنسانية والأهداف النبيلة.
سنُكِنّ الود والتقدير دوماً للشعب الروسي.
إنه الآن يتميز ببعض الجوانب المنحطة، لكني على ثقة بأنه سيفلح في النهوض ثانية في وقت قريب. تأثير الاشتراكية حاد وقوي، ولا يمكن للشعب الروسي أن يتخلص من هذا التأثير في عدة سنوات. ستجدد الاشتراكية ذاتها.
الاشتراكية ضرورية للإنسانية اليوم بما لا نظير له في أي مرحلة أخرى.
الاشتراكية المتحققة كانت طفولية. والآن يلزم طراز اشتراكي أكثر رفعة واصطفاء. علينا التعمق في ذلك، فالرأسمالية تجلب الآفات والكوارث الفادحة الجديدة للإنسانية مع مرور كل يوم. لكن هذا ليس قدر البشرية المحتوم.
ستعلب الاشتراكية دورها على نحو آخر.
وستبقى الاشتراكية ما بقيت الدنيا والبشرية.
لا يقتصر تاريخ الاشتراكية على سبعين عاماً فقط.
إنها موجودة منذ تكوّن البشرية وحتى راهننا. لقد كلف تشييد الاشتراكية في السوفييت ثمناً باهظاً، حيث فدى الملايين من البشر بأرواحهم. بإمكان الرأسمالية التضحية بالملايين دون أن يرف لها جفن للوصول إلى مآربها. ولكن لا يمكن أن يكون هذا حقيقة البشرية بذاتها. لا يمكن للفرد أن يتحكم بالمجتمع لهذه الدرجة، ولا يمكن نسف الحقوق الإنسانية من الوجود لأجل المجتمع. إننا نتوقف على هذه المسائل أيضاً، وسنقدم العون لها عبر نشاطاتنا.
خلق السوفييت شخصية مغرورة

الشعب الروسي متضايق من الحياة الآن، لكنه مع ذلك يحبها. أما الشعب الكردي فهو متخلف، لكنه يتعلم كيفية الحياة بالصراع لأجلها.
مررنا بمراحل حساسة للغاية كانت مسألة بقاء أو عدم بالنسبة لنا. أما بعد الآن فمسيرة الثورة ستكون أسهل. لقد استفدنا كثيراً من تجارب السوفييت، وهانحن نتخذ التدابير اللازمة بشمولية كي لا تصاب الثورة الكردستانية بالأمراض التي ظهرت في الثورة السوفييتية. لقد تعالى المكتب السياسي والسكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي على الشعب، وطبقوا البيروقراطية بدل الاشتراكية. على الأفراد ألا يتعالوا على الشعب، بل أن يكونوا خدماً للشعب والاشتراكية.
إنني أقتل في نفسي مشاعر الغرور والتكبر كل يوم. وإذا لم أقتل هذه العُقَد في ذاتي فسيحل بنا ما حل بروسيا حتى قبل أن نصبح دولة. ما قام به لينين وماو وغيرهما هي نشاطات تاريخية لا أستصغرها البتة، لكنني أرى نشاطاتهم التي مارسوها لأجل الحزب هزيلة. لقد أُهمِلت الكثير من الأمور، ومورست العديد من النشاطات بطراز كلاسيكي، ولم تطبَّق الديمقراطية أو الاشتراكية العلمية بكل معنى الكلمة.
الإنماء الاقتصادي مرتبط بالسياسة الصحيحة. عندما بدأنا بالثورة الكردستانية كنا مديونين، وأنا كنت قروياً فقيراً. أما اليوم فنحن أقوياء في الاقتصاد والسياسة على السواء. أنا أومن بمواهب الإنسان. الشعب الكردي شعب كادح، ويقطن أراضي غنية وفيرة. في الماضي كانوا يسمون كردستان بـ"الجنة" في الشرق الأوسط. والآن أيضاً ستغدو جنة، إلا أن العدو ترك ثمانين بالمائة من أبناء شعبنا عاطلين عن العمل، لا حول لهم ولا قوة، وهو ينهب ويسلب خيراتنا الباطنية والسطحية.
أكررها ثانية، الأزمات البارزة في روسيا مرتبطة عن كثب ومباشرة بالرأسمالية. وسلوك طراز اشتراكي جديد سيطيح بكل الأزمات. لا أهمية للمشاكل الاقتصادية كثيراً، إذ عندما تُحَلُّ المشاكل سياسياً، فالباقي يكون سهلاً. فإذا تلاعب البعض بذلك، من البديهي أن تتبعثر الأمور. لقد تم التلاعب بالسوفييتات كثيراً، ولأجل ذلك أقول، على الحزب أن يكون صادقاً أميناً على الدوام. يجب أن ينحل الحزب والدولة داخل الشعب. وما حصل في السوفييت هو النقيض.
حيث انحل الشعب داخل الدولة والحزب. ولأجل ذلك نقوم نحن بإزالة الحزب من الوجود. كما لا أولي أهمية زائدة للدولة، بل أرغب خلق شعب مستقل وحر. إذا كانت هناك مساعٍ لتحرير شعب ما، فمن الضروري أولاً تقوية وتعبئة كوادر الحزب، إذ أن كل شيء ليس لأجل الحزب أو الدولة. بل على العكس تماماً، كل شيء لأجل سمو الإنسانية.
نحن أيضاً لنا نواقصنا، ونتوقف عليها ونحاربها يومياً. أنا لست إنساناً مغروراً. الشخصية التي خلقها السوفييت هي شخصية مغرورة، حيث تضع ذاتها مكان الله. على الشخصية الاشتراكية أن تكون متواضعة، وعلينا التركيز بإصرار على هذه الخواص. ليست الاشتراكية أو الشيوعية هي المذنبة هنا، بل الأفراد ذاتهم هم المذنبون. إني لا أرى مستقبل الشعب الروسي داخل النظام الرأسمالي، لأن ذاك الشعب لا يحب الفردية، بل يجنح أكثر إلى الحياة المشاعية. أي أن خصائصه التاريخية بهذا الشكل، وهو لا يعرف السير مع الرأسمالية لأنها ليست موائمة له.
الاشتراكية ليست مجرد اقتصاد. مثلاً يحظى العامل المعنوياتي بأهمية كبرى فيها، إلا أن السوفييتات أولت الأهمية العظمى للاقتصاد والتسلح، وأهملت المعنويات. لا يمكن للإنسان أن يشبع بالماديات فقط؛ بل وبالمعنويات.
مثلاً، كيف تدير إيران شؤونها؟ تديرها بالمعنويات كلياً.
يجب أن تكون الاشتراكية ظاهرة بعيدة عند طبيعة الإنسان، بل أن تُبنى على أساس طبيعته. هذه هي الحقيقة الصحيحة. والاشتراكية البعيدة عن طبيعة الإنسان محكوم عليها بالتشتت، وما تبعثر وانهيار العديد من الدول في التاريخ سوى لبُعدها عن طبيعة الإنسان.
حياتنا غنية جداً. والنظريات المصاغة يجب أن تخدم الحياة وتنعشها. أقوم بالتنظير بقدر ما يفهمه الناس. يجب أن تكون النظرية بقدر الخطوات المعزوم خطوها في الحياة، وأي شكل آخر يعد باطلاً. قد أصوغ تعاريف بسيطة، إلا أن هذا طرازي. أركز كثيراً على سياق تطور الإنسان، وأحاول تفهم مشاكله وحلها. ولا يمكن القيام بذلك عبر الكتب. أعظم كتاب هو الحياة بعينها.
لا أعلم الكثير عن روسيا، ولكن إذا ما بقيت فيها ستة أشهر فبمقدوري أن أقوم بالقيادة لهم أفضل ممن يظن نفسه زعيماً عليهم. إنني واثق من نفسي. إذا كانوا يودون العيش الرأسمالي فليعيشوا كلياً، وإذا أرادوا الاستمرار في الاشتراكية فليستمروا عليها كلياً. إنهم يقومون بالديماغوجية، ومعجبون بأنفسهم لدرجة الغرور. ما لم أفهمه هو، لماذا لا يظهر قواد الشعب الروسي مبكراً. فمثلاً لعبوا دوراً هاماً وبارزاً في الحروب العالمية، وابتكروا الذّرّة، وصعدوا الفضاء، وغيرها من الأعمال الهامة التي قاموا بها، سواء في الرياضة أو الفن أو الثقافة، وقطعوا أشواطاً هامة فيها.
كان من اللازم عيش مرحلة كهذه لتحقيق حملة عظمى وظهور أفكار جديدة. وكلي ثقة أن هذه المرحلة المتأزمة لن تطور كثيراً.

shiyar
06/04/2007, 02:05 AM
عبد الله أوج آلان
الإصرار على
الاشتـراكيــــة
إصرار على
"بنـــــــــــــاء الإنســــــــــــــــان"


تطورت الفاشية التركية
بمساندة السوفييت لها


مقتطفات من نص الحوار الذي قام به "ماكارينكو واديمMakarinco Vadim" من جريدة "نوفو فيرميا Novoe Vermya" مع الأمين العام لـPKK القائد عبد الله أوج آلان:


عندما يتم الحديث عن روسيا والشعب الروسي، من المستحيل عدم تذكر ثورة أكتوبر العظمى والفريدة. أما الآن فالسقوط الأكبر يظهر للعيان في أراضي روسيا. مافتئ الشعب الروسي في كل الأوقات يكون نوراً ينير درب شعوب العالم المسحوقة ويلهمها في مسيرتها. فالشعب الروسي شعب عريق لعب أدواراً عظيمة في التاريخ والحاضر على السواء.
نمر من مرحلة يتعرف فيها الشعبان الكردستاني والروسي على بعضيهما أكثر فأكثر. علينا التنبه إلى سياسة الإمحاء للفاشية التركية، والمسيرة منذ بدايات القرن وحتى اليوم، وتعيين سياسات صائبة بمقتضى ذلك. فتركيا اليوم تشكل معضلة كبرى، سواء بالنسبة لكردستان أم روسيا.
الشعب الروسي ممثل ثورة أكتوبر العظمى. ولكن نتيجة أية أخطاء ونواقص سقطت ثورة أكتوبر في هذه الحال؟
أشعر أنني قبل كل شيء اشتراكي. وهاهي الدول الامبريالية تقول عني "الاشتراكي الصامد لوحده". حتى أمريكا تنعتني بأنني "أخطر ماركسي – لينيني في العالم". حاربت أمريكا بلا هوادة تجاه السوفييت، ولا تزال تحارب. بيد أن الامبريالية حالياً تتهجم علينا بحدّه وسوء. لكننا لن ننهزم تجاه هذه الامبريالية. لم تخمد أهدافنا ولم تهزل نشاطاتنا لأجل الاشتراكية، ولم تتراجع قيد شعرة عما هي عليه.
نود تقديم تجاربنا لكم والاستفادة من تجاربكم.
لماذا ينفر الجميع اليوم من الاشتراكية، بينما كانت روسيا في وقت ما قلعة للاشتراكية، وكان شعبها متعلقاً بها بأواصر وطيدة؟ تجسدت الاشتراكية والاستنارة العظمى في روسيا. فما هي أسباب انهيار كهذا، وما دوافع كل هذا الضيق لدى الشعب؟
لم أتعاطف أبداً مع الحزب الشيوعي التركي، بل كنت أتحاشاه أيضاً لأن نمط حياته ليس بالشكل المقبول.
كنت أستطيع رؤية أخطاء ونواقص الاتحاد السوفييتي في السبعينات ممثلة في شخص ذاك الحزب. قدم الاتحاد السوفييتي مساعداته للحزب الشيوعي التركي سنين عديدة باسم "الأممية". يمكننا تفهم معاني مساعدة الامبريالية لحركة مصطفى كمال في سنوات تأسيس الجمهورية التركية. لكننا لا نستطيع فهم معنى تحول المساعدات التكتيكية التي كان يقدمها السوفييت آنذاك لاستراتيجية للدولة فيما بعد.
حسب اعتقادي، من الأسباب الأخرى لتشتت السوفييت هي تحول مساعَدَتها لتركيا إلى سياسة للدولة بحد ذاتها. إذا تحولت المواقف التكتيكية إلى استراتيجية وبدأ الانحراف في الأيديولوجية، فإن السياسة التي ستطبق بشأن العالم ستسير ضمن هذا النطاق.
كانت مواقف لينين تكتيكية تجاه مططفى كمال. إلا أن ستالين أَولى هذا التكتيك أهمية بارزة وجعله بمثابة سياسة الدولة. هكذا تعمقت الأمراض، وخسرت الاشتراكية الكثير الكثير. وبالطبع يحظى تحول هذه المساعدة من تكتيك إلى استراتيجية بأهمية قصوى بالنسبة للشعب الكردي، ذلك أنه تكمن فيها نهاية الشعب الكردي والمجازر المطبقة من قبل الفاشية التركية.
هكذا – لو تنبهنا للأمر- يتحول مصطفى كمال إلى فاشي، ويتشكل النظام الفاشي في تركيا حتى عام 1940 مع مساعدة السوفييت.
عمت التمردات في عموم كردستان خلال أعوام 1925- 1940 لتُقمَع من قبل مصطفى كمال بلا رحمة وبمساعدة الامبريالية له في جميعها على وجه التقريب من خلال ارتكاب المجازر بحقها. بينما يتعرَّض شعب للفناء بالمجازر من جانب، كان مصطفى كمال يتظاهر من الجانب الآخر أمام السوفييت والامبريالية بأنه صديق لهما على السواء. أي أنه ينال المساعدة الكبرى من الطرفين. ويقوم مصطفى كمال بعقد الاتفافيات مع الانكليز في عامي 1920- 1921 بغرض تبعثر الاشتراكية.
لا يزال النظام الامبريالي – الرأسمالي يتلاعب بالشعب حتى اليوم، ويقمع أبسط طلب من طلباتهم الديمقراطية بدموية شنيعة. لماذا تتلاعب الامبريالية بالشعوب بهذا القدر؟ لأنها تهاب الاشتراكية، وتتلاعب بالشعوب كي تعقد اتفاقاتها ضدها.
كانت الجمهورية التركية تأخذ المنح والمساعدات في سنوات التأسيس من كل البلدان الامبريالية – الرأسمالية، ولا تزال تأخذها في يومنا الراهن لأن تركيا هي أكثر من حارب الاشتراكية. عندما تحصل كل هذه الأمور، نرى قانون الموت يصدر بحق الكرد من جانب، وتمارس نفس السياسة بحق الشعوب المسحوقة الأخرى من جانب آخر. هكذا قضت على الإغريقيين والأرمن، وصهرت الكثير من الثقافات. وقد حققت كل ذلك بمساعدة السوفييت لحد ما.
أعرف تركيا جيداً. أصحاب الفاشية التركية يرون الروس أكبر أعداء لهم. وحتى أنهم يستطيعون القول "لنحارب ضد الروس". إنه في الحقيقة اتفاق ضد روسيا.
كان الاتفاق الذي عقدته الجمهورية التركية مع الامبريالية ضد روسيا محدوداً في أعوام تأسيسه. أما اليوم فقد تكرس كثيراً. مثل هذه الاتفاقيات تلحق بالشعوب أضراراً جسيمة. سابقاً كانت دولة واحدة، واليوم خمس – ست دول. أي أن السوفييت أهدت سبع دول للامبريالية، مع أنهم يتلقون أكبر الضربات من هؤلاء. إنه لتناقض كبير.
في الواقع، الشعب الروسي ألحق الضرر بنفسه. ثمة بعض الأشخاص، وكأنهم خُلِقوا لأجل الجمهورية التركية. كان هناك السفير الروسي في تركيا، ومن ثم أصبح نائب وزير الخارجية, والذي كان يذكر أقوالاً من قبيل "كيف بإمكاني مساعدة الأتراك؟" على الدوام. كان يقول "إنني ذاهب إلى موسكو، وسأغلق كل البيوت العائدة لـPKK"، مع أنه لم يكن لنا لا بيوت ولا علاقات جدية في موسكو. بل ثمة عدة رفاق لنا، وبإمكاننا إخراجهم ضمن 24 ساعة. ولكن بأي منطق يتم ذكر هذه التقييمات؟ إنها مشكلة ديبلوماسية.
لا شك في أنه هناك أسباب مهمة تكمن وراء عدم تعرف الشعب الروسي على شقيقه الكردي حتى يومنا هذا. فالشعب الكردي كان يعبر عن حالة منسية في التاريخ ويائسة يرثى لها. إنه كان شعباً ممسوخاً، ومن المستحيل عليه كسب حياة جديدة بحاله تلك، حيث كان معرضاً للصهر وجهاً لوجه داخل بوتقة الشعوب الأخرى. ولأجل ذلك قطع كل أمله منه. وحركتنا عندما ظهرت لم يكن أحد يريد الثقة بنا في البداية. كنت حينها وحيداً، ولم يكن هناك أي ميراث قومي أو أرضية طبقية لدي، وبقيت لوحدي سنين عديدة. الكل كان يقول "مستحيل. لن تستطيع إحياء هؤلاء الناس". واستمرت الحال على هذه الشاكلة مدة طويلة. كان هناك مجموعة من رفاقي، هؤلاء أيضاً لم يكونوا يثقون كثيراً. وقد ظل إطار وجهة النظر هكذا لدى الشعب والرفاق حتى الثمانينات والتسعينات. العدو كذلك لم يكن يؤمن بنجاحنا، وجهدتُ لخوض هذه الحرب لوحدي. ومن ثم أدرك الكل أن هذه الحرب ستنامى. وبدأت تتشكل أسس حرب الأنصار في الوطن، وبرزت سرهلدانات (انتفاضات) الشعب، وتصاعدت يومياً. باختزال، فتأسيس حزبنا لا يشبه تأسيس الأحزاب الاشتراكية الكلاسيكية الأخرى.
بدايتي تطابق بداية حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الروسي بتسعة أشخاص في عام 1898. وأنا أيضاً بدأت بتسعة أشخاص، ولم تكن لدينا أية استعدادات أيديولوجية آنذاك.
شرعنا في نضالنا بكلمتين: "كردستان مستعمرة. الشعب الكردي مسحوق. يجب أن يكون لهذا الشعب وطنه". كنت قد طالعت بعض الكتب عن حقوق الإنسان، وركزت أكثر على الأيديولوجية الاشتراكية. لكنني لم أكن أتحلى بالعمق الوافي. الأمر المهم بالنسبة لي في تلك المرحلة كان تشكيل مجموعة تتحلى بجسارة كبرى. طبقاً لما كان عليه حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الروسي، حيث كان له اسمه منذ 1898 وحتى 1903، ولكنه فعلياً لم يكن موجوداً. وأرضيتنا كانت أوهن، وشعبنا أمّيّ جاهل، لا مثقفين فيه. لذا كنت أمارس كل النشاطات لوحدي. وكأن كل العالم كان يساند الجمهورية التركية ويساعدها لكي يُقضى علينا. إلا أن أمريكا وألمانيا وأمثالهما من الدول أدركت بنسبة معينة اليوم مدى استحالة القضاء علينا بسياسة الإمحاء. ومن المستحيل بعد الآن نسف العشب الكردي من الوجود بالمجازر. والآن يُجمع الجميع على رقي الشعب الكردي وانبعاثه. المهم هنا هو برهان حربنا على الكثير من الأمور والحقائق .
ربما لم يتحقق الخلاص التام، إلا أنه حصل الرجوع إلى الحياة. علينا تفهم القضية الكردية حسب المرحلة. وقبل خلاصه وتحرره واستقلاله، يجب انبعاثه أولاً. لقد كان شعباً مبتور الجذور، وقد جفت أوردة الحياة لديه، ولم يتبقَ منها سوى وريد أو أثنين سليمين لم يجفّا بعد. وكان يجب ريّهما كثيراً أملاً في تبرعمهما ثانية. وهذا ما فعلناه، برعمته لحد ما.
تتجه المرحلة قُدُماً نحو الخلاص والتحرر، والآن نحن في مرحلة تحرر الوطن والشعب معاً. وإذا ما دأبنا على النشاطات بهذا الشكل فسنخطو خطوات كبرى نحو التحرر والخلاص.


سؤال "كيف نعيش؟" للشعب الروسي أيضاً

لم تُكتَسَب كل هذه الأمور بسهولة أو بساطة. كان الشعب الكردي في حالة فقد فيها الأمل من نفسه. دعك من الشعب، حتى رفاقنا كانوا يقولون "لا جدوى منّا". أهم مهمة لدينا الآن هي البرهان على أن هذا الحشد الغفير هو شعب له مقوماته، ومن ثم إفهامه هو بذلك. وقد نجحنا في ذلك وكسبنا، وعلى كل رفيق داخل الحزب أن يرى هذه النجاحات لائقة به. كان الشعب أشبه بالموتى الواقفين، وحزبنا برهن أن هذا الشعب يستطيع العيش والصمود على رجليه.
المعضلة الأخرى الهامة التي تعنينا شعباً وحزباً هي مشكلة وسؤال "كيف نعيش؟" والتي كانت تتميز بأهمية خاصة بالنسبة للشعب الروسي أيضاً فيما مضى. ثمة كتاب "ما العمل؟" للكاتب الروسي تشيرنيفسكي، وهو يشرح نوعاً ما وضعنا الذي نحن فيه.
أهم مشكلة تداولتها وحللها هي مشكلة "كيف نعيش؟".
ذلك أن الرفاق والشعب سوية لا يعرفون كيف يجب ان يكون العيش. ومن لا يعرف الحياة لن يعرف الحرب. قد لا يرى الشعب الروسي الآن داعياً للتساؤل فيما بينه عن ذلك، إلا أن هذا السؤال المتعلق بالحياة الحرة كان مهماً للغاية بالنسبة لهم في سنوات 1870- 1880. والآن أيضاً يعد سؤال "كيف نعيش؟" مهماً جداً وواقعياً لأجل الشعب الروسي.
فتحنا الأبواب على مصراعيها لأجل الحياة، واستولينا على مفتاحها. يجب أن يُفهَم ذلك داخل الحزب السوفييتي أيضاً.
الحزب الشيوعي السوفييتي كان صاحب ثاني أكبر الدول في العالم. لكن لم يتبناه أحد عندما انهار، فتفسخ وفسخ ذاته. بينما كانت أمريكا تحارب السوفييت لوحدها، عمدت إلى أخذ ألمانيا وانكلترا وراءها ومحاربتنا كثلاثي معاً. بل وحاربَنا الاستعمار التركي بمساندة السوفييت أيضاً، لكن حزبنا انتصر رغم كل ذلك، وفُتح طريق الحياة، وسلكنا الدرب متجهين نحو الحياة الحرة. تتصاعد مسيرة حزبنا مع مرور كل يوم. أُريد له التبعثر في الكثير من المرات، سواء الداخل أم الخارج، لكن حزبنا رغم كل ذلك يعد حزباً سامياً رفيعاً اليوم. وإذا دأب على طرازه هذا، فسيذيع صيته في العالم وينتشر صداه بقوة.
مسألة تأسيس الدولة مسألة سياسية متعلقة بالسلطة. وضع شعبنا لا يشبه وضع الشعوب الاخرى. فالمهم لدينا هو عودة الشعب إلى الحياة ثانية. وهذا ما يحصل. أما الآن فلدينا مشكلة التدول، إلا أن المشكلة الكردية ليست قضية مستقلة بحد ذاتها، بل تم تقسيمها في الشرق الأوسط بين التُرك والعرب والفُرس الذين مارسوا السياسات معاً بحق الكرد. وهم لن يساعدوا بسهولة لتؤسس دولة، وبالأخص الأتراك. لكن ثمة تطورات ملحوظة الآن، حيث عاشوا فيما بينهم تناقضات حادة. هم بذاتهم عاجزون عن إبداء قوة الحل. إيران– العراق، تركيا – إيران، تركيا- سوريا لا يتحدون فيما بينهم. من هنا تقدم الظروف الخارجية لنا بعض الإمكانيات الموضوعية. وفي الداخل أيضاً انتشرت الحرب الأنصارية وتجذرت، والشعب يقدم المعونات بلا حساب. الظروف مواتية لبناء نصف دولة، وإن لم تكن دولة بالكمال في الميدان السياسي. ويمكن تحقيق ذلك بطراز الفيدرالية.
بإمكان الكرد أن يلعبوا دورهم في الشرق الأوسط كفيدرالية، وهاهو هذا النمط يتحقق بنسبة معينة في جنوب كردستان، إلا أنه يتطور مرتبطاً بكردستان تركيا. من المستحيل بناء فيدرالية في جنوب كردستان بشكل مستقل عن الجزء الخاضع للهيمنة التركية. يجب تطوير الفيدرالية في كل جزء بالترابط مع بعضها البعض. المعضلة الأخرى في الأمر هي أن تركيا كانت تنص على ان جنوب كردستان داخل حدود الميثاق المللي، ولأجل ذلك نرى تركيا متواجدة في كل المشاكل الظاهرة في الجنوب. يستحيل أن ينتظم كل جزء في داخله لوحده. وإلا فإما أن يقبلوا بالأجزاء الأربعة معاً او يستنكروها كلها، هكذا ستظهر التناقضات ثانية.
بمقدورنا خطو خطوات معينة نحو التدول بعد الآن، وخاصة في جنوب كردستان. وإن لم نُقَوِّ كل جزء من كردستان على أساس التدول، فباستطاعتنا تحقيق الثورة في جنوب كردستان والتعزيز من نشاطات الفيدرالية من خلال حملة شاملة، بدءاً من حواف سلسلة جبال زاغروس وحتى شواطئ نهر دجلة إلى قرب نهر بوطان. حينها قد تتكثف الحرب أكثر في جنوب كردستان. تستمر استعداداتنا بهذا الصدد، ويتعزز قرارنا مع مرور كل يوم. هدفنا القريب هو الفيدرالية الديمقراطية. إنه نشاط يتطلب شهوراً وليس أعواماً.
روسيا أيضاً دولة فيدرالية، ونحن نسعى لتطوير الفيدرالية في الشرق الأوسط. يمكن الاتحاد مع الشعوب المجاورة لكردستان عن طريق الفيدرالية، وهي ليست خطوة صغيرة لأجل التدول، بل بإمكانها لعب دورها تماماً كالدولة إذا كانت ديمقراطية.
قبل كل شيء نريد للشعب الكردي أن يعيش مثلما تعيش شعوب العالم. يجب أن تكون كل القوانين المسنونة لأجل البشرية وحقوق الإنسان، سارية المفعول بالنسبة لنا أيضاً. تكثر الأحاديث في هذا المضمار، ولا تُخطى اية خطوة عملية.
تؤثر حربنا على كل دول العالم. وعندما تتكلل ثورتنا بالنصر فستؤدي إلى إجراء تغييرات هامة في أوضاع تركيا والعراق وغيرها من الدول. والتأثير على مثل هذه الدول يعني التأثير على السياسة العالمية. كردستان اليوم تعد العقدة الكأداء في الشرق الأوسط، وعندما تفك هذه العقدة سيتسلط الضوء على الكثير من المشاكل المتوارية لتعلب دوراً استراتيجياً في المجريات. قديماً كانت العديد من الدول تستثمر الكرد حسب مصالحها وتتلاعب بهم حسب مشيئتها. أما اليوم فالكرد يمتلكون استراتيجية خاصة بهم تتعاظم باضطراد. وإذا وُفِّقنا في خطواتنا المقبلة، سيكون بمكنتنا لعب دور عظيم في الشرق الأوسط. تحس أمريكا بارتباك وخوف شديدين من هذا الوضع. إنها لم تعد تولي الأهمية للقضية الفلسطينية، وهي تقول الآن "القضية الكردية مستعصية وكبيرة".
وقد لفتت انتباه العالم بالأرجح على هذه القضية، ذلك أن القضية الكردية تشكل المفتاح المشترك للشعوب الثلاثة ولمشكلتي المياة والبترول.
ستخطو ثورتنا في هذه المسائل خطوات جدية، فمشكلة البترول والمياه ليست متعلقة بالشرق الأوسط فحسب، بل إنها تعني العالم أجمع.

بإمكان الشعبين الروسي والكردي معاً وضع حد للشوفينية التركية

ركزت روسيا على القضية الكردية بكل عناية في القرن التاسع عشر. قام الكثير من المثقفين بالاستطلاعات الهامة - من قبيل مينورسكي – ليسلطوا الضوء بعين موضوعية على القضية الكردية. كانت علاقات روسيا مع الكرد قوية حتى قبل ثورة أكتوبر، حيث وصلت الجيوش الروسية حتى كردستان، واستوطنت في ديرسم وأرضروم وبتليس ووان وأرمينيا. ولو لم تنحسب روسيا لكان الكرد والأرمن سيؤسسون الدولة. لقد تكثفت العلاقات، ومن ثم انقلب كل شيء رأساً على عقب.
ثورة أكتوبر كانت ثورة حرية الشعوب. قدمت روسيا المساعدة لمصطفى كمال وأهملت الكرد والأرمن وتركتهم جانباً، بل ولعبت دورها في قتلهم. إنه تناقض سيء, إذ لا يمكن القيام بثورة بالارتباط بالمساعدات الخارجية، ولكن يجب أن يكون هناك تعاضد بين الشعوب. إننا حركة اشتراكية، ومرغمون على رؤية بعض الحقائق. فتاريخ الشوفييت الممتد على مدى سبعين عاماً يتميز بمكانة إيجابية بالنسبة للأتراك والفُرس والعرب. لكنه كان سوء طالع لأجل الكرد.
لم يكن السوفييت لوحده يشكل مشكلة، بل كان هناك مشاكل داخلية أيضاً. باختصار، لم يشكل الوجود السوفييتي خطوة إيجابية تذكر بالنسبة للشعب الكردستاني. تتفاقم الأمراض في السوفييت يوماً عن يوم، وتتثاقل المشاكل داخلياً وخارجياً على السواء. لم أتأسف كثيراً عندما انهارت، حيث هناك تقييمات كنت قد صرحت بها في 1985 قبل عهد غورباتشوف، ذكرت فيها ضرورة تقرب النظامين من بعضهما لأنهما قد حوّلا كل المشاكل في داخلهما إلى عقد كأداء مستعصية. وأصبحت الكثير من الثورات قرباناً لهذه العُقَد لانعدام السياسات الصحيحة. والمحصلة كانت الضرر الملحق بالشعب الروسي والعديد من القوميات الأخرى.
ما انهار لم يكن الاشتراكية، بل الأمراض المتعشعشة فيها. واليوم يجتر الشعب الروسي آلام ذلك. لم يكن الوسط البارز سيئاً بمعنى الكلمة بالنسبة لنا بعد انهيار السوفييت. وإذا نجح الشعب الروسي في النهوض ثانية سيكون بمثابة ميلاد جديد له. لم تتوضح السياسة الروسية تماماً في يومنا الراهن، ومن الممكن القول أنها ستتوضح أكثر مع مرور الأيام لتترك تأثيرها المهم على السياسة الدولية.
تتبدى بعض المشاكل المرتبطة عن كثب بالشعوب، منذ الآن في روسيا. مثلاًً هناك المشكلة الشيشانية؛ فتركيا تدافع عن الشيشان بطابع سوفييتي تام. كذلك أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وأوزباكستان؛ حيث تتّبِع تركيا فيها سياسة شوفينية بحتة بغرض إضفاء الشرعية على الفاشية. وهناك الأقوام الطورانية. نحن لسنا ضد حرية الشيشان والأتراك، إلا أن إثارة تركيا للشوفينية وتأجيجها أمر خطير. وبالأخص يقوم الفاشيون من أمثال توركيش بذلك. إنها سياسة جد خطيرة، سواء بالنسبة لروسيا أو الشعوب الأخرى.
الاتفاقيات التي أبرمتها البورجوازية التركية في الأناضول مع بعض الدول تناهض في الأساس مصالح الشعب الروسي. يجب تفهم هذه السياسة جيداً. قد تكون تركيا ضعيفة اليوم وليس بيدها حيلة، لكنها تعمل على تعظيم ذاتها. وحقاً تنتشر الرأسمالية التركية في العديد من الدول، بل وتسربت لداخل روسيا أيضاً. وتظهر العديد من المشاكل بشأن البترول منذ الآن، وستطرح بعض التناقضات السياسية نفسها بسرعة في المرحلة المقبلة. حاربت الامبراطورية العثمانية ضد روسيا على مدى قرن بحاله، وحاربت السوفييت أيضاً كقوة موالية للناتو. والآن تتأهب للحرب أيضاً. لن تتراجع الدولة التركية عن سياساتها الشوفينية بسهولة. واليوم يحارب الكرد ضد تلك السياسة. الشعب الروسي هو الوحيد الذي بإمكانه لعب دوره في مواجهة المخاطر البارزة في جنوب السوفييت, والحد من الشوفيتية التركية هناك.
للعلاقات القائمة بين الشعبين الروسي والكردي مقومات تاريخية ومعاصرة، ويجب أن تكون قوية سواء على الصعيد الاستراتيجي أن الاقتصادي أم السياسي. ثمة أرضية موضوعية سائدة في روسيا تخوّلها لأخذ المساعدة من الكرد بالأغلب أكثر من أي شعب آخر. لروسيا علاقاتها مع العديد من الدول الشرق الأوسط، وهي – حسب اعتقادي – تزيد من عبء الشعب الروسي. إن سمو الشعب الكردي سيخفف من المشاكل التاريخية الملقاة على كاهل الشعب الروسي. قد لا يلعب الشعب الكردي دوراً بارزاً أو ملحوظاً الآن، إلا أن نضاله المتصاعد سيهيئ الظروف المواتية لكلا الشعبين.
لا أقول "تعالوا ساعدونا" لكوني سياسي ضعيف غرّ، بل إن المشكلة تعنينا جميعنا. أي تعني كل الشعوب.
ما هو أساس هذه الاتفاقيات والمساعدات؟
لماذا يصر الشعب الروسي ذو الوعي التاريخي والعسكري الراسخ على علاقاته مع تركيا؟ القضية الكردستانية قضية رئيسية تشغل جدول الأعمال اليوم.
وإذا ما نبشنا وسبرنا أغوار القضية الكردية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، سنرى أنه من الواجب على روسيا أكثر من غيرها أن تلعب دورها في حل هذه القضية. وهذا أمر واضح. سيتعرف شعبانا على بعضهما البعض أكثر في المرحلة المقبلة، وكل علاقة ستقام مع شعبنا، ستجلب الفوائد الجمة سواء للشعب الروسي أم الكردي.

قد يحل الاتفاق الكردي – الروسي الكثير من المشاكل

لو أن الاتفاق عُقِد في العشرينات مع الشعب الكردي لَحُلَّت المشاكل منذ زمن طويل، ولما أصبح الأتراك حينها حلفاء لأمريكا، ولما التجأ شاه إيران إلى أمريكا، ولما وقع العراق في وضعه الحالي. شيء واحد فقط كان لازماً آنذاك، وهو عقد الاتفاق مع الكرد. لا أدّعي أن الكرد بلا نواقص، بل إن نواقصهم جمة، ولكن لو بذلت الجهود قليلاً حينها لأسفر ذلك عن نتائج إيجابية. وقد تواجدت هذه الفرص في أعوام 1920 حتى 1945. ونتيجة هذه النواقص أفلتت هذه الفرص من اليد، وهذا ما ألحق الاضرار الجسيمة بالشعب الروسي.
يحقق الكرد صعوداً رفيعاً في الشرق الأوسط اليوم، ويسعون لإثبات ذاتهم للعالم بأسره. وبتقييمنا لسياسات الدولة نلاحظ أن النضال التحرري الوطني الكردستاني سيدرّ بالنفع الكبير للشعب الروسي. يتسم الشعبان بالخصائص المشتركة في العديد من المواضيع. وأي سياسة سلبية تسيّر بحق روسيا في الوضع القائم ستؤثر مباشرة وسلبياً على الكرد أيضاً.
على سبيل المثال، يمكن عمل الكثير بالتكاتف مع الشعب الكردي في قفقاسيا لحل تلك المشكلة. كذلك المشكلة الأرمنية والتركية وغيرها من العديد من المشاكل، كلها مرتبطة بالقضية الكردية لحلها. وإذا أخذنا الوضع السائد بعين الاعتبار سنرى أن الاتفاق بين الشعبين الروسي والكردي قد يلعب دور المفتاح في فك العديد من المشاكل وحلها.
لا ريب في أن من يحب وطنه ويسعى لخوض نضال أيديولوجي. يجب أن يؤسس الوحدة والاتحاد والتراص.


بناء إنسان اشتراكي أهم بكثير من تأسيس دولة

الدافع الأساسي لصراعنا هو بناء شخصية الإنسان الجديد. لم نناضل في سبيل بقعة أرض أو شعب فحسب. بناء شخصية الإنسان الجديد هو حجر الزاوية في أيديولوجيتنا. ونلاحظ نواقص جدية بهذا الخصوص في الاشتراكية المشيدة في السوفييت, حيث أولوا الحدود أهمية زائدة، وتواجدت الأممية شكلياً، بينما رجحت كفة التعصبية القومية مضموناً.
لم يكن زعماء النظام في عهد اشتراكية السوفييت أقل شأناً من الرأسمالية.
لقد تأسست دولة اشتراكية، ونُظِّم شعب اشتراكي ولكن لم يُبْنَ الفرد الاشتراكي. مثلاً، كم كان ستالين متأثراً بالإقطاعية؟ كم بلغ بذاته إلى الشخصية الاشتراكية؟ إن لم تُفهم هذه المشاكل جيداً يستحيل فهم مشاكل الاشتراكية أيضاً.
كيف ظهر كروتشيف؟ كان متعلقاً بستالين لأبعد الحدود، ولكنه بعد ممات ستالين تقمص دور العداوة. كلا الموقفين ليسا صحيحين. لقد تم فقدان مبدأ العلنية داخل الحزب الشيوعي السوفييتي, وصاروا كأنهم يخنقون الإنسان وروحه. ومن ثم انفجروا بأسوأ الأشكال. ما طبقته أنا كان عكس ذلك تماماً. إنني أفعل كل شيء بجودة وعلانية. هذا هو مبدأي الأساسي منذ البداية إلى اليوم.
حتى سياستي التي أتبعها تجاه الدولة التركية علنية. فمبدأ العلانية ساري المفعول لدي لأبعد الحدود. ولا يمكن للإنسان أن يناضل بأي شيء آخر تجاه الإقطاعية والرجعية. وبدون ذلك لا يمكن تحقيق الاشتراكية العلمية.
بينما كانت تمارَس مختلف الأعمال في الاتحاد السوفييتي باسم اللجنة المركزية أو السكرتير العام، سُحِق الشعب من الجانب الآخر. أعلن المكتب السياسي في الأعلى عن ذاته كظاهرة كبيرة، وهذا ما آل إلى حصول انفجارات حادة فيما بعد. كان يجب ألا يكون كذلك، إذ كاد يعلن عن نفسه وكأنه "الله" في العالم. هذا بالطبع ليس اشتراكية, لذا فسينهار لا محال. ويجب أن ينهار, ذلك أن الاشتراكية تمثل الإنسانية الجديدة، وكان من الواجب أن تصبح طراز حياة الإنسانية وتعم كل الأرجاء.
الإنسان الجديد، الإنسان السليم، الإنسان الجميل، هو إنسان اشتراكي. ولمَِ سيُحبَس ضمن الحدود؟ لِمَ سيُخفي نفسه؟ إنني ضد كل ذلك.
إننا نخلق الإنسان الجديد البعيد كلياً عن الحسابات الشخصية في كردستان. لا أحد يبقى في الحزب عنوة. وكل رفيق لنا فدائي يسير على أساس الطواعية، لا الانضباط الإرغامي في الحزب. ولولا ذلك لما تمكنا من محاربة الدولة التركية. لا يمكن تسيير الثورة أو خوض الحرب بالانضباط الإرغامي والمركزية.
إن كان هناك أصدقاء في روسيا يرغبون تسيير الأنشطة الاشتراكية، فبإمكانهم الاستفادة من نشاطاتنا وتجاربنا. عليهم أن يكونوا متواضعين قليلاً, فاعتراف الإنسان بنواقصه ليس بالأمر السيء. وأنا أيضاً لا أبالغ في حقيقتي. لم أدخل بين الشعب الكردي إلى الآن، لكنهم يرونني كقائد وزعيم عظيم. كيف حصل ومثّلنا الأيديولوجية الاشتراكية بالتمام، وتحدينا السواد الأعظم من العالم؟ كيف حصل وسار معي هذا الكم الهائل من الشعب والرفاق معي على خط النار؟ يجب التركيز على هذه الأمور. إنني أركز كثيراً على مسألة بناء الإنسان الجديد داخل الحزب، ذلك أن بناء إنسان جديد أهم بكثير من تأسيس حزب أو دولة.
لو أن لينين توقف على شخصية ستالين وأنشأه كفرد اشتراكي حق، لما تفاقمت المخاطر لهذه الدرجة. أراد لينين قبل وفاته بمدة وجيزة، التوقف على العديد من المواضيع من قبيل الشوفينية الروسية والبيروقراطية، فطرح بعض الأسئلة في ذلك. في الحقيقة كان لينين قد رأى هذه الأخطار، لكن الزمان لم يسعفه. وصايا لينين مهمة، ويجب التوقف عليها.
إنني أقدّم النقد الذاتي نيابة عن الاشتراكية المشيدة

تحتل مسألة المرأة أو العلاقات بين المرأة والرجل، مكانة مميزة في أنشطتي. وثمة نقاط كنت قد انتقدتها بهذا الخصوص في الاشتراكية المشيدة. فعلاقات الحب والود لم تتجاوز إطار النظام الرأسمالي، والرجل هو الرجل القديم، والمرأة هي المرأة القديمة.
مثلاً، يمكن التوقف عند زواج ستالين.
لم تكن الاشتراكية هي الحاكمة في تلك العلاقة القائمة، بل ستالين. في الحقيقة، إني على إيمان بأهمية دور هذه النقطة في تبعثر الاشتراكية المتحققة. وإني أجدد نفسي على الدوام في هذا الخصوص. عندما مارست فعالياتي صارعتُ امرأة وحاربتها وانتصرت عليها. كم تكون المرأة مع شعبها أو مع العدو؟ في النهاية انحازت المرأة المذكورة إلى العدو. إن طراز الحياة الذي أوجّهه خلق معه حزباً اشتراكياً. ولا زلت أتعمق بكثرة في ظاهرة الحب.
لا يمكن ممارسة الحب أو خوض الحرب على أساس العلاقات العبودية.
لقد قتل العدوُّ الحب.
كما تردت مكانة المرأة وهَوَتْ خلال المراحل التاريخية. أما في كردستان فالأمر أشد حدّة، حيث تمثل المرأة رمز الوهن والضعف، وتمثل العوائل الكردية رمز الانحطاط والسفالة تماماً. ويخنق المرأة والرجل بعضهما البعض في علاقاتهما. إنها مشكلة جدية بالنسبة لنا، لذا أولي قضية المرأة أهمية كبرى تفوق ما أوليه للمسائل العسكرية أو السياسية. النساء كثيرات كماً، ويحتلن أمكنتهن في الحرب بخصائصهن القائمة، ويرغبن بالانضمام إليها، ولأجل ذلك نؤسس جيشهن.
إنني أشرح مسألة "العشق" أيضاً بين المواضيع التي أطرحها وأتدارسها.
ما هو الحب؟
ما هي العاطفة؟
كيف يكون العيش سوية؟
ومثلما نجد في كتاب تشيرنيفسكي، ثمة امرأة أظن أن اسمها فيرا. إنها مثال بالنسبة لنا. تتطلع فيرا إلى بناء شخصية المرأة الحرة في ذاتها. وبالطبع يؤثر ذلك على طراز حياة الروس، ويتأثر الثوار الروس بها. نحن نطور مثل هذه النشاطات الآن بأبعاد أوسع.
من هي المرأة الحرة؟
أبحث عن امرأة حرة في كل زمان.
تمثل علاقة المرأة والرجل لدى الكرد، رمز الموت.
لكن لا تستمر الحياة بدون علاقات أو امرأة. كما أن السير معها أمر شاق. ولكن ما الذي يلزم عمله الآن؟ سؤال علينا الرد عليه. أقول للرجال أن يستعدُّوا لأجل نمط حياة حرة ومتساوية. وإذا لم يتشبثوا بالحياة الجديدة إلى آخر رمق، فلن تُمنَحَ لهم امرأة. وأقول للرفيقات أيضاً: هؤلاء الرجال يسعون بالتأكيد للتحكم بكن، ولكن كيف تقبلن بهم؟ إن ممارسة الأنوثة لهم لمجرد يوم واحد أصعب مائة مرة من الموت ذاته. هل ستقبلنهم؟ على الفتاة أن تفضل الموت على الانصياع لهيمنة ووصاية رجل. فالحياة بوضعها الحالي لا يمكن القبول بها.
أيّ رجل؟ يجب أن يُخلَق الرجل والمرأة المرغوب خلقهما على أساس الحرية والمساواة والود. وبدون ذلك ستُلحِق العلاقاتُ الضرَر بأصحابها. ولا يمكن تحمل العيش بكل هذه المساوئ والقبح.
يصغي رفاقنا إلى كل ذلك. أنا أيضاً خير مثال لهم. فمثلاً، عليّ أن أحب؟ كيف يجب أن يحبني الغير؟ لا يمكنني بسط نفوذي على الرفيقات أو الرفاق بالاعتماد على السلطة السياسية. يجب أن تكون الديمقراطية قويةً في هذا الموضوع أيضاً. إنهم يقتربون منا بحب سليم، ونحن نوحد ذاك الحب بالوطنية، ونربطه بالحزب وسياسة الحزب.
من يود حبي عليه أن يكون وطنياً، ويدرك الحرب، ويسير على نهج الحزب، وأن ينظم ذاته قبل كل شيء. وإلا فلا أحد يجرؤ على الاقترب مني. هذه هي معادلتنا.
أقوم الآن بتقديم النقد الذاتي عوضاً عن الاشتراكية المشيّدة. لقد آراق الشعب الروسي الكثير من دمائه الزكية فداءً للاشتراكية والإنسانية والأهداف النبيلة.
سنُكِنّ الود والتقدير دوماً للشعب الروسي.
إنه الآن يتميز ببعض الجوانب المنحطة، لكني على ثقة بأنه سيفلح في النهوض ثانية في وقت قريب. تأثير الاشتراكية حاد وقوي، ولا يمكن للشعب الروسي أن يتخلص من هذا التأثير في عدة سنوات. ستجدد الاشتراكية ذاتها.
الاشتراكية ضرورية للإنسانية اليوم بما لا نظير له في أي مرحلة أخرى.
الاشتراكية المتحققة كانت طفولية. والآن يلزم طراز اشتراكي أكثر رفعة واصطفاء. علينا التعمق في ذلك، فالرأسمالية تجلب الآفات والكوارث الفادحة الجديدة للإنسانية مع مرور كل يوم. لكن هذا ليس قدر البشرية المحتوم.
ستعلب الاشتراكية دورها على نحو آخر.
وستبقى الاشتراكية ما بقيت الدنيا والبشرية.
لا يقتصر تاريخ الاشتراكية على سبعين عاماً فقط.
إنها موجودة منذ تكوّن البشرية وحتى راهننا. لقد كلف تشييد الاشتراكية في السوفييت ثمناً باهظاً، حيث فدى الملايين من البشر بأرواحهم. بإمكان الرأسمالية التضحية بالملايين دون أن يرف لها جفن للوصول إلى مآربها. ولكن لا يمكن أن يكون هذا حقيقة البشرية بذاتها. لا يمكن للفرد أن يتحكم بالمجتمع لهذه الدرجة، ولا يمكن نسف الحقوق الإنسانية من الوجود لأجل المجتمع. إننا نتوقف على هذه المسائل أيضاً، وسنقدم العون لها عبر نشاطاتنا.
خلق السوفييت شخصية مغرورة

الشعب الروسي متضايق من الحياة الآن، لكنه مع ذلك يحبها. أما الشعب الكردي فهو متخلف، لكنه يتعلم كيفية الحياة بالصراع لأجلها.
مررنا بمراحل حساسة للغاية كانت مسألة بقاء أو عدم بالنسبة لنا. أما بعد الآن فمسيرة الثورة ستكون أسهل. لقد استفدنا كثيراً من تجارب السوفييت، وهانحن نتخذ التدابير اللازمة بشمولية كي لا تصاب الثورة الكردستانية بالأمراض التي ظهرت في الثورة السوفييتية. لقد تعالى المكتب السياسي والسكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي على الشعب، وطبقوا البيروقراطية بدل الاشتراكية. على الأفراد ألا يتعالوا على الشعب، بل أن يكونوا خدماً للشعب والاشتراكية.
إنني أقتل في نفسي مشاعر الغرور والتكبر كل يوم. وإذا لم أقتل هذه العُقَد في ذاتي فسيحل بنا ما حل بروسيا حتى قبل أن نصبح دولة. ما قام به لينين وماو وغيرهما هي نشاطات تاريخية لا أستصغرها البتة، لكنني أرى نشاطاتهم التي مارسوها لأجل الحزب هزيلة. لقد أُهمِلت الكثير من الأمور، ومورست العديد من النشاطات بطراز كلاسيكي، ولم تطبَّق الديمقراطية أو الاشتراكية العلمية بكل معنى الكلمة.
الإنماء الاقتصادي مرتبط بالسياسة الصحيحة. عندما بدأنا بالثورة الكردستانية كنا مديونين، وأنا كنت قروياً فقيراً. أما اليوم فنحن أقوياء في الاقتصاد والسياسة على السواء. أنا أومن بمواهب الإنسان. الشعب الكردي شعب كادح، ويقطن أراضي غنية وفيرة. في الماضي كانوا يسمون كردستان بـ"الجنة" في الشرق الأوسط. والآن أيضاً ستغدو جنة، إلا أن العدو ترك ثمانين بالمائة من أبناء شعبنا عاطلين عن العمل، لا حول لهم ولا قوة، وهو ينهب ويسلب خيراتنا الباطنية والسطحية.
أكررها ثانية، الأزمات البارزة في روسيا مرتبطة عن كثب ومباشرة بالرأسمالية. وسلوك طراز اشتراكي جديد سيطيح بكل الأزمات. لا أهمية للمشاكل الاقتصادية كثيراً، إذ عندما تُحَلُّ المشاكل سياسياً، فالباقي يكون سهلاً. فإذا تلاعب البعض بذلك، من البديهي أن تتبعثر الأمور. لقد تم التلاعب بالسوفييتات كثيراً، ولأجل ذلك أقول، على الحزب أن يكون صادقاً أميناً على الدوام. يجب أن ينحل الحزب والدولة داخل الشعب. وما حصل في السوفييت هو النقيض.
حيث انحل الشعب داخل الدولة والحزب. ولأجل ذلك نقوم نحن بإزالة الحزب من الوجود. كما لا أولي أهمية زائدة للدولة، بل أرغب خلق شعب مستقل وحر. إذا كانت هناك مساعٍ لتحرير شعب ما، فمن الضروري أولاً تقوية وتعبئة كوادر الحزب، إذ أن كل شيء ليس لأجل الحزب أو الدولة. بل على العكس تماماً، كل شيء لأجل سمو الإنسانية.
نحن أيضاً لنا نواقصنا، ونتوقف عليها ونحاربها يومياً. أنا لست إنساناً مغروراً. الشخصية التي خلقها السوفييت هي شخصية مغرورة، حيث تضع ذاتها مكان الله. على الشخصية الاشتراكية أن تكون متواضعة، وعلينا التركيز بإصرار على هذه الخواص. ليست الاشتراكية أو الشيوعية هي المذنبة هنا، بل الأفراد ذاتهم هم المذنبون. إني لا أرى مستقبل الشعب الروسي داخل النظام الرأسمالي، لأن ذاك الشعب لا يحب الفردية، بل يجنح أكثر إلى الحياة المشاعية. أي أن خصائصه التاريخية بهذا الشكل، وهو لا يعرف السير مع الرأسمالية لأنها ليست موائمة له.
الاشتراكية ليست مجرد اقتصاد. مثلاً يحظى العامل المعنوياتي بأهمية كبرى فيها، إلا أن السوفييتات أولت الأهمية العظمى للاقتصاد والتسلح، وأهملت المعنويات. لا يمكن للإنسان أن يشبع بالماديات فقط؛ بل وبالمعنويات.
مثلاً، كيف تدير إيران شؤونها؟ تديرها بالمعنويات كلياً.
يجب أن تكون الاشتراكية ظاهرة بعيدة عند طبيعة الإنسان، بل أن تُبنى على أساس طبيعته. هذه هي الحقيقة الصحيحة. والاشتراكية البعيدة عن طبيعة الإنسان محكوم عليها بالتشتت، وما تبعثر وانهيار العديد من الدول في التاريخ سوى لبُعدها عن طبيعة الإنسان.
حياتنا غنية جداً. والنظريات المصاغة يجب أن تخدم الحياة وتنعشها. أقوم بالتنظير بقدر ما يفهمه الناس. يجب أن تكون النظرية بقدر الخطوات المعزوم خطوها في الحياة، وأي شكل آخر يعد باطلاً. قد أصوغ تعاريف بسيطة، إلا أن هذا طرازي. أركز كثيراً على سياق تطور الإنسان، وأحاول تفهم مشاكله وحلها. ولا يمكن القيام بذلك عبر الكتب. أعظم كتاب هو الحياة بعينها.
لا أعلم الكثير عن روسيا، ولكن إذا ما بقيت فيها ستة أشهر فبمقدوري أن أقوم بالقيادة لهم أفضل ممن يظن نفسه زعيماً عليهم. إنني واثق من نفسي. إذا كانوا يودون العيش الرأسمالي فليعيشوا كلياً، وإذا أرادوا الاستمرار في الاشتراكية فليستمروا عليها كلياً. إنهم يقومون بالديماغوجية، ومعجبون بأنفسهم لدرجة الغرور. ما لم أفهمه هو، لماذا لا يظهر قواد الشعب الروسي مبكراً. فمثلاً لعبوا دوراً هاماً وبارزاً في الحروب العالمية، وابتكروا الذّرّة، وصعدوا الفضاء، وغيرها من الأعمال الهامة التي قاموا بها، سواء في الرياضة أو الفن أو الثقافة، وقطعوا أشواطاً هامة فيها.
كان من اللازم عيش مرحلة كهذه لتحقيق حملة عظمى وظهور أفكار جديدة. وكلي ثقة أن هذه المرحلة المتأزمة لن تطور كثيراً.