المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحياة العلمية في إقليم سجستان منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن الرابع الهجري



شاكر عبد العزيز
29/07/2011, 07:31 AM
الحياة العلمية في إقليم سجستان منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن الرابع الهجري
الباحث:
د / علي محمد فريد علي مفتاح
الدرجة العلمية:
دكتوراه
الجامعة:
صنعاء
الكلية:
الآداب
القسم:
التاريخ
بلد الدراسة:
اليمن
لغة الدراسة:
العربية
تاريخ الإقرار:
2007
نوع الدراسة:
رسالة جامعية

المقدمة:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدنا الله ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد .
فإنه يطيب لي بعد إكمال هذه الدراسة أن أسجّـل أسماء آيات الشكر والعرفان إلى أستاذي القدير المشرف العلمي الأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن عبد الواحد الشجاع ، على تفضله بقبول الإشراف العلمي على هذه الدراسة ، مضحياً بالكثير من وقته الثمين لتقديم توجيهاته السديدة ، ونصائحه القيمة ، وتشجيعه العلمي والمعنوي ، ومتابعته الدقيقة والمستمرة دون كلل أو ملل ، فكان لنصائحه ، وتوجيهاته ، وسداد رأيه ، وعمق بصيرته ، أعظم الأثر في إثراء هذه الدراسة ، وإخراجها إلى النور ، فضلاً عما استفدت شخصياً من جميل شمائله ودماثة أخلاقه ، وحسن سلوكه ، فله مني جزيل الشكر والتقدير والعرفان وجزاه الله عني خير الجزاء.
كما أتقدم بخالص شكري وعظيم امتناني للأستاذين الفاضلين الناقدين عضوي لجنة المناقشة ، الأستاذ الدكتور / رعد زهراو الموسوي والأستاذ الدكتور / محمد عبده السروري؛ لتفضلهما مشكورين مناقشة هذه الأطروحة ، وتجشمهما عناء قراءتها وتقويمها فلهما مني جزيل الشكر والتقدير .
كما انتهز الفرصة في هذا المقام لأسجل كلمة شكر وتقدير إلى عمادة كلية الآداب جامعة صنعاء ورئيس قسم التاريخ وأساتذته الأجلاء على تذليلهم لكثير من الصعوبات والمشقات التي رافقتني خلال مدة أنجاز هذه الدراسة . وأخص بالشكر زميلي العزيز الدكتور رضوان محمد مصلح الليث .
وأسجل شكري وعظيم امتناني إلى مدير وموظفي مكتبة مركز البحوث والدراسات اليمنية التابع لجامعة عدن ، وإلى موظفي مكتبة جامع أبي ذر الغفاري بمدينة خور مكسر وموظفي مكتبة كليتي الآداب والتربية جامعة عدن ، على ما بذلوه من جهود في سبيل حصولي على مرادي مما تكتنزه هذه المكتبات من ثروة علمية قيمة .
والشكر موصول إلى موظفي المكتبة المركزية التابعة لجامعة القاهرة ، وإلى العاملين في قسم الدراسات الشرقية تابع لها على حسن سلوكهم ، وجميل معاملتهم ، وعلى ما بذلوه من جهود في سبيل حصولي على الكثير من المصادر العربية الأولية المهمة ، فضلاً عن المصادر والمراجع الفارسية والأجنبية .
وكذلك أتقدم بالشكر والتقدير إلى كل من أخذ بيدي وساعدني في ترجمة العديد من النصوص المتعلقة بدراستي من المصادر الفارسية والمراجع الأجنبية الحديثة . وأخص بالشكر زميلي العزيز الدكتور الواعد علي الزبير على ما بذله من جهود في تقديم هذه الدراسة لغوياً ، وإلى الأخ/ امتياز إسماعيل رحمة الله على ما بذله من عناية في سبيل طباعة هذه الدراسة وإخراجها فنياً، وختاماً أتوجه بخالص التحية والتقدير إلى كل من كان لهم فضل في إنجاز هذه الدراسة ، ولم يسعني المقام الإشارة إلى ذكرهم ، إليهم جميعاً خالص الشكر والتقدير ، وجزى الله الجميع عني خير الجزاء . وبعد :
اتجهت الدراسات التاريخية في الآونة الأخيرة إلى دراسة تاريخ المشرق الإسلامي، سواء كان ذلك على مستوى التاريخ السياسي أو الحضاري ، ونتج عن ذلك عدد من الدراسات المهمة، كان لها عظيم الأثر في إلقاء الضوء على تاريخ هذا الجناح المهم من دار الإسلام ، وبرغم تلك الجهود فإن بلاد المشرق بحاجة إلى مزيد من الدراسات الرصينة؛ للكشف عن جوانب تاريخها ؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية ، ويبدو أن الجوانب الفكرية والعلمية، تعد الأهم والأجدر بالبحث والاهتمام؛ لأن فكر الأمة وعلومها تعد من أعظم جوانب مجدها خطراً ، وأبقاها أثراً ، فهو يمثل وجدانها وتجربتها عبر التاريخ في أنحاء شتى من المعرفة الإنسانية ، وآية ذلك أن الفكر هو الركيزة الأساسية التي تقدم الغذاء الأصيل للنفس الإسلامية المتوثبة والمنطلقة نحو إيجاد مكانتها ووجدانها في الفكر العالمي المزدحم بأطر متنوعة من القيم والحضارات.
فكان من فضل الله وتوفيقه أن يسّر لي التقدم بفكرة بحث في الحضارة الإسلامية ، في مرحلة من أزهى مراحل التاريخ الإسلامي ، بل في مرحلة مدحها الرسول r بقوله : (( خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) .
وإذا كان التاريخ يعد شعاعاً من الماضي ينير للإنسانية حاضرها ، ومستقبلها، ويعطيها الثقة في نفسها ، لتسير قدماً في طريق الرقى والتقدم ، فإن الحضارة الإسلامية منحة من الله جل شأنه لبني البشر ، حملها المسلمون إليهم ، وكان لأبناء إقليم سجستان جهد موفور في هذا المجال، ومن هنا نشأت فكرة البحث .
عنوان البحث وأسباب اختياره :
رأى الباحث في أثناء دراسته للماجستير الموسومة بـ( السلطان محمود الغزنوي، سياسته ودوره في نشر الإسلام في شبه القارة الهندية ) أن إقليم سجستان – أحد الأقاليم التي سيطر عليها السلطان محمود وضمها إلى أملاكه سنة 393هـ /1003م – قد لقي عناية واهتماماً من بعض الدارسين والباحثين ، وعند تصفح بعض الكتب و الدراسات التي عنيت بهذا الإقليم اتضح أنها – في معظمها – تجنح إلى عرض النواحي السياسية ، وربما ظهرت أشارات هنا وهناك إلى الجانب الحضاري بمفهومه الواسع ، وبينما كاتب هذه الدراسة يتصفح واحدة من تلك الدراسات العلمية والموسومة بـ ( إقليم سجستان منذ الفتح العربي حتى منتصف القرن الثالث الهجري ، دراسة في أحوال السياسية والاقتصادية والثقافية ) لعاطف عبود حمودي القيسي ، وقع نظره على عبارة كتبها الباحث في آخر فصول دراسته ونصها: ((إن هذه الحركة الفكرية التي سنحاول أن نورد أسماء رجالاتها تصلح أن تكون موضوعاً لدراسة مستقلة؛ نظراً لإسهاماتها الغنية ، ومواقفها الفكرية والعلمية الواضحة....)) .
وهذا ما دفع للعكوف على قراءة الكتب التي تبحث في مجال الحضارة الإسلامية بعمق، فاتضح فعلاً أن الجانبين: الفكري والعلمي كانا من أبرز جوانب الحضارة و أهمها في هذا الإقليم ، وأنهما لم يأخذا قسطاً وافراً من الدراسة والبحث، ولاسيما في القرون الأربعة الأولى من الهجرة ، فوقع الاختيار على العنوان التالي :
((الحياة الفكرية والعلمية في إقليم سجستان منذُ الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن الرابع الهجري ، 23-399هـ/644-1009م)) .
ويقصد بالحياة الفكرية والعلمية ذلك العطاء الهائل في مجال الفكر والعلم ، بفرعيه النقلي والعقلي ، حيث أنتجت عقول أبناء هذه البلاد من خلال ارتباطها بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة فكراً وعلماً متميزين أسهما إسهاماً كبيراً في خدمة الأمة الإسلامية بأسرها ، وأصبحا مصدراً رئيساً تفيد منه الأجيال.
كما اقتبست تلك العقول علوماً تجريبية سبقت ظهور الإسلام ، وقامت بمزيد من البحث والدراسة فيها، فتوصلت إلى نتائج جديدة ، وبذلك قدمت للمجتمع خدمات جليلة ؛ بإحيائها تلك العلوم ، وتطويرها ، وربطها بما ينفع الناس .
وأما إقليم سجستان ، فكان القصد منه تلك البلاد التي توزعت حالياً بين جمهورية إيران الإسلامية وأفغانستان، وكانت من قبل إقليماً واحداً، وولاية إسلامية واحدة ، فتحها المسلمون في عهد عمر ابن الخطاب t.
أما اختيار الإطار الزماني الذي يمتد منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي؛ فلأن القرون الأربعة الأولى من الهجرة تعد من أخصب القرون في تاريخ بلاد الإسلام عامة، وإقليم سجستان خاصة ،فقد ازدهرت خلالها العلوم ، وبرز فيها عدد من العلماء الفطاحل في شتى أنواع العلوم والمعارف ، كما أن تلك المدة ظهرت فيها دول إسلامية انفصلت عن جسم الخلافة الإسلامية تعاقبت على حكم هذا الإقليم ، فلم يعط ذلك التغبير السياسي إلاَ مزيداً من العطاء الفكري والعلمي ، والارتباط بالفكر الإسلامي الأصيل المتجذّر .
أهمية الموضوع :
ترجع أهمية موضوع هذه الدراسة إلى عدد من الأمور منها :
1- أن إقليم سجستان كان من الأقاليم المهمة للخلافة الإسلامية بوصفه ثغراً إسلامياً، وقاعدة إسلامية مهمة لمواجهة القوى التي تهدد الدولة الإسلامية من الشرق والشمال الشرقي ممثلة في زنابلة كابل وزابلستان وبلاد الهند الشمالية ، ثم أصبح فيما بعد إقليماً تابعاً للدولة الطاهرية(205-259هـ /820-873م) التي اتخذت من نيسابور قاعدة لها ، ثم نشأت فيه الدولة الصفارية(247-300هـ / 861-912م) واتخذته قاعدة لحكمها ، ومنطلقاً لسيطرتها على بقية الأقاليم الشرقية، وبعد انهيارها انضوى تحت سيادة الدولة السامانية (250-395هـ /864-1005م) ثم الغزنوية(351-582/962-1186م) ، ومن ثم فإن البحث في هذا المجال سيكشف طبيعة الحياة الفكرية والعلمية في إقليم سجستان في ضل هذه الأوضاع ، وهل تأثرت بمجريات الأحداث السياسية أم لا ؟ ،وهل كان لصراع القوى السياسية المتنافسة أثر في الجانب الفكري والعلمي ؟ ومن ثم هل كان للعلماء، ورجال الفكر ، دور في هذا الصراع ؟ أم أن هَمهم وشغلهم كان منصباً في ميدان العلم والمعرفة؟!.
2- إن إقليم سجستان –خلال هذه المدّة – كان موطناً لتيارات فكرية ومذهبية مختلفة ، ولكل واحد منها علماؤه ، وآراؤه ، ومعتقداته ، كانت تلقى دعماً من بعض القوى السياسية ، إن لم تكن تتبنّاها، وتؤمن بفكرها، وتعمل جاهدة على نشرها ،فقد كان هناك حضور كبير لفرقة الخوارج ، حتى قيل ((إن سجستان كعبة خوارج المشرق )) وبهذه البلاد نشأت فرقة الكرّامية المجسمة وترعرت قبل انتشارها في أقاليم المشرق الإسلامي الأخرى، كما سادت في إقليم سجستان المذاهب الفقهية السنية ولاسيما المذهبين الحنفي الشافعي ، وبعض مذاهب الشيعة كالجعفرية والإسماعيلية . ودراسة هذه الفرق والمذاهب مهم جداً ؛ لبيان أثرها في تطور الفكر الإسلامي في هذه البلاد خاصة، والبلاد الإسلامية عامة .
3- إن هذه الدراسة تبرز جوانب العطاء الفكري والعلمي لأبناء إقليم سجستان في مجال العلوم والمعارف المختلفة، من : قراءات وتفسير ، وحديث ، وفقه ، وعقيدة ، وتاريخ ، ولغة ، ونحو، وأدب ، وطب ، ورياضيات ، وفلك ، وفلسفة ، وأنه قلما تجد مكتبة في العالم تحوي كتباً باللغة العربية ليس فيها نتاج علمي لواحد على الأقل من أبناء إقليم سجستان .
4- إن هذه الدراسة تعرض المُثل العليا التي ظهرت في حياة علماء هذه الأمة ؛ ليكون مجال الاقتداء بهم عبر التاريخ مفتوحاً ، ولبيان كرامة العلم والعلماء ومنزلتهم،وتثبيت قلوب السالكين لهذا الطريق ، فلعل هذه الدراسة تحقق بعضاً من هذه المعاني .
منهج الدراسة :
اتبعت هذه الدراسة المنهج التاريخي في كلياته وجزئياته ، من خلال إلقاء نظرة تحليلية فيما ورد في المصادر والمراجع المختلفة من معلومات ، ثم جمعها ومقارنتها ، وفرز الحقائق المتعلقة بكل عنصر من عناصر هذه الدراسة ، وتحديد العلاقة بينها ، ثم عرض النتائج وتفسيرها ،وهناك بعض الإجراءات المنهجية اتبعت في هذه الدراسة لا بد من لفت النظر إليها منها :
1- عند الحديث عن الفرق الفكرية حاولت الدراسة التحدث عن أهم الفرق مع بيان ما اشتهر من أرائهم ومعتقداتهم ، كونها تفرز سلوكاً وعملاً .
2- تعرضت الدراسة لأهم المراكز العلمية إلا أنها لم تستقصي كل المناطق إما لشحة المعلومات ، وإما لعدم وجود ما يفيد بوجود حركة علمية كان لها أثر في تطور الحياة العلمية والفكرية في هذه البلاد .
3- وفي مجال أماكن التعليم ونظمه ، تحدثت الدراسة عن أهم أماكن تلقي العلم بشيء من الإيجاز والاختصار لشحة المعلومات عن هذه الأماكن ، ومن أشهرها الكتاتيب ، والمساجد والأربطة ، وقصور الأمراء ودواوينهم ، ومنازل العلماء ، والمكتبات ودور العلم . وأخيراً البيمارستانات . ثم أوضحت الدراسة نظام التعليم السائد ، وبيان مراحله، وما تبع ذلك من الحديث عن مناهج كل مرحلة من تلك المراحل ، وموادها المقررة ، وطرق تدريسها ، وبرامجها اليومية والأسبوعية وما إلى ذلك .
4- اقتصر الحديث في الرحلة العلمية على أشهر العلماء وطلبة العلم المرتحلين من إقليم سجستان وبيان أثرهم الفكري ؛ منعاً للإطالة . وفي المقابل تتبعت الدراسة أشهر الوافدين على إقليم سجستان وآثارهم الفكرية والأدبية .
5- عدم التوسع كثيراً في ترجمة العلماء ؛ خوفاً من الإطالة ، وإنما كان التركيز منصباً على التعريف السريع بالعالم وأبرز نتاجه العلمي في المجالات المختلفة.
6- التعرف على العلوم التي كانت سائدة في إقليم سجستان ، وقصر الحديث عنها فقط ، مع إعطاء لمحة موجزة ـ أحياناً ـ عن حركة هذا العلم أو ذاك في بلاد الإسلام عامة ، وكيف كانت طريقة انتشاره إلى بقية الأمصار .
7- بما أن العلوم اشتهرت برجالها الذين حملوها ، واهتموا بنشرها وتطويرها ، وهؤلاء الرجال على صنفين ؛ صنف أصحاب نتاج علمي ، تمثل في مصنفاتهم العلمية القيمة ، وصنف آخر غير مصنفين ـ بحسب علم الباحث ـ ولكنهم اشتهروا بوصفهم مشائخ وحفاظاً ، فإن التعامل معهم كان على النحو التالي :
أ- تتبع أشهر علماء إقليم سجستان المصنفين في شتى أنواع العلوم والمعارف ، وعرض نتاجاتهم العلمية ـ بحسب الترتيب الزمني ما أمكن ذلك ـ بهدف رصد ظاهرة الكثافة العلمية أو النضوب في المحصول العلمي من المؤلفات .
ب- تتبع أشهر علماء إقليم سجستان الذين لم يصنفوا كتباً ـ بحسب ما وصل إليه علم الباحث ـ لكنهم أسهموا في تطور العلوم من خلال مجالسهم وحلقاتهم العلمية مع تلاميذهم النجباء الذين نقلوا فكرهم وآراءهم في كتب من جاء بعدهم.
ج- اضطر الباحث للوقوف عند بعض المصنفات ذات القيمة العلمية الكبيرة التي صارت من أسس العلوم على مستوى دار الإسلام عامة ؛ بهدف بيان أهميتها وأهم خصائصها.
د- تكرر ذلك بعض العلماء في أكثر من علم ، لعدم وجود التخصص الدقيق كما هو معروف اليوم، فالإمام أبو سليمان الخطابي البستي مثلاً: كان إماماً في الحديث والفقه، واللغة والأدب والرقائق، تكرر اسمه عند الحديث عن كل هذه العلوم ومثله كثير...
هـ- تم إلحاق علم الرجال بعلم التاريخ ؛ لأن مادته العلمية مرتبطة بعلم التاريخ مثلها مثل كتب الطبقات والتراجم والوفيات ، وإن كانت تهتم برجال الحديث جرحاً وتعديلاً ، لأن المؤرخ قد يرجع إلى هذه المادة العلمية أكثر من غيره .
8- لتوضيح ما هو مطبوع أو مخطوط أو مفقود من النتاج العلمي تمت العودة إلى بعض الكتب والفهارس المطبوعة أو المخطوطة التي عنيت بتوثيق تراث الأمة ؛ للاستفادة مما سجلته عن مصير هذه المؤلفات ، فأما ما هو مطبوع فيتم التعريف به في الهامش من خلال ذكر دار النشر ، وبلد النشر ، وسنة النشر ، واسم المحقق ـ إن وجد ـ ولاسيما المؤلفات ذات الطبعات النادرة ، أما المؤلفات المشهورة ، التي طبعت مرات عديدة فيتم الاكتفاء بالإشارة التالية: (( كتاب مطبوع ومتداول، أو طبع عدة طبعات وهكذا )).
أما المؤلفات المخطوطة فيتم الإشارة في الهامش إلى أماكن وجودها ، وأرقامها ما أمكن ذلك ، أما المؤلفات التي لا تتم الإشارة إليها في أثناء الكتابة في الهامش فهي التي لا يعرف عنها شيء ، مع الإشارة ـ أحياناً ـ إلى بعض ما هو مفقود ودلت المصادر على ذلك .
9- لم تتقيد هذه الدراسة ـ في أثناء الاستشهاد على الظواهر الفكرية والعلمية ـ بالعلماء الذين عاشوا في القرن الرابع الهجري فقط ؛ وإنما ، تم الاستشهاد بكل من عاش في القرن الرابع الهجري ثم امتد به العمر إلى القرن الخامس حتى ولو كان بعقد واحد أو عقدين أي حتى سنة 420هـ / 1029م ، لأن هؤلاء العلماء عاشوا نصف حياتهم وربما أكثر من ذلك في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي .
10- حاولت الدراسة ـ رغم كثرة العلماء والأسماء ـ أن توضح تاريخ وفاة العلماء ممن تم الاستشهاد بهم ، وإن تعذر ذلك تصريحاً ـ فيما توفر من مصادر ـ تم الاستدلال على وفاتهم من خلال معاصرتهم لمن تأكد تاريخ وفاته من العلماء أو الأمراء والسلاطين .
هيكل الدراسة
تم تقسيم هذه الدراسة إلى مقدمة وفصول سبعة وخاتمة وعدد من الملاحق التوضيحية ، وتفاصيل ذلك على النحو التالي :
الفصل الأول : إقليم سجستان وأحواله السياسية :
وتم تقسيمه إلى جزأين رئيسين ، الأول : خصص لدراسة جغرافية إقليم سجستان من النواحي التالية : ( التسمية ، الموقع ، الحدود ) .
أما الجزء الثاني فتصدى لدراسة أحوال إقليم سجستان السياسية ، ابتداءً من الفتح الإسلامي ، ومروراً بعهد الولاة في العصرين الأموي والعباسي ، وانتهاء بدراسة أحوال سجستان في عهد الدول المنفصلة عن جسم الخلافة العباسية، وهي على التوالي( الطاهرية ، الصفارية ، السامانية ، الغزنوية)، ونظراً لطول المدة الزمنية ، وكثرة أحداثها السياسية ، وتناولها بالبحث والدراسة من قبل باحثين سبقوني ، فقد كان الحديث مختصراً ومركزاً ، مع الإحالة إلى المصادر والمراجع، والدراسات العلمية لمن أراد التفاصيل .
الفصل الثاني: المراكز الفكرية وأماكن التعليم ونظمه :
وتم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام أساسية ، الأول : خصص لدراسة المراكز الفكرية والعلمية المتمثلة في المدن والقرى التي اشتهرت فيها حركة علمية ، بينما تصدى القسم الثاني لدراسة أماكن التعليم الأساسية المتمثلة في : الكتاتيب ، والمساجد ، والأربطة ، وقصور الأمراء ودواوينهم ، ومنازل العلماء ، والمكتبات ودور العلم ، والبيمارستانات ، ثم توضيح دور المراكز العلمية وأماكن التعليم وأهميتها بوصفها قاعدة أساسية ترتكز عليها الحياة الفكرية والعلمية في أي مكان . أما القسم الأخير فعني بدراسة نظام التعليم السائد في هذه البلاد ، وتم تقسيمه إلى مرحلتين أساسيتين هما : مرحلة التعليم الأولى ( الكتّاب ) ، ومرحلة التعليم العالي ( المسجد ) ، مع بيان نظام كل مرحلة من حيث : الهدف ، والمواد المقررة ، والنظام الخاص بكل مرحلة ، ومواعيد الدراسة اليومية والأسبوعية ، وطرق التعليم ووسائله المختلفة. علماً أن نظام التعليم في إقليم سجستان لا يختلف في جوهره كثيراً عن نظام التعليم السائد في الأمصار الإسلامية المختلفة ، خلال تلك القرون .
الفصل الثالث : الفـــرق والمـذاهـب :
وقد اشتمل هذا الفصل على خمسة أجزاء رئيسة هي :
1- الخوارج ، وكان الحديث عنهم مركزاً في النقاط التالية : نشأة الخوارج ، وأهم أسمائهم وألقابهم ، وعقائدهم العامة ، وأهم فرقهم الرئيسة ذات العلاقة الفكرية بخوارج سجستان ومجمل آرائهم ومبادئهم ، وانتشار مذهبهم في إقليم سجستان ، ثم فرق خوارج سجستان وأهم آرائهم ومبادئهم .
2- الكرَّامية : وتم الحديث عن : نشأتها ، وأهم مبادئها ومعتقداتها ، وأماكن انتشارها ، والتصدي لها فكرياً داخل إقليم سجستان وخراجه .
3- المذاهب الفقهية السنية : وتم الحديث فيه عن حالة المذاهب الإسلامية في دار الإسلام عامة ، ثم الحديث عن المذاهب الفقهية في إقليم سجستان ، كيف ، وأين ، ولماذا انتشرت ؟.
4- المذاهب الشيعية : وكان الحديث عنها مختصراً جداً ؛ لشحة المادة العلمية فاقتصر الحديث عن المذهبين الجعفري والإسماعيلي .
5- الفرق الدينية غير الإسلامية : وهي عبارة عن أقليات داخل المجتمع السجستاني؛ كاليهود والمسيحيين وبعض بقايا الديانات الوثنية كالديانة الزرادشتية ( المجوسية ) .
الفصل الرابع : الرحلة العلمية وأثرها الفكري والعلمي :
تعد الرحلة العلمية أشهر وسائل تلقي العلوم والمعارف المختلفة ؛ إذ كانت منزلة العالم تتحدد بحسب كثرة ارتحاله وتعدد مشايخه ، لذا خصص هذا الفصل لدراسة الرحلة العلمية وبيان أثرها الفكري والعلمي ، فكان الحديث أولاً : عن معنى الرحلة العلمية ومقصودها ، ونشأتها ، وأهدافها وأهم فوائدها وآدابها ، ومن ثم تتبع أشهر علماء إقليم سجستان المرتحلين إلى المدن والأمصار الإسلامية المختلفة ، وأثرهم الفكري والعلمي في المناطق المرتحل إليها ، وأخيراً تتبع أشهر الوافدين على إقليم سجستان ، وبيان أثرهم الفكري والعلمي خلال مدة إقامتهم بهذه البلاد .
الفصل الخامس : العـــلوم الشــــرعية :
وتم تقسيم العلوم الشرعية إلى الآتي :
1- علوم القرآن ، وتشمل :
علم القراءات .
- علم التفسير .
2- علم الحديث .
3- علم الفقه .
4- علم العقيدة والكلام .
5- الرقائق .
وفيه تم التعريف بهذه العلوم ، ثم الحديث عن أشهر رجالاتها ، ورصد نتاجهم العلمي والفكري.
الفصل السادس : علــوم اللـغة العــــربية :
تم تقسيم علوم اللسان العربي إلى ما يلي :
1- علم اللغة .
2- علم النحو .
3- علم الأدب والبيان .
وفيه أيضاً تم التعريف بعلوم اللغة العربية ، ثم تتبع أشهر العلماء البارزين في هذه العلوم ورصد نتاجهم فيها .
الفصل السابع: علم التاريخ والعلوم الطبيعية والعقلية :
كان الجمع بين علم التاريخ والعلوم الطبيعية والعقلية لغرض فني بحت ، فعلم التاريخ نال حظاً من هذا الفصل ، حيث تم الحديث عن أشهر مؤرخي إقليم سجستان ونتاجهم العلمي .
وأما بالنسبة للعلوم الطبيعية والعقلية ، فكان التعامل معها بالطريقة نفسها التي اتبعت مع بقية العلوم الأخرى .
والجدير بالذكر أن هناك علوماً لم تكن موجودة ـ حسب علم الباحث ـ لم تُهمل تعمداً، وإنما لعدم توافر معلومات تاريخية عنها ومنها : الصيدلة ، والكيمياء ، والأحياء .
نتائج الدراسة واستخلاصها :
خلصت هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج والاستخلاصات أهمها :
1- إن فتح إقليم سجستان تم على مرحلتين ؛ الأولى :بدأها عاصم بن عمر التميمي سنة ( 23هـ / 644م)، في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t ، والثانية : كانت بقيادة الربيع بن زياد سنة 30هـ/651م ، في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان t.
2- أصبح إقليم سجستان منذ الفتح الإسلامي قاعدة عسكرية ، وثغراً مهماً ؛ لمحاربة زنابلة كابل وزابلستان ، وبعض مناطق الهند الشمالية .
3- إن طبيعة إقليم سجستان القاسية ، وموقعه الجغرافي المتطرف عن حواضر الإسلام المشهورة؛ حوّله إلى مكان ، وملاذ آمن تأوي إليه حملت الأفكار المناوئة للحكام في عاصمة الخلافة ، فأصبح مسرحاً لصراعات حادة بين الطوائف والقوى السياسية والقبلية المختلفة، التي تعاورته خلال القرون الأربعة الأولى من الهجرة ، فقد انتشر فيه الفكر الخارجي وتجذّر ، حتى قيل إن سجستان : (( كعبة خوارج المشرق )) ، كما تعاقب على حكمه عدد من الدول التي تسعى للانفصال عن الدولة الأم ( العباسية ) ، كان لكل دولة ، سياستها في إدارة الإقليم، والتعامل مع أهله، ومن ثم فإنه لم ينل حظه من الاستقرار السياسي والمذهبي.
4- إن الصراعات السياسية ، والانقسامات المذهبية الفكرية التي شهدها إقليم سجستان والتي عملت على تمزيق هذا الإقليم سياسياً وعقائدياً ، كانت عاملاً مساعداًً على تطور الحياة الفكرية والعلمية ؛ فقد أصبح من واجب كل فرقة أن تعمد إلى دحض الاتهامات التي يعلقها بها خصومها ، فتولد عن ذلك شحذ للفكر ، واستنشاط للهمم العلمية ، فكثرت المناظرات ، وانبرت الأقلام لتدبج المقالات العديدة ، وتصنف الكتب والروايات، مما أنتج ثروة علمية، شغلت الفكر زمناً طويلاً ، وتمخض عنها عدد من النظريات الفلسفية التي لم يكن للمسلمين سابق وعي بها .
5- وفي المقابل عمل ولاة هذا الإقليم وأمراؤه على التنافس فيما بينهم، فكان كل واحد منهم يسعى إلى تشجيع العلماء ، وطلبة العلم ، والتقرب منهم ، وإغداق الأموال عليهم ، وتوفير ما يحتاجون إليه في العملية التعليمية ، بل إن بعض هؤلاء الأمراء أنفسهم كانوا علماء وفلاسفة وأدباء ، وما الأمير خلف ابن أحمد السجستاني إلاّ أنموذجاً لذلك .
6- على الرغم من عدم استقرار أحوال إقليم سجستان السياسية والمذهبية ، فإن عدداً من المراكز الفكرية والعلمية ظلت تؤدي نشاطها ، وقد كانت المراكز الفكرية والعلمية إما مدناً ، وإما قرى ، ولم تأخذ الأخيرة شهرتها ـ غالباً ـ إلا لقربها من المدن الرئيسة التي كانت تعج بالعلماء ، وتزخر بأنواع العلوم والمعارف المختلفة ، أو بعد أن اتخذها أحد العلماء المشهورين داراً له ، فيرحل إليه الطلاب من داخل إقليم سجستان وخارجه.
7- لم يكن (الكـتَّـاب ) و ( المسجد ) المؤسستين التعليميتين الوحيدتين ، بل كان هناك عدد من المؤسسات التعليمية الأخرى مثل : الأربطة ، والخانقاوات ، ومنازل العلماء، وقصور الأمراء ودواوينهم ، والمكتبات ودور العلم ، والبيمارستانات ، وكلها أسهمت في ازدهار الحياة الفكرية والعلمية .
8- كان نظام التعليم السائد في إقليم سجستان ، لا يخرج عن نطاق النظام التعليم المتبع في دار الإسلام عامة ؛ من حيث نظامه ، ومنهجه ، وطرائق تدريسه ووسائله ، وبرامجه اليومية والأسبوعية.
9- كان وصول الخوارج إلى هذه البلاد النائية مبكراً ، فهو على الأرجح كان بعيد معركة النهروان سنة 37هـ /657م ، مما يدل على رسوخ فكر الخوارج ، وتجذر مذهبهم في بلاد سجستان ، وعلى الرغم من تعدد فرق الخوارج في إقليم سجستان، فإن ما اشتهر منها ، وعرف بهذه البلاد هما : العطوية بما فيهم العجاردة من النجدات ، وفرقة الصفرية ، التي غلبت وزاد نشاطها بعد ذلك، ومعنى ذلك أن فرقتين – على الأقل – من فرق الخوارج الكبرى ظهرتا في إقليم سجستان ظهوراً واضحاً هما: (العطوية والصفرية).
10- كانت الكرّامية ـ نسبة إلى محمد بن كرّام السجستان (ت:256هـ/869م) ـ إحدى الفرق الإسلامية التي دعت إلى تجسيم المعبود ، وقد نشأت وترعرعت في إقليم سجستان ، وليس كما يرى بعض الباحثين من أنها أول ما نشأت في إقليم خراسان. واستطاع ابن كرّام أن يكوّن له أفكاراً ، وآراء فلسفية خاصة ، دعا إليها أتباعه من أهل سجستان أولاً ، ثم أهالي المدن والأقاليم المجاورة ، ونجح في دعوته، فكون بذلك مذهباً عرف بمذهب الكرامية ، جذب إليه أفواجاً من الفقراء ، والعامة من أهل سجستان والأقاليم المجاورة الأخرى .
11- كان للمذاهب الفقهية السنية حضور قوي في إقليم سجستان ، وبالذات المذهبان الحنفي والشافعي ، فكان بينهما منافسة قوية ، وصراعاً فكرياً ، وجدلاً علمياً كبيرين يصل إلى حد التعصب الأعمى ، بل كانت تحدث بينهما – أحياناً – صدامات تراق فيها الدماء ، ويتدخل فيها السلطان .
12- كان لطالب العلم خلال القرون الأربعة الأولى من الهجرة، الحق في اختيار أستاذه الذي يأخذ عنه علمه، ولم يكن يقتصر على أستاذ بعينه ، أو على أساتذة بلده فقط ، ولكنه قد يأخذ العلم الواحد من أكثر من أستاذ داخل بلده أو خارجه ، ولذا كانت (الرحلة) العلمية للأخذ من العلماء المتفرقين في المراكز العلمية المتنوعة ، هذا فضلاً عن أن الطالب يظل طالب علم طوال عمره ، ولا تنتهي رحلة طلب العلم في سن معينة ، ولا يتلقى شهادة معينة فتنقضي بذلك مرحلة التحصيل العلمي ، فابن حبان البستي مثلاً : قضى في رحلته العلمية خارج بلاده أكثر من ثلاثين سنة ، وظل عالماً ومتعلماً حتى وفاته ؛ ولذا نشطت الرحلات العلمية من مدن إقليم سجستان وإليها خلال تلك الحقبة ، مما هيّأ مناخاً جيداً لتلاقح الأفكار ، فازدهرت العلوم والمعارف المختلفة في هذه البلاد ، وراج سوقها ، ولاسيما العلوم الشرعية منها .
13- حقق أهل سجستان إنجازات علمية ضخمة في شتى أنواع العلوم والمعارف ، فإلى جانب وجود جيل متسلح بنور العلم ، كان لعلماء سجستان نتاج علمي خصب ومتميز، إلاّ أن ذلك النتاج اختلف من عالم إلى آخر ، ومن قرن إلى قرن ، فنجد العلوم قد ازدهرت في القرنين الثالث والرابع ، على عكس القرنين الأول والثاني اللذين كان المسلمون فيهما منشغلين بالفتوح الإسلامية ، وتبليغ رسالة الإسلام.

وأخيراً نختم هذه الدراسة بتوصية للباحثين والمهتمين في مجالات العلوم والمعارف المختلفة ، إلى التوجه إلى ما كشفت عنه ، أو نفضت عنه الغبار ، من تراث علمي ضخم ومتميز ؛ لجمعه ودراسته ، وتحقيقه ، ثم إخراجه إلى النور ، لتفيد منه الأجيال الإسلامية المتعطشة ، التي هي اليوم أحوج ما تكون إليه ؛ لتنشيط هممها ، وتقوية عزائمها ، لمحاولة إحياء أمجاد الحضارة الإسلامية الغابرة ، التي اختفت وراء لوحات الصراعات السياسية الداخلية والخارجية ، فحجبت عن أنظارها أنوار الحضارة الإسلامية بشتى جوانبها ومظاهرها .

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه المرسلين