المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قــوت النمـل،،، قصة،



فاطمة عتباني
13/08/2011, 08:19 PM
الخمس بطون الجائعة تنطوي من الجوع على الجوع. يتكوم أطفالها منحشرين في أجساد بعضهم علها تمدهم بالدفء.
كانت تتخذ ركناً من البيت تنسج من الخيش المهترئ بعض غطاء، لتقي أطفالها زمهرير البرد القارص لعلها تشفي غليل قلبها العاجز عن حماية أولئك الصغار الذين لا حيلة لهم أمام قهر الطبيعة.
جلست القرفصاء تتأمل الفضاء الصامت من حولها في تمعن شديد تحت ضوء القمر الذي كان يفضح ملامح الأرض الجرداء بضوئه الباهر في ليلة بدرية شديدة البهاء. لم يكن تأملها سياحة حالمة في ذكريات ماضٍ حميم. لكنها كانت تبحث عن جُحر ولو صغير يؤذن بوجود حياة للنمل في مكان ما عاد للحياة فيه من وجود. سرحت بفكرها وهي تتساءل:هل تستطيع أن تسرق قوت النمل مثلما كانت تحكي لها جاراتها، حتى تسد به رمق الأفواه الخمسة التي لم يسكتها عن البكاء جوعاً إلا شدة الجوع؟.كيف يتسنى لها أن تفعل ذلك لتقتات على رزق هذا الكائن الضعيف؟ ومن هو الأضعف الآن ؟ ذلك النمل الذي كان هو الوحيد الذي يستطيع أن يحافظ على حياته في هذا المكان المقفر الذي يكتسي حلة من الجدب قضت على كل حياة فيه للزرع والضرع والإنسان، حتى صارت كل القرى المحيطة مقابر لمن كان يسكنها، فلم يعد الموت خبراً يجلب الحزن أو الفاجعة لمن يسمعه عن قريب له أو حبيب، بل أصبح ضرورة لابد لها أن تحدث في اليوم أكثر من مرة.
انقبض قلبها. نهضت في ضعف بالغ ونظرت في وجل نحو أطفالها المكومين فوق بعضهم على الفراش الوحيد المصنوع من القش، الموضوع في ركن قصي من غرفة الطين المتهالكة. دققت النظر وكأنها أرادت أن تتأكد أن أنفاسهم مازالت تملأ صدورهم.
تحرك ذلك القابع في أحشائها وكأنه يذكرها أنه لم يعد يحتمل جوعها الذي ما عادت تشعر به لشدة ما كان يعتريها، تحسست بطنها الهزيلة المتكورة أمامها وهي تتحسب لأنه قريباً ستزداد هذه الأفواه واحداً.
عادت ببصرها تتلفت حولها عسى أن تجد ولو أثراً لثقب يدل على وجود بيت للنمل، علها تنجح في جلب ما يسد رمق أطفالها. يضج برأسها السؤال: هل يمكنها أن تأكل قوت النمل؟. ثم يضيع في جوفها صامتاً تحت وطأة قرص الجوع في تلك الليلة الشتائية، التي لم تبق خلفها تياراً من البرد تحمله الليالي القادمات. تأوهت وهي تهمس لنفسها: هل طال ذلك الشتاء أكثر مما يجب أم أن الأيام ما عادت لتمضي؟ .
ظلت الليل بطوله تغالب فكرة البحث عن قوت النمل وتتقوى بضعفها على الصبر .
قبيل أن تشرق الشمس بقليل سمعت نحيباً مكتوماً يأتي من ناحية الأجساد النحيلة التي تتكوم فوق بعضها، اتجهت نحو صغارها فوجدت أحد التوائم يدخل سترته البالية في فمه محاولاً مضغها من شدة الجوع، اعتصر قلبها الألم، تحركت في تثاقل، خرجت متجهة دون هدى، هدفها الوحيد البحث عن بيت للنمل.
كانت الرمال تغطي كل شيء حولها، تأبى شمس الشتاء الاستوائية إلا أن توسم الجباه حتى تترك أثراً بأنها تختلف عن كل شمس تشرق على الأرض. أخيراً وبعد جهد هد عافيتها وجدت خلية كبيرة للنمل، بدأت تحفر في وهن وهي تغالب آلام المخاض، كانت الخلية كبيرة جداً وكان القوت فيها يكفيها وأطفالها ويزيد. حينما عادت، كان أطفالها التوأم قد فارقوا الحياة. لم تمهلها آلام المخاض أن تواري تلك الأجساد النحيلة التراب.
جلست ينازعها المخاض عن حزنها على صغارها. مرت اللحظات عصيبة، كادت تزهق روحها من شدة الضعف الذي كانت تعانيه، ومع آخر شهقة لها خرج الطفل، همت بابتسامة باهتة ولكنها مع صرخته الأولى غابت عن الوجود.
أحست بالمياه الباردة تتسلل إلى مسامها الظامئة. فتحت عينيها في تثاقل، لم تدرك كم من الوقت قد مر عليها وهي غائبة عن الوعي، وجدت الأمطار قد غمرت الأرض من حولها، تذكرت معاناتها ولحظات المخاض ورن في أذنيها صدى صرخة طفلها الرضيع، تلفتت حولها فوجدت جيشاً من النمل قد غطى الجسد الصغير.

كرم زعرور
14/08/2011, 02:37 PM
.. إنَّهُ جمالُ القَصِّ ، يشُدُّكَ معهُ حتّى آخر ٍكلمة ٍ، بل آخر ِحرف ٍ!
سعدتُ بالمُكوثِ في دوح ِالإبداع ِهذا .
تحيّاتي واحترامي ، أستاذة فاطمة .
كرم زعرور

فاطمة عتباني
14/08/2011, 05:13 PM
وسعدت أكثر سيدي الأستاذ كرم زعرور
أن إطلالتك كانت هي الأولى على صفحتي
لأسعد بهذا الدفق المعنوي من التشجيع
سلم مرورك،،،،،

أحمد المدهون
14/08/2011, 05:56 PM
الأستاذة الأديبة ‏فاطمة محمد عمر عتباني،

أبدعتِ القصّ، ورسم تفاصيل المشهد بعبارات آسرة، معبّرة بعمق المأساة.
هذا وعلى الضفة الأخرى، مترفون يلقون بفضلات طعام تكفي إطعام كل الجوعى والمحرومين.

نتذكر المجاعات في دول أفريقيا؛ والصومال التي تعيش حالة صومـ [ ... ] ـال.

إسمحي لي بتثبيتها في مكانها الذي يليق.

دمت مبدعة.
تحيتي وتقديري.

سعيد نويضي
14/08/2011, 06:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

سلام الله على الأديبة الفاضلة فاطمة...

بداية رمضان كريم و كل عام و أنتم بالف خير جعل الله هذا الشهر شهر خير و بركة و رحمة و مغفرة و عتق من النيران...

نيران قد تعددت أشكالها من فقر ضرب الإنسان في أعماقه...في قوته و علمه في حياته و في وجوده...

غول له رؤوس متعدة...رأس يشتكي الجوع المعرفي...و بطن يشتكي قوت يومه...

قصة :قوت النمل

هي قصيصة تضرب لنا المثل لحالة قد تعيشها مجتمات بأسرها...فالنمل لا يعيش فرادى بل يعيش جماعات و من هنا كان التشبيه يعكس فكرة الكائن الاجتماعي الذي يعيش ضمن منظومة اجتماعية...لكن منظومة الكائنات تختلف عن منظومة البشر...فلا يمكن بحال أن تترك جماعة النمل فردا أو أكثر يشتكي جوعا حتى يبحث في القمامة أو في غير ذلك أو ليعتدي على أملاك غيره لا لشيء إلا لكي يعيش كالآخرين...

فالإنسان الكائن العاقل الذي فقد عقله الجشع و الطمع لا يفكر في الآخر...فهناك من البشر لا يصل أخلاقيا حتى لمستوى النمل أو أقل أو أكثر في سلم الذكاء الذي تميز به الإنسان ككائن فضله الخالق عمن خلق تفضيلا...فهناك من الكائنات من هو أشد رحمة من الإنسان...

و لكم في الصومال و غيرها خير مثال على فظاعة و قسوة الإنسان...و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم...

قراءة متواضعة للفكرة و أترك الشكل لأصحاب الاختصاص حتى ندرك الطريقة التي يمكن بها تتم معالجة المضمون /الفكرة/ثم الشكل الذي هو جزء لا يتجزا من القصة فيستفيد القارئ من المضمون و من الشكل...

تحيتي و تقديري...

أريج عبد الله
14/08/2011, 06:21 PM
الأستاذة الفاضلة فاطمة محمد عمر عتباني
قص رائع ينطوي على رسالة مهمة ...
صياغة فنية تستحوذ على مشاعر القارئ فلا تمل القراءة .
تحية تليق بقلمك المبدع
أريج عبد الله

الدكتور محمود حمد سليمان
14/08/2011, 06:29 PM
الأستاذة الأديبة فاطمة عتبانب الموقرة
قرأت هذا النص بتمعن وليتني لم أفعل في هذا الوقت بالذات.. لأنك استطعت أن تحفري في النفس أثراً.. يعلم الله إلى متى سيدوم..
ثم إن هذا النص استولد فينا أفكارا وآراء تتوالد وتقيم ولا ترحل..
صدقيني خطر ببالي الذهاب إلى أقرب مركز بريد لإرسال صفيحة بنزين إلى حاكم الحرمين: المفدى المعظم الملك عبد الله بن عبد العزيز .. ومثلها إلى كل أمراء قبيلته عن بكرة أبيهم .. ولقد فكرت أيضاً بإرسال ربطة خبز عكاري عربي أصيل( على التنور).. إلى كل أمير من أمراء الخليج.. لأنهم ولكثرة كدحهم في شوارع باريس ولندن ومدريد.. صاروا لا يطيقون كل ماهو أجنبي ..بما في ذلك الخبز الأبيض والأسمر على حد سواء..
أما أمير الكويت فسأخصه ببدلة من سوق البالة بطرابلس.. فقد أحزنني منظره بعد أن قام الأميركي البشع بتعريته على هذا الشكل .. دون حياء ظاهر أو مستتر.
وهناك أفكار أخرى لا زالت تتوارد على عجل.. فطوبى لنص يستولد الأفكار والمشاعر والأحاسيس ويدفع بها في اتجاهات شتى.. والبركة في قلم تسيل فيه الإنسانية المعذبة ولا تتوقف عن الأنين حتى يسمع من في أذنيه صمم..
خالص تحياتي وتقديري
أخوكم / محمود

فاطمة عتباني
15/08/2011, 02:48 PM
سيدي الأستاذ أحمد المدهون

يبهجني دائماً مرورك على صفحتي
ويشدني ذلك العمق الذي أجدك تتسلل به
إلى أحرفي
سلم مرورك
ولك ما تأمر به

فاطمة عتباني
15/08/2011, 02:53 PM
سعيدة جداً أستاذ سعيد نويضي أنه بعد غيبة
يعود تواصلك بين حرفي ومعانيه
وكما قلت فإن قسوة المعنى أو الدلالة
أتت من قسوة ما آل إليه البشر
شملنا الله برحمته من قلوب تقسو
إلى مثل هذا الحد
سعدت جداً لمرورك

فاطمة عتباني
15/08/2011, 02:55 PM
الحبيبة أريج عبد الله
أسعدني جداً مرور أريجك العطر بين حروفي
ويظل مثل هذا المرور دافعي في كل ما أكتب
لمرورك أجمل العطر

فاطمة عتباني
15/08/2011, 03:01 PM
الدكتور محمود حمد سليمان
والله أضحكتني بأدمعِ باكية
ليتنا نستطيع أن نحدث ما يصبو إليه القلب والعقل من تغيير
عسى أن نخرج من زمرة الشيطان الأخرس
وهل لنا سوى أحرفنا العاجزة لكي تقول بعض مما بدواخلنا
سعدت لمرورك

السعيد ابراهيم الفقي
17/08/2011, 01:31 AM
السلام عليكم
القاصة الاديبة الاستاذة فاطمة العتباني
قوت النمل
صرخة مدوية
في عالم
نصفه متخم
والنصف الآخر يقتات قوت النمل
نعم
من يشاهد الفضائيات
يعتصر قلبه
===
اللغة السهلة الرائعة تنقل الرسالة بمنتهى الدقة
والكلمات الدالة صرخ بأعلى صوت
وهذا هو الواقع
===
وهذ هي الأم بفطرتها النقية
تبحث
تبحث
تبحث
ولم تجد الا قوت النمل
الله أكبر
===
لك
تحية تربوية حضارية

فاطمة عتباني
17/08/2011, 12:20 PM
ولك سيدي الأستاذ السعيد ابراهيم الفقي
تحية خاصة على هذا التعمق بين المعاني
إنه وجع الإنسانية المعاصر
تلك الغربة الطاحنة عن ملامح الإنسانية
وذلك الغياب المقيت عن معاني العدالة
والتكافل الإجتماعي
ألا رحم الله عهدك يا أبا الفاروق
لو عثرت دابة!!!!!!!! ،،،، فوا عجبي
شكراً لك
لمرورك وقفة احترام خاصة

محرز شلبي
17/08/2011, 12:38 PM
الفاضلة المحترمةالأديبة فاطمة
إنَّهُ جمالُ الوصف بالأسلوب المبسط الرائع الجمال، يجذب القارئ ويبعث رسائل...، النمل وما أدراك ماالنمل!
سعدتُ بالمرور ..لا بل بالزيارة العطرة كما سعدت بالقراءة لك بعد غياب..
تحيّاتي واحترامي ، أستاذة فاطمة .
محرز شلبي

فاطمة عتباني
17/08/2011, 06:00 PM
سعدت أكثر أستاذ محرز شلبي لمرورك
فقد كنت أترقب هذه الإطلالة
ولو كانت خاطفة
لمرورك كل العطر

منير الرقي
17/08/2011, 08:33 PM
المبدعة الفاضلة فاطمة محمد عمر عتباني
كان من السهل إيجاد فسحة من الأمل ليتالح القارئ مع وهم الأمل الذي جبل عليه
لكن القاصة التي خبرت فجائع الواقع لا تريد أن تبشر بفجر كاذب
كذلك استهلت النص بالموت وختمته بذات المأساة
هنا نبهتنا إلى قلم يمعن في تصوير المأساة ويرحل في آلام البشر
أختي فاطمة أبدعت وجعلتنا نلتفت إلى دمائنا التي احترفنا نكرانها
فشكرا لقلبك النبيل وتقبلي مشاعر التقدير و الاحترام
أخوك منير الرقي

فاطمة عتباني
18/08/2011, 08:54 PM
سيدي الأستاذ منير الرقي
ليتنا ببعض الكلمات الصادقات
الموجعات أن نوقظ في قلوبنا رفضاً
لواقع يجعلنا نقف أمام محكمة الضمير
عسى لو اننا قلناها
نرد عن أنفسنا بعض الجرم
فهل تعرية الواقع إلا بعض إقرارنا بالذنب؟

لمرورك أزكي العبير