المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وظل آخر يضربه على قفاه حتى فقد وعيه



محسن رشاد أبو بكر
25/07/2011, 04:44 AM
وظل آخر يضربه على قفاه حتى فقد وعيه
قصة قصيرة



عين
عين
ألف
ألف
باء
باء
دال
دال


عابد
حابت


لأ يا عابد لقد سبق لك ان نطقت اسمك كاملا بشكل سليم .. هيا كرره ورائي ثانية: عابد مصردان السالم
عابد مصردان السالم


برافو يا عابد ، الآن وبعد أن عرفت كيف تنطق اسمك وتكتبه ، لا يتبقى سوى أن نراجع جدول الضرب حتى نتأكد من أنك جاهز لاختبارات الالتحاق بالوظيفة


لا عليك يا أستاذ – ألا تعرف اننى استطعت حصر عدد المدعوين فى عرس جارنا الفرفراوي الأسبوع الماضي، لقد بلغ عددهم 52 امرأة و ....


يقاطعه الأستاذ

ولكن أنى لك ان تحصى عدد النساء يا عابد، ألم أنبه عليك من قبل بعدم الدخول الى مطرح الحريم
هن اللاتي يدعوننى فكلهن يحبون أن يأتنسوا بى ، أمى قالت لى هذا
حسنا يا عابد ولكن لا تفعلها ثانية فعمرك تجاوز العشرين ويجب ان تتعامل معاملة الرجال
حاضر يا استاذ سوف أخبر أمى
والان لنبدأ حصة جدول الضرب
.................................................. ................................



بعد مرور أقل من أسبوع كان "عابد" قد أتقن كتابة اسمه ونطقه وحفظ جدول الضرب، واجتاز اختبارات الوظيفة ليصبح نادلا في رحلات شركة أتوبيس الوجه القبلي الدائرة بين واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد، والقاهرة



لم يكن أحدا بقريته الصغيرة بالواحة على قدر جماله ولا أناقته على الرغم من مشيته المتثاقلة المتمايلة قليلا ناحية اليمين نظرا لضعف عضلات نصفه الأيسر بدءا من عينه اليسرى ومرورا بكتفه وذراعه الأيسر حتى قدمه اليسرى. كان يخرج من بيته كل يوم دون وجهة معينة مرتديا أحلى الثياب ، يطوف دروب القرية في انتظار أن يكلفه أحد من أهاليها بمشوار بسيط ، كأن يرسله احدهم لشراء صابون او علبة سجائر من عند عم "الخازن" البقال.



منذ وفاة والده، تحول كل اهالي الواحة إلى اهل له ولأمه "الخالة نوسة"، وأضحى عابد كأنه ابن كل بيت في الواحة، ولم تضطر أمه يوما أن تسأل احدا لسد رمق عيشهم رغم أن كل ما تركه لها زوجها قبل وفاته مجرد بقرتين وثلاثة قراريط كان يزرعهم زيتونا.



ولكن هل سيجيد عابد أداء مهام وظيفته التي يسعى إليها



لم تكن وظيفة مسئول البوفيه فى أتوبيس تحتاج الى أكثر من أن يعرف "عابد" كتابة اسمه وحفظ جدول الضرب... فمن الممكن أن ينجح ... شعرت والدته بالغبطة لان ابنها سيصبح رجلا فاعلا ويعتمد على نفسه ، وبدأت تحلم بأن يتمكن يوما ما من أن يكمل نصف دينه، (ولم لا؟، فقد اكدت كل الفحوصات التي أجراها يوما ما في مصر المحروسة أنه سليم بدنيا وجسمانيا بنسبة مية فى المية، وأن قصور النمو فقط فى وظايف العقل، وهو ليس بقصور شديد يعوقه من تحمل مسئولية بيت، ولكن يا ترى هل تقبله واحدة من بنات الواحة زوجًا لها)



لم تشعر أبدا الخالة نوسة بالوحدة منذ وفاة زوجها وهى فى ريعان شبابها وترك لها عابد ابن سنتين ، أحست كأن كل اهل الواحة أبا وأخا وأختا لعابد ، وعلى الرغم من ضيق ذات اليد من مجرد الرعى ببعض الأغنام القليلة الا انها لم تشعر يوما بالحرمان من أية شئ وكان الشيخ حسين الصالح إمام المسجد يرسل لها كل شهر ما يكفى حاجتها وزيادة ولا يفصح أبدا عمن يقدم لها تلك المساعدات وان كان اغلب الظن ان كل اهالى الواحة اشتركوا سويا فى التكفل بكل مصاريف نوسة وعابد.



.................................................. ...................

كانت الساعة الخامسة بعد عصر يوم السابع والعشرون من يناير هو اول يوم يمارس فيه عابد مهام وظيفته .. ينطلق مع عم احمد القناوي على أتوبيس شركة الوجه القبلي، إلى القاهرة.



عابد يحضر ترمس الشاى للاسطى احمد، ويحضر المشروبات والعصائر والبسكويت للركاب ويحاسبهم ويأخذ منهم الحساب حتى وصلت رحلتهم للقاهرة صباح الجمعة الموافق 28 يناير والتي كانت جمعة الغضب الذي لم يك يعرف عنها شئ لا عابد ولا عم احمد.



ساعات قليلة للراحة من عناء السفر قضاها عابد مع عم احمد انتظارا لموعد رحلتهم العائدة إلى واحتهم الساكنة بمحافظة الوادي الجديد.. امتلأ الأتوبيس عن آخره بالكثير من الخواجات الهاربين من غضب الجمعة الاولى من عمر الثورة.



فى طريق عودتهم، وقبل الوصول لواحتهم ببضعة كيلومترات، اعترضت الأتوبيس سيارة نص نقل ، نزل منها خمسة أشخاص ممن هربوا من سجون المحروسة في ذلك اليوم، كانوا ملثمين يحملون بنادق آلية ، ركب ثلاثة منهم الأتوبيس وأمروا عم احمد بالانحراف بالأتوبيس الى داخل الصحراء ، لم يكن هناك بد من الانصياع لاوامرهم، ولكنهم وبعد أن ساروا ما يقرب من عشر كيلو مترات داخل الصحراء خلف السيارة النص نقل، أمر أحد الملثمين الاسطى أحمد وعابد بالنزول من الأتوبيس، وحاول أحدهم الجلوس على عجلة القيادة لقيادته



رفض عم أحمد وتشبث بمقود الأتوبيس فأطلق أحدهم رصاصة في رأسه أودت بحياته وألقوا بجثته خارج الأتوبيس، فانهمر عابد في البكاء فأمسكه واحدًا منهم "وظل آخر يضربه على قفاه حتى فقد وعيه"، ثم ألقوا به خارج الأتوبيس، ثم انطلقوا بالاتوبيس والسيارة النص نقل الى جهة غير معلومة.



ساعتان أو اكثر حتى فاق عابد من غيبوبته .. فوجد جثة عم احمد ملقاة بجواره دون حركة .. حملها وسار مهتديًا بمواقع النجوم في السماء، حتى وصل إلى قريته التي لم يك أهاليها قد ذاقوا طعم النوم منذ أكثر من ليلتين انتظارًا لخبر أكيد عن عابد وعم أحمد.



في ضوء الفجر الخافت ، وصل عابد حاملا جثة عم أحمد، هللت الخالة نوسة لما رأت عابد ، من بعيد، سائرًا على قدميه، لكنها لم تبرح أن تبتهج حتى رأت عابد يهوي على الأرض بمجرد أن لقف أحد أهالي القرية جثة عم أحمد من يديه.

حاول الكثيرون إفاقة الفتى عابد، دون جدوى، فقرفصت أمه بجوار جثته تلطم خديها وهي تنادي عليه:

يلا جول يا عابد

عييييييييييييييين

الف

بيييييييييييه

دااااااااااااااال

عابد

رد علي يا وليدي

جول .. انطج اسمك .. جول

عابد



تمت