المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسامير وأزاهير 259 ... هكذا تفرعنت "إسرائيل"!.



سماك العبوشي
09/09/2011, 08:49 PM
مسامير وأزاهير 259 ...

هكذا تفرعنت "إسرائيل"!.


حين نقول بأن الغرب قد فرعن "إسرائيل"، بذريعة هيمنة اللوبي الصهيوني وسيطرته التامة على القرار الغربي لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، وحين نسهب بالشرح والتوضيح فنعترف بأننا عاجزون تماماً عن مجابهة تلك الهيمنة والتصدي لها، ثم نصمت دون زيادة في القول، فإننا نكون بذلك كمن يقرأ الآية القرآنية الكريمة "ولا تقربوا الصلاة ... " فيصمت دون أن يتمها لآخرها، وما قيل آنفاً عن الغرب وهيمنة اللوبي الصهيوني إنما هي جزء يسير وبعض من حقيقة أسباب فرعنة "إسرائيل" علينا وطغيانها وتمردها وعدم انصياعها للإرادة الدولية وعدم احترامها لنا نحن العربَ وعدم اكتراثها لحقوقنا السليبة، فيما الجزء الأعظم من تلك الحقيقة المرة تكمن في من قاد شعبنا العربي والفلسطيني طيلة الفترة المنصرمة، وبسوء صنيعهم وارتباك أدائهم وتخبطهم المستمر و"تواطؤ بعضهم" وخذلانهم وتقاعسهم عن كبح جماح "إسرائيل" والتصدي لممارساتها الرعناء، مما أدى بالتالي لفرعنتها واستخفافها بنا لتقرر بعدها وترسم وتفعل ما تشاء، كيفما شاءت، وأنى شاءت!!.

إننا بطروحاتنا تلك لا نلقي التهم جزافاً، كما ولا نتقول كلام سفه دونما دليل، فلدينا في أسباب عربية لفرعنة الكيان الغاصب من شواهد ودلائل كثيرة لا عد لها، وهي لعمري لا تقتصر على نظام حكم عربي بعينه فحسب، بل تمتد تلك المسببات على طول المشهد العربي الرسمي الممزق والمتعب والمثخن بجراحات أبنائه وآهاتهم، نتيجة فساد تلك الأنظمة وسوء قيادتها لأبناء شعبها وتهالكها على العروش والكراسي وانشغالها بالمناصب والجاه، ابتداءً من نظام مصر السادات وما أعقبه من أيام مبارك المخلوع مروراً بأنظمة المغرب العربي غرباً، ونزولاً نحو الشرق والجنوب الشرقي لوطننا العربي الجريح والمضيع حيث مشايخ الخليج العربي وإماراتها الغنية، والقائمة لعمري تطول وتطول!!.

كيف لا تتفرعن "إسرائيل"، وكيف لا تمارس البطش والتنكيل بحق أبناء فلسطين، وكيف لا تصادر الأراضي العربية وتشرد أبناءها لتقيم عليها المستوطنات لقطعانهم، وكيف لا تعمل على تهويد المقدسات الإسلامية، وكيف لا تقيم وزناً ولا تعير بالاً لقرار دولي، في ظل مسببات ومعطيات هي غيض من فيض ما كنا نئن تحت وطأتها:
أولاً ... نظام "حسني اللامبارك" الفاسد المخلوع الذي كان قد منح "إسرائيل" أكثر مما كانت تنتظره وما أتفق عليه بمعاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت وما لم يندرج في بنودها، فتجاهل ذاك النظام الفاسد المتواطئ أرض سيناء المعطاء المحررة وجردها من كل مقومات الحياة وأهملها وأفرغها من كل معاني السيادة الوطنية المصرية الحقـّة كي يحمي أمن وحدود الكيان الغاصب، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقام ذاك النظام بتأمين الغاز المصري لها بأسعار دون الأسعار العالمية بصفقة مشبوهة تسببت بخسائر مالية مصرية، كما وشدد الحصار على أبناء غزة من خلال إقامته للجدار الفولاذي بين مصر وغزة، وعرقل دخول قوافل المساعدات الإنسانية لها وضيق عليها الخناق، كما وترك الحبل على الغارب للكيان الصهيوني كي يعبث بأمنها القومي وأمام ناظري مصر من خلال التغلغل الصهيوني في قارة أفريقيا حتى تفتت السودان إلى دولتين كان للكيان الصهيوني القدح المعلى لدى دولة السودان الجنوبية المستحدثة!!.
ثانياً ... إقدام بعض إمارات ومشايخ الخليج العربي على مد يديها بالخفاء تارة، وفي وضح النهار وعلناً تارة أخرى لتطبيع علاقاتها الاقتصادية مع الكيان الصهيوني، وخير دليل على ذلك تصريح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي أدلى به بعد ثلاثة أشهر فقط من إطاحته بحكم أبيه في قناة "MBC" معلناً فيه عن خطة مشروع غاز بين قطر وإسرائيل يجرى تنفيذها، هذا كما وطالب بتصريحه ذاك بإلغاء الحصار الاقتصادي المفروض من جانب العرب على الكيان الصهيوني!!، ولم ينتظر أمير قطر المفدى طويلاً حتى ترجم تلك التصريحات والتوجهات بفتح ممثليات تجارية للعدو الصهيوني، وتلا ذلك بخطوة إقامة علاقات بين "إسرائيل" والخطوط الجوية القطرية "قطر إير"، وغيرها من الشركات التى خففت من القيود المفروضة على المسافرين والبضائع القادمة من "إسرائيل" إليها، وآخر مظاهر التواطؤ المخزي إعلان قطر بعد نجاح ثورة شباب مصر الغيارى عن استعدادها التام لمد الكيان الصهيوني بالغاز الطبيعي بدلاً عن الغاز المصري!!.
ثالثاً ... ما كشفته مؤخراً وثائق ويكي ليكس "WIKILEAKS" عن قصة التعاون المخزي بين تل أبيب والرباط والذي أثمر فيما بعد سنة 1977 عن وساطة مغربية قبيل زيارة الرئيس الراحل أنور السادات "لإسرائيل"، والتي نتج عنها اتفاقية كامب ديفيد التي مثلت أول اختراق علني فاضح لجدار الرفض العربي للكيان الغاصب، وليبدأ بعدها مسلسل الانحطاط والعهر السياسي العربي القومي!!.
رابعاً ... انهماك السلطة الوطنية الفلسطينية بجولات المفاوضات – المباشرة وغير المباشرة- مع العدو الصهيوني والتزامها بالتنسيق الأمني معها في الوقت الذي كانت فيه "إسرائيل" تمارس التنكيل بأبناء شعب فلسطين في الضفة الغربية وتصادر أراضيهم لتقيم عليها مستوطنات لقطعانها، وما يعنيه ذاك التنسيق الأمني من تحجيم لقدرات أبناء فلسطين ومنعهم من جهادهم ونضالهم لتحقيق حلم العودة وإقامة دولة فلسطين!!، وفي خضم إعلان قيادة السلطة الفلسطينية رفضها إجراء المفاوضات وعزمها على التوجه للأمم المتحدة سعياً منها للحصول على تأييد دولي بإقامة دولة فلسطين، فإذا بجهينة يأتينا بدليل دامغ آخر يدعم وجهة نظرنا بخصوص النصف الثاني من حقيقة أسباب فرعنة "إسرائيل"، فها هي الأنباء تحمل إلينا تصريحات للرئيس الفلسطيني أبي مازن والتي أعلن فيها عن تمسكه بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، ومشددًا بالوقت ذاته بأن التعاون بين الجانبين في المجال الأمني سيستمر "من أجل الحفاظ على الهدوء ومكافحة الإرهاب" على حد تعبير الرئيس الفلسطيني!!، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فأتبعها الرئيس الفلسطيني عباس إرسال رسالة بلغة لا يُستشف منها غير الاستجداء والاستعطاء وطأطأة الرأس، بلقائه الذي أجراه مع نخبة من كتاب وأدباء "إسرائيل" حيث قال لهم بصريح العبارة أنه لا يسعى من خطوة الذهاب للأمم المتحدة إلا من أجل استحصال شرعية له للعيش آمناً مطمئناً إلى جوارهم، في محاولة خائبة من "الضحية الفلسطينية" لاستدرار عطف "الجلاد الصهيوني" ليكف أذاه عنه ويمنحه حق العيش بأمان معه وعلى أرضه السليبة المغتصبة!!.

وا عجباً لقيادة السلطة الفلسطينية وطريقة تفكيرها الساذج وأدائها المحبط!!، أي جريمة جديدة تلك التي ترتكبها بحق قضية فلسطين وأبنائها!!؟، وأتساءل: ما جدوى ولمصلحة من تسير الأمور بهكذا صورة وسياقات مخزية مهينة!!؟، كيف ستحترم حكومة يهود قيادة السلطة الفلسطينية حين ترى الأخيرة وقد تراجعت عن قرار وقف التفاوض وتسعى إليها لاهثة هكذا تستدر عطفها، فيما الأنباء تتوالى عن حمى إقامة المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية، تماماً كما ظهر من خلال تقرير جديد صدر عن منظمة "السلام الآن الإسرائيلية" المناهضة للاستيطان حيث بينت فيه بان بناء البيوت في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية كان أسرع بمرتين من البناء داخل "إسرائيل"، هذا كما وأشارت تلك المنظمة إلى أن بناء حوالي 2598 وحدة استيطانية جديدة بدأ في الفترة ما بين تشرين الأول 2010 بعد انتهاء أمر تجميد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة وتموز 2011، ليظهر لنا في المحصلة النهائية بان العمل مستمر في بناء 3700 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية كان العمل فيها توقف خلال تجميد البناء، فيما بينت بأنه قد تم الانتهاء من بناء ما يقارب 2149 وحدة سكنية استيطانية خلال الفترة ما بين تشرين أول 2010 وحتى تموز 2011 ، لنصل لتلك النتيجة التي نبهنا إليها كثيراً من أن حكومة يهود غير معنية بعملية سلام حقيقي مع الفلسطينيين!!.

وأقف ثانية عند عبارات تصريحات السيد محمود عباس من جديد لأتساءل في مغزى عبارات وردت فيها:
1. أي إرهاب ذاك الذي تتشارك فيها جهود السلطة الفلسطينية وحكومة يهود لمحاربته داخل مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة!؟.
2. وأي هدوء ذاك الذي تعمل السلطة الفلسطينية بمعية حكومة يهود على استتبابه في أراضي الضفة الغربية المحتلة!؟.
3. أي قلب للحقائق هذا حين ينقلب الأمر فيصبح أبناء فلسطين الساعين لنيل حريتهم وكرامتهم إرهابيين فوضويين مزعزعين للأمن والاستقرار!؟.
4. وإذا كان الأمر كذلك، فهل يندرج ضمن مفهوم الإرهاب أيضاً ممارسات قطعان المستوطنين العدوانية الوحشية ضد أبناء شعب فلسطين في مدن وقرى الضفة المحتلة، لاسيما ذاك التصعيد الخطير للمستوطنين في أعقاب إقدام المغتصبين الصهاينة مؤخراً على إضرام النار في مسجد النورين قرب مدينة نابلس وأراضي المواطنين، أم أن مقاومة أبناء الرباط للمحتل والتصدي لمخططاته هي المعنية بالإرهاب تحديداً!؟، وبمعنى آخر، أن يستمر إلقاء القبض على أبناء الرباط من "الملثمين" ممن يتصدون للعدو الصهيوني ويمارسون حقهم بالدفاع عن تراب وطنهم السليب وعن كرامتهم بذريعة زعزعة خارطة الطريق واتفاقيات أوسلو، وبما يحقق أمان قطعان المستوطنين واستقرار كيانهم الغاصب!!.


إنني تالله لا أرى بذاك التصريح الذي جرى على لسان السيد الرئيس أبي مازن وإعلانه بمنتهى الصراحة ووضوح العبارات عن "تمسكه بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وإصراره على استمرار التعاون من أجل الحفاظ على الهدوء ومكافحة الإرهاب" إلا خلطاً متعمداً مفضوحاً لأوراق القضية وقراءة مغلوطة لها، ونية مبيتة للرجوع ثانية إلى مائدة المفاوضات مجدداً، كيف لا وقد ساوى الرئيس الفلسطيني عباس بين السارق والمسروق، بين الضحية والجلاد، بين القتيل الذبيح وقاتله السفاك، ذاك الخلط المتعمد الذي من شأنه وتداعياته منح حكومة يهود الذرائع لاستمرار صلفها واستخفافها بقيادة السلطة الفلسطينية كونها لا تتقن إلا لغة التفاوض العقيم غير المجدي وغير الممنهج وغير المستند على ستراتيجية وطنية ثابتة، سلطة فلسطينية لا تعرف من فن السياسة والمراوغة غير الاستجداء والاستعطاء من مغتصب الأرض وسافك الدم الفلسطيني ومستبيح الأرض ومنتهك الكرامة !!، ولقد قلنا مراراً وتكراراً، وحذرنا ونبهنا وشخصنا الداء والدواء الناجع والله شاهد ورقيب، وصرخنا ملء أفواهنا ألا أمل يرتجى من عدو سارق غاصب ماكر لا يرى "غصن الزيتون" الذي يلوح به السيد محمود عباس بين الحين والآخر، فأنّى للعدو أن يفهم تلك اللغة فيما يمارس قطع أشجارها يومياً بقصد التهجير والاستحواذ على الأرض وطرد أهلها!!، وكم من مرة كنا قد نبهنا وحذرنا بألا أمل يرتجى من دولة عظمى تدعي أنها راعية السلام فيما ترعى في بواطنها مصالح "إسرائيل" وتسعى جاهدة لتنفيذ مخططاتها التوسعية، ولطالما اتهمنا البعض من أبناء جلدتنا وشركائنا في الدار والمصير بأننا بتحذيراتنا تلك وتنبيهاتنا إنما نعارض السلطة الفلسطينية دفاعاً عن طرف بعينه من باب إياك أعني فاسمعي يا جارة، هذا دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والإبحار في حقيقة وأسباب ودوافع ومنطق معارضتنا لها!!.


وأتساءل أخيراً، كيف السبيل بربكم المعبود لإفهام قيادة السلطة الفلسطينية بأن ذاك الإصرار والعناد الذي تبديه وتمسكها بتسوية مهلهلة ومفاوضات - كانت قد أثبتت الأيام والوقائع والشواهد فشلها فشلاً ذريعاً - أنما سيزيد من صعوبة موقف أبناء فلسطين وسيزيد من فرعنة "إسرائيل"!؟، وكيف السبيل لتوضيح أن تلك التسوية وما رافقها من جر وعر ومماطلة وتسويف ما كانت قد استحدثت أساساً إلا خدمة لأهداف العدو الصهيوني وتسهيلاً لتنفيذ مخططاته التوسعية!؟، ثم كيف السبيل لإقناع تلك القيادة الفلسطينية الموقرة بأنه لأمر كبير بحقها أن تـُلدَغَ من ذات الجُحر ولأكثر من مرة دون أن تحتاط للأمر فتعي حقيقته فتنكص على عقبيها وتعيد حساباتها لترمم بيتها الفلسطيني الكبير ولتجد نهجاً آخر أكثر جدوى ونفعاً من ذاك الذي سارت عليه فعادت إلينا في كل مرة بخـُفيَّ حـُنين!!؟.

سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
9 أيلول / سبتمبر 2011