المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرات في مقال مفهوم الجمالية بين الفكر الإسلامي والفلسفة الغربية



عبدالصمد زيبار
10/04/2007, 02:46 PM
نظرات في مقال مفهوم الجمالية بين الفكر الإسلامي والفلسفة الغربية للدكتور فريد الأنصاري
عبدالصمد زيبار

ما يمتاز به الدكتور فريد الأنصاري هو قدرته التصويرية إذ يسيح بك في عوالم شتى , يخاطب الوجدان من غير أن يعارض العقل المقال, تعيش معه قدسية الحرف و صفاء المعنى من غير تكلف و لا تقعر في البيان.
النص الذي بين أيدينا نظرة عبر شرفة قلما ننتبه لها
يبتدئ بشكل اعتيادي ليلقي نظرات حول مصطلح الجمالية" أو "علم الجمال" في الفكر المعاصر فهو تخصص من تخصصات العلوم الإنسانية التي تُعْنَى بدراسة "الجمال" من حيث هو "مفهوم" في الوجود، ومن حيث هو "تجربة" فنية في الحياة الإنسانية...
و يميز بين المصطلح و المفهوم فإذا كان الأول حديث النشأة فالثاني أي مفهوم الجمالية قديم قدم الإنسان نفسه، والجمالية صاحبت الحضارات البشرية كلها بدون استثناء، واتخذت لها طابعا خاصا مع كل حضارة، كما كانت لها تجليات خاصة ومتميزة مع كل تجربة إنسانية مختلفة.ليلج بنا إلى مربط الفرس وهو مفهوم الجمالية في الحضارة الإسلامية.
يقرر في البداية أصالة المفهوم في التصور الإسلامي يقول:
"الجمال" في الإسلام أصل أصيل، سواء من حيث هو: قيمة دينية: عَقَدِيَّةٌ وتشريعية
أو من حيث هو مفهوم كوني وكذا من حيث هو تجربة وجدانية إنسانية.
ومن هنا كان تفاعل الإنسان المسلم مع قيم الجمال ممتدا من مجال العبادة إلى مجال العادة، ومن كتاب الله المسطور إلى كتاب الله المنظور! مما خلد روائع من الأدب والفن التي أنتجها الوجدان الإسلامي في قراءته الراقية للكَوْنَيْن وسياحته الرائعة في العالَمَيْنِ: عالم الغيب وعالم الشهادة!.
بعد هذا المدخل لأصالة الجمال في الإسلام يعرض الدكتور فريد تصوره وزاوية إشرافه ووجهة نظره للمفهوم والتي تستمد من التراث الصوفي أحلى ما فيه فيكون الوجدان دائرة الاهتمام
وهذا مقرر من البداية يقول : إن الجمالية الإسلامية تنبع أولا من حقائق الإيمان
فيفصل ويتابع في فضاء روحاني :

إذْ تَشَكَّلَ الوجدانُ الإنساني فيها مما تلقاه من أنوار عن رب العالمين، الرحمن الرحيم، وما انخرط فيه بعد ذلك؛ سيرا إلى الله تعالى عبر أشواق الروح، مبدعا - باتباع تعاليم نبيه صلى الله عليه وسلم - أروع ألوان التعبير الجمالي، من سائر أشكال العبادات والمعاملات والعلاقات، انطلاقا من حركته التعبدية في جمالية الصلوات ولوحاتها الحية الراقية وما يَنْظِمُهَا من عمران روحي ومادي، إلى هندسة المدائن الإسلامية بما تحمله من قيم روحية سامية، وقيم حضارية متميزة جدا، إلى سائر النشاط الإنساني الذي أبدعه المسلمون في علاقتهم بربهم وعلاقتهم بأنفسهم وبغيرهم، إلى علاقتهم بالأشياء المحيطة بهم، بدءً بالمسخَّرَات من الممتلكات والحيوان، إلى المحيط الكوني الفسيح، الممتد من عالم الشهادة حولهم إلى عالم الغيب فوقهم... كل ذلك تفاعل معه المسلم؛ فأنتج أروع الأدبيات التعبيرية والرمزية، مما لا تزال تباريحه المشوقة بالمحبة، من الترتيل إلى التشكيل تفيض على العالَم بالجمال والجلال أبداً.

ثم يميز بين جمال الروح و الوجدان وأنه سابق على جمال الماديات كالعمارة وأنها إنما تجليات عنه.
يقول:
إن العمارة الإسلامية - رغم ثرائها الجمالي الرفيع - هي آخر ما ينبغي الاشتغال به لمن أراد أن يدرس الجمالية الإسلامية في مصادرها الأولى.

ثم يسبح في توصيف الترابط بين الروح و الوجدان وبين التجليات :

حصون المدائن وجدرانها إنما هي التجليات المادية المعبرة عن أشواق الروح، الفياضة عبر القباب والمآذن مندفعة بقوة نحو السماء. وإنما هي صورة التعبير الرمزي عن معاني الاحتضان العاطفي وقيم الأخلاق الاجتماعية والحنان الرَّيان بما امتازت به من حياء وتستر وانحناءات، تتلوى أضلاعها الخفاقة بالمحبة بين الدروب، تسلك بالرجال والنساء مسالك الحشمة الرقيقة والوقار العالي، إلى المساجد وإلى الغرفات والشرفات الكاشفة الساترة... ثم تنشر أسرارها نقوشا وزخرفة تتبادل الأدوار مع أحرف الخط العربي بشتى أشكاله، في كلمات ناطقة حينا، وناظرة أحيانا أخرى... كلها تتدلى مثل العناقيد من بين الأقواس، تستقبل مواجيد المحبين وترد سلام المتبتلين، لتتوحد معهم في صلاة أبدية خالدة.
و يقول أن هذا امتياز المسلمين عن غيرهم وسبب ريادتهم :

ولقد دَبَّجَ المسلمون في مصنفات المحبة والسلام تباريحَ الأشواق أنى مرساها، ووصفوا مقامات النور كيف مجراها، ورسموا كلمات الجمال بما لا قِبَلَ به لأحد من العالمين.
ويستعرض الفروق بين مفهومين للجمالية الإسلامي و الغربي و يشبهها كالفرق بين الطبيعة و التمثال أو بين الحقيقة و الخيال
يقول عن صورة الجمال الإسلامي التي يجسدها المسلم :
ولم تكن الصورة التي يبدعها المسلم ثابتة قارة يأكلها البِلَى في متحف "اللوفر" أو غيره من متاحف العالم.
بل هي : صورة حية يشكلها بإبداعه اليومي بين ركوع وسجود، وطواف وسعي، أو بين صوم وتبتل، وانقطاع يصله كليا بالملأ الأعلى... ثم مواجيد يتنفسها بعد ذلك كلماتٍ وكتاباتٍ ذات صورٍ الجمالُ فيها له روح، صور لا تبلى أبد الزمان.

ثم يعقد مقارنة بينها وبين صورة الجمال الغربي :
تلك صورهم الحية، فأين منها بسمة "الجوكاندا" المصطنعة الشاحبة، أو وجوه "بيكاسو" المتداخلة المتنافرة! هذه صور الجمال في الأدبيات الإسلامية ما تزال تتجدد عبر التاريخ أبدا، ولا يزال القارئ لها في كل مكان يشارك بمخيلته في إبداع الأشكال كما هو يريد، بحرية تتحدى آخر الصيحات في عالم الرسم والتشكيل. وليس عندهم صور ميتة يفرضها فنان على الناس فتستعبد مُخَيِّلَةَ الأجيال وتقتل إبداعهم.
ليخلص ويقول :
ومن هنا توجه الفن الإسلامي حضاريا - في الأعم الغالب - إلى الإبداع ضمن جمالية "التجريد". والتجريد في الحقيقة إنما هو لغة الروح، وريشة الوجدان

ويضيف سابحا بنا في بحر الجمال:

إن لغة التجريد في الفن الإسلامي هي التي تصنع حركة الحياة الفعلية في المجتمع، حيث تتفتق جماليتُها المتجددة سلوكا حضاريا راقيا، وعلاقات اجتماعية مفعمة بالود والمحبة والسلام، تتضافر جميعها في نسيج عمراني يرقى إلى درجة المثال، وذلك بما يفيض من وجدان الإنسان المسلم من تباريح الإيمان وأشواق الروح.
و يقرر أنه :
ما قتل الفن الغربي شيء مثل الولع بسجن الإبداع في الصور الجامدة الثابتة، ولو في حركتها الوهمية الاصطناعية. وعليه فإن الوضع الفني في أوروبا قد وصل فعلا إلى الباب المسدود.

لينتهي بنا إلى واقع نظرة المسلمين للجمال خصوصا أبناء الصحوة الإسلامية :

معاني الجمال في الإسلام، من صفاء الروح، ومنازل الإيمان، وأحوال الإحسان، لم يستفد منها جمهور كبير من أبناء الصحوة الإسلامية المعاصرة لأسباب شتى، منها اشتهار نسبة بعض مفاهيمها وألفاظها إلى المتصوفة؛ فكان أن زهد كثير من الناس فيها بسبب ما خالط بعض كتبهم من شطحات.
وإنما هي عبارات قرآنية أو نبوية محضة. نعم، ربما اكتسبت في سياق الاستعمال التاريخي دلالات منحرفة في بعض الأحيان، فيكون الواجب هو تحريرها منها، لا إلغاءها والتنكر لها.

و يضيف :
ما ينبغي لذلك أن يعمينا عن جمال الدين، وإنما خاطبنا الله تعالى بالجمال، وأمرنا أن نرحل إلى منازله العليا، ونسير إليها سيرا لا يفتر ولا ينقطع حتى يدركنا اليقين.

ويوجه خطابه في نهاية الحديث لأبناء الصحوة الإسلامية :

إن الصحوة الإسلامية المعاصرة لفي أشد الحاجة إلى تربية ذوقية فنية، ترهف حسها بمواطن الجمال، الموجِّهةِ لكل شيء في هذا الدين، عقيدةً وشريعة. ...
ألا ما أحوجنا اليوم إلى إعادة القراءة للدين، في مصادره العذبة الصافية الجميلة، قراءة تصل المسلم بالله، قبل أن تكون قراءة ينتقم بها لنفسه، من الظلم الاجتماعي، والطغيان السياسي، فيكون بتدينه عدوا للدين من حيث يدري أو لا يدري.