المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المدح



عامرحريز
08/04/2007, 12:49 PM
المدح هو الثناء وذكر المحاسـن من الصـفات والأعمال ، و قد يكون للحي ولغير الحي ، و للعاقل وغير العاقل ، فقد يتوجه للجماد أو الحيوان كالذهب والديك . كما قد يكون قبل الإحسان وقد يكون بعده ، فقد يمدح من لم يفعل شيئا ، ولم يتصـف بحسـن.
وكان في العادة يوجه إلى الأمراء والخلفاء والحكام. ويصف فيها الشجاعة والإقدام والوفاء والكرم والانتصارات على الأعداء..

وكثير من الشعر العربي من المدح ، ذلك أن الشعراء في العهدين الأموي والعباسي كانوا يمدحون الخليفة فيكسبون منه المال ويقتاتون به

ومن المدح الحمد ، وهو أشد المدح ، وقد اختص به الله سبحانه وتعالى ، وقد قال أمية بن أبي الصلت في الإسلام حامداً الله:


لك الحمد والنعماء والملك ربنا = فلا شيء أعلى منك وأمجد
مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ = لعزته تعنو الوجوه وتسجد
فسبحان من لا يعرف الخلق قدره = ومن هو فوق العرش فردٌ مُوحد
هو الله بارك الخلق و الخلق كلهم = إماءٌ له طوعا جميعاً وأعبد
مليك السموات الشداد وأرضها = يوم يبقى والخليقةُ تــنفدُ

عامرحريز
08/04/2007, 01:06 PM
سأقوم بنقل نبذة عن عدد من شعراء المديح وسأبدأ بإذن الله بشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت..

هو أبو الوليد حسان بن ثابت من قبيلة الخزرج التي هاجرت من اليمن إلى الحجاز وأقامت في المدينة مع الأوس . ولد في المدينة قبل مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بنحو ثماني سنين ، عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي الإسلام ستين أخرى . شب في بيت وجاهة وشرف منصرفا إلى اللهو والشرب والغزل . فأبوه ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي ، من سادة قومه وأشرافهم . وأمه " الفزيعة بنت خنيس بن لوزان بن عبدون " خزرجية مثل أبيه . وحسان بن ثابت ليس خزرجيا فحسب بل هو أيضا من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فله به صلة وقرابة.

وكانت المدينة في الجاهلية ميدانا للنـزاع بين الأوس والخزرج ، تكثر فيها الخصومات والحروب ، وكان قيس بن الخطيم شاعر الأوس ، وحسان بن ثابت شاعر الخزرج الذي كان لسان قومه في تلك الحروب التي نشبت بينهم وبين الأوس في الجاهلية ، فطارت له في البلاد العربية شهرة واسعة .

وقد اتصل حسان بن ثابت بالغساسنة ، يمدحهم بشعره ، ويتقاسم هو والنابغة الذبياني وعلقمة الفحل أعطيات بني غسان . فقد طابت له الحياة في ظل تلك النعمة الوارف ظلالها . ثم اتصل ببلاط الحيرة وعليها النعمان بن المنذر ، فحل محل النابغة ، حين كان هذا الأخير في خلاف مع النعمان ، إلى أن عاد النابغة إلى ظل أبي قابوس النعمان ، فتركه حسان مكرها ، وقد أفاد من احتكاكه بالملوك معرفة بالشعر المدحي وأساليبه ، ومعرفة بالشعر الهجائي ومذاهبه . ولقد كان أداؤه الفني في شعره يتميز بالتضخيم والتعظيم ، واشتمل على ألفاظ جزلة قوية .

وهكذا كان في تمام الأهبة للانتقال إلى ظل محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام ، والمناضلة دونه بسلاحي مدحه وهجائه .

لما بلغ حسان بن ثابت الستين من عمره ، هاجر إلى مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فدخل في الإسلام . وراح من فوره يرد هجمات القرشيين اللسانية ، ويدافع عن محمد والإسلام ، ويهجو خصومهما . قال صلى الله عليه وسلم يوما للأنصار :

" ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم ؟ " فقال حسان بن ثابت : أنا لها ، وأخذ بطرف لسانه ، وقال عليه السلام :

" والله ما يسرني به مِقْول بين بصرى وصنعاء "

ولم يكن حسان بن ثابت وحده هو الذي يرد غائلة المشركين من الشعراء ، بل كان يقف إلى جانبه عدد كبير من الشعراء الذين صح إسلامهم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على شعر حسان ، وكان يحثه على ذلك ويدعو له بمثل :" اللهم أيده بروح القدس" عطف عليه ، وقربه منه ، وقسم له من الغنائم والعطايا . إلا أن حسان بن ثابت لم يكن يهجو قريشا بالكفر وعبادة الأوثان ، إنما كان يهجوهم بالأيام التي هزموا فيها ويعيرهم بالمثالب والأنساب . ولو هجاهم بالكفر والشرك ما بلغ منهم مبلغا . كان حسان بن ثابت لا يقوى قلبه على الحرب ، فاكتفى بالشعر ، ولم ينصر محمدا بسيفه ، ولم يشهد معركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غزوة .

مما لا شك فيه أن حسان بن ثابت كان يحظى بمنزلة رفيعة ، يجله الخلفاء الراشدون ويفرضون له في العطاء . في نفس الوقت ، فإننا لا نجد في خلافة أبي بكر رضي الله عنه موقفا خاصا من الشعر ، ويبدو أن انشغاله بالفتوحات وحركة الردة لم تدع له وقتا يفرغ فيه لتوجيه الشعراء أو الاستماع إليهم . في حين نجد أن عمر رضي الله عنه يحب الشعر ، خاصة ما لم يكن فيه تكرار للفظ والمعنى . وقد روي عن كل من الخليفتين الراشدين عددا من الأبيات لسنا في صدد إيرادها .

يقول الدكتور محمد مصطفى سلام : لقد غلبت على أساليب حسان الشعرية الصبغة الإسلامية كتوليد المعاني من عقائد الدين الجديد وأحداثه والاستعانة بصيغ القرآن وتشبيهاته ولطيف كناياته، وضرب أمثاله، واقتباس الألفاظ الإسلامية من الكتاب والسنة وشعائر الدين، كما غلبت عليها الرقة واللين والدماثة واللطف وسهولة المأخذ وواقعية الصورة وقرب الخيال، واكثر ما نرى ذلك في شعر الدعوة إلى توحيد الله وتنزيهه، وتهجين عبادة الأوثان، ووصف الشعائر الإسلامية وذكر مآثرها وبيان ثواب المؤمنين وعقاب المشركين وبعض ما مدح به الرسول (صلى الله عليه وسلم) أصحابه أو رثاهم به.


حادثة الإفك : يذهب بعض الرواة إلى أن حسان بن ثابت كان ممن خاض في حديث الإفك الكاذب على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قبل إسلامه ، ونراه يعلن براءته من هذا القول الآثم بأشعار يمدحها بها مدحا رائعا مثل قوله :


حصان رزان ما تزن بريبة = وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فإن كان ما قد قيل عني قلته = فلا رفعت سوطى إلي أنامـل

ويظهر أن بعض المهاجرين وعلى رأسهم صفوان بن المعطل أثاروه في هذا الحادث ، حتى وجد وجدا شديدا فقال :


أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا = وابن الفريعة أمسى بيضة البلد


وفاته

توفي حسان بن ثابت في المدينة المنورة سنه 54 للهجرة. قال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي في النبوة وشاعر اليمانيين في الإسلام. وقال المبرد في الكامل: أعرق قوم في الشعراء آل حسان فإنهم يعدون ستةً في نسق كلهم شاعر وهم: سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام.

عامرحريز
08/04/2007, 01:17 PM
قيمة شعر حسان بن ثابت

شعر حسان بن ثابت طبع مندفع ، وقريحة هائجة . ومن جوانب قيمة شعره :

1. القيمة الفنية : حسان بن ثابت شاعر شديد التأثر ، قوي العاطفة ، يفوته التأني ، ولهذا ترى شعره يتدفع تدفعا ، متتبعا في ذلك الطبع والفطرة لا الصنعة والتعمل . ومن ثم تلقى شعره خاليا من كل ما يتطلب النظر الهادئ المتفحص ، فمطالعه مقتضبة اقتضابا شديدا ، يسرع في الانتقال منها إلى موضوعة الذي تحتدم به نفسه ، وانتقاله غير بارع عادة . ثم إن كلامه يخلو من الترتيب والتساوق لما في عاطفته في فوران . وهذا الفوران نفسه يحول دون التنقيح . وقد نتج عن ذلك لين وضعف في شعره الإسلامي خصوصا ، لتقدمه في السن ولما كان هنالك من أحوال مثيرة للعاطفة وقد حمي النضال واستعر القتال ، ولانصراف الشاعر إلى الارتجال والسرعة في القول والتدقيق الموضوعي بذكر الغزوات وأربابها . وقد يكون بعض ذلك الضعف ناتجا عما أضيف إلى ديوان حسان بن ثابت من الشعر المنحول . ويخلو شعره من الوصف والتمثيل اللذين كانا في الشعر الجاهلي عموما . إلا أنه لا يخلو على كل حال من الاندفاع العاطفي العنيف ، والصدق في ذلك الاندفاع ، وانتفاض العصب في الأبيات التي تنطلق أحيانا كالسهام أو كالسيل الذي يجرف السخط والهيجان ، والكلام المقذع الذي يهشم تهشيما . وإننا نلمس في كلام حسان أثرا للدين الجديد وللقرآن ، وذلك ظاهر في المعاني الجديدة من ارتياح إلى المصير ، وتفصيل بعض العقائد والشعائر من توحيد وتنزيه وثواب وعقاب ، وذلك ظاهر أيضا في الألفاظ التي أعطاها الإسلام إيحاء جديدا ، ونثرها حسان في شعره . ولقد حق بعد ذلك أن يقال أن حسان بن ثابت هو مؤسس الشعر الديني في الإسلام .

2. القيمة التاريخية : لشعر حسان ، فضلا عن القيمة الفنية ، قيمة تاريخية كبرى ، فهو مصدر من مصادر تاريخ تلك الأيام ، يسجل مآتي الغساسنة ويصف غزواتهم وممتلكاتهم ، ويسجل أحداث الفجر الإسلامي ، ويطلعنا على أخبار محمد صلى الله عليه وسلم في غاراته وغزواته وفتح مكة ، كما يطلعنا على أسماء الصحابة وأعداء الإسلام . وهكذا كان حسان بن ثابت شاعرا ومؤرخا كما كان شعره فاتحة للشعر السياسي الذي ازدهر في عهد بني أمية .

نماذج من شعر حسان بن ثابت

لحسان بن ثابت لاميته التي يمدح بها الغساسنة بمثل قوله :


بيض الوجوه كريمة أحسابهم = شم الأنوف من الطراز الأول

ومقطوعته الدالية التي يستهلها بقوله :

وإن سنام المجد من آل هاشم = بنو بنت مخزوم ووالدك العبد

ومقطوعته الميمية التي يقول فيها :

لعمرك إن إلك من قريش = كإل السقب من رأل النعام


وقصيدته الهمزية التي يقول فيها لأبي سفيان بن الحارث :


هجوت محمد فأجبت عنه = وعند الله في ذاك الجزاء
وجبريل أمين الله فينا = وروح القدس ليس له كفاء
فإن أبي ووالده وعرضي = لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكفء = فشركما لخيركما الفداء

وهو في هذه القصيدة يعرض لنا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ومتابعة قومه له ونصرتهم لدينه . ويقول أيضا في دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم :


إن كان في الناس سباقون بعدهم = فكل سبق لأدنى سبقهم تبــع
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم = لا يطمعون ولا يزري بهم طمع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم = أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم = وإن أصيبوا فلا خور ولا جزع

ومن رثائه :

مرثيته البديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها أبو زيد الأنصاري فيقول :


ما بال عينك لا تنام كأنما = كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا = يا خير من وطئ الثر : لا تبعد
جنبي يقيك الترب لهفي ليتني = غيبت قبلك في بقيع الغرقد

ورثاؤه لعمر حين توفي على إثر طعنة فيروز أبو لؤلؤة المجوسي :


وفجعنا فيروز لا در دره = بأبيض يتلو المحكمات منيب


إن من يتعمق في ديوان حسان بن ثابت ، يجد أن فحلولة شعره لم تفارقه في جاهليته وإسلامه ، وفي فخامته وعذوبته ، ولا شك في أن ما يظهر من ضعف ولين في بعض إسلامياته ليس أصيلا في فنه وإنما هو عارض ، ساقته ظروف طارئة ، أو منحول دس عليه لغرض ديني أو فكاهي . فلقد كان حسان بن ثابت رمزا من رموز المدافعين عن حياض الإسلام والمسلمين ، فلقد سخر هجاءه في ذم أعداء النبي عليه الصلاة والسلام، ولقد مضى مفتخرا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين ، وإخوانه الأنصار .



رحم الله حسان بن ثابت ، وجزاه عنا خير الجزاء …


من مواقع:

محمد شمسي باشا:
http://www.khayma.com/mchamsipasha/Hassan.htm
ويكيبيديا
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D9%86_%D8%A8%D9%86_%D8%AB%D8%A7 %D8%A8%D8%AA