المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طريق البخور القديم من نجران إلي البتراء وآثار اليمن الاقتصادية عليه



شاكر عبد العزيز
28/07/2011, 08:14 PM
طريق البخور القديم من نجران إلي البتراء وآثار اليمن الاقتصادية عليه
الباحث:
د/ هادي صالح ناصر العمري
الدرجة العلمية:
دكتوراه
تاريخ الإقرار:
2003 م
نوع الدراسة:
رسالة جامعية

الملخص :
}ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهديـن { ([1]) ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الرحمة المهداة، وعلى آله سفن النجاة، ورضي الله عن صحابته الأخيار وأتباعه ومن والاه.. أما بعد..
تستعرض هذه الأطروحة بالوصف والتحليل طريق البخور من نجران إلى البتراء، وآثار اليمن الاقتصادية عليه في التاريخ القديم.
وهو موضوع بقدر ما هو قديم فهو جديد أيضاً، إلى جانب كونه موضوعاً معقداً، وذلك لجملة أسباب، إذ تعد الدراسات التاريخية الجغرافية، والتاريخية الاقتصادية، من أكثر الموضوعات صعوبة وتعقيداً، لذا يعزف كثير من الدارسين والباحثين عن طرق هذا النوع من الدراسات التي تحتاج إلى عمل دءوب وصبر، ومقارنة، وتحليل، ولاسيما أن المؤلفات الجغرافية التي وصلت إلينا على كثرتـها، وجلالة قدر مؤلفيها، ومحاولة بعضهم التقصي والشمول، يعتورها كثير من النقص، فهناك مواضع كثيرة وردت في الشعر القديم، وفي النصوص التاريخية، لا يجد الباحث لها تحديداً مع قدمها، وهناك نصوص مضطربة، محرفة ومصحفة، كما أنـها تفتقر إلى الربط بين المواضع بعضها ببعض، فمعلوماتـها مؤبجدة ومجزأة، وهناك مواضع تشترك في تسمياتـها، إلى غير ذلك من أوجه النقص([2]) . ناهيك عن أن معظمها أندرس ولم يعد ثمة شاخص يشير إليه. كل هذه لا تساعد الباحث في تكوين صورة واضحـة لطريق معين، كما أنـها توقعه في الحيرة في تحديد كثير من هذه المواضع، وهي حيرة لا يمكن التخلص منها إلا بتوافر المراجع التي تبحث في هذا النوع من الدراسة ولكنها شحيحة، أو بزيارة المواضع ميدانياً لمشاهدتـها عن كثب، وتحديدها بعد تلك المشاهدة، وهو أمر ليس من السهل لأي فرد القيام به منفرداً ، وإنما يجب أن تتكاتف الجهود لتغطية أكبر قدر منه.
وقد أدرك أساتذة الاختصاص أهمية دراسة الطريـق التجاري القديم بين اليمن والشـام في فهم تاريـخ العرب الحضاري، إلا أنـهم وبسبب الصعوبات المذكـورة اكتفوا بالتنويه إلى جلالة قـدر الموضوع والحث على دراسته، ومن هؤلاء الأساتـذة الدكتور بافقيـه حينما قال وهو يتحـدث عن هذا الطريـق:- (أما الطريـق الشمالي بعد نجران فلا يستبعد أن يكون طريقاً واحداً، ولكن هذه الطريـق نفسها، وما كان يقوم عليها من محطات تحتاج إلى دراسة لم تتوافر أسبابـها بعد، وهي طريق مهمة في فهم التاريـخ العربي القديم عامة، إذ بواسطتها تم ارتباط اليمن ببقية أنحاء الجزيـرة العربيـة)( [3]). كما صرح العالم الألماني والتر موللر بصعوبة هذة الدراسـة قائلاً عن طريق البخور بأنـه (طريق يصعب تحديد مسالكه تماماً)([4]) . ويعترف الدكتور الشيبة بقصور الدراسات التاريخية عن دراسة هذا الموضوع على الرغم من أهميته فقال: (ليس ثمة شك في أننا لكي نفهم تاريخ منطقة ما لابد لنا من معرفة المسرح الذي جرت عليه أحداث هذا التاريخ، ونجد لهذه المقولة في اليمن أكبر برهان لها، فنحن إلى اليوم رغم كل الجهود التي يبذلها علماء الدراسات اليمنية، ما زلنا غير قادرين على تتبع طرق القوافل القديمة بشكل صحيح، علماً بأن هذه الطرق قد أدت دوراً هاماً في ازدهار الحضارة اليمنية القديمة)([5]) . وكان أستاذي المشرف الدكتور نزار الحديثي ممن وقف على أهمية الموضوع ورأى ضرورة الكتابة فيه، فأشار على الباحث بذلك.
كل هذه الأسباب إلى جانب أهمية الموضوع وريادته دفعت إلى التصدي له والكتابة فيه.
وسوف نتعرف في هذه الدراسة على البخور بصفته سلعة تجارية ألقت بظلالها على محطات ذلك الطريـق، والوقوف على أهميته التي اصطبغ الطريق بـها، ووسائل النقل عبر هذا الطريق الطويل، ومن كان يقف وراء نشوئها، وما هي العوامل المتحكمة في مساره واتجاهه، وعلى منازل الطريق من حيث تسميتها، وموقعها، وسكانـها، بصفتها كانت تمثل القواعد التي امتد عليها الطريق مكوناً جسراً للحضارات القديمة، كما سنتعرف على بعض الشواهد التاريخية الدالة على مرور الطريق بمنازله المعلومة كلما أمكن ذلك. وعلى آثار اليمن الحضارية على هذا الطريق، وهي ناتجة عن اختيار الباحث، ذلك أن من خصائص الحضارة الأصيلة أنـها تسافر خارج حدودها وتؤثر في الأقاليم والبلدان المجاورة ( [6]).
وقد اكتفى الباحث بدراسة الآثار الاقتصادية من دون غيرها لأسباب عديدة منها:- أن دراسة مثل هذه المواضيع يعد من المواضيع المعقدة والمتشعبة بسبب تداخل الآثار الحضارية المختلفة، كما أن الآثار الاقتصادية ترتبط بشكل أساسي ومباشر بـهذا الطريق التجاري (تحديداً)، إذ ارتبط بـها تعامل سكان المنازل مع القوافل، في حين لم تكن آثار اليمن الاجتماعية على المستوى نفسه لتمسك البدوي على مر الزمان بعاداتـه وتقاليـده، في الوقت نفسه ينظر إلى سكان الحضر نظرة استخفاف بمهنهم وحرفهم وطباعهم اللينة، وكذا الأمر نفسه للآثار الدينية حيث أثر الحجاز في حياة أهل اليمن الدينية، أما الآثـار الأدبيـة فإن الشعر العربي بصفته أهم تلك الآثار لا يتجاوز في مداه قرنين قبل الإسلام في أغلب التقديرات. أما الآثار العمرانية فلا بد من دراسة للمواقع الأثرية على طريق البخور للوقوف على مدى تلك الآثار إن وجدت. ولعل هذه الدراسة تكون بداية لفتح الباب أمام آخرين لهم قدرات أكبر لاسيما أن الجميع يشهد بأصالة الحضارة اليمنية.
وسوف نقوم بتطوير هذه الدراسة بنظمها في أربعة فصول:-
يتناول الفصل الأول تجارة البخور، ويتكون من مبحثين:- الأول نتطرق فيه للبخور ووسائل النقل، حيث سنتعرف من خلاله على البخور وأنواعه، وأهميته، كما سنتعرف فيه على وسائل النقل بصفتها الوسيلة التي مكنت الإنسان من نقل البخور وتصديره . وسنخصص المبحث الثاني لطريق البخور جنوب نجران، وسنعرف من خلاله سبب تسمية طريق البخور بـهذا الاسم، وما قام بـه أهل اليمن من جهود لرسم معالم الطريق، والعوامل التي أثرت في مساره، وكذا مراحل الطريق (عبر الأودية الشرقية) من ميناء قنا إلى نجران، ومراحله (عبر الهضبة الجبلية) من ميناء عدن إلى صعدة.
وسنبحث في الفصل الثاني طريق البخور يماني مكة. ويتكون من مبحثين أيضاً، المبحث الأول:- يعرض لـمراحل طريق البخور عبر الأودية الشرقية (من نجران إلى مكة). حيث أخذ الطريق على حافات الصحراء، ونشأ مع نشوء تجارة البخور مما جعله أقدم المسالك. كما سنتعرف على القبائل العربية المستقرة في منازل الطريق أو حوله. ويعرض المبحث الثاني لطريق البخور عبر الهضبة الجبلية، وهو ما يعرف بـ(طريق أسعد الكامـل)، وسنوضـح سبب تسمية الطريق بـهذا الاسم، ومراحله، والقبائـل العربية المنتشرة في منازله، حتى يلتقي بالطريق الشرقية في تبالة.
في حين خصص الفصل الثالث لطريق البخور شامي مكة. وانسجاماً مع خطة الدراسة وموازنة فصولها، سيقوم الباحث بتقسم الفصل إلى مبحثين:- الأول سنتعرف فيه على مسار الطريق ومنازله بين مكة والمدينة، واللتين تعدان أهم حواضر الحجاز الدينية والاقتصادية. أما المبحث الثاني فسنتناول فيه طريق البخور بين المدينة والبتراء.
بينما سيتخصص الفصل الرابع بدراسة أثر اليمن الاقتصادي على طريق البخور، وبضمنها الظروف المعنية المحيطة بـهذه الآثار. وينقسم إلى مبحثين:- الأول سنتعرف من خلاله على آثار اليمن في الزراعة والصناعة، وعلى أنواع النباتات التي نعتقد بانتقالها من اليمن وما انتقل معها من معارف وخبرات زراعية. كما سنتعرف على التأثير في مجال التعدين، وفي الصناعات الأخرى التي انتقلت من بلاد اليمن. وسنخصص المبحث الثاني لدراسة الأثر التجاري، وسنتعرف من خلاله على أهمية الطريق الاقتصادية لحواضره المختلفة، وعلى كيفية انتقال حرفة التجارة والتعرف على سلعها.
وسيختتم الباحث دراسته بخاتمة وقائمة للمصادر والمراجع.
ولقد واجهتني صعوبات عديدة خلال دراستي، منها ما يتعلق بقلة المصادر والمراجع المتخصصة، وقلة ما كتب عن الموضوع بتفاصيله، حيث غلبت على معظم المصادر شذرات من المعلومات النافعة المتفرقة هنا وهناك. كما أن معلومات هذه المصادر الجغرافية كانت مجزأة لا توحي بصورة واضحة عن الطريق أو تعين في تحديد تبعية الأراضي أو ملكيتها القبلية. وقد اختار الباحث السفر والقيام بزيارات ميدانية لأجزاء متفرقة من طريق البخور، وتحمل مشاق التنقل وصعوباته في محاولة لإجلاء الصورة.
الخـلاصـــة
كانت بلاد اليمن تحتل مكانة خاصة في العالم القديم لإنتاجها سلع البخور والعطور، التي كان الطلب عليها كبيراً من قبل سكان العالم القديم. ولتوافر وسائل النقل المحلية قاد أهل اليمن الموكب التجاري العربي منذ آلاف السنين لتزويد مراكز الحضارات القديمة بما تحتاجه من هذه السلع المتعددة الأغراض.
واعتمد أهل اليمن لقوافلهم التجارية طريقاً بين اليمن والشام يسير في الأجزاء الغربية من الجزيرة العربية، مراعين في ذلك عدداً من العوامل الطبيعية والبشرية، وقد عرف هذا الطريق عند الباحثين المتأخرين باسم (طريق البخور) بصفته السلعة الأساسية التي قام لأجلها الطريق.
وما من شك أن نجران كانت عقدة مهمة من عقد التجارة على طريق البخور، إلا أن معلومات الباحثين عن الطريق شمال هذه المحطة كانت محدودة وغير واضحة. وقد تبين من خلال مواكبة الموارد التاريخية والزيارات الميدانية أن قوافل البخور سلكت أكثر من طريق بين موانئ اليمن ومكة المكرمة، إذ اعتمدت في بداية الأمر طريقاً على الأطراف الغربية للصحراء أي ما بين نجد والحجاز، واستمرت في سفرها عبر هذا الطريق حتى عام (400 ميلادية).
ومع بداية القرن الخامس الميلادي سلكت القوافل طريقاً آخر عبر الهضبة الجبلية اختلفت محطاته ومنازله عن الطريق الأولى بين موانئ اليمن وتبالة الواقعة في الجنوب الشرقي من مكة. ويبدو من خلال تسميته بـ(درب أسعد الكامل) أن هذا التحول تم في عهد الملك الحميري أسعد الكامل الذي عاش في أوائل القرن الخامس الميلادي، ومع أن هذا الطريق أكثر وعورة من طريق البخور الأولى عبر الأودية الشرقية إلا أنه كان أكثر ماءً ونباتاً، مما جعل أبرهة الحبشي يسلكه في حملته المشؤومة على مكة المكرمة لحاجة الفيل الكبيرة للماء والعلف، وهو ما لا يتوافر في منازل الطريق عبر الأودية الشرقية.
أما الطريق شامي مكة فقد كانت القوافل تسلك طريقاً معلوماً بين مكة والمدينة، وأخبار سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مدونة في هذا الجزء من الطريق مما زاده وضوحاً لدى الباحثين، كما سلكت القوافل طريقاً بين المدينة والشام قليل الماء والكلأ مما انعكس على طول مراحله وقلة المعلومات عنها، لاسيما وأن الشمال الغربي من الجزيرة العربية يسمى عند قسم من الباحثين بـ(بلاد العرب الصخرية).
كما تبين أنه كان لطريق البخور دور كبير في التواصل الحضاري بين بلاد اليمن ومحطات الطريق المختلفة، وقد كانت آثار اليمن الاقتصادية هي أبرز هذه الآثار الحضارية، حيث شكل طريق البخور جسراً للمعارف والخبرات الزراعية والصناعية والتجارية. ويوصي الباحث بدراسة آثار اليمن الحضارية الأخرى على طريق البخور، كما يوصي بإعادة تحقيق كتاب صفة جزيرة العرب للعلامة والنسابة الهمداني، حيث لازالت كثير من الأعلام الواردة في هذا المصدر الهام مجهولة وغير معلومة.
________________________________________
([1]) آل عمران (53).
[2]) حمد الجاسر (محقق)، كتاب إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت:- 285هـ/898م)، المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة، ط1 (الرياض:- دار اليمايمة، 1981)، المقدمة ص 259.
([3]) محمد عبد القادر، تاريخ اليمن القديم، ط1 (بيروت:- دار الفكر، د.ت)، ص 188.
([4]) طريق اللبان القديمة، في أوراق في تاريخ اليمن وآثاره (بحوث ومقالات)، تحرير:- يوسف محمد عبدالله، ط2 (بيروت:- دار الفكر، 1990)، ص 221.
([5]) عبدالله حسن، دراسات في تاريخ اليمن القديم، ط 1 (اليمن:- مكتبة الوعي الثوري، 2000)، ص 102.
([6]) فاضل عبد الواحد علي، محاضرات غير منشورة لطلبة الدراسات العليا (جامعة بغداد).