المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة/هؤلاء والشيطان



عبد النعيم بغيبغ
24/07/2011, 11:29 AM
القصة القصيرةهؤلاء والشيطان

ودعت أمي حاملا المحفظة متلهفا للقاء المدرسة، ملتحفا بكثير من الشجاعة النادرة

لم آخذ فطوري المعتاد أصبح كطعم العلقم،ولكن المدرسة مغلقة منذ أمد يا بني؟

لم أنبس ببنت شفة ورمقتها بنظرة الكبار، ثم تمتمت علينا أن نفتح أبواب المدرسة

ياأمى كرهت من هذا المكوث اليائس في البيت كسجين بائس، لقد اشتقت الطبشور

ورائحة التاريخ وباقات الشعر الجميل "اضرب عدوك لا مفر"1أتعرفين أمى

آخر درس تلقيته لقد أوقفني المعلم وطلب منى تذكر كل الأحداث التي مرت بنا ولكنى

تذكرت شيئا واحدا فقط أننا نذوب ونذبل كشموع المعابد المهجورة يوما بعد يوم نحصى

حطامنا وعظامنا المكسورة ونشاهد بعيوننا الملتاعة خريطتنا وهى تنكمش رويدا رويدا

كقوقعة عتيقة ترابنا غمرته سيول جارفة من الدماء الحارة العنيفة أتذكر أنى سألت

أستاذ العلوم يوما أيمكن أن تنبت الورود وأشجار الزيتون الأخضر بأنهار الدماء المراقة؟

ولم أبرح ساحة هذه الأسئلة المتفجرة داخلي كا لقنابل كنت دائما أتطلع عبر نافذتي

الضيقة-المقابلة للشارع الرئيسي للمدينة الغارقة فى الغضب-فاجعة الإنسان والوطن والتاريخ

وحرائق و وجائع فظيعة وكثيرا من دموع الأمهات الثكالى كنت أتعجب من كومات

الحجر المبعثر في الطرقات مشكلا مناظر غاية في الجمال المرعب لوحات ولوحات

تمر في مخيلتي النازفة تباعا كنت أسأل أبى لما نستعمل الحجر ويستعملون الرصاص؟

هل فعلا ما سمعته صحيحا ألا يموتون إلا بالحجر؟عندما تكبر ستدرك كل شيء بل أعرف

يا أبى نحن نضربهم بمادة الأرض هكذا قال لي أستاذ التاريخ أبى إن الأرض تلعنهم

نحن نسقيها بدمائنا بآهاتنا ودموع أمهاتنا بأشلائنا وبقايانا الباسلة وهى تمدنا بالحجر

"بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول"2 الحجر هو عنوان تاريخي وتاريخ أجدادي"

إني أرى فيه صورة جدي عندما حملت الحجر ذات مرة رأيته بلوريا شفافا كنت أتطلع إلى سحنته

بإعجاب أقبله أقلبه كان يمنحني بعض السعادة الهاربة وكثيرا من الأمان النفسي الغريب

آه أيها الحجر لو لم تكن لما كنت أنا صامدا متشبثا بالمكان أرمم عاري هذه الحجارة المرمية

في صحن الدار كانت مادة جدراننا الحبيبة تسترق السمع لأنيننا وعذابنا اللعين وتعرف أخبارنا

وتشارك أفراحنا وعرسنا الجميل وتحمل أوراق اعتماد حزننا وترصد أصداء هزائمنا هاهي تزين

أسوار قلعتنا الشماء وتذود عن كبريائنا وأعراضنا المستباحة وتنتظر بلهفة المشتاق انتصارنا الكبير

خرجت دلفت عمق الشارع المحموم وانخرطت في معمعة الصراع كنت قد ملأت محفظتي بحجارة

التقطتها من باب حارتي وجدت جنديا متخفيا كجرذ عفن مكفنا بلباس مرقط كالثعبان يحمل رشاشا

هائلا كان قد رأى الحجر في يدي فارتعدت فرائصه خاف من أن يكشف الحجر عورته كان الحجر

في يدي يصرخ يريد الانطلاق أدرك بغيته حضنته بقوة كطفل رضيع رحت أتحين الفرصة المواتية

ثم قذفت به نحوه أحسست براحة ورغبة في الصراخ الله أكبر سرعان ما أطلقتها مدوية في صدره

بل في قلبه ثم رأيت ما يشبه الدم يتفجر منه فتحول الجندي بعدها إلى صورة رسخت في ذهني عندما

سألت معلمي عن شكل الشيطان وحينها تذكرت قولة أمي شيئان يضربان بالحجر "هؤلاء والشيطان"



1-من قصيدة لمحمود درويش

2-من سورة الفيل
تمت
عبد النعيم بغيبغ