شيماء عبد الله
16/06/2011, 11:03 PM
أمنية وظرف
شد الصبح مئزره وأشاحت الشمس برد الليل لتصحو هي على نغمات العصافير مدت كلتا يديها تمطي جسدها النحيل لتنزع عن فم التثاؤب كل شوق لوسادة و اتكاء، تقفز منتشية تهرول بخفة وزنها ورشاقة قدها تتطلع خلال شرفتها !
تصوب عينيها لبيت الجيران ، تململت أنفاسها بين لهفة الشوق والخشية : أظنه لم يخرج بعد ! أحمدالله ؛ تصفق أناملها النحيلة: ها هو يخرج . ينظر إليها مدركا لقاء الأعين بابتسامة عريضة بالبهجة والانشراح . تتابعه حد الأفق ؛ لتغادره ببسمة.داعبت خصرها بكفيها و تتمايل بخطوات رشيقة . صوت أمها أيقظها من نشوة حلم : أحلام ؛ لنعّد مائدة الإفطار. مع أسرة تهتم بالتقاليد الصارمة لابد للفتاة بعد إتمام دراستها الثانوية أن تركن بالبيت وتساعد أمها استعدادا للحياة الزوجية.. وما هي إلا أياما قلائل : أمها تهمس لها وهي ترتب أشغال البيت اليومية :
- أحلام . تقدم شاب لخطبتك ؛ زارنا رفقة والدته لخطبتك . أظنك لك سابق معرفة بهما ؟! .. إنهم جيراننا قبالة بيتنا،استعدي لاستقبالهما ؛ أمه تريد رؤيتك حالا . بشرود قصير أردفت الأم قائلة :يبدو لي أنه رآك وأنت تذهبين إلى المدرسة .جرت أذيال فستانها وخرجت .. تلقت أحلام الخبر كوابل سرب من الأطيار حلقت بها في فضاء فسيح لاشيء يشبهها اليوم سعادة وغبطة ، واستعدت لتهندم نفسها وهي تتراقص طربا للوافد الحبيب . ماكان بينهما سوى صمت المحبين بنظرات لهفة خامرت قلبيهما . وتحدث نفسها ؛ أيعقل ؟ أهو العريس ؟ نعم كان لها ما تمنت لطالما حلمت به .. بعد صخب الفرحة وحوارات الأُسرة تمت خطبتها . كانت لها أول نزهة لتغط بوميض البهجة والحب بفستانها الجديد تتجمل بعينيه وتخطو الخطو في خيلاء وفرح . بكلتي كفيها ضمت كفه على استحياء تكتظ سعادة بإشراقة بسمة تملأ وجنتيها فإذا بكتفيها يقرعان ليستل يده بقوة لتغلف ملامحها الدهشة وبنبرة حزينة طفولية
- (( أنت ليش ماتمسك إيدي ؟))
يهمس لها بتأتأة : ليس الآن هي مجرد خطبة ماذا سيقول الناس عنا ؟!
التزمت الصمت رغم شرارة الألم وإحساسا بالقهقرى والتذمر ولكنها عفت عفو محبة .
وجاء اليوم المرتقب الذي طالما تاقت لقربه ؛ عرسها !. سعادة لا توصف وهي محاطة بأسرتها وكل صويحباتها ، والحبيب يبتسم لها وبكل براءة وعفوية حب عروس لاتسع الأرض فرحتها ؛ طوقت يده بمعصمها والبسمة لاتفارقها ؛ ولكن ! بلباقة دون لياقة منه ينتشل يده بسرعة كمهماز شق صدرها وأدماه ، وبكل ألم وحشرجة صوت يغص بعبرة : (( أنت ليش ماتمسك إيدي ؟! ))
بابتسامة خجولة دس همساته في جيب أذنها ؛ صبت كصوان جمر :
- حبيبتي لحظات ونكون معا ولا عين تلقمنا ...
شعور يطفئ جذوة اشتياق يؤلب ذاتها وعفويتها .
استسلمت (( لجفوته )) تعلل النفس :ربما يكتنفه حياء !.. ربما.. ربما ... وبلسم صبرها هو يقينها بحبه لها ...
كان زفافها يومذاك !!! .. مرت الأيام تعبئ الشباب في زحمة التعب وصخب الأطفال ، والانكباب على تنشئتهم بما يتناسب ومركز زوجها المرموق لأسرة محتشمة. ورغم عبء الحياة وتعبها لابد من فسحة ونزهة بين حين وحين . فرصة نادرة للخروج مع زوجها جراء عمله الدؤوب ، وأطفالهما بينهما يلعبون ويتقافزون و...
شعور جميل يسري في عروقها وهي ترى أسرتها وقد ارتمت بين أحضان الطبيعة بنشوة الأجواء الساحرة وراحة نفس ؛ شعرت بحنان عاد بها لأيام الصبا تمنت لو تضم الزوج الذي أنشغل عنها كثيرا وسط معترك الحياة فجعلت يدها عروة تلف يده وتميل إليه ميلا خفيفا بحنان . وكصعقة أصابته ليسحب يده بقوة منزعجا ، ودون إرادة منها تتطاير من عينيها شرارة الغضب والحزن وبلسان العتاب:
- (( أنت ليش ماتمسك إيدي ؟! ))
رد ممتعظا : يابنت الناس أطفالنا يحيطون بنا والناس ينظرون .. ألا نستحي ؟ قالها متعجبا ! وأردف قائلا :
- سنكبر يوما ويتعكز بعضنا على الآخر،حينها لامن يرمقنا بنزق ولا حقد .
تمتمت بنفس كسيرة : لم أصدقك بعد اليوم ولن أدعك ترى دموعي ..هل يكابر؟ أهو الحياء ؟ أطبع فيه ؟ كلمات احتبست في دواخلها بمرارة.
مرت الأيام ... كبرت أحلام وأولادها أيضا كبروا . متعبة وهي ترى الشيب يباغتها وبعض ملامح تتخلل وجهها الجميل يشي بخريف عمر
لم يعد ذلك الجمال الذي تغنى به الزوج وكل من عرفها يوما ما هكذا تفكر أحلام ولكنها لازالت تشع حيوية وعاطفة. نظر إليها الزوج بمحبة قائلا :
- لنخرج سوية أنا وأنت فقط ؛ اشتقت للخروج معك .
لم تتردد لحظة أسرعت ترتدي فستانا أنيقا محتشما وتضع الوشاح المخملي المزركش بالأزرق الفاتح والغامق .. استقلا السيارة وترجلا عنها في متنزه على ضفاف نهر(( ... )) .. تحمل سلة صغيرة معبأة بحبات تفاح وعنب وقطعة كعك صغيرة صنعتها بنفسها وهي تتمايل بغصنها النحيل المتعب بعض الشيء .. تداعب سلة الطعام . تعثرت أحلام ؛ وأوشكت على السقوط جراء رعدة مدوية ووميضا شرخ المكان وأحال الهدوء إلى فوضى عارمة ،لتتطاير منها سلة الطعام وتشهق رعبا أحلام ، فالتقط يدها خوفا عليها وأمسكها بقوة رغم الدمار المفزع والقلع المرعب تنظر إليه بلهفة قوية وابتسامة يتقاطر الهلع مخفيا بين ثنياها:
"وأخيرا مسكت إيدي" !!! .
لمحها بانشراح بانت نواجذه رغم الألم ليشبك يدها بقوة أكثر : وشيئا فشيئا تنزلق كفاه ويتهاوى جسده ويضطرب ودماء تقطر منه وقد امتلأت الأكف به.
نظرت أحلام وبغير إرادة منها مستنكرة فقده ؛ وغصة في حنجرتها وهي تتغلغل ألما بعمق عبرة شديد لتنازع دمعاتها مآقي العيون وتجهش باكية بحرقة :
"أنت وعدت أن تمسك إحدى يداي" ....
هذه محاولتي الثانية للقصة القصيرة
بعد قصة "تحت سقف المستبد"
.
شد الصبح مئزره وأشاحت الشمس برد الليل لتصحو هي على نغمات العصافير مدت كلتا يديها تمطي جسدها النحيل لتنزع عن فم التثاؤب كل شوق لوسادة و اتكاء، تقفز منتشية تهرول بخفة وزنها ورشاقة قدها تتطلع خلال شرفتها !
تصوب عينيها لبيت الجيران ، تململت أنفاسها بين لهفة الشوق والخشية : أظنه لم يخرج بعد ! أحمدالله ؛ تصفق أناملها النحيلة: ها هو يخرج . ينظر إليها مدركا لقاء الأعين بابتسامة عريضة بالبهجة والانشراح . تتابعه حد الأفق ؛ لتغادره ببسمة.داعبت خصرها بكفيها و تتمايل بخطوات رشيقة . صوت أمها أيقظها من نشوة حلم : أحلام ؛ لنعّد مائدة الإفطار. مع أسرة تهتم بالتقاليد الصارمة لابد للفتاة بعد إتمام دراستها الثانوية أن تركن بالبيت وتساعد أمها استعدادا للحياة الزوجية.. وما هي إلا أياما قلائل : أمها تهمس لها وهي ترتب أشغال البيت اليومية :
- أحلام . تقدم شاب لخطبتك ؛ زارنا رفقة والدته لخطبتك . أظنك لك سابق معرفة بهما ؟! .. إنهم جيراننا قبالة بيتنا،استعدي لاستقبالهما ؛ أمه تريد رؤيتك حالا . بشرود قصير أردفت الأم قائلة :يبدو لي أنه رآك وأنت تذهبين إلى المدرسة .جرت أذيال فستانها وخرجت .. تلقت أحلام الخبر كوابل سرب من الأطيار حلقت بها في فضاء فسيح لاشيء يشبهها اليوم سعادة وغبطة ، واستعدت لتهندم نفسها وهي تتراقص طربا للوافد الحبيب . ماكان بينهما سوى صمت المحبين بنظرات لهفة خامرت قلبيهما . وتحدث نفسها ؛ أيعقل ؟ أهو العريس ؟ نعم كان لها ما تمنت لطالما حلمت به .. بعد صخب الفرحة وحوارات الأُسرة تمت خطبتها . كانت لها أول نزهة لتغط بوميض البهجة والحب بفستانها الجديد تتجمل بعينيه وتخطو الخطو في خيلاء وفرح . بكلتي كفيها ضمت كفه على استحياء تكتظ سعادة بإشراقة بسمة تملأ وجنتيها فإذا بكتفيها يقرعان ليستل يده بقوة لتغلف ملامحها الدهشة وبنبرة حزينة طفولية
- (( أنت ليش ماتمسك إيدي ؟))
يهمس لها بتأتأة : ليس الآن هي مجرد خطبة ماذا سيقول الناس عنا ؟!
التزمت الصمت رغم شرارة الألم وإحساسا بالقهقرى والتذمر ولكنها عفت عفو محبة .
وجاء اليوم المرتقب الذي طالما تاقت لقربه ؛ عرسها !. سعادة لا توصف وهي محاطة بأسرتها وكل صويحباتها ، والحبيب يبتسم لها وبكل براءة وعفوية حب عروس لاتسع الأرض فرحتها ؛ طوقت يده بمعصمها والبسمة لاتفارقها ؛ ولكن ! بلباقة دون لياقة منه ينتشل يده بسرعة كمهماز شق صدرها وأدماه ، وبكل ألم وحشرجة صوت يغص بعبرة : (( أنت ليش ماتمسك إيدي ؟! ))
بابتسامة خجولة دس همساته في جيب أذنها ؛ صبت كصوان جمر :
- حبيبتي لحظات ونكون معا ولا عين تلقمنا ...
شعور يطفئ جذوة اشتياق يؤلب ذاتها وعفويتها .
استسلمت (( لجفوته )) تعلل النفس :ربما يكتنفه حياء !.. ربما.. ربما ... وبلسم صبرها هو يقينها بحبه لها ...
كان زفافها يومذاك !!! .. مرت الأيام تعبئ الشباب في زحمة التعب وصخب الأطفال ، والانكباب على تنشئتهم بما يتناسب ومركز زوجها المرموق لأسرة محتشمة. ورغم عبء الحياة وتعبها لابد من فسحة ونزهة بين حين وحين . فرصة نادرة للخروج مع زوجها جراء عمله الدؤوب ، وأطفالهما بينهما يلعبون ويتقافزون و...
شعور جميل يسري في عروقها وهي ترى أسرتها وقد ارتمت بين أحضان الطبيعة بنشوة الأجواء الساحرة وراحة نفس ؛ شعرت بحنان عاد بها لأيام الصبا تمنت لو تضم الزوج الذي أنشغل عنها كثيرا وسط معترك الحياة فجعلت يدها عروة تلف يده وتميل إليه ميلا خفيفا بحنان . وكصعقة أصابته ليسحب يده بقوة منزعجا ، ودون إرادة منها تتطاير من عينيها شرارة الغضب والحزن وبلسان العتاب:
- (( أنت ليش ماتمسك إيدي ؟! ))
رد ممتعظا : يابنت الناس أطفالنا يحيطون بنا والناس ينظرون .. ألا نستحي ؟ قالها متعجبا ! وأردف قائلا :
- سنكبر يوما ويتعكز بعضنا على الآخر،حينها لامن يرمقنا بنزق ولا حقد .
تمتمت بنفس كسيرة : لم أصدقك بعد اليوم ولن أدعك ترى دموعي ..هل يكابر؟ أهو الحياء ؟ أطبع فيه ؟ كلمات احتبست في دواخلها بمرارة.
مرت الأيام ... كبرت أحلام وأولادها أيضا كبروا . متعبة وهي ترى الشيب يباغتها وبعض ملامح تتخلل وجهها الجميل يشي بخريف عمر
لم يعد ذلك الجمال الذي تغنى به الزوج وكل من عرفها يوما ما هكذا تفكر أحلام ولكنها لازالت تشع حيوية وعاطفة. نظر إليها الزوج بمحبة قائلا :
- لنخرج سوية أنا وأنت فقط ؛ اشتقت للخروج معك .
لم تتردد لحظة أسرعت ترتدي فستانا أنيقا محتشما وتضع الوشاح المخملي المزركش بالأزرق الفاتح والغامق .. استقلا السيارة وترجلا عنها في متنزه على ضفاف نهر(( ... )) .. تحمل سلة صغيرة معبأة بحبات تفاح وعنب وقطعة كعك صغيرة صنعتها بنفسها وهي تتمايل بغصنها النحيل المتعب بعض الشيء .. تداعب سلة الطعام . تعثرت أحلام ؛ وأوشكت على السقوط جراء رعدة مدوية ووميضا شرخ المكان وأحال الهدوء إلى فوضى عارمة ،لتتطاير منها سلة الطعام وتشهق رعبا أحلام ، فالتقط يدها خوفا عليها وأمسكها بقوة رغم الدمار المفزع والقلع المرعب تنظر إليه بلهفة قوية وابتسامة يتقاطر الهلع مخفيا بين ثنياها:
"وأخيرا مسكت إيدي" !!! .
لمحها بانشراح بانت نواجذه رغم الألم ليشبك يدها بقوة أكثر : وشيئا فشيئا تنزلق كفاه ويتهاوى جسده ويضطرب ودماء تقطر منه وقد امتلأت الأكف به.
نظرت أحلام وبغير إرادة منها مستنكرة فقده ؛ وغصة في حنجرتها وهي تتغلغل ألما بعمق عبرة شديد لتنازع دمعاتها مآقي العيون وتجهش باكية بحرقة :
"أنت وعدت أن تمسك إحدى يداي" ....
هذه محاولتي الثانية للقصة القصيرة
بعد قصة "تحت سقف المستبد"
.